الاستقلال الوطني و حقيقة تجسيده فلسطينيا بقلم نبيل دياب
تاريخ النشر : 2017-11-14
الاستقلال الوطني و حقيقة تجسيده فلسطينيا
بقلم / نبيل دياب – القيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية – فلسطين – غزة
نوفمبر 2017
ان الحقيقة الثابتة في بلوغ الفعل الكفاحي و النضال التحرري  لذروته في مسيرة التحرر الوطني هي تحقيق الاستقلال الذي بموجبه يتم  انهاء كافة أشكال الاحتلال و عبره يصبح بسط السيادة الوطنية  على التراب الوطني أمرا واقعا و معه يسترد أصحاب الحق حقوقهم المسلوبة و يحققون ما ضحى من اجله الالاف من الشهداء و الاسرى و الجرحى و المشردين لتحيا الاجيال حياتها بطمأنينة و استقرار و كرامة وطنية و انسانية  غير منقوصة  .
و لم يكن الاعلان عن " الاستقلال " لدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 67 و عاصمتها القدس الذي جاء في نص وثيقة الاستقلال التي صدرت عن م . ت . ف أثناء عقد مجلسها الوطني لدورته التاسعة عشر " دورة الانتفاضة "  في العاصمة الجزائرية " الجزائر "بتاريخ 15/11/1988 مصادفةً  ، بل تتويجاً لمسيرةٍ طويلةٍ من النضال و الكفاح خاض غمارها شعبنا الفلسطيني منذ احتلال و نهب وطنه و ارضه  عام  1948 .
  فقد جاء هذا الاعلان في أوج اشتعال " انتفاضة الحجارة " التي فجرّها شعبنا في 9/12/  1987 من شوارع مخيم جباليا و كل أزقة مخيماتنا و قرانا و بلداتنا الفلسطينية رفضاً للظلم  و الاضطهاد الذي مارسه الاحتلال الاسرائيلي على شعبنا و تنكره لحقوقه المشروعة ، هذه الانتفاضة الشعبية الرائعة  التي فرضت حالها على المشهد السياسي محليا و عربيا و اقليميا و دوليا  هي التي شكلت قوة الدفع الحقيقية لدى القيادة الفلسطينية للإقدام على خطوة اعلان الاستقلال دون تردد سيما و ان الانتفاضة أعادت الاعتبار لزخم التضامن الدولي مع شعبنا و قضيته التحررية و ان صدى هذا  الاعلان سيكون مسموعاً في شتى أرجاء المعمورة بفعل استمرارية و شعبية و جماهيرية الانتفاضة الباسلة و هنا تتجلى حقيقة  انه لا يمكن احراز اي هدف سياسي في معركة التحرر و التخلص من الاحتلال بمعزل عن الاسناد الشعبي و الجماهيري بالغ الاثر و التأثير في المعادلة السياسية و هذا ما ندعو له دائما بضرورة تعزيز الصمود الوطني للناس لضمان انخراطهم في الفعل الكفاحي دون عزوف أو انقطاع .
و اليوم و مع مرور 29 عام على اعلان الاستقلال فقد واكبت قضيتنا الفلسطينية الكثير من التغيرات السياسية التي ألقت بظلالها على مجمل حياتنا السياسية  " الوطنية منها و النضالية " و الاقتصادية و الاجتماعية  و أصبحت الحركة الوطنية تواجه الكثير من التحديات التي أثرت على أدائها و في القلب منها ما تشهده من هبوطٍ حاد في الانتماء الوطني و تآكل العديد من القيم و المفاهيم الوطنية التي و بكل اسف جرى استبدالها باللهاث بحثاً عن المصالح الذاتية و تبرير الوسائل لتحقيقها و بفعل هذا اللهاث  فقد وقعت القضية الوطنية مجددا بين مطرقة الاحتلال و سندان  تداعيات و افرازات هذه التغيرات التي أطالت في امد الاحتلال و لم تقصر من عمره و أحدثت شرخا كبيرا في التكوين الوطني و السياسي الفلسطيني  بعد ما جسد تماسكه في حقبة يشهد لها العالم بأنها من أبهى الحقب التي مر بها الشعب الفلسطيني – حقبة الابداع في النضال و الكفاح  الشعبي – في مقارعة الاحتلال و انتزاع الحقوق من بين أركانه المتطرفة .
ان هذه الذكرى لإعلان الاستقلال تتميز عن غيرها من السنوات بفعل تزامنها مع مرور المئوية الاولى لوعد بلفور المشؤوم و الاصوات التي تنادي بريطانيا الاعتذار لشعبنا الفلسطيني و قد تناسوا ان الحقوق لا تُستجدى بل ينتزعها أصحابها انتزاعا و الانتزاع يتطلب توفر القوة لتحقيقه و ان المرتكز الرئيس لهذه القوة يكمن في وحدتنا و تلاحمنا شعبا و قوى و فصائل نحو بناء الاستراتيجية الوطنية الموحدة و الالتفاف حولها ببرنامج سياسي موحد يجيد هذا البرنامج مخاطبة العالم من جهة في ظل اختلال موازين القوى ، برنامج يعيد توصيف المرحلة  ليجري بموجبها كيفية التعامل مع الاحتلال من جهة أخرى ، برنامج يتضمن الاليات الواقعية في الرؤية و الفعل و الحكمة في اتخاذ القرار السياسي الوطني الموحد دون مغالاة أو مغامرة تجدد  قرنا اخرا من الزمن للوعد المشؤوم ، برنامج يحقق ما حملته وثيقة الاستقلال من المباديء و القيم المُثلى كي يصبح استقلالا ناجزا يستحقه شعبنا ليضاهي تضحياته الجسام ، استقلال يلازم الحرية و التمتع بالسيادة الوطنية و ممارسة المواطنة الفعلية في كنف دولة مستقلة يحكمها قانون يحمي الحقوق و يضمن القيام بالواجبات على حد السواء و لا يكبح جماح الحريات العامة ، استقلال يضمن احترام انسانية الانسان الفلسطيني و يصونها و لا ينتقص منها و قد أذاقها التمييز العنصري الذي مارسته اسرائيل صنوفا متنوعة من المعاناة و الالم ، استقلال وطني يؤكد حقنا في فلسطين ارضها ترابها حدودها خيراتها .