أمومة عابرة بقلم:محمد أبو بطه
تاريخ النشر : 2017-10-08
أمومة عابرة
بقلم:محمد أبو بطه

استقل أحمد القطار الواقف في المحطة مع زملائه واتجهوا لمؤخرة العربة كعادتهم كل يوم ، وبدأ الحديث اليومي بموضوع لينتهي بموضوع مختلف تماماً كعادة ركاب القطارات اليومية .
لاحظ أحمد أن هناك من ترمقه بنظراتها و تركّز عليه تركيزاً شديدًا ! بادلها التركيز والتدقيق في النظرات ! أدام النظر إلي وجهها رآه مألوفاً له ! هكذا حدث نفسه إنها نفس العيون ! نفس الأنف ! يا الله إنها نفس القسمات ! زاد تركيزه أكثر حتي قال إنها نفس الروح ! كأنها أمي التي ماتت منذ أعوام طويلة ! .
شعر بروحه تتسلل من جسده ، تغادره ، تتركه بلا حراك ! تذهب إليها تعانقها عناقاً طويلاً وعاتبها علي قطيعتها له فلم تعد تزوره في الأحلام ! تحدث معها في حبٍ شديد ، كان يتلهف إلي سماع صوتها ، شعر بشيء ساخن علي وجهه تحسسه بأنامله اكتشف أن دموعه تنساب علي خديه من شدة شوقه إليها ولهفته عليها ! الآن يشعر أن أمه تجلس معه وتتحدث إليه كما كانت تفعل في حياتها تماماً! نبضات قلبه كلها حب وحنان فوق الوصف ! بل يقترب من الحب اللا متناهي !
لقد افتقدت تلك المشاعر الجميلة منذ رحيلك يا أمي .. هكذا قالها في نفسه وهو يتأمل قسمات وجهها الجميل ! ألقي بروحه علي صدرها فشعر بدفء أحضانها ! نظر إلي عينيها .. يا إلهي أنها تبكي هي الأخري ! هل عادت روح أمي حقاً في جسد هذه السيدة ؟!.
الآن تطابقت الملامح تماماً مع ملامح أمه في عينيه حتي في زرقة عينيها ! حنانها المتدفق يغمره بأحاسيس أفتقدها!.
أ تشعرين أنك أمي ؟! نعم يا ولدي ! افتقدك كثيراً منذ آخر مرة رأيتك فيها .
كنت أودع الحياة والدنيا وأنت تضمني إلي صدرك ، حتي تكون آخر أنفاسي في صدرك ولأشعر أنا الأخري بأنفاسك تتسارع كأنها ستخرج مع أنفاسي لنغادر الدنيا معا! أعيشها يا ولدي كل لحظة ! أنت ابني الذي افتقدته كثيراً! رغم أني أزور أبي وأمي الآن إلا أنني أشتاق إليك أكثر !.
تحركت روحه تلامس خديها شعر بسخونة دموعها فبكي كثيراً ودموعها تنساب هي الأخري ، اشتد بكاؤه كرضيع علي صدر أمه!.
لم يشعر إلا ويد تهزه وتحرك كتفه .. إنه رفيق القطار ينبهه باقتراب محطة الوصول ، نهض ولم يفارق وجه الجالسة أمامه ! بدأ يودعها وهو يخطو خطوات بطيئةٍ متثاقلة ، هل سأفتقدك مرة ثانية يا أمي! ؟ شعر أنها تودعه هي الأخري !. اقترب منها أكثر وأكثر نظر إليها مرة أخري اكتشف إنها ليست نفس ملامح أمه ! أعاد النظر ودقق كثيراً ! لا.. ليست نفس الملامح ! تعجب من نفسه فدقق النظر مرة أخيرة فرأي الدموع تنساب علي خديها وتتعلق نظراتها به ! تسارعت ضربات قلبه وهو يغادر القطار ، شعر إنها تتابعه علي الرصيف التفت فلم يجد شيئا !.
غادر القطار المحطة ، سمع من يناديه حاول أن يقاوم ولكن الصوت تكرر في أذنيه ، أنه صوت أمه فعلاً !ً التفت خلفه مرةً أخري والقطار يزيد من سرعته وجدها تطل برأسها من نافذة القطار وتلوح له ! استدار بسرعة وبدأ يجري خلف القطار ليلحق به مرةً أخري ولكن القطار انطلق أكثر سرعةً فزاد من سرعته هو الآخر حتي سقط علي الرصيف ولم يلمس يدها ، ترددت كلماتها في أذنيه اشتقت إليك كثيراً، وأنا أكثر شوقا إليك ! اختلط صوته مع صوت القطار الذي تلاشي تماماً كما تلاشي صوتهما معاً في صوت الكون .