حميدان والبدوية الحسناء بقلم:د. أحمد شبيب دياب
تاريخ النشر : 2017-10-21
حميدان والبدوية الحسناء بقلم:د. أحمد شبيب دياب


حميدان
والبدوية الحسناء
أحمد دياب

في الرد
على تعليق شكتني ثريا
للصديق
إبراهيم يوسف


من الحكايات البدوية؛ التي لا زالت تستوطن ذاكرتي من قديم الزمان، وتراود أحلامي من حين إلى حين؛ حكاية "حميدان" ابن الضيعة "البعلبكية" يتيه في الصحراء، وهو مسافر طلبا للرزق في بلاد الحجاز، حينما أصابه عطش شديد في الطريق.

 ورأى في الأفق البعيد دخاناً خفيفاً يتصاعد في السماء، فاندفع نحو الدخان وهو في الرمق الأخير، ليجد نفسه وقد انهكه التعب وأصابه الوهن والنعاس؛ أمام بيت دقّت أطنابه فوق مرجٍ صغير، وأمام البيت أبصر صبية بدوية بثيابٍ جميلة مزركشة الألوان؛ تأمر الشمس من فرط حسنها بالأفول ؛ لكي تشرق على الكون نيابة عن  ضوء الشمس الشحيح.

 لم يكد حميدان يحرّك شفتيه في طلب الماء..؟  حتى وصلت اليه "شيماء" الصبية الحسناء، وبين يديها "كولكٌ" من خشب السنديان، وفيه طلب المسافر من أصفى ينابيع المياه. تنعكس على صفحة "الكولك" قسمات وجهها الساحر وخيال عينيها الناعستين.

 ووقع حميدان لتوّه في هوى شيماء، وعينيها المكحولتين الفاتنتين. لكنه من فرط عطشه؛ راح يعب الماء بسرعة ولهفة، وهو يخالسها النظر من خلال صورتها تنعكس في "الكولك" فوق سطح الماء. لم يكد يبتلع الرشفة الأولى حتى بادرته شيماء برمي "كمشةٍ" صغيرة من القش فوق الماء.

غضب حميدان من فعلة الفتاة، وتمنى في سره لو يتحداها ويتوقف عن شرب الماء..؟ لكن عطشه الشديد غلبه على نفسه، فواصل الشرب بلا احتجاج، وصار يتوقف بين الفينة والأخرى ليبعد القش، ويمنعه من الدخول إلى فيه مع الماء. هكذا كان حميدان يشرب على مهل بفعل القش ينتشر على وجه الماء.

شرب حتى ارتوى  بحمد الله وفضل البدوية شيماء؛ وانقضى ظمأه وحاجته إلى الماء؛ ليحلّ مكان الظمأ عطشٌ من نوعٍ مختلف وشوقٌ لمعرفة سرّ البدوية الحسناء..؟ ولماذا رمت القش في كولك الماء..!؟

وبعد لعلّك يا صديقي؛ أدركت ما يعنيه سرّ إلقاء القش في الماء، علي يديّ البدوية شيماء..؟ هكذا يا صديقي وصلتني رسالتك الجميلة، عبر الفكر والسنابل الذهبية التي لم يأتِ موعد حصادها بعد. لكن الرسالة وقعت عندي موقع الماء والبدوية في قلب صديقنا حميدان.

 وها أنا أرتشفها صافية مسكرة كالخمر الحلال؛ بلا قش يكدر صفوها بل بتأنٍ ودرايةٍ علّمتنيها حنكة التجارب والأيام. بعد أن حفرت في وجهي أخاديد العمر والتعقّل، وما لا يذكر من العلم والعرفان.

د. أحمد شبيب دياب