القصيدة العابر للشخصيات "قم حين موتك" عمار خليل بقلم: رائد الحواري
تاريخ النشر : 2017-11-14
القصيدة العابر للشخصيات
"قم حين موتك"
عمار خليل

عندما يكون النص الأدبي معمم، لا يذكر أسم الشخصية التي يمجدها أو يذمها يمكن للمتلقي أن يضع ما يحب أو يكره من الشخصيات، فسيجد في النص ما يتفق وصفات تلك الشخصية التي تناوله الكاتب، من هنا دائما يفضل أن يكون النص غير محدد، وأن كان ولا بد فيكتفى بالعنوان، أو بوضع اهداء للشخصية التي يراد أن يتناولها الكاتب، كما فعل الشاعر "شوقي بزيغ" عندما كتب قصيدة "جبل الباروك" والتي يمجد فيها الغائب "كمال جنبلاط" وهي تعتبر من أهم ما كتب عن "كمال جنبلاط" لما فيها من صورة تشير إلى المكانة التي يحتلها والأثر الذي أحدثه بعد موته.
بكل تجرد هذه القصيدة تتماثل مع ذكرى وفاة "أبو عمار" ولا ندري إن كتبها الشاعر لهذه المناسبة أم لغيرها، لكنها الآن في مكانها تماما، لهذا سنقدم ما فيها من جمالية حتى يتمكن القارئ من التعرف أكثر على سمات تعميم القصيدة وعدم تحديدها.
يفتتح الشاعر قصيدته بهذه الفاتحة:
" قمْ حين موتك
كي ترى .. ما لا يُرى
هذا الضباب سينمحي
وسيستحمُ الثلج
في دفئ الشعور ْ
كل الحدائق حاضراتْ
والهدهد الصّديق
أيضا حاضرٌ
والضوءُ ينفذ أبيضٌ
فيشعّ نورك
في أقاصي الموتِ
يبعثُ فيه روحًا من جديدْ ."
العبارات واضحة تماما، فهي تشير إلى عدم البياض الكامل، من هنا جاءت عبارة " هذا الضباب سينمحي" لكن أيضا الشاعر لا يكتفي بالبياض العادي، ويرد بياض ناصع/مطلق ولهذا قال:
"والضوءُ ينفذ أبيضٌ
فيشعّ نورك"
وهذه الصورة تشير إلى الحالة مركبة للبياض وتشير أيضا إلى أنها مرتبطة في ذات الواقع بتك الشخصية الغائبة التي يتغنى بها الشاعر، فهي مصدر ذاك البياض المطلق.
المقطع الثاني من القصيدة نجد فيها صورة مقلوبة/معكوسة، فيجعل السنابل هي من يقطع/يقتل المنجل، وهي تحمل بالتأكيد شيء من الرمز، وكأنها تقول بأن السلام الذي قدمه/فعله/ ذلك الشخص هو أقوى من القاتل، وسينتصر الضعيف/المسالم على القوي/المتجبر:
" قم حين موتك
في خشوع
وانظر إلى كل المدائن
حين فوقَ أكفّها
قد شيعتكْ
وانظرْ إلى
هذه السنابل قاتلتْ
كل المناجلِ
في أمان ٍ أوصلتكْ
وانظر إلى هذه القصائد
تفديك عمرها
وتقول حبًا
هيت لكْ
قم وازرع الميلاد
في أحلامنا
يا صاحب العمر المديدْ"
قلنا في موضع غير هذا أن القصيدة/الكتابة أحدى العناصر التي يلتجأ إليها الشاعر/الكاتب للتخلص من وقع الحال القاسي المؤلم، فالشاعر هنا يستخدم في الكتابة في حالتين، الأولى كوسيلة تخفيف عنه، والثانية لرفع مكانة الشخصية التي يمجدها، ينشد لها القصيدة.
في المقطع الثالث نجد الفراغ الذي احدثه غياب الشخصية التي يتغنى بها الشاعر، فيقول:
"قم حين موتك
كي تجبْ
من أي بابٍ قد عبرتْ
في أي أغنية سكنتْ
يا سيد الأشياءِ
دونك قد بكيتْ
ما زال عطرك
فوق رفّ الشوق
يتنظر الجسد
ها قد أتى
هذا المساءُ ولا أحدْ
لكننا
سنظل نرقب طيفك الوضّاء
يأتي من بعيد ْ .."
النداء السابق يؤكد أهمية تواجد تلك الشخصية الغائبة، فهناك خلل حدث في حياة الشاعر والناس، لهذا نجده ما زال يترقب عودة تلك الشخصية الفاعلة ومؤثرة فينا.
ونود أن نضيف إلى أهمية استخدام صيغة النداء، فهي من الأدوات التي تحفز/تقرب المتلقي من القصيدة، وعندما استخدم الشاعر في المقاطع الثلاث صيغة النداء "قم حين موتك" فهو بالتأكيد كان ينبها إلى ضورة التوقف عندما تلك الشخصية الغائبة وأهمية وجودها الآن لنا.