الهجرة النبوية وما فيها من دروس وعبر بقلم الشيخ حسن أحمد جابر
تاريخ النشر : 2017-09-13
بسم الله الرحمن الرحيم الهجرة النبوية وما فيها من دروس وعبر غيرت وجه التاريخ لصالح الإسلام والمسلمين وكان لها الأثر البالغ في وضع  الأسس المتينة لقواعد دولة الإسلام .

بقلم فضيلة الشيخ/ حسن أحمد جابر        مفتي محافظة رفـح عضو مجلس الإفتاء الأعلى بفلسطين

 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد  محمد الذي أوذي في سبيل الله وهو بمكة فصبر وأمره الله بالهجرة إلى المدينة فهاجر وكافح في سبيل تمكين العقيدة ونشر دعوة الإسلام فأيده الله بقوته ونصره على أعدائه فجاهد فى سبيل الله حق جهاده حتى أتاه اليقين  وبعد:-

أيها الأخوة إن في تاريخ الأمم و الشعوب أحداث ومواقف تطرأ عليها فيكون لها الأثر البالغ في تطور حياتها وازدهارها وإن من أهم هذه الأحداث التي طرأت على هذه الأمة هجرة النبي من مكة إلى المدينة حيث كانت فاتحة خير على الإسلام والمسلمين ولسنا بصدد ذكر تاريخ هذه الهجرة فهو معروف لكل مسلم ولكننا بصدد أن نأخذ الدروس والعبر التي تستلهم من هذه الذكرى العطرة فحينما اشتد إيذاء المشركين بالنبي وصحبه الكرام حيث أوقع المشركون بهم شتي صنوف العذاب والأذى حيث كان المشركون يلقون بسقط الجزور علي النبي أثناء صلاته فما يزيده إلا إيمانًا وثقة بنصر الله وكانوا يثيرون الشغب في مجالس صحابه رسول الله فيستهزئون بهم وبما يقرأون من قرآن جاء ذلك في قولة تعالي(وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن وألغوا فيه لعلكم تغلبون ) حينئذ ارتفعت أصوات المسلمين مستغيثة برب الأرض والسماء قائلين (ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها وأجعل لنا من لدنك وليًا وأجعل لنا من لدنك نصيرًا ) فحينئذ أذن الله لنبيه والمسلمين بالهجرة فلما عرف المشركون بذلك اجتمعوا في دار الندوة لينفذوا مؤامرتهم الهادفة إلى قتل النبي ووئد الدعوة في مهدها ولو تم للمشركين ما أرادوا لقضي علي هذه الدعوة( ولكن الله غالب علي أمره ِولكن أكثر الناس لا يعلمون )فأين مكر القوم من مكر الله عز وجل  فحمى الله نبيهُ بعنايته وحفظه برعايته يقول الله في ذلك (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) فلما حاصر المشركون  النبي خرج عليهم وهم نيام حيث ألقى الله عليهم النعاس فعفرهم بالحصى فما أصابت أحد منهم حصيه إلا ومات يوم بدر كافرًا فهذا الدرس العظيم من دروس الهجرة الشريفة نستلهمه في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ شعبنا فيزيدنا تمسكاً بأرضنا والدفاع عن العرض والمقدسات مؤمنين بوعد الله الذي وعده لعباده المؤمنين بالنصر والتمكين في الأرض يقول الله عز وجل مبشرًا عباده المؤمنين (إنا لننصر رسلنا والذين أمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ) .

والدرس الثاني من دروس الهجرة هو ما يعنينا في هذه الأيام من توجيهات النبي لأمته كيفية التشبث بالأرض والدفاع عنها وعدم التفريط فيها فعندما خرج النبي ومعه أبي بكر الصديق وقف علي أطراف مكة ونظر إليها والحزن يملأ قلبه لفراقها قائلاً والله يا مكة إنك لأحب بلاد الله إلي الله وأحب البلاد إلي ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت  ولكن ثقته بالله وتأيد الله للنبي  وأنه سيرده ظافرًا منتصرًا كان أكبر مما يعتري النبي من حزن وهم ، فخاطبه الله عز وجل قائلاً له (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلي معاد).

نذكر هذا الموقف الجليل الذي وقفة النبي متمسكًا بأرضه واثقًا بنصر الله فنزداد تمسكًا بأرضنا واثقين بنصر الله مجددين العهد لشهدائنا وأسرانا بأننا سنمضي في الطريق الذي مضوا فيه ألا وهو طريق العزة والكرامة مدافعين عن مقدساتنا حتى تعود إلي أحضاننا وحينئذ يفرح المؤمنون بنصر الله .

وأما الدرس الثالث الذي نستلهمه من هذه الذكري هو رعاية الله للنبي وعنايته له فعندما حاصره المشركون في الغار أرسل الله جندًا من جنوده وهي الحمام والعنكبوت تعشش علي فم الغار لتوهم المشركين بأن الغار ليس به أحد (وما يعلم جنود ربك إلا هو ) فيصور الشاعر هذا الحدث الجليل في أعظم صورة فيقول:-

الصدق في الغار والصديق لم يرما         وهم يقولون ما في الغار من ارم عناية الله أغنت عن مضاعفة من           الدروع وعن شيء من الإطم

ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت معًا        علي خير البرية لم تنسج ولم تحم

سل عصبة الشرك حول الغار حائرة      لولا مطاردة المختار لم تحمِ

فأدبروا ووجوه الأرض تلعنهم            كباطل من جلال الحق منهزم

فهذا خير دليل علي أن الله عز وجل لا يترك عبادة المؤمنين طرفة عين إذا هم فوضوا الأمر إليه وأخذوا بأسباب النصر وتوكلوا عليه .

ودرس رابع من دروس الهجرة نستلهمه فى هذه الذكري العطرة وهو التفاف المسلمين حول نبيهم وقائدهم وخوفهم على حياته  ويتمثل ذلك في قول أبي بكر للنبي وهما في الغار والمشركون يحيطون بهم يارسول الله أنا إن مت فأنا رجل واحد وأما إن مت أنت فقد هلكت الأمة فطمأنه النبي قائلًا يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما لا تخف إن الله معنا فنزل قولة تعالي (إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم)

أيها الأخوة نذكر هذا في هذه الأيام الدقيقة من تاريخ شعبنا وٍما كان عليه النبي من إصرار وعزم علي التمسك بأرضه والدفاع عنها وثقته بنصر الله  فيزيدنا إصرارًا علي التشبث بأرضنا والتمسك بمقدساتنا وأن النصر آت لا ريب فيه فحينما وصل النبي المدينة بعناية الله ورعايته من رحلته الشاقة التي تحمل فيها المشقة والعناء في سبيل توحيد كلمة الأمة ورفع راية التوحيد فشكل ركائز الدولة الإسلامية وهي الجيش والعلم والنشيد فهذه الدولة المجاهدة المؤمنة التي نشرت أجنحتها في مشارق الأرض ومغاربها وملأ نورها جميع بقاع الأرض واستطاعت أن تقهر أعتى قوتين في العالم وهما دولتي كسري وقيصر وبذلك أعادت للعرب والمسلمين أمجادهم وعزتهم .

فمن هذه الحادثة نعلم يقيناً أن الهجرة النبيوية غيرت وجه التاريخ لصالح الإسلام والمسلمين وكان لها الأثر البالغ في وضع الأسس المتينة لقواعد دولة الإسلام .

فصاحب الذكري ينادي العرب والمسلمين يامسلمون تشبثوا بأرضكم وحافظوا علي مقدساتكم وأزيلوا آثار العدوان عن أرض العروبة والإسلام يقول النبي صلي الله عليه وسلم (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فأنفروا).

وفى الختام نسأل الله العلى القدير أن يعيد علينا هذه الذكري العطرة العام القادم وقد تحقق لنا جميعاً مانصبو إليه من آمال فى استخلاص كافة حقوقنا وبناء صرح دولتنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف .

إنه على مايشاء قدير وهو نعم المولي ونعم النصير

بقلم فضيلة الشيخ/ حسن أحمد جابر                                     مفتي محافظة رفـح عضو مجلس الإفتاء الأعلى بفلسطين