فلسفة التطوير والتجديد في الفكر الإداري المُعاصر، الغطاء الذهبي المعرفي
تاريخ النشر : 2017-11-14
فلسفة التطوير والتجديد في الفكر الإداري المُعاصر، الغطاء الذهبي المعرفي


فلسفة التطوير والتجديد في الفكر الإداري المُعاصر، الغطاء الذهبي المعرفي

نحو التطوير الإستراتيجي لنظم القيادة والإدارة العليا (4)
 

بقلم: العقيد مهندس نظم معلومات/ مصطفى فؤاد عبيد

التاريخ: 17 أكتوبر، 2017
 
ارتبطت مسألة التجديد والتطوير في الفكر الإداري واستحداث النظم الإدارية على مر العصور بالتطور الحضاري، الزراعي والصناعي والتجاري الذي يحدث في المجتمع، بحيث كان يعكس التطور الحضاري الحادث في كل عصر وينشأ ويتراكم بالشكل الذي يتوافق مع معطياته وأدواته الخاصة، بدءا من عصر النهضة الزراعية ومروراً بالثورة الصناعية الكبرى ثم عصر التكنولوجيا وصولاً إلى عصر المعرفة السائد حالياً في معظم دول العالم.

وقد ساهمت الاختلافات الجذرية في طبيعة التطور الحضاري بين تلك العصور في إضفاء سمة الصعوبة على آلية التجديد والتطوير الإداري واستحداث النظم الإدارية الحديثة المناسبة لكل عصر، كما أنها فرضت الحاجة إلى بذل الجهود البحثية المتخصصة الهادفة لاستكشاف أفضل الأساليب والنظم الإدارية وأنجعها والتي يمكن أن تتوافق مع التغيرات والمعطيات والأدوات والمستجدات غير المسبوقة التي يفرزها كل عصر وتحقق أهداف الإدارة الإستراتيجية، الأمر الذي أدى إلى ظهور نظم الإدارة الحديثة في الدول المتقدمة التي تعتمد منهجية البحث العلمي في التطوير الإداري قبل غيرها من الدول  النامية، والتي قامت بدورها باستنساخها وتطبيقها بدون مرجعية بحثية وأدت إلى ما أدت إليه في الدول النامية والمجتمع العربي من تبعية جوفاء وفشل ذريع أو حتى نجاح مرحلي يخلو من آفاق الإدارة الإستراتيجية!.

وبالرغم من غياب فلسفة التجديد والتطوير المستندة إلى منهجية البحث العلمي وما أدى إليه من تراجع وتهلهل في منظومة الإدارة واضمحلال القدرة على التجديد والتطوير الإداري بشكل عام في الدول النامية والمجتمع العربي، إلاّ أن القطاع الخاص فيها ظل محافظاً على الحد الأدنى من مقومات التجديد والتطوير الإداري المستمر الذي يلزم للسير في مسيرة النجاح بشكل استراتيجي بعيد المدى وذلك من خلال ما توفر له من قدرة على اتخاذ القرارات وتوظيف الجهود البحثية والإمكانات العلمية والمخاطرة المالية اللازمة لاستنساخ النظم والأدوات الحديثة بشكل أكثر سرعة، وجرأة، من القطاع العام، بحيث ساهم كل ذلك في تحقيق النجاح بأقل التكاليف، ويعزى هذا الأمر إلى التشابه الكبير في كل من الفكر الإداري وآلية العمل والأهداف الربحية للقطاع الخاص في كل الدول، بالإضافة لتزايد معدلات انتقال الخبرات الإدارية والتعاملات البينية لمؤسسات القطاع الخاص في معظم الدول حول العالم.

وإذا كان القطاع الخاص قد ظل متفوقاً على القطاع العام في قدرته على التطوير والتجديد في الفكر الإداري وتذليل العقبات الناتجة عن التطور والتقدم الحضاري والتدرج بين مختلف العصور السابقة، إلا أن هذا الأمر سيبدو معكوساً الآن عند الانتقال إلى عصر المعرفة والثروة المعلوماتية الذي وفّر ما يمكن أن نطلق عليه "الغطاء الذهبي المعرفي" الذي ساهم في توفير وتيسير القدرة على إجراء البحوث والدراسات التحليلية اللازمة لاستكشاف أفضل النظم الإدارية وتبسيط أساليب الإدارة الإستراتيجية والتخطيط الفعّال أكثر من مساهمته في تعقديها، باعتبار أن الانتقال إلى عصر المعرفة أوجد المشكلة والحل معاً، مشكلة الانتقال إلى عصر جديد مع حلها المتمثل في الغطاء الذهبي المعرفي الذي يساعد في التغلب على صعوبات هذا الانتقال.

وبالنظر إلى اتساع وعمق وشمولية وتكامل كميات المعرفة التي تتوفر لدى القطاع العام وما تضيفه تلك الخصائص والسمات من مزايا في التحليل والاستنباط والاستقراء المؤدي لمزيد من المعرفة الأكثر دقة وتفصيلاً وفائدة مقارنة مع ما يتوفر من المعرفة المحدودة لدى القطاع الخاص فإن الفرصة تكون سانحة له الآن لاستعادة الريادة والتفوق في القدرة على تطوير وتجديد الفكر الإداري برمته، بل والقدرة على التخطيط الفعّال والإدارة الإستراتيجية واتخاذ القرارات وسن التشريعات ورسم السياسات التي من شأنها أن تساهم في التطوير والتجديد ليس فقط في القطاع العام بل حتى في القطاع الخاص نفسه، وبما يتناسب مع احتياجات المجتمع وتحقيق التنمية الإستراتيجية المستدامة فيه.