الخليفة الأموي المظلوم : عبد الملك بن مروان بقلم : د. سامي عطا الجيتاوي
تاريخ النشر : 2017-11-07
الخليفة الأموي المظلوم :
عبد الملك بن مروان........ في سطور

اعتاد أعداء الإسلام، وأتباعهم من الجاهلين ، أن يتطاولوا بأسوأ الكلام، على الصحابة والتابعين الكرام، ولم يسلم من ألسنتهم وأقلامهم حتى سيد الأنام، الرسول محمد - عليه الصلاة والسلام.- وممن نالته ألسنتهم وأقلامهم بالذم والاتهام، الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ، والطعن في بني أمية هو طعن في بني هاشم ، لأنهم يرجعون لجد واحد هو عبد مناف بن قصي. لذا فإن هاشم هو عم أمية. وسوف أبين في نقاط موجزة بعضاً من سيرته المليئة بالمواقف العظام.
أولاً - : ولد عبد الملك بن مروان سنة 26هـ في المدينة المنورة في خلافة عثمان، وعاش بين الصحابة الكرام، وتخلّق بأخلاقهم، وسار على هديهم، وروى الحديث وأخذ العلم عنهم، حتى صار من علماء المدينة المعدودين، إذ روى الأعمش عن أبي الزناد قال:" كان فقهاء المدينة أربعة: سعيد بن المسيب، وعروة، وقبيصة بن ذؤيب، وعبد الملك بن مروان"..
وقال نافع:" لقد رأيتُ المدينة، وما فيها أشد تشميراً، ولا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك بن مروان"، و كان يلقب بحمامة المسجد لملازمته له، ومداومته قراءة القرآن.( ) وقد استشهد الإمام مالك في الموطأ بفقهه وأحكامه وقضاياه . ( ) ..
ثانياً:- حرّك الإيمان العميق، عبدَ الملك بن مروان وهو دون العشرين من عمره، إلى ترك الحياة الهادئة الآمنة في المدينة المنورة، والمشاركة مع الجيوش المنطلقة لنشر الإسلام في الشمال الأفريقي ، رغبة في الأجر الذي أعده الله للمجاهدين، كما رأيناه سنة 45هـ قائداً للجيش الخارج من المدينة مدداً لمعاوية بن حديج في بلاد المغرب، ورأيناه على رأس الفرقة التي فتحت مدينة جلولاء ، كما رأيناه مراتٍ عدة جندياً وقائداً في غزوات المسلمين المتتالية على بلاد الروم في خلافة معاوية، وظلّ حبُّ الجهاد معلقاً في قلبه، سارياً في عروقه، حتى وصل إلى الخلافة، ونجح في توحيد الأمة، فواصَلَهُ في بلاد الروم، و هزم جيشُه الجيشَ البيزنطي الذي قاده الإمبراطور جستنيان الثاني، وواصَلَه في بلاد المغرب، حيث أرسل لفتحها سنة 69هـ القائد زهير بن قيس البلوي، وبعد استشهاده أرسل إليها القائد حسان بن النعمان، ففتح الشمال الأفريقي والمغرب الأوسط سنة 82هـ، وحولهما إلى ولاية إسلامية بعد دخول أهلها في الإسلام، وعبد الملك هو الذي اختار موسى بن نصير والياً على المغرب بعد حسان، فأتمّ فتحها وفتح الأندلس في خلافة الوليد بن عبد الملك.
ثالثاً: - سجل التاريخ أن موحِّدَ الأمة تحت خلافة واحدة بعد انقسامها إلى أربع دول عقب موت يزيد بن معاوية هو عبد الملك بن مروان، فقد وصل إلى الحكم، في وقتٍ كانت الأمة فيه منقسمة إلى أربعة أقسام، هي: مصر والشام تحت حكمه، والحجاز والعراق تحت حكم عبد الله بن الزبير، ودولة للخوارج الأزارقة في الأهواز، ودولة للخوارج النجدات في اليمامة واليمن وحضرموت، امتد نفوذها إلى الطائف، وكاد الشيعة الكيسانية المغالية بقيادة المختار بن أبي عبيد الثقفي أن ينزعوا العراق من عبد الله بن الزبير ويقيموا لهم فيه دولة.
وقد أدرك عبد الملك الخطر الشديد على الأمة ودينها ومستقبلها من هذا الانقسام، وعلم أن وحدة الأمة تحت خلافة واحدة هي الحل، وأنها لن تتحقق إلا بالقوة، وأنه لا بد من رجل قوي يقود الأمة نحو الوحدة، ويقاتل كل من يعرِّضها للفرقة والضعف والاستئصال، و قرر أن يتولى هو هذه المهمة، فقاد الجيش بنفسه إلى العراق، وخاض معركة حاسمة ضد الشيعة الكيسانية ، فقضى على قائدهم المختار الثقفي ، وضمها إلى حكمه، ثم بعث جيشاً بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي إلى مكة، فتمكّن من قتل عبد الله بن الزبير وضمِّ الحجاز إلى حكمه، ورمى الخوارج بأشد رجاله بأساً المهلب بن أبي صفرة، فكسر شوكتهم، وعادت الأمة تحت خلافة واحدة، وعادت إليها القوة والهيبة، واستقرت البلاد، وبدأت الجيوش الإسلاميةالفاتحة ، تزحف في كل الاتجاهات لنشر نور الإسلام. وقد بلغت دولتهم من كثرة الفتوح غاية ليس وراءها مطلع لطامح . وملكوا ما لم يملكه أحد من ملوك الإسلام قبلهم ولا بعدهم .
رابعا: - قام عبد الملك بتطوير الدولة حضارياً، فهو أول من أصدر عملة عربية إسلامية، وحرر بذلك اقتصاد الدولة من الاعتماد على العملات الأجنبية. وهو أول من عرب الدواوين، فقد كانت لغة سجلات الدولة المهمة غير عربية، وكان العمل فيها حكراً على غير العرب، وكانت أسرار الدولة معرضة لخطر وصولها إلى الأعداء، وعندما عربها، صار موظفو الدولة من العرب المسلمين، و توفرت لهم فرصة تعلم الإدارة، و أقبل غير العرب على تعلم العربية ليتاح لهم العودة إلى وظائفهم، وأسهم ذلك في سرعة انتشار الإسلام بين العجم. لقد امتازت دولة بني أمية بأنها عربية بحتة ..
خامسا :- بنى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (684 - 705 م) قبة الصخرة المباركة ، وقد اشرف على بنائها المهندسان العربيان رجاء بن حيوة وهو من بيسان بفلسطين ، ويزيد بن سلام مولى عبد الملك بن مروان وهو من القدس. وأراد الخليفة عبد الملك بن مروان أن يكون فيها مسجد للمسلمين لا يقل فخامة عن كنيستي القيامة في القدس ( كنيسة القبر المقدس) وكنيسة بيت لحم . ويزعم بعض المستشرقين وغيرهم ، أنه بنى قبة الصخرة لتكون بديلا عن الكعبة ، وهي فِرية بلا مِرية ... وقد أورد هذه الرواية اللقيطة التي ليس لها سند صالح، المؤرخ اليعقوبي – وهو مشهور بتحامله على بني أمية –، وقال اليعقوبي بعد أن أزرد هذا الخبر بورقتين في تاريخه مناقضا نفسه : وأقام عبد الملك الحج للناس في ولايته سنة 72 الحجاج بن يوسف ، وسنة 73 ، وسنة 74 الحجاج أيضًا ، وسنة 75 ذهب للحج عبد الملك بن مروان نفسه ، وسنة 76 أبان بن عثمان بن عفان ، وسنة 77 أبان أيضًا ، وسنة 78 وسنة 79 وسنة 80 أبان بن عثمان أيضًا وسنة 81 سليمان بن عبد الملك ( وسرد باقي السنوات .....) وعبد الملك هو الذي كسا الكعبة الديباج ، فهل هذا صنيع من يريد الاستهانة بالحرم ، وتحويل الحج من مكة إلى بيت المقدس ؟
سادسا :- إن دراسة الظروف التاريخية التي أحاطت بتدوين التاريخ الأموي ، توضح بجلاء أن عملية التدوين تمت في مناخ معاد للأمويين ، وخضعت لعدة عوامل ساعدت على تشويه كثير من أحداث ذلك التاريخ ، وأبرز هذه العوامل : تأثير الأحزاب السياسية المعادية للأمويين ، حيث كان غالبيتهم من الشعوبيين ، أو المعتزلة .. كما أن ذلك التدوين تم في العصر العباسي ، حيث سيطرت روح العداء للأمويين ، والرغبة في تشويه تاريخهم ومنجزاتهم ..
وبعد .... إن بني أمية لا يوزنون بالخلفاء الراشدين ، وليس هذا عارًا عليهم ، ولا فيه حط لمنزلتهم ، فإن إدراك شأو الراشدين واللحوق بهم أمر خارج عن طوق البشر ، وليس فيه مطمع لأحد ، ولا موضع رجاء لمجتهد ، وإنما هم ملوك فيهم المحسن والمسيء ، والعادل والجائر ، والناسك والخليع ، والحازم والمغفل ، بل الذي أعدلهم سيرة ، وأمثلهم طريقة ، وأوفاهم ذممًا ، وأرضاهم طورًا ، لا يخلو من عثرات لا تقال ، وهنات لا تذكر.. ومع ذلك فقد استطاع البيت الأموي أن يعيد الوحدة الاسلامية ، ويستأنف الفتوحات ، فيغزو أوروبا ، وبنتزع إسبانيا والبرتغال ، ويزحف إلى أوروبا ، بينما عجزت كل البيوتات والقوى العربية الأخرى عن تجميع كلمة العرب حولها ، أو إقامة دولة حقيقية ، أو أن تشكل مزاحمة جدية على القيادة لبني أمية ، ما بقرب من قرن كامل .. رغم أنه ما من دولة في تاريخ العالم كله شهدت من الثورات والخروج مثل دولة الأمويين ، ولكنها أثبتت كفاءة غير مسبوقة ولا ملحوقة في القدرة على الحكم وفشل بنو هاشم في جمع كلمة العرب تحت رايتهم ، حتى أسلموا زمامهم لفارسي ، وأمروه أو ادعى أنهم أمروه أن لا يبقي على عربي جاوز الشبر ؟! ولما سقطت دولة بني أمية في النهاية تحت ضربات الفرس الذين تستروا بالعباسيين ، هرب أموي واحد ( صقر قريش – عبد الرحمن بن معاوية ) في مغامرة أسطورية حتى نزل بشواطىء أوروبا ، وحيداً..شريداً.. مطارداً ..فأقام مجد العرب في الأندلس .!! هذا هو البيت الذي ألقت إليه أمة العرب بمقاليدها..لأنه وحده الذي كان قادرا على الحكم .