سيميائية الذاكرة بقلم د.يسر الغريسي حجازى
تاريخ النشر : 2017-10-12
سيميائية الذاكرة بقلم د.يسر الغريسي حجازى


بقلم د.يسر الغريسي حجازى

سيميائية الذاكرة

من منا لم يشعر يوم من الأيام، باحساس مقلق ان الاشياء التي يراها لأول مرة قد شاهدها بالفعل من قبل؟ ومن منا لم يعيش هذه التجربة الغريبة؟ أكثر من سبعين في المئة من الناس في العالم ,أو سبعة من أصل عشرة أشخاص، لديهم الإحساس الرهيب بانهم يختبرون بالفعل شعور معرفة الاشياء قبل ذلك، لدرجة أنها تقود الناس من حولهم الي الشك، وعدم التأكيد. لقد شعرنا جميعا، بأننا شاهدنا بالفعل وضعا حاضرا، مصحوبا بإحساس غير حقيقي، اوغير طبيعي. وفقا للعالم السويسري آرثر فونخوسر، هذا شكل من أشكال البارمنيسيا وعدم وضوح الذاكرة، والتي تشمل ثلاثة أنواع مختلفة: شفت بالفعل ذلك الشيء، اوشعرت به بالفعل, اوزرته بالفعل.

تم إنشاء هذا المصطلح في عام 1876 من قبل ايميل بويراك(  -1851 1917)، والذي استخدمه في كتابه مستقبل العلوم النفسية، مثل ذكرى الحاضر (بيرجسون 1908)، ووهم الألفة (جاسبر 1954) ، وتحديد التزوير (كرايبلين 1887). ويمكن أن يحدث ذلك خلال أحداث مثل: وهم زيارة اماكن لاول مرة، أو تناول الطعام مع غرباء. ببساطة أن هذا التصور يعارض الذاكرة. الا انه اعتراف كاذب يصاحبه أحيانا القلق من قبل اشخاص حساسين بالفعل. بعض الناس يعتقدون أن لديهم موهبة التنبؤ، ويعتقدون أنه يمكنهم قراءة مستقبل الآخرين. كما ان شعور رؤية الاشياء من قبل, هو أكثر شيوعا في الشباب من كبار السن ويستمر بالكاد بضع دقائق، من واحدة الي دقيقتين. والناس الذين اختبروا بالفعل هذا الإحساس، يقومون عادة بممارسة اختبار انطباعاتهم, لدفعها الي الخروج من عقولهم. في الواقع، هذه التجربة المثيرة للقلق لا يمكنها الاختفاء بسرعة، كما أنها لا تعتبر ظاهرة مرضية.
بل هي في الحقيقة امر عادي دون قيمة تنذيرية، و حالة من التغلب غير مرغوب فيها وسببها الإجهاد, اوالتعب, او التعرض لمواقف صعبة. وفقا للابحاث العلمية، ان شعور بمعرفة الاشياء  تصيب الاشخاص العصبيين، في حالة تخيل لاشعوري لجذب الانتباه. ممكن تكون أيضا قد شهادت حدث أمام عينيك، مثل حادث سير مأساوي راح ضحيته السائق، وكنت تعتقد أن هذه الرؤية هي مألوفة لك بالفعل. ببساطة صار صعب التاكد بمعرفة متى أو كيف عرفت الضحية؟ وكنت لا تذكر ذلك على الإطلاق. كما ان الإجهاد او المرور بامور صعبة في حياتك, يمكنها أن تؤدي أيضا إلى ذكريات غير حقيقية.
وتستند نظريات علم النفس على العاطفة كعنصر من الواقع، من خلال سلسلة  الارتباط اللاوعي , التي سوف تتفاعل مع الذاكرة المنسية أو المقموعة, تحت تأثير العاطفة المنقولة.

  في العاطفة الحاضرة، يتم نقل الاشياء المالوفة من التفاصيل إلى العموم. ان وهم شعور معرفة الاشياء من قبل (الإدراك)، هو فقط واقع من واقع اخر تم اختباره بفعل العاطفة. على مقربة من هذا المفهوم، هي محاولات لإعادة انتاج معرفة الأشياء، من خلال التنويم المغناطيسي.
وتستند النظريات الأخرى على تركيز الشخص، والحكم بأن شعور معرفة الاشياء من قبل تعود إلى لحظة عدم الانتباه، وفقا لتصور لاواعي في الذاكرة.  
عندما تتم إعادة التركيز، يخضع الانسان لقراءة مزدوجة، من الحاضر و من الذكريات. ذلك يفسر شعور معرفة امرا مالوف, فهو في الحقيقة مجرد تصور موازي للذاكرة، مع عدم وجود تزامن بين الإدراك والذاكرة. كما ان بنية الوعي وتطوره عند الإنسان, يعتبر أساس المعرفة والاتصال مع الآخرين، مع كل مشاعرنا وجميع أعمالنا التي تعتمد على أنفسنا،و البيئة الخارجية. وهو ما يعني أن ذكاء الإنسان، وطابعه، وطريقته في تصور العالم والمناطق المحيطة به، هو غريزي وتابع لتجربة وعمل البيئة. كما ان تنظيم الحياة النفسية للبشر يحدث بين الفطرية والمكتسبة في كائنه النفساني. في بداية القرن العشرين، كان علم النفس موجها نحو التجربة, من خلال النشاط الديناميكي والذي يصمم جوانب علم النفس الحديث.
الفكرة الأساسية للإنسان هي, أن حياته العقلية جزء من الطبيعة والشبكة الاجتماعية، وأن قوته تتمركز حول سلسلة ديناميات أعمال بيئته. إن استقلالية الإنسان مقيدة ببيئته. حسب سبينوزا, إن حرية الإنسان مجرد وهم, وشرط قانون العقل. و الحياة النفسية للإنسان تكمن في التماسك بالحقائق، من خلال مفاهيمها المبنية علي المبادئ الأخلاقية, والأدلة التي يختارها، وفقا لمبدأ أن حرية الإنسان ترتبط مع واقع العالم.  
ولكن لا شيء آخر، حسب فرويد، الا ظهور ذكريات مقموعة، وصدمات مخفية, أو رغبة غير مقبولة للأنا الاعلي.
  في رأي فرويد، هذه مشاريع وهمية وغير واعية، وتمثيل جديد لرغباتنا السرية من أجل تحسين وضعنا في سياق معين.   
 هكذا يتطور الإنسان في هيكل هرمي للقوانين, والمعرفة, والمعتقدات, التي يبني بها هياكل تنظيمية ويطبقها للعيش في انسجام. يتم تجميع التمثيلات السيميولوجية للوعي البشري وفقا للنظام العالمي الحالي، وبالتالي ان الهيكل المتزامن للدماغ البشري, عرضة للاضطرابات في الوضوح والاخطاء. و اضطرابات الذاكرة التي قد تظهر في بعض الناس, فهي ناتجة عن خلل التوتر الذي يصاحبه صعوبات التثبيت, و الاستحضار، ونسيان الأسماء، والذكريات.   
وتستند النظريات على العلاقات بين الدماغ الايمن والايسر عند الإنسان، كما ان احساس معرفة الاشياء من قبل ترتبط مع اضطرابات الانتقال، ووصفت بأنها غير متطابقة مع الدماغ الايمن والايسر. انها رؤية عقلية مزدوجة الذكريات بصورتين من نفس الحدث، تماما مثل رؤية مزدوجة من نفس الكائن. و يفسر سيجموند فرويد علي انه بالفعل  رد فعل للدفاع ضد الحاضر الغير المرئي، ورد فعل دفاعي لحماية انفسنا من ما يؤلم بنا. في تفسير الأحلام علي سبيل المثال، يفسر فرويد شعور معرفة الشيء من قبل, علي أنه الصحوة في ظاهرة الانجاب عند الأم، والمكان الاصلي الذي يمكث فيه كل إنسان. كانوا الفلاسفة الأفلاطونيين يعتقدون ان هناك بالفعل حياة سابقة، و العودة الأبدية لنفس الاشياء.وينظر أرسطو الشهير, ببراغماتيته على أنها مشكلة نفسية بسيطة. أما في القرن الرابع, كان رجال الدين قد نسبوا هذا الشعور إلى اضطهاد الشياطين الذين يريدون تشجيع الناس على حياة التناسخ.