رؤساء برائحة النفتالين بقلم:شوقية عروق منصور
تاريخ النشر : 2017-10-23
رؤساء برائحة النفتالين

شوقية عروق منصور

عندما رأيتهم معاً ، يقفون على منصة واحدة ، شعرت أنهم خرجوا من خزانة كانت مرمية في قبو بارد ورائحة الرطوبة تملء الأجواء ، يرتدون الملابس القديمة المشبعة برائحة النفتالين خوفاً من العث ، و يستندون الى بدايات تعصر الذاكرة ، فلا يخرج من العصير إلا اللون الأحمر و رائحة الدم العربي .

كتبت سابقاً ما اجتمع الرئيس الأمريكي مع الرئيس العربي إلا وكان شيطان التآمر ضد دولة عربية  ثالثهما ، لكن حين رأيتهم في قفة واحدة ، أو حفرة واحدة ، يحاولون الوقوف والتصفيق والتمايل على أنغام الموسيقى ، وشد الابتسامات والضحكات من توابيت التاريخ ، وكسر شواهد القبور التي سجلت بصمات أصابعهم  حتى صرخت من قحف رأسي – بعد لهم عيون ينظرون بها الى العالم -.

حين رأيتهم معاً 5 رؤساء امريكيين سابقين  – جيمي كارتر، جورج بوش الأب ، بيل كلنتون ، جورج بوش الأبن ، اوباما -   ، تذكرت أننا لم نر يوماً رئيساً لدولة عربية يقف إلى جانب الرئيس الذي قبله والرئيس الذي بعده ، لأن فسحة الطريق المؤدية الى قصر الرئاسي العربي محاطة بنعوش وسبايا وسجون ونوافذ ينطلق منها رصاص القنص ، وما تبقى جماجم الاصدقاء التي تحكي قصص الغدر والخيانات وعشق الكراسي المدهونة بغراء الانتهازية والمصالح الشخصية .

5 رؤساء أمريكيين من جيمي كارتر الى اوباما وبينهما البوشان – الأب والأبن – وكلنتون الذي حاول بابتسامته الهوليودية ووسامته تسويق السلام الاسرائيلي الفلسطيني ،  لكن الشابة  مونيكا قطعت عليه  الطريق بعربة اغرائها وفستانها الذي تحول الى شبكة صيد فسقط  في الفخ .

5 رؤساء يقفون خارج الجروح وبقايا الدموع والآهات العالمية ، يطلون من غرفهم الشخصية  ، يقفون ويصغون إلى نداء أرضهم ووطنهم ، يبكون مع شعبهم الذي نهشته الأعاصير والسيول والزوابع  ، وحولته الى متشرد و لاجىء وهارب ، لذلك ها هم الرؤساء الخمسة في حالة احتضان ، يقفون الآن على المنصات لجمع التبرعات  للمشاركة في ترميم الخراب الذي نتج عن الأعاصير .

في حفلة موسيقية في ولاية تكساس ، ها هم الخمسة يقفون صفاً واحداً ، يغنون من أجل وطنهم ، ويشدون من أزر المواطن الأمريكي .

نحدق في وجوه الرؤساء الخمسة الذين دمروا وخططوا وانتهكوا ومزقوا الدول العربية الواحدة  تلو الأخرى كأن هناك اتفاقاً تاريخياً بينهم ، خيوطاً  يشدونها من ملفات الكره والحقد فتنسل بسرعة وتتكوم أمام الحضن الاسرائيلي الذي ينسج من هذه الخيطان معاطف الدفء للشعب اليهودي ، كأن على كل رئيس امريكي  تتويج مسيرته الرئاسية بغزو العقل والأرض العربية وتفتيت ما تبقى .

 نحدق  في وجوههم اليابسة فنجدها قد تحولت الى حطب ملقى  في نيران النسيان ، لكن بوقوفهم يعتقدون أنهم من الممكن اشعال الحطب المبلول .

 ها هم  يغنون ويصفقون ، اللحن والغناء الطالع من حناجرهم قد يساهم في بناء الوطن الذي قامت بخرابه الأعاصير، لكن  أمام الشعوب العربية كانت حناجرهم عبارة عن سكاكين أمواس حلاقة تقطع اللحم الحي وتحوله الى مواويل من القتلى واليتامى ، أي غناء يخدع  التاريخ وهم بقايا هياكل عظمية تتحرك لتؤكد أنها ما زالت تحمل الجلد الإنساني ، أي غناء سيبني خرابنا الذي صنعوه وسجلوه فوق صفحات التاريخ ، هناك فجوة كبرى بين خرابهم وخرابنا ، خرابهم طبيعي ، التقت السماء مع الأرض في عناق جعل العشق دماراً وخراباً وفصولاً تتجه بوصلتها الى العواصف والرياح ، بينما خرابنا هو عبث الاصابع في حياتنا وتاريخنا وأيامنا حتى وصلت الى تحت ملابسنا الداخلية ، بعد أن عبثت الأصابع في عقولنا وعواطفنا وحناجرنا وجثثنا ، 5  رؤساء أمريكيين  طوقوا اعنقنا حتى خنقونا ، والآن يعودون وجوهاً أدت وظائفها السياسية  المرسومة .

ما قهرني وأخرجني عن طوري أنهم يغنون ، والغناء منهم براء ، لقد رأيت بأم عيني الغناء يهرب مختبئاً في حنجرة طفل استطاع النجاة من طلقة رصاص بعد أن قُتلت اسرته ، ورأيته الغناء مختبئاً خلف شال امرأة تدحرج رأسها بعد أن فصله صارخاً امريكياً عن جسدها ، رأيته مختبئاً في جيب عجوز ما زال قابضاً على قطعة حلوى من أجل اطعامها لحفيدته لكن الحزام الناسف الأمريكي كان أسرع في تفتيت الجسد وجعله طعاماً لشذوذ الإرهابيين  .

 لقد رأيت الغناء في الأراضي العربية المتعبة وفي صدور الشعوب المقهورة ، وما هؤلاء الخمسة رؤساء سوى حناجر مصاصي الدماء الجدد .