ترامب يغازل العنصريين بقلم:عمر حلمي الغول
تاريخ النشر : 2017-08-21
ترامب يغازل العنصريين بقلم:عمر حلمي الغول


نبض الحياة

ترامب يغازل العنصريين

عمر حلمي الغول

كان يوم السبت الموافق ال11 من آب/ أغسطس الحالي، يوما عصيبا في مدينة شارلو تسفيل في ولاية فرجينيا الجنوبية، عندما قام احد عناصر الميليشيات العنصرية المتعصبة بصدم عدد من المواطنين الأميركيين المعارضين لسياسة دونالد ترامب وممارسات الجماعات العنصرية في المدينة والولاية والجنوب الأميركي على حد سواء، مما أدى إلى قتل إمرأة تدعى هيذر هيير (32عاما) وإصابة تسعة عشر شخصا. وللأسف لم يتخذ الرئيس الأميركي موقفا واضحا من الجريمة العنصرية، بل إتسم موقفه بالحيادية، عندما ساوى بين العنصريين والمدافعين عن الديمقراطية الأميركية، وهو ما يعني بشكل جلي إنحيازه لصالح اولئك، الذين وقفوا معه في حملته الإنتخابية، ودفعوا به لكرسي الرئاسة في نوفمبر 2016.

لم يكن حادث شارلو تسفيل عاديا، لإنه أعاد للإذهان واقع أميركا البائس، التي تدعي بأنها "واحة الديمقراطية"، وهي المسكونة في )اعماقها بالعنصرية القاتلة، حيث يوجد في الولايات المتحدة وفق مركز إحصاء المركز القانوني الجنوبي الخيري  Southern   Poverty Law Center) 

623 مجموعة عنصرية، و165 ميليشيا مسلحة خارجة عن القانون، لا تلتزم بالقانون العام، ولا تؤمن بالدستور الأميركي، وترفض التعددية والديمقراطية، وتعادي الأقليات الأثنية والدينية الأخرى، ومنها: اليهود والمسلمين والسود وحتى المسيحيون من اتباع الطائفة الكاثوليكية. وتلعب منظمة كوكلكس كلان العنصرية ، التي تنادي بسيادة عرق (الواسب) الأنجلو ساكسوني البروتستانتي الأبيض، دورا مهما في نشر وتعميم الأفكار العنصرية داخل الولايات المتحدة عموما، والولايات الجنوبية خصوصا. وهذه المنظمة تأسست عام 1865 في ولاية تنسي، وتعاظم حضورها في الشارع الأميركي بعد نشوب الحرب العالمية الثانية عام 1939.

تعتقد الدكتورة كارول كالاغير أن سبب وجود هذه المجموعات والميليشيات، يعود لزمن نشوئها عندما لم تكن هناك شرطة وجيش اميركي، مما دعا الجماعات البشرية القاطنة في ولايات متفرقة  لتأسيس تلك الميليشيات للدفاع عن نفسها ومعتقداتها. غير ان ما ذكرته كالاغير يفترض ان يكون قد إنتهى مع ترسخ الديمقراطية الأميركية، وبناء مؤسسات الدولة الفيدرالية، وأُقامت الولايات حكوماتها وسلطاتها المحلية. وإذا كانت الديمقراطية تسمح بالتعددية الفكرية والسياسية والثقافية والدينية والإثنية، فإنها لا تسمح بوجود مجموعات وميليشيات عنصرية مسلحة تأخذ القانون باليد، وتحرض على الحكومة الفيدرالية. وهنا يستحضر المرء ما قام به الإرهابي تيموني ماكفان عام 1995، عندما فجر مبنى فيدراليا في ولاية اوكلاهوما، نتج عنه سقوط 168 ضحية، بهدف الدعوة للثورة ضد الحكومة المركزية في واشنطن. الأمر الذي يشي بأن مستقبل الديمقراطية الأميركية في خطر حقيقي، لا سيما وان الرئيس دونالد ترامب لصيق الصلة بتلك المجموعات العنصرية. ومن يعود لتصريحاته وأول قوانينه هذا العام، التي اصدرها ضد سفر اتباع ست دول إسلامية لإميركا، ليعكس بؤس الحال الأميركي. ويؤكد ان رأس الإدارة الحالية، ليس امينا على الديمقراطية الأميركية. ونتيجة مواقفه من حادث شارلو تسفيل، حيث الإنحياز المفضوح للعنصريين من منظمة كوكلكس كلان تخلى عنه عدد من مستشاريه، مما حدا به يوم الأربعاء الماضي لحل "مجلس المستشارين". فضلا عن ازماته العميقة مع مكونات الدولة العميقة في اميركا نفسها، ومع العديد من الدول والكتل والأحلاف الدولية بما فيها حلف الناتو، الذي صنعته الولايات المتحدة نفسها.

غزل الرئيس ترامب للعنصريين يفقده أهليته الرئاسية، ويزيد من القوى المعارضة لحكمه في الداخل الأميركي، وهو ما يعزز رؤية الإتجاهات المنادية بإسقاطه، وعزله. ولن تنفع ساكن البيت الأبيض من قريب او بعيد لعبة المناورة والإتكاء على مناصرية من اليهود الصهاينة امثال فريدمان، السفير الأميركي في إسرائيل، وصهره كوشنير وغيرهم من اركان إدارته، ولا مغازلة إسرائيل والتواطىء والتساوق معها على حساب السلام والمصالح الوطنية الفلسطينية. لإن اخطار سياساته تهدد السلم الأهلي في الولايات المتحدة الأميركية كلها، وتدفع بظهور النزعات الإنفصالية في العديد من الولايات الجنوبية والشمالية على حد سواء، وبذلك يهدم المدماك الموحد لإميركا.

لذا على صاحب الشعر الأصفر ان يعيد النظر بسياساته، ويلتزم بالقانون والدستور الأميركي، ويكف عن العبث بمصير أميركا. لإن هذا يصب في مصلحته الشخصية ومصلحة دولته القومية العليا، إن كان يريد مواصلة الحكم ووحدة أميركا.

[email protected]

[email protected]