الـعـراق .. فـلـســطين أخــري فـي الـطــريــق بقلم:حسن زايد
تاريخ النشر : 2017-09-12
الـعـراق .. فـلـســطين أخــري فـي الـطــريــق بقلم:حسن زايد


الـعـراق .. فـلـســطين أخــري فـي الـطــريــق

لعلنا لم ننتبه ، أو انتبهنا دون أن نكترث ، بما يجري علي البوابة الشرقية ، لما كان يسمي الوطن العربي ـ الذي لم يعد كذلك إلا في خرائط الكتب المدرسية ـ فيما كان يسمي دولة العراق من قبل . ننشغل عن عمد بفسيفساء القضايا ، حتي لا نخوض في القضايا الكبري ، خشية انفراط العقد بأكثر مما هو منفرط ، أوالمواجهة مع قوي دولية لها مصالح ضاغطة ، وقواعد عسكرية مرابضة لحماية هذه المصالح داخل الحظائر العربية أو خشية مواجهة دول عربية عميلة تعمل لحساب هذه القوي . ففي ظل حالة الإستغراق فيما يحدث بين قطر والرباعية ، وما يجري من معارك طاحنة في اليمن وليبيا ، والإنشغال بما يجري في القطر السوري ، أعلن إقليم كردستان العراق إجراء استفتاء بشأن استقلال الإقليم عن دولة العراق في 25 سبتمبر 2017م . وقد كان من المقرر إجراء هذا الإستفتاء في عام 2014م ، وسط حالة من الجدل الحاد والشديد بين الحكومة المركزية في بغداد ، وحكومة إقليم كردستان العراق . وقد استمرت هذه الدعوات الإنفصالية علي قدم وساق ، واشتدت وتيرتها ، وزاد زخمها ، في أعقاب الهجوم الذي شنه تنظيم داعش ، علي شمال العراق . وبدلاً من تدخل القوات العراقية ، وقوات الحشد الشعبي ، التابعين للحكومة المركزية في بغداد ، لمواجهة القوات الداعشية التي هاجمت الشمال العراقي ، تقاعست حكومة نوري المالكي ، عن التحرك . سيطر تنظيم داعش ـ نتيجة لذلك ـ علي أجزاء من المناطق الغربية ، والشمالية للعراق ، وتخلت القوات العراقية عن مواقعها ، في هذه المناطق . الأمر الذي دفع قوات البيشمركة ـ الكردية ـ إلي مواجهة قوات تنظيم داعش ، فأعادت السيطرة علي مدينة كركوك ـ النفطية ـ وبعض المناطق الشمالية حولها . وعلي إثر وقف بغداد التمويل عن إقليم كردستان ، سعي الإقليم إلي محاولة تصدير النفط ، عبر خط أنابيب الشمال المار بتركيا ، إلا أن الضغوط التي مارستها حكومة بغداد علي الحكومات الدولية حالت دون ذلك . وقد وافق الأكراد علي تأجيل الإستفتاء ، في أعقاب إزاحة نور المالكي ، وتولية حيدر العبادي رئاسة الحكومة ، إلي وقت آخر ؛ بقصد التركيز علي مواجهة تنظيم داعش . وقد صرح العبادي بأن الحق في تقرير المصير لإقليم كردستان هو حق بلا منازع . وقد صرح الأكراد بأن الإستفتاء لن يتم عقده ، إلا بعد تحرير مدينة الموصل . ومع تطورات معارك تحرير الموصل ، تعالت الأصوات الكردية المطالبة بسرعة إجراء الإستفتاء . والموصل محل أطماع الدولة التركية . وقد تحركت القوات التركية ، وانتشرت في معسكر بعيشقة ، للمساعدة في تحرير الموصل . وبالقطع التحرك التركي ليس لوجه الله ، وإنما لتهيئة المناخ الدولي ، للقبول بهذه الأطماع . وحتي تضفي شرعية علي هذا التواجد ، دفعت التنظيم لضرب القاعدة التركية ، فردت القوات التركية بضرب قواته . وتزعم تركيا أن لها حقاً تاريخيا في الموصل ، فقدته بموجب اتفاقية معاهدة لوزان عام 1923 م ، واتفاقية أنقرة عام 1926 م . ناهيك عن الأطماع الإيرانية التي لا تخفي ، بعد أن خرجت من الخفاء إلي العلن . فقد تبدت هذه المطامع بلا مواربة في المحاولات الدؤوبة للسيطرة علي العراق بعد سقوط نظام صدام حسين . هذا بخلاف المشاركة المباشرة بالمليشيات الإيرانية في المعارك الدائرة علي أرض العراق . وحين نفكر في الإستفتاء المزمع إجراؤه في إقليم كردستان العراق ، لا ننسي أن هناك أكراد أتراك ، وأكراد إيرانيين ، وأكراد سوريين . وبالتالي فإن هذا الإستفتاء سيشعل المنطقة ، ويدفعها في فوهة البركان ، وقوداً يزيد من أوار حممه ، المندفعة ، متناثرة علي أراضي دول عربية مجاورة . وتتحول العراق إلي فلسطين جديدة . فهذا الإجراء سيحيلها إلي أشلاء ، شلو كردي ، وآخر تركي في الموصل ، وثالث شيعي في الجنوب ، وسنة وبقية الطوائف في الوسط . وبدلاً من أن تكون العراق دولة مركزية قوية ، تحمي البوابة الشرقية لما يسمي جوازاً الوطن العربي ، تتحول إلي قطعة أرض متشرذمة ، ومحميات لدول أخري ، لحضارات متنافسة متربصة بالعالم العربي . فضلاً عن هدم وتفتيت أحد الركائز الرئيسة في مواجهة دولة العدو الصهيوني ، آخر أحد مظاهر الإستعماري الغربي الخشن في العالم . فهل سنلتزم الصمت حتي تكون هناك فلسطين أخري في المنطقة ؟ .
حــســـــــن زايـــــــــــد