الطواحين البشرية و حمار الرحى؟ بقلم:د.محمد غاني
تاريخ النشر : 2017-08-21
الطواحين البشرية و حمار الرحى؟ بقلم:د.محمد غاني


د محمد غاني

كاتب، المغرب

كثيرا ما نطرح التساؤل على أنفسنا نحن أهل الشرق لماذا نحن متأخرين في حين أن إخوانا لنا في البشرية على الضفة الأخرى من البحر، سواء ذلك الجانب الغربي منه أو ذاك الحفاف الشمالي يرغدون في هنيء العيش و يسبغون في رغد الحياة؟
يتشعب الجواب بقدر تنوع أساليب الحياة واختلاف الأسباب وتنوع البواعث و تفاوت العلل و تباين المثالب و تفنن الحوافز.
لكن أبرز الدوافع الظاهرة الخفية في نفس الآن في معادلة لا يفك شيفرتها الا ذووا النهى و أصحاب الحصافة هو تلك القدرة على الفرار من حالة حمار الرحى الذي وصفه الحكيم الصوفي ابن عطاء الله الاسكندري بقوله: لا ترحل من كون إلى كون ، فتكون كحمار الرحى يسير والذي ارتحل إليه هو الذي ارتحل منه ، ولكن ارحل من الأكوان إلى المكون “وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى”
انها رحلة في النفس تتجاوز بها حجب الفكر و سراب الوهم لتظهر لك حقائق الأشياء، آنذاك تستطيع أن تنتقل من حالة الطواحين البشرية التي تنشغل بالأطنان من الأعمال دون انتاج حتى و لو القليل من المردودية، و هو عين ما وصفت به المبدعة الايرلاندية كارولين دونيلي أمثال هؤلاء بقولها : “البعض لا يستطيع التمييز بين الاتصاف بالانشغال وبين القدرة على الإنتاج. إنهم طواحين بشرية، مستغرقون في العمل، ولكنهم في واقع الأمر لا ينتجون سوى القليل”
فمن خلال رؤية المبتكرة دونيللي فإن ما يميز المبتكر من بني آدم عن درجة البهائمية في بني الانسان هو المردودية و الإنتاجية و التي لا تذكيها الا القدرة على الابتكار و الابداع، و هذا عين ما اتصفت به الحضارة الشرقية في أوج عطائها الى أن خبى نورها و كادت تنطفأ شعلتها، لكن ضوء الأمل دائما متواجد ذاك ان المتشائم في نظر تشرشل يرى الصعوبة في كل فرصة ، أما المتفائل فيرى الفرصة في كل صعوبة ،و الا لم يكن للكد معنى و لا للسعي فحوى و لا للتطلع مغزى، و كما أبدع الشاعر جميل صادق الزهاوي:
يعيشُ بالأملِ الإِنسانُ فهو إِذا … أضَاعَه زالَ عنه السعيُ والعملُ
لم يَعْبُدِ الناسُ كلُّ الناسِ في زمنٍ … سِوى إِلهٍ له شأنٌ هو الأملُ
انه لا ييأس من روح الله الا القوم الخاسرون أو كما ارتأى العالم الاسكتلندي روبيرت ليجتون : ” الزهرة التي تتبع الشمس تفعل ذلك حتى في اليوم المليء بالغيوم.”
و لا يخفى على نبيه ما للتفاؤل من دور في شحذ الهمم لبلوغ أي مرمى و للوصول لأي مقصود و لتحقيق أي غاية و قد أنشد في هذا المعنى الأديب جبران خليل جبران فيما يشبه الشعر الحر:” هناك من يتذمر لأن للورد شوكاً، و هناك من يتفاءل لأن فوق الشوك وردة” فمن يتصبر و يصابر يجد من الله عونا فهو مع الصابرين والى هذا المعنى وصل المفكرون أمثال الأمريكية بام بونتوس التي أبدعت قائلة:” إن قوة الدفع تخلق المزيد من قوة الدفع وكذلك التحفيز فإنه يغذي نفسه بنفسه” و هو ما يمنحك الثبات و العزم على طول الطريق الى أن يشرق الضوء في آخر النفق كما يرمز الى ذلك المثل الفنلندي
كما أن تحقيق الأهداف الكبرى لا يتم الا بالتدرج بإنجاز الصغير منها حيث أشار الى ذلك هارولد ميلخرت حين صرح قائلا “عش حياتك كل يوم كما لو كنت تتسلق جبلا، إن نظرة من حين لآخر باتجاه القمة ستحافظ على بقاء هدفك في عقلك، إلا أنه سيظل أمامك الكثير من المناظر الجميلة لتتأملها من على كل نقطة وصول أثناء صعودك. تسلق ببطء وبثبات مستمتعا بكل لحظة تمر عليك، ومنظر الجبل تحت قدميك عندما تعتلي القمة سيكون ذروة الإثارة في تلك الرحلة”.