زيدان.. آينشتاين الساحرة المستديرة بقلم:مصطفى محمد
تاريخ النشر : 2017-08-21
زيدان.. آينشتاين الساحرة المستديرة بقلم:مصطفى محمد


كتب : مصطفى محمد

إعلامي رياضي

زيدان.. آينشتاين الساحرة المستديرة

التدريب في كرة القدم ليس بصعوبة " الكيمياء " بل هو أصعب!! في المعمل عندما تدمج ذرة أكسجين مع ذرتين هيدروجين فالنتيجة حتمية بإذن الله، H2O وهكذا مع أي معادلة مجربة، أما في كرة القدم فلا يكفي أن تمتلك أفضل العناصر فقط ولا أفضل مدرب فقط  ولا الأموال فقط، بل قد تمتلك كل هذة الأدوات أي جميع عناصر المعادلة في كرة القدم ولا تحصل على النتيجة الحتمية كما في معادلات الكيمياء، هناك سببان رئيسيان لذلك: الأول أن كرة القدم هي مجال ابداعي خلاق يعتمد على الموهبة التي قد تغير مسار بطولات في لحظة، والأمثلة كثيرة، أما السبب الثاني هو إيجاد تناغم وتجانس بين جميع عناصر النجاح، وهذا الأخير يحتاج لقائد عبقري يستطيع وضع المقادير المناسبة لخلطة النجاح التي تتوافق مع أهدافه وسقف طموحاته وإمكانياته، يحتاج لزين الدين زيدان..

زيزو النجم الفرنسي، أحد أفضل 10 لاعبين لمسوا كرة القدم عبر التاريخ، يدشن الأن اسمه بخطى ثابتة ليكون أحد أفضل مدربين كرة القدم في أوروبا والعالم. قدم زين الدين زيدان نموذجا فريدا في كيفية تعامل وترويد المدرب للنجوم وباقي عناصر الفريق بل وتغيير تفكير راسخ لإدارة ناديه في سياسة شراء اللاعبين، فحقق الديك الفرنسي سيطرة ساحرة على النادي الملكي، ساعدته نجوميته الطاغية في فرضها وشخصيته الهادئه القوية،  بالإضافة لقدراته الفنية المبهرة في قراءة المباريات والمنافسين وتوظيف اللاعبين الذي لا يخلو من جراءة ومغامرة كبيرة، كلها عوامل جعلت نجوم الريال السوبر " عجينة طرية" يشكلها ساحرهم كيفما ووقتما يريد دونما اعتراض أو تذمر من أحد. وما يحدث مع " الدون " خير مثال، فاستطاع الثعلب زيدان أن يحافظ على توهج نجمه الأبرز بتخفيف الضغوط عليه بإيجاد بدائل، جاءت من المرونة في تغيير طريقة اللعب،  وإراحته بدنيا عن طريق رفع المستوى الفني والبدني لجميع اللاعبين ومنحهم ثقة أكبر، ونفسيا اقنع زيدان كريستيانو رونالدو بأنه مثل المدير الذي يأتي ليضع اللمسة الأخيرة ويقص شريط البطولات، وأن ذلك في مصلحة الأخير ليكون جاهز بل ومتألق على مدار الموسم، وقدم لنا درس في كيفية التعامل مع " السوبر ستارز" في هذة المرحلة العمرية للحفاظ على توهجهم وتحقيق أكبر استفادة منهم، وهو ما يفتقده ميسي مع البرسا الذي يتحمل كل الضغوط منفردا.

الفريق هو النجم

في الحقيقة أن ما يفعله زيدان مع ريال مدريد ليس وليد اللحظة، زيدان الذي حقق كأس العالم وبطولة أوروبا لمنتخب بلاده وصاحب مسيرة إحترافية مميزة، لم يرفض تدريب الفريق الرديف لريال مدريد ويقوم بدرسات تدريبية ليتمكن من الحصول على رخصة التدريب بالليجا، ولم يتعجل الظهور كرجل أول في الجهاز الفني للميرينجي وعمل كمساعد مدرب للإيطالي كارلو أنشيلوتي، لكي يزداد خبرة وتمرس والأهم أنه عرف كل كبيرة وصغيرة عن الفريق، ساعدته في وضع يده على كل نقاط القوة والضعف في كيان النادي الملكي، ودأب زيزو منذ توليه القيادة الفنية للريال على إيصال رسالة واضحة للجميع مفادها أن الفريق وطريقة اللعب الجماعية هي البطل الأوحد وأن الجميع في خدمة مصلحة الفريق لتحقيق أهدافه، فعمل على دمج عناصر جديدة في التشكيلة الأساسسية، مثل  كاسيميرو وأسينسيو ولوكاس فازكيز وكوفاسيتش وطور أداء جميع اللاعبين بداية من فاران الذي أصبح يشارك في بناء الهجمات من الخلف بفاعلية،  مرورا باستخراج أفضل ما لدى كارفاخال وتهيئة مارسيلو للابداع،  واعطاء  مودريتش مزيد من الثقة وجعله يشعر أنه ملك وسط الملعب وليس لاعب مهم فقط، وطور كثيرا من أداء المكينة الألمانية كروس في أهمية الأستحوذ ودقة التمرير وجعل من  كاسيميرو و وكوفاسيتش كاسحة ألغام لإفساد هجمات المنافس مبكرا وإيقاف خطورة نجم الفريق الخصم، ناهيك عن استثماره لقدرات جاريث  بيل وبن زيما وزيدان على أفضل وجه،  هذا بخلاف ما يفعله مع إيسكو، الذي أشعر أن زيدان يرى فيه نفسه وهو لاعب، ليجعله من أهم صناع اللعب في العالم ويوفر على الريال أكثر من 150 مليون يورو تكلفة استقدام إيدين هازرد في هذا المركز مستقبلا، وهذة النقطة تحديدا" تأخذنا للحديث عن عبقرية وقدرة زين الدين على تحويل تفكير رئيس النادي فلورنتينو بيريز من اصطياد الصفقات الكبرى الدعائية المدوية، إلى التركيز على الإحتياجات المناسبة لطريقة لعب الفريق، وهذا يؤكد على أن ما يفعله الثعلب الفرنسي هو فلسفة شاملة في فن لعب وإدارة كرة القدم.

" الأناكوندا " في مواجهة سحر " التيكي تاكا "

مثلنا جميعا تابع زيدان سنوات التفوق الكاسح للأسد الكتالوني بطريقته الشهيرة  " تيكي تاكا " للمدرب العبقري بيب جوارديولا، اسلوب اللعب الذي اشتقه ثم طوره من الطاحونة الهولندية المعروفة  منذ سبعينيات القرن الماضي، الطريقة التي تعتمد على الأستحواذ المستمر على الكرة الذي يصل إلى إهانة المنافس أحيانا في الملعب عن طريق الضغط الدفاعي الجماعي المتقدم لاستخلاص الكرة  والتمرير الأرضي المتقن والتحرك السريع بدون كرة واستغلال المهارات الفذة لنجوم هذة الفترة المعروفين لبرشلونة. بعد دراسة واستيعاب من مدرب نادي العاصمة لأسلوب وطريقة البرسا الفتاكة، فاجأنا زيدان بطريقة أشبه باسلوب " الأناكوندا " التي تقضي على فرائسها بالضم والضغط على الجسم حتى يتفتت عظمها وتتفجرعروقها ، فعمل زيدان على رفع معدلات اللياقة البدنية لدرجة جعلت لاعبيه تظهر كالديناصورات في مواجهة الخصوم سواء في الليجا أو على المستوى الأوروبي، مما مكنه من الضغط  على الخصم في كل أرجاء الملعب بداية من منطقة جزاءه، كما شاهدنا في لقائي السوبر الأسباني ضد برشلونة، وعند امتلاك الكرة يختار الريال اسهل الطرق للوصول للمرمى من دون فلسفة زائدة، بالاستحواذ والتمرير المتقن الشبيه بالتيكي تكا مرة، أو باللعب على الأجناب وإرسال الكرات العرضية للمهاجمين أحيانا،أو التسديدات القوية من خارج المنطقة التي يتقنها كل لاعبي الوسط تقريبا، هذا التنوع الكبير في خطط اللعب و تغيير طريقة  ترتيب اللاعبين ومهامهم داخل الملعب حسب كل مباراة يخوضها الميرينجي، والدرجة العالية جدا من الجاهزية الفنية والبدنية والتدوير المستمر للركائز الأساسية في الفريق، أعطت لزيدان مرونة تكتيكية وحلول  كثيرة وأصبح الريال لا يتأثر بأي غيابات أو يعاني في اختيار الطريقة المناسبة لمواجهة الخصوم داخل أو خارج ملعبه.

العبرة والدرس

قد يقول قائل، وهو محق بالمناسبة، أن زيدان مدرب محظوظ لأن توقيت وجوده وتفوقه متزامن مع تراجع مستوى برشلونة وفرق أوروبية كبيرة أخرى، نعم هذا جزء من الصورة وليس السبب الرئيس، فقد يتراجع منافسيك ولكنك لا تستغل الفرصة وتطور من نفسك وتعمل بشكل علمي مدروس لتكتشف عيوبك وتعمل على علاجها أولا" ثم قد تخدمك الظروف، فالطريق متوازي، فزين الدين زيدان كدا وصبر، فنال الميرينجي معه 7 بطولات في عامين والباقية تأتي..

التطور المذهل في علم التدريب وإدرة كرة القدم وتجارب المدريبن الكبار، مثل أريجو ساكي الإيطالي وإيميه جاكيه الفرنسي وكارلوس ألبرتو البرازيلي والمدربين المعاصرين جورديولا ومورينيو وزيدان وغيرهم كثر، مثار تحليل ودراسة في أكاديميات كرة القدم العالمية، والباب مفتوح لمدربينا ولاعبينا للاستفادة والتعلم لتطوير قدراتنا والاستمتاع بقيمة النجاح.