الكلب بقلم : حماد صبح
تاريخ النشر : 2017-09-06
الكلب بقلم : حماد صبح 
لمحه في نور القمر حين اقترب من النافذة ، فهاله وأرعبه ! هل وراءه جنود إسرائيليون ؟! خفض رأسه حتى ساوى حافة النافذة . فوق ظهره كساء محزوم حول وسطه ، وبين أذنيه آلة تصوير . "أرسل للتجسس " ، هذا ما فكر فيه أبو غالب . هل وراءه جنود ؟! هل في شجر الزيتون جنود ؟! أخبر أبو غالب زوجته عنه في كلمات سريعة . وازى الكلب النافذة ، ونبح نبحة واحدة . رفع أبو غالب رأسه الملفف بكوفية بيضاء متلطفا متأنيا ، فلمح الكلب ينحو الأسفلت الذي يخترق المنطقة من الغرب إلى الشرق ، وزاد رفع رأسه . هاهو يعود في الطريق الترابي الذي ينساب شمالا وجنوبا أمام البيت . خفض رأسه أسفل حافة النافذة . ونبح الكلب نبحة ، هل شم رائحة أبي غالب الذي انسل إلى بيته مع زوجته من بيت خالته الذي لجأ إليه مع أسرته لبعده عن منطقة سكنه الخطرة القريبة من الحدود والتي قصفتها القوات الإسرائيلية بين وقت وآخر في العدوان الملتهب الآن ، وتسللت إليها مراتٍ مؤللةً وراجلة . ما الذي حث الكلب على العودة ؟! هل هو مدرب على تجنب السبل المطروقة مثل الأسفلت ؟! هذا ما يفعله الجنود الإسرائيليون حين يتسللون إلى منطقة ما . هل شم رائحة بعيدة لبعض كلاب المنطقة التي شكلت قطعانا جائعة مستذئبة بعد أن غادر أهلها البيوت ؟! لو قبضت عليه لفتكت به . اتجه شرقا والجا كرم زيتون لجيران أبي غالب الذين يقوم بيتهم على مرتفع عريض من الأرض . في الجو زنانة ، هل تراقب الكلب وتوفر له الأمان ؟! دقائق ، وسمعت طلقة وعَوْية ! وقبل أن يفكر أبو غالب في مبعث الرصاصة أطلقت الزنانة صاروخا جهة البيت ، فارتعبت أم غالب وقالت : القصف قريب .
فارتد نحوها وقال لاهثا : قصفت الزنانة بيت سلمان . انتقموا للكلب .
_ لنذهب ! لا مبيت لنا هنا .
وهمس بعد أن قعد قربها : ستقصفنا الزنانة إذا خرجنا . بقاؤنا آمن لنا .
_ سيأتي جنودهم للكلب . ستوجههم الزنانة إلى المكان .
_ قد لا يأتون إلى بيتنا . حذرون جدا . أعرفهم . لا يفعلون أكثر مما تستوجب مهامهم .
استلقيا متجاورين قصد أن يناما ،لا نوم مع خوف ، وبعد ما يقارب الساعة انسلا خارجين متوجسين . ابتعدت الزنانة . سارا شبحين متباعدين قليلا في المزارع والأشجار . تتمنى أم غالب لو يغيب القمر فجأة لتلفهما ظلمة كاسية سابغة ، ويتمنى أبو غالب لو تنتهي هذه الحرب التي فاقت الحربين الماضيتين عنفا ودما ومدى . التفت وراءه بعد أن اجتاحه شعور مقبض بالتقصير والذنب ! كيف غادر بيته دون أن يطمئن على ما حدث لمطلق الرصاص على الكلب ؟! حاول أن يخفف وطأة شعوره مقنعا نفسه باستحالة قدرته على الوصول إلى بيت جيرانه في جو الحرب المكفهر الملتهب خطرا وموتا ، ومن يدري ؟! قد لا يكون مطلق الرصاص قتل ؛ إذ بدا له البيت في نور القمر سليما بكبره وعلوه ، لو كانت القاصفة ف 16 لخلطته بالتراب ، سيعلم غدا ماذا حقيقة ، والتفت إلى زوجته ، وحثها على السرعة ، وأردف : حتى الكلب يعلمونه كيف يحارب معهم .