"البطن الرخوة" في أوربا وضربات "داعش" بقلم:بكر أبوبكر
تاريخ النشر : 2017-08-22
"البطن الرخوة" في أوربا وضربات "داعش" بقلم:بكر أبوبكر


"البطن الرخوة" في أوربا وضربات "داعش"

بكر أبوبكر
 
حسب المعطيات الاعلامية فإن نشاط التيارات الاسلاموية المتطرفة لم تنقطع، فهي ومع تتالي الهزائم على الأرض نتيجة انكشاف الغطاء الغربي-العربي، وبعد حزم الأمر لدى عدد من الأنظمة بالتراجع عن حالة التردد أو الدعم أو الاستغلال لظاهرة "داعش" فان التنظيم المتطرف الذي يفقد الأرض، ها هو يعود مجددا ليجد موطيء قدم في المنطقة التي تشكل البطن الرخوة غير الصلبة في أوربا!

 تشير صحيفة "واشنطن بوست" إلى أنه (على الرغم من أن تنظيم "داعش" فقد أكثر من نصف ملاذاته في العراق وسوريا، فإن وجود التنظيم على الشابكة=الإنترنت ما زال مؤثراً وقوياً بشكل مذهل. ففي الأسابيع التي سبقت هجوم برشلونة، أصدر التنظيم 12 مقطعاً مصوراً جديداً، بالإضافة إلى مقال يومي  كلها كانت تهدف لحشد المتعاطفين مع التنظيم لشنّ هجمات حول العالم)

 وتقول الصحيفة الأمريكية ايضا ( إن هجوم برشلونة الأخير يؤكد مجدداً أن تنظيم "داعش" ليس مجرد أرض، وإنما هو شبكة افتراضية تسكن مساحات شاسعة من التضاريس السيبرانية، التي تتناسب تماماً مع المساحات التي يحتفظ بها التنظيم في كل من سوريا والعراق.)

البيئة الجغرافية أم الافتراضية؟

ان النشاط الاعلامي لداعش الذي ينتج 20 مقطعا يوميا دلالة على نشاط عناصر التنظيم اعلاميا ودلالة على أن فقدان (الأرض) حيث موطن (الخلافة) والتمكن وهي البيئة التفاعلية يمكن الاستعاضة عنه ب(أرض الهجرة) حيث (العدو البعيد) ممثلا بدار الحرب حيث الحكم غير الاسلامي وفق سرديات وأدبيات التنظيمات الاسلاموية، بل ومن الممكن استغلال (الأرض أو لنقل السماء الافتراضية) كبيئة بديلة لانشاء "الدولة" بديلا متيسرا دوما.

ان استبدال (بيئة) الأرض بالسماء (الافتراضية) حيث تتموضع الشابكة (انترنت) يصبح بديلا مناسبا في ظل امكانية التنظير لفكر العُزلة والانفصال والابتعاد عن المجتمع، ماكان أول الفكرة للنقاء الديني/الروحي عامة، وأول الفكرة لدى تنظيم (التكفير والهجرة) لشكري مصطفى في مصر، الذي ابتدع بالعصر الحديث فكرة الانفصال الجغرافي-الحيزي عن المجتمع، وكان هذا الطور الثاني من الانعزال عن المجتمع، وعليه أصبح الطور الثالث من فكر الانعزال عن المجتمع متمثلا بالفضاء الالكتروني.

شكري مصطفى وبيئة العزلة

هيأ شكري مصطفى لأتباعه (بيئة متكاملة من النشاط وشغلهم بالدعوة والعمل والصلوات والدراسة وبذلك عزلهم عن المجتمع إذ أصبح العضو يعتمد على الجماعة في كل احتياجاته ومن ينحرف من الأعضاء يتعرض لعقاب بدني وإذا ترك العضو الجماعة اعتبِر كافراً حيث اعتبر المجتمع خارج الجماعة كله كافراً ومن ثم يتم تعقبه وتصفيته جسدياً.)

وعن الهجرة التي تعتبر العنصر الثاني في فكر الجماعة بعد تجهيل وتكفير المجتمع كما تذكر الموسوعة الحرة على الشابكة توضح (ويقصد بها العزلة عن المجتمع الجاهلي وعندهم أن كل المجتمعات الحالية مجتمعات جاهلية. والعزلة المعنية عندهم عزلة مكانية وعزلة شعورية بحيث تعيش الجماعة في بيئة تتحقق فيها الحياة الإسلامية الحقيقة ـ برأيهم ـ كما عاش الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام في الفترة المكية)، وما هو في ذات فكر محمد عبدالسلام فرج أمير تنظيم الجهاد المتوفي عام 1982 صاحب كتاب (الفريضة الغائبة) الذي كان منه أيمن الظواهري أمير تنظيم [1]"القاعدة" اليوم.

إن فكر التطرف عبر التاريخ البشري ومنه في الحضارة الغربية أو العربية وفي فترات متتابعة كان يجد له الملاذ الآمن في القلاع (جغرافيا) حيث دول متقاتلة وفضاءات متناحرة على أسس دينية او مذهبية او قومية، أو مصلحية بغلاف كل ماسبق.

العزلة شعورية أولا

فكر التطرف مرتبطا بالعزلة يجد له حقلا في قلوب المؤمنين (العزلة الشعورية) حيث الحشد والتحريض وغسيل الدماغ والأسر العقلي وهي العملية الأولى التي افترضت امكانية العيش (بوجهين) داخل المجتمع الآخر(العدو أو الجاهلي أوالعلماني)، أي ان تعيشه وفي ذات الوقت تكرهه، وتدعو عليه وتتمنى له الفناء وهو أصل الفكرة الماضوية السلفية المنحرفة التي تفترض الصلاح المطلق للذات، والفساد المطلق للآخر لمجرد اختلاف الدين أو المذهب أو الرؤيا ما هي آلية تحريض خطرة مازالت مستقرة في العقل المسلم الماضوي وفي الكثير من خطب أئمة المساجد عامة.

ما نود قوله ان المراحل الثلاثة للانعزال المجتمعي ابتدأت مع توالي الهزائم في الامة الاسلامية فأصبح مفهوم التمسك بالدين مرتبطا برفض الآخر نفسيا ومجتمعيا وهو ما طوره لاحقا متطرفو التنظيمات الاسلامية عبر الشكل والملبس والعادات وفرض شكل مختلف عن المجتمع للأسرة ثم للجماعة وهو ما سارت عليه تنظيمات (الاسلام السياسي) المتطرفة منذ القرن العشرين

عزلة النفس ونقاء الفكر اولا

ان المرحلة الاولى في التعبئة الشعورية العزلوية في الفكر المكتفي بذاته هي فكرة الطهر في كافة الاديان وامكانية تحويل هذا الطُهر العقدي الى فعل عزلة (شعورية ام جغرافية ام فضائية) ثم فعل عنيف يأتي من الفهم المغلوط للفكرالاسلامي المستنير الذي لا يرى بالخلاف العقدي الا نوعا من التنوع المجاز والذي يمثل سنة الكون.

الحالة الثانية التي تطورت عن "أرض النفس" هو الانتقال للعزلة المكانية/الجغرافية ولو داخل المجتمع، وصولا للعزلة الافتراضية وهي الأخطر اليوم لأنها تتخطى الحدود وتتفاعل مع متطلبات الكثير من جهلة المسلمين في العالم (ومن الممكن أن يطال هذا الفكر كل الطوائف والاديان).

من هم الداعشيون؟

النقطة الاخرى الجديرة بالاهتمام هي لماذا يستهدف الداعشيون اليوم أوربا؟ والسؤال الأسبق عليه؟ أين داعش أصلا؟ بعد سلسلة هزائمها على الأرض؟

ان التوجه نحو الغرب (العدو البعيد) قابل للاستثارة بعد انهزام "الدولة" من (العدو القريب)، ولا يعني هذا أبدا ان مقاتلة العدوين قد أغفلت أبدا، وانما البطن الرخوة اوالخاصرة الضعيفة في أوربا هي الجاذب لهذا التنظيم ليكرس ضرباته.

من هو داعش أصلا؟ تشكل التنظيم المتطرف من فلول قيادات في حزب البعث المنحل الحاقد سواء في سوريا أو العراق وبدعم المخابرات مع حفنة من الماضويين الذين ارتبطوا بالزرقاوي مع دعم خفي أو تسهيلات من الدول الاقليمية، وبرعاية امريكية عبر المعتقلات، ولما اتخذ التنظيم منحى مخالف للسياق المطلوب كان القرار واضحا بالتصدي له فاتفقت الأطراف المتسببة بنشوئه على انهائه فمن هو وهل انتهى ؟

ان معظم العناصر الوطنية المنتمية للتنظيم أي تلك من ذات البلد (من سوريا أو من العراق او من ليبيا او من اليمن كل في أرضه) وبالتركيز على العراق فان معظم العناصر تلك التي انتمت في سياق أزمة النظام العراقي مع مكونات البلد بامكانها حلق اللحية ولبس الدشداشة العراقية والعودة للانخراط بالجماهير وربما ابتداع شكل مقاوم ومناهض آخر للحكومة فهي لم تخسر الكثير لأنها مازالت موجودة وهو ما سيحدث أيضا في سوريا والدول الأخرى.

أجانب داعش "الرخوة"

أما العناصر الخارجية (من خارج بلدان الصراع) الفاعلة اليوم في أوربا فهي في غالبها من الشمال العربي الافريقي، وبضعة اخرى من وسط آسيا فهم (الجهلاء) الذين لا يميزون الشعر عن القرآن كما تقول "النصرة" عن أعضاء "داعش"، هؤلاء هم وقود المعركة ضد الغرب فهم مؤهلين للطاعة العمياء، نتيجة الفقر الديني والجهل باللغة العربية والقرآن الكريم، ونتيجة الجهل المذهبي وأحيانا التعصب العرقي، ويسند ذلك حالة العزلة الشعورية أو الضعف الاجتماعي والضيق الاقتصادي مع عدم القدرة على احداث التلاؤم بين المعتقدات وواقع الحياة المعاش، انهم "البطن الرخوة" وهو يمكثون في أوربا (او يعودون) حيث المؤسسات الاسلامية الرسمية عليها تجاههم واجب كبير بالتخلي عن خطاب العزلة والتكفير والتفسيق و"دار الحرب" و"دار السلام"، في متوالية التحريض التي لا تهدأ والتي تعيد (أمجاد) حروب الدارين فقط أي دار السلم ودار الحرب أو شبيهتها الحروب الصليبية.

لماذا أوربا

ان الخاصرة الرخوة في أوربا التي يركن اليها عقل "داعش" والاسلامويين المتطرفين عامة تتمثل باليُسر والسهولة المتأتية من القدرة على استقطاب هذه الفئة الجاهلة والمهملة أو الهامشية أولا، ومن استغلال التنظيم لمساحة الحرية بالحركة في أوربا بشكل سلبي ثانيا، وبقدرة هذه العناصر"الاعلامية" (وخاصة الخليجية منها) على استخدام التقانة=التكنولوجيا بشكل قوي ومؤهل، وعليه فإن توفر العقل لتنظيم هذه المكونات موجود، فلم لا يحرك الغضب والحقد ويبعث الآمال بوهم (الجهاد) العالمي لينقض على العالم بعد أن تدمر عالمه هو، لا سيما مع حقيقة انفضاض الكثرة التي كانت بالتنظيم والتي انتمت ليس لولاء ديني وانما لحقد أو مصالح ارتبطت بسياسات الأنظمة الاستبدادية، وافتراق الأمة على قاعدة العداء واستحكام الخلافات والمذهبية المنبعثة حديثا بدعم اسرائيلي- استعماري.

 

دور الأمة لوأد الفتنة

في أحد أركان الحل لمأساة انتشار التطرف عبر المحيطات الفعل في أرض المنشأ أي في البيئة العربية الاسلامية ذاتها من حيث ضرورة نشر ثقافة التسامح والاقتراب والتعددية، حيث يقول الكاتب العراقي صالح عوض في البحث عن حل افتراق الأمة على قاعدة المذهبية المرتبطة بفكر التطرف أن امامنا (أحد سبيلين..اما البحث عن أسباب الفرقة والاختلاف والتنابز والاحقاد وسنجد ان لها مادة موجودة في كتب المهرطقين من الجانبين وفي فذلكات المهابيل المجاذيب وحينذاك نجيش الامة لفتنة لاتبقي ولاتذر نتقاتل على كلمات وعلى امزجة الرجال.. ماهذا الغثاء القاتل؟ كيف نترك للمجانين في امتنا ان يقودونا الى المهلكة.)

ويقول أن (هناك سبيل آخر .. ذلك أن نبحث عما يجمعنا ويوحد صفوفنا او يجعلها متقاربة ونشيح بأوجهنا عما يغرقنا في الاختلاف لاسيما واعداء امتنا يفرقوننا  ولكن لا يفرقون بيننا بصواريخهم وقنابلهم فكلنا أمامهم فريسة..هذا السبيل هو السبيل الى القدس والطريق اليه).

ويقول الكاتب د.أحمد عبدالغفورالسامرائي في (ثقافة الوسطية في مواجهة التكفير): (إن الإسلامي اليوم بحاجة إلى أن يفكك شخصيته نقديا كما يفكك فعالياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية وكل منظومته الثقافية، بما يعزز مكانته في العالم، كذلك يعزز المكانة التفاعلية لإسلاميته، وبحاجة إلى تغيير الأطر والاستراتيجيات الإيمانية، والتفاعل في المجتمع المحلي والعالمي وفق المعايير التي توصلت إليها الإنسانية في الوقت الراهن، من الشفافية والتواصل والديمقراطية والمصالح المشتركة، ومن منطلق إن الدين والإيمان والأخلاق منظومة ربانية، وحدود ألاهية تعني جميع البشر وجميع البشر يحاولون أن لا يحرموا أحدا منهم من هذه الرحمة والنور والهداية، عبر الحواروالاقتناع والمحبة وحرية الاختيار واحترام الرأي، في جو الأمان والاطمئنان)

ان الحل في ليس في أوربا فقط، بل يسير في ذات المركب الذي يجمعنا فيه البحر المتوسط لذا فلا مناص من تبادل الفكر والخبرة والتفاعل والتواصل الثقافي والفكري والحضاري بين الأمم ليحصل التغيير على قاعدة تغيير "البيئة" هو أفضل السبل لتغيير الأفكار المتطرفة او المنحرفة.

 وفي سياقنا العربي الاسلامي يجب أن يكون من المطلوب التعامل مع فجوات الفكر الانعزالي والمتطرف في كتب التراث والسلف والقدماء بتنقيته من الزوان واللجوء للعقل والمنطق ومرجعية الكتاب والسنة الصحيحة منذ الصغر، وصولا لأسس الدول الحديثة والمجتمعات التي تنطلق من القانون والديمقراطية والتسامح.