حرب لبنان الثالثة وعقيدة العدائية للجيش الصهيوني بقلم الأسير شادي الشرفا
تاريخ النشر : 2017-09-13
حرب لبنان الثالثة وعقيدة العدائية للجيش الصهيوني

بقلم/ الأسير شادي الشرفا

خاص مركز حنظلة للأسرى والمحررين  

على نحو مفاجئ أطلقت قوات الجيش الصهيوني مطلع هذا الشهر أوسع مناورة عسكرية على الجبهة الشعبية لفلسطين المحتلة. هذه المناورة، والتي لم يحدث لها مثيل منذ عام 1998 تحاكي حرب مع حزب الله اللبناني، حيث أن آلاف الجنود من مختلف الوحدات العسكرية البرية والبحرية والجوية يشاركون في هذا التدريب والذي أُطلق عليه اسم " نور داغان" نسبة إلى " مائير داغان" رئيس الموساد السابق الذي تولى أيضاً منصب قائد الجيش الشمال.

تأتي هذه المناورة في ظل عدة تطورات بالغة الأهمية على الجبهة الشمالية منها:

1.   حالة الإرباك الإسرائيلية جراء اكتشاف مصنع يتم تشييده في لبنان بإشراف إيراني لصناعة الصواريخ الدقيقة والتي تعتبرها دولة الكيان أسلحة " تخل بالتوازن"، مما حدا بها سابقاً ضرب الشحنات لهذه الصواريخ المنقولة من سوريا إلى لبنان عدة مرات.

2.   تزايد الوجود الإيراني في سوريا وتكريس وجود الحرس الثوري عبر قواعد عسكرية ثابتة.

3.   تراجع دور العصابات المسلحة في سوريا، والانتصارات المتتالية لتحالف الجيش العربي السوري وحزب الله وإيران وروسيا الاتحادية ضد القوى الإرهابية.

وبعد فشل المساعي التي قام بها " نتنياهو" في لقائه الأخير مع الرئيس الروسي "بوتين" في إقناعه بالحد من الوجود الإيراني في سوريا، تحاول دولة الكيان الصهيوني كعادتها زعزعة الاستقرار والتلويح بحرب جديدة من أجل تحميل كافة الأطراف بالتدخل تلبية لمصالحها، وقد جنت ثمار هذا فعلاً لدى بعض الأطراف اللبنانية المهادنة والتي طالبت حزب الله بعدم تشييد مصانع صواريخ باعتباره " مغامرة" من شأنها جر لبنان إلى حرب جديدة مع الكيان الصهيوني على حد تعبيرها.

من الممكن اعتبار أن حكومة الاحتلال ترسل مجموعة رسائل عبر هذه المناورات العسكرية الضخمة، لكن بحقيقة الأمر إنها تعد نفسها لحرب محتملة، ليس من منطلق تقليص المخاطر الأمنية فحسب، إنما لأن جوهر العقيدة العسكرية الصهيونية عدائية في طبيعتها، وهي بالتالي تتغذى على المواجهات العسكرية باستمرار، ومعيار وجودها وبقائها وسطوتها مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتصعيد العسكري، فسيادة المؤسسة العسكرية وسيطرتها لا تتكرس دون افتعال صدامات عسكرية وحروب مع أعدائها، لذا تخوض مواجهة عسكرية كل عدة سنوات كجزء من مكونها وطابعها الأساس لضمان وجودها كطبقة سائدة من الجنرالات العسكرية التي تهيمن على المجتمع الصهيوني وتصدير السياسات العامة للدولة.

إن عقيدة العدوانية لدى الجيش الصهيوني جزءاً من تكوينه وأساساً لوجوده، فقد نشأ وترعرع وتغذى على حروبه المتكررة، ولا تستطيع المؤسسة العسكرية إلا أن تخوض معركة أو تشن اعتداءً ما بين حينٍ وآخرٍ، وإلا فقدت جدواها ومبرر سيادتها وتجردت من محتواها، يساعدها في ذلك تحالفها الوثيق مع غالبية القوى السياسية التي يسيطر عليها عادةً الجنرالات الحربية وخريجي أجهزة الأمن المختلفة.

تقوم السياسة العسكرية الصهيونية الحديثة على قاعدة أن أي حرب جديدة تعني إحداث ما يُسمى " نموذج الضاحية" أي التدمير الشامل والسريع للأحياء على غرار ما جرى في الضاحية الجنوبية في لبنان إبان حرب تموز 2006. وهي بذلك توجه عدة رسائل بهذا الصدد إلى إيران من جهة وإلى روسيا من جهةٍ أخرى.

من هنا، تفترض الأجهزة الأمنية الصهيونية من أن الحرب المقبلة بالشمال ستكون على الجبهة اللبنانية والسورية في آنٍ، خاصة في ظل وجود ما يقارب السبعة آلاف مقاتل لحزب الله على الأرض السورية حسب تقديرات جهاز الاستخبارات العسكرية الصهيونية، وتفترض أيضاً إمكانية تدخل إيران عبر إطلاق صواريخ بعيدة المدى باتجاهها.

إن السيناريو المحتمل الذي يعد له العدو الصهيوني أن يكون حزب الله بإمكانه ضرب ما يقارب 1200 صاروخ يومياً، من ضمنها صواريخ دقيقة الأهداف تصل إلى كل بقعة في فلسطين المحتلة، كما يُقدر أن ترسانة حزب الله تحتوي على حوالي 60 ألف صاروخ، ويعد الجيش لمواجهة طريقة قتال نوعية منها الاجتياحات البرية وتحرير أراضي في الشمال الفلسطيني يرافق ذلك هجمات تسلل بحرية، إلى جانب استخدام كم هائل من الطائرات بدون طيار والتسلل عبر الأنفاق، وتعتقد المؤسسة العسكرية الصهيونية أن حزب الله استطاع تطوير وتركيم قدرةً معلومات استخباراتية عالية المستوى، كما أن لديه خنادق أكثر تطوراً كماً ونوعاً. إضافة إلى أن حزب الله استطاع تقديم ترسانة أسلحة نوعية جديدة وبات لديه سلاح مدفعية متطور، كما امتلك قدرات وخبرات كبيرة في الحرب بسوريا. ناهيك عن أن " تل بيب" تعتقد أن الوجود الروسي يشكّل أفضلية للمقاومة.

إن تطوير إمكانيات حزب الله اللوجستية والتكنيكية يشكّل مصدر قلق للمؤسسة العسكرية الصهيونية، خاصة بعد أن استطاع حزب الله التجنيد الفوري لأكثر من 4000 مقاتل في يوم واحد في حربه ضد داعش على الحدود اللبنانية، وهذه القدرات تمتلكها فقط الجيوش المنظمة والمدربة جيداً- لذا ليس غريباً أن يطلق "  غادي ايزنكوت" رئيس الأركان الصهيوني صفة (الجيش) لأول مرة على حزب الله بعد أن درج استخدام مصطلح (ميلشيا مسلحة) سابقاً.

في المقابل فإن جيش الحرب الصهيوني قد استفاد، حسب ادعائه، من أخطائه في حرب تموز 2006، حيث طور إمكاناته وقدراته واستطاع تجميع " بنك أهدافه" على حد تعبيره، ويفتخر أنه يمتلك قوة نيران مكثفة وسريعة ودقيقة لا يفوقها أي جيش في العالم باستثناء جيش الولايات المتحدة الأمريكية بناءً على ادعاء رئيس سلاح الجو الأسبق.

وتعتقد الحكومة الصهيونية أنها ستحظى بتأييد غير محدود من الإدارة الأمريكية، وتتفاخر بتواطؤ أنظمة عربية وأذنابها من العصابات المسلحة الإرهابية في سوريا معها بذريعة التخلص من النظام البعثي السوري.

ورغم كل ما قيل عن حرب شبه وشيكة فإن حرب أخرى قائمة بالفعل ضد وحدة سوريا تلعب دولة الكيان الصهيوني دوراً مركزياً فيها، من جهة تقدم الدعم والغطاء لعدة عصابات مسلحة في سوريا، ومن جهة أخرى قصفت عدة مواقع وقوافل عسكرية على مدار الأعوام الماضية بحجة أمنها المزعوم.

وفي حقيقة الأمر فإنها دولة عدوانية متأصلة في عقيدتها وطبيعتها كونها تأسست على الحقد والكراهية والعنصرية، وكونها تؤدي دوراً وظيفياً استعمارياً لشرذمة العالم العربي، وأيضاً بأن وجودها مؤقت بحكم صراعها التناحري مع محيطها العربي.

هذه المناورة العسكرية الكبرى تحاكي الجبهة الشمالية، لكن الأعين تتجه صوب الجبهة الجنوبية حيث تخطط دولة الاحتلال لكسر شوكة المقاومة هناك، فكافة الجهات الأمنية الصهيونية تؤكد أنه لا مناص من مواجهة عسكرية هناك أي غزة، لكن أي صدام في الشمال مع حزب الله لن يكون مجرد مواجهة عسكرية إنما " حرب لبنان الثالثة".