حديث مختلف عن الهجرة بقلم:د. أسامة الأشقر
تاريخ النشر : 2017-09-21
حديث مختلف عن الهجرة !

إننا في ذي الحجة ولسنا في ديسمبر ! لا تقارَن بهجة الدنيا في ديسمبر ببهجتها في ذي الحجة، ولا يقارَن يناير بالمحرم في زماننا الأمريكيّ هذا !كانت الهجرة على بعيرين هزيلين وما يدريان أنهما يحملان على ظهرهما فكرة ستملأ الدنيا كلها !تغيب شمس الذكرى في أعوامنا الهجرية وهي كاسفة على أطلال مجد قديم ضيّعناه، وشرفٍ بذلناه !هناك بلاد تستقبل الهجرة بالمناحات واللطميّات، وتفتتح أيامها القادمة بذكرى الدم ، وتستدعي الثأر وتبحث عن متهمٍ هلك منذ دهور !في ذكرى الهجرة اليوم لا تجد عندنا إلا ثرثرة كما نفعل الآن ! ولكنها بقايا ما تركته لنا الأيام فكيف نتخلى عنها !إننا نكرّم الهجرة اليوم بطمس آثارها، وهدم شواهدها، واغتيال معانيها !عندما أسمع كلمة الهجرة تهجم عليّ هجرة أهلنا في فلسطين عنها أولَ الاحتلال، وهجرة الملايين من أمتنا اليوم خائفين من بعضهم في تلك الفتن المظلمة، وهجرة آلاف اليهود من بلادهم ليستوطنوا فوق أرضي !إن هجرتك من أرضك لا تعني أنك أصبحتَ بلا قضية بل أنتَ الآن في ظروف أفضل لتحمل قضيتك أفضل مما كانت الأحوال عليه !لم تكن الهجرة النبوية هروباً من الواقع المظلم الذي عاشته الدعوة الإسلامية في مكة آنذاك، وإنما كانت قراءة موضوعية لهذا الواقع وسلوكاً عملياً يعبّر عن استحالة الاستمرار فيه ، وإلحاح الحاجة إلى تغيير الظروف التي أدت إلى هذا الواقع المظلم.الهجرة تعني أن تفتح خياراتك وأن تبحث عن تربة خصبة لفكرتك حتى تنمو لتكون قادراً على العودة ثم تنطلق إلى فضاء أرحب!كانت الهجرة النبوية انتقالاً استراتيجياً من مرحلة الصراع في منطقة مغلقة إلى الصراع في منطقة مفتوحة تتيح للدعوة الجديدة إبراز قيمها ومبادئها وفلسفتها المختلفة عن القائم الموجود آنذاك ، وأعطت الهجرة في تفاصيلها دروساً خطيرة ودقيقة في تأكيد الالتزام بالمبادئ والثبات عليها ، والمناورة على قاعدة الالتزام ، وسلامة التخطيط ، وفهم الظروف وإدارة هذا الفهم عملياً، وتوضيح قضية إيمانية بسلوك عملية وهي قضية التوكل وتكاملها مع السعي وبذل الجهد .الهجرة النبوية أيقونة معرفية ثرية تحتاج إلى قراءة تتجاوز الأشكال النمطية في القراءة العاطفية ، وهي فرصة لدراسة التحولات الكبرى ولاسيما ونحن في مراحل انتقالية صعبة في ظروف واقعنا العربي الذي يكسر قشرته السياسية باحثاً عن حاضن جديد في ظل هذه الثورات الملتهبة وردود الأفعال القاسية تجاهها. 

د. أسامة الأشقر