الإصلاح بين الرؤية والعبثية والتقليد بقلم د. معاذ إشتية
تاريخ النشر : 2017-11-09
الإصلاح بين الرؤية والعبثية والتقليد
     بقلم د. معاذ إشتية / جامعة الاستقلال

   إننا نقرأ في تجارب الإصلاح  في كثير من الدول الغربية والشرقية التي حققت إنجازات منحتها صفة التقدم والتطور  ، لكننا  نجهل أو نتجاهل  أن تقدمهم وتطورهم تأسس على تحديث منظومات تسهم في بناء العقل والإنسان على المستوى الثقافي والفكري ، فالإنسان كان وما زال  ثروتهم  قولا وفعلا  ، وبه ومن أجله طوّروا وحسنوا وبنوا .
 و إن كل المحاولات الرامية  إلى التطوير والتحديث والإصلاح في مجتمعاتنا العربية  ما هي إلا محاولات  تسعى إلى تمثل تجارب الغرب ومحاكاتها ، وهي   تذكرني بقصة الغراب الذي حاول أن يحاكي الحمامة في مشيتها ، لكنه ، نسي مشيته ولم يبق على مشية الحمامة ! وأصبح يصدق عليه  قول القائل :
                        فلا أنا مردود بما جئت طالبا     ولا حبها فيما يبيد يبيد . 
وقد سار الإصلاح في بلداننا في اتجاهين ؛ الثورات الخشنة  والانقلابات الناعمة ، وقد حملت الثورات  الخشنة مسميات كان آخرها (الربيع العربي ) الذي بدا يضحي بالإنجازات التنموية ويسير في أيدلوجيات عبثية تنطلق من سياسة الأرض اليباب ، عبر القتل والتشريد والهدم والتدمير تحت عناوين تأخذ أبعادا دينية ومنطلقات فلسفية وتنطلق من فتاوى أشباه المثقفين .
  أما الانقلابات الناعمة فسارت في اتجاه سحب البساط من تحت أرجل المتنفذين عبر محاصرتهم وسجنهم ، وفرض الإقامة الجبرية عليهم ،ومصادرة أموالهم تحت عناوين الفساد والتلاعب بحياة الناس  وقوت عيشهم .
 والحقيقة ، أننا نؤمن بالإصلاح ، ونرى فيه مطلبا شعبيا وجماهيريا  قبل أن يكون مطلبا دوليا أو  وصفة خارجية نجبر على الأخذ بها ، فأي إصلاح ذلك الذي يكون بتغيير الأشخاص . بعيدا عن إصلاح  المنظومات التربوية والتعليمية والصحية والاقتصادية و السياسية .... وغيرها
   إن الذين يؤمنون أن الإصلاح يبدأ بتغيير الأشخاص والانقلاب عليهم ينطلقون من منطق تغيير الرأس في سبيل علاج الجسد ، والسؤال : ماذا يفعل الرأس إذا كان المرض يستشري في الجسد الذي يحمله ؟! إن كل محاولة للإصلاح يجب أن تبدأ بإصلاح الكون الصغير الذي نعيش فيه ألا وهو الأسرة ، نعم الأسرة هي المصنع الذي ينتج الأجيال  بالتعاون مع المنظومات المجتمعية والتربوية والتعليمية الأخرى .
 لقد نجحت كثير من الانقلابات لكن نجاحها بات شكليا ؛ لإن النجاح يحتاج إلى جيل منتم واع  يحمل لواءه ، ويستثمره  ، وإلا سيعود كل شيء إلى سابق عهده إن لم يكن إلى الأسوأ وهذا ما جعل الكثيرين يبكون على الأيام الخوالي ، ويرون أنفسهم ضحايا لثورات تفتقر للتخطيط والوعي !