خيارات «حماس» المستقرة..بقلم: عماد عفانة
تاريخ النشر : 2017-09-13
خيارات «حماس» المستقرة...
بقلم: عماد عفانة

رحلة طويلة من العطاء والألم والمعاناة والتعلم في مدرسة الوطن قطعتها "حماس" إلى أن وصلت إلى هذا المستوى من التفكير السياسي والممارسة التي باتت تحير الكثير من المحللين والكتاب.

بعد كل مرحلة من التساؤلات والانتظار المشوق ها هي حماس تضع المزيد من النقاط على معظم الحروف الغامضة أو المجتزأة، أو الناقصة لتضح للأخرين رؤية حماس لنفسها ودورها ورؤيتها.

بالتأكيد أن للانتقادات الذاتية المتفرقة، التي تصدر بين الحين والآخر عن بعض قيادات حماس، أو من المراقبين والغيورين على الوطن ووحدته دور هام تستأنس به حماس عند اتخاذها للقرارات التكتيكية في إطار استراتيجيتها الشامل للتحرير.

لم تألو حماس جهدا في تبديد الغموض الذي يعتري بعض توجهاتها السياسية المرحلية أحيانا، ولم تتوانى عن تجسير الهوة بين الواقع والمأمول، منذ وضعت العصي في دواليب اندفاعتها الوطنية في اعقاب فوزها في انتخابات 2006م وحتى اليوم بعد ثلاث حروب دامية خاضتها مع العدو ونجحت خلالها من تحرير أكثر من ألف أسير من سجون العدو، وحتى خلال مسيرتها المشرفة لتبييض جميع سجون العدو من أسرى الحرية.

لقد رأى الكثيرين في "الوثيقة السياسية" التي صدرت عنها مؤخرا نوعا من المراجعة والتصحيح، رغم أنها كانت مجرد تأكيد بوسيلة مبتكرة على الثوابت التي انطلقت من اجلها، إلا أنه يبدوا أنها لم تكن كافية لتحريك تموضع البيئة الدولية حيالها كما توقعت قيادة حماس.

أن تخضع أنشطة حماس السياسية الأخيرة للحوار الداخلي وحتى الاختلاف بين  مؤيد ومتحفظ على تفاهمات الحركة مع مصر ودحلان في القاهرة فهذا شيء طبيعي بل وصحي ومطلوب،  لذلك لا يجب أن يحلم أحد أن تنعكس التفاعلات الخارجية بالنسبة لحماس، على أوضاعها الداخلية، فصفها الداخلي تشده الاختلافات وتقوي عزمه الحوارات.

قد يتساءل البعض عن قدرة حماس على حماس ترميم علاقاتها، وبناء تحالفاتها مع المحيط العربي والإقليم، الذي يضج بالصراعات والتناقضات، وهو تساؤل محق، لكن إجابته لا تعبر عنها حماس بالكلام فقط بل تترجمها إلى خطوات ملموسة على الأرض.

فها هي حماس تتحدث مثلا عن استعدادها لترميم العلاقة مع سورية التي بدأت تستعيد شيئا من وحدتها وسيطرتها على الأرض، في وقت تنتظر فيه حماس استجابة معقولة من النظام الحليف الأقرب لأقرب داعميها وهي إيران، على قاعدة حليف صديقي حليفي.

آخذين في الاعتبار أن حماس لم تترك سوريا انحيازا لطرف آخر أو حلف آخر معادي للدولة السورية، بل تركت سوريا احتراما لمبادئها المنادية بالحرية لكل شعوب الأرض ووفاءً للشعب السوري الذي احتضن مقاومتها.

إن صانع السياسة ومحرك حربتها في حماس يدرك أن القضية الفلسطينية ومقاومتها التي تقود زمامها حماس تمتلك من العدالة وقوة الحق، ما يجبر الجميع على خطب ودها فضلا عن احتضانها مهما بدت الخلافات للعيان كبيرة إلا أن لفلسطين قدسية تلزم الجميع بالصفح والتجاوز.

كما أن حماس أعلنت وفي غير مناسبة نجاحها في استعادة كامل علاقاتها مع إيران التي لم تتوقف عن دعم المقاومة ومدها بالمال والسلاح، لما ترى من انسجام مع برنامج المقاومة، ولم تكن حماس وهي تعلن ذلك تعادي واحدة من أكبر الدول العربية مثل المملكة السعودية التي صنفت ودون أي مبرر وطني أو قومي حركة حماس كحركة إرهابية اللهم إلا للتساوق مع رغبات الإدارة الأمريكية التي تحركها الإرادة الصهيونية.

وفي الوقت ذاته احتفظت حماس بعلاقاتها مع كل من قطر وتركيا، اللتين تتفهمان موقف حماس وموقعها الحساس من التوازنات الدولية، ورغبتها في نسج علاقات من جميع الأطراف بغض النظر عن علاقة تلك الأطراف ببعضها، عملا بمبدأ ألا تنعكس الخلافات بين الدول على علاقتها بفلسطين ومقاومتها المحقة.

احتفاظ حماس بعلاقات طيبة ومتوازنة مع الأطراف المتنازعة لا يعني البتة أن تسعى حماس لنقل حجر الرحى من هذا الملعب إلى ذاك، أو أن تعطي حماس هذا الطرف حق التدخل على حساب ذاك.

فها هي مصر تقيم علاقات ودية مع سورية، وإيران، رغم علاقته القوية مع السعودية والامارات ولم يتهمها أحد بالتناقض أو التخبط، وعلى نفس المنوال ها هي حماس تنسج علاقات ودية مع القاهرة، وها هي القاهرة تبسط لهم أكف الراحة رغم أن الإعلام المصري وصل في وقت قريب إلى مرحلة اتهام حماس بكل التهم الباطلة التي قد تخطر أو لا تخطر على بال عاقل.

في ضوء هذه التوازنات الحساسة في الميزان الدولي وليس التناقضات كما يحلو للبعض تسميتها، لا يستطيع أحد أن يجبر حماس على حبس نفسها في صف دون آخر أو في محور على حساب آخر.

وكما أنه ليس في السياسة عواطف بل مصالح، فإن كل ما يحقق المصلحة لشعبنا الفلسطينية وقضيته العادلة هو ما يوجه دفة السياسة لدى حماس.

يتواجد منذ أيام في القاهرة، وفد كبير يضم أعضاء من المكتب السياسي لحماس في غزة والخارج، لجني ثمار التفاهمات التي جرت مع القاهرة ومع محمد دحلان.

لذا بات من البديهي العلم أن تفاهمات القاهرة أصبحت تكتيكيا تحتل أولوية في أجندة حماس السياسية، لتبديد سحب الحصار الخانق وتحقيق انفراجة تؤمن العيش الكريم لشعبنا المحاصر، دون أن تؤثر بالمطلق على علاقات أو خيارات حماس الاستراتيجية، طالما بقيت الحركة تحافظ على بوصلة المقاومة تتجه نحو عدو واحد هو العدو الصهيوني.

أزمة الثقة بين حماس والأطراف الأخرى آخذة في التبدد، والتلاقي مع القاهرة ومع دحلان ومن خلفه على مبدأ تلاقي المصالح يثبت مصداقية حماس وثباتها إزاء ما تعهدت به أمام المصريين من عدم تدخل في الشأن المصري الداخلي والعمل على تأمين الحدود.

وبات على الأطراف الأخرى اثبات مصداقيتها إزاء قضايا مثل تخفيف الحصار على غزة وصولا إلى انهائه عبر الفتح الكامل لمعبر رفح، وانهاء أزمة الكهرباء، وتعزيز التبادل التجاري الذي سيعزز الخزينة المصرية المتهالكة.

كل ذلك لا يدور بمعزل عن توجه حماس للمصالحة بقلب مفتوح، حيث أعربت عن استعدادها لحل اللجنة الإدارية مقابل تسلم حكومة الوفاق لكامل مهامها ومسؤوليتها عن الكل في قطاع غزة بمن فيهم موظفي حكومة غزة، وصولا إلى الانتخابات الوطنية المتزامنة وتعزيز الشراكة الوطنية في منظمة التحرير ومجلسها الوطني ولجنتها التنفيذية.

فكرة اللهب التي يتقاذفها أطراف الخلاف باتت منذ زمن في شباك الرئيس عباس التي كادت تحترق من طول الانتظار.