الصحفي النمساوي والاستيلاء على الاراضي في الضفة الغربية بقلم المحامي حسين عاهد عيسه
تاريخ النشر : 2017-08-20
الصحفي النمساوي والاستيلاء على الاراضي في الضفة الغربية بقلم المحامي حسين عاهد عيسه


الصحفي النمساوي والاستيلاء على الاراضي في الضفة الغربية

في خريف عام 2013، وأثناء زيارتي للعاصمة النمساوية فينا، شاءت الاقدار ان التقي بإنسان اعده من عمالقة الصحفيين في العالم، وليس فقط على مستوى جمهورية النمسا، تبادلنا حديثاً ممتعاً، وزاد من دهشتي انه يعرف تفاصيل الضفة الغربية ومن ضمنها البلدة التي انحدر منها صانور – جنين، من خلال عمله مراسلاً بإحدى وكالات التلفزة العالمية في الضفة وغزة، تبادلنا الحديث السياسي كالمعتاد وعن الاوضاع الانسانية في الضفة الغربية، مسلطين الضوء على مستقبل العملية السلمية في ظل الاستمرار المسعور للتوسع الاستيطاني والاستيلاء على الأراضي التي هي العقبة الاساسية امام تحقيق السلام مع الطرف الاسرائيلي حسب الرأي السياسي العالمي، وأيضا حسب رأي تيار كبير من الجانب الاسرائيلي المؤيد لوقف الاستيطان وتحقيق السلام والعيش معنا بسلام وامن الذي نحن أيضا نريده، وما اثار استغرابي من هذا الصحفي المخضرم هو فهمه الخاطئ لما تقوم به قوات الاحتلال الاسرائيلي من الاستيلاء على الاراضي، قائلا لي: يا صديقي ان الاستيلاء على الاراضي يكون نتيجة لمخالفات من قبل الملاك والمتصرفين بموجب القانون النافذ في مناطق الضفة الغربية والدليل على ذلك هو استعمال المصادرة حتى من قبل وكالات الاعلام الفلسطينية والعربية.

لا انكر الموقف الذي وضعني فيه ورغم حظلقة الكلام التي امنها الله علي انني لم استطع الجواب السريع عليه، قائلاً له جل من لا يسهو ويكاد الخطأ في ترجمة الكلمة هو سيد الموقف لوصول عبارة المصادرة لديكم، بل في حقيقة الامر هي استيلاء لأن جلها اراضي تعود ملكيتها لمواطنين فلسطينيين، وما اثار دهشتي انه يجد اللغة العربية بطلاقة ضاحكاً وهل هذه الكلمة عربية ام لا، وذلك خلال إطلاعي على خبر صحفي في احد الوكالات الفلسطينية المشهورة، ان قوات الاحتلال قامت بمصادرة اراضي لتوسيع احد المستوطنات.

نعم صديقي انت محق في التعليق، وحمداً انني استطعت ان اقنعة ان كلمة المصادرة استخدمت للمرة الاولى بموجب الاوامر العسكرية الاسرائيلية النافذة حالياً في الضفة الغربية، والاحتلال يستخدم هذه الكلمة ليستطيع اقناع الرأي العالمي انه موجود في هذه الارض وما يقوم فيه هو تطبيق للقوانين النافذة.

سادتي ...... احبائي....... وكالات الإعلام الفلسطينية – العربية – العالمية، الاستيلاء وليس المصادرة،  كلمه المصادره التي تعلمناها في السنه الاولى خلال دراستنا في كليه الحقوق بأنها نوع من انواع العقوبة وغالبا ما تكون لأداة الجريمة المرتكبه، وما يستوقفني ويثير التعجب لدي!!! ان معظم وسائل الاعلام، إن لم يكن جلها عربيه وعالميه، تستخدم كلمة المصادره للتعبير حينما يقوم الاحتلال الاسرائيلي بالاستيلاء على اراضي المواطنين بغيه اقامه، او استكمال، او توسيع المستوطنات.

عجباً لهذا التعبير الذي لا يمت للواقع بصلة، وعلاوة على ذلك انه موحي للرأي العالمي والعربي وكذالك الاجيال الفلسطينية، ان اصحاب الدار الملاك والمتصرفين في الأراضي التي تعني لهم الكثير الكثير تكون حيازتهم لها جريمة ويعاقبوا عليها بالمصادرة، ناهيك عن الغرامات الماليه الاخرى التي قد يفرضها الاحتلال والهدم ايضا للمنشىات ان كانت تحتوي على منشئات.

 للأسف، لم يوعى المستوى السياسي والإعلامي الفلسطيني لذلك، بل بقيت الكثير من وسائل الاعلام تستخدم هده العبارة معتقده انها كلمه تثير تعاطف الرأي العالمي، وما شاهدته هو العكس بل الرأي العالمي يلومنا نحن لماذا لا نتقيد بالقوانين النافذة التي تجعل السلطات تصادر الأراضي.

 لا ألوم المستوى السياسي والإعلامي بقدر ما الوم الزملاء المستشارين القانونيين العاملين في مؤسسات الدوله السياسيه منها والإعلامية، فهذه الكلمه ليس لها اساس في التشريعات الفلسطينية النافذة بل اوجدها الاحتلال الاسرائيلي بالأوامر التي كان يصدرها لتطبيق قوانين كانت ملغاة ابان الحكم الاردني للضفة كقانون اراضي الموات و الاراضي المحلوله، حيث اضاف في الاوامر العسكريه هذه، كلمة المصادره محاوله منه لتقنين العمليه هذه باعتباره صاحب السيادة وليس محتلا.

 فما يجب على وسائل الاعلام هو توخي الحذر لهده الكلمة التي ليس لها مدلول قانوني على ما يحدث بل الذي يحدث في الحقيقة هو استيلاء جبري على الارض، والدليل على ذلك، ان الاحتلال حينا بصدر امراً عسكريا بالاستيلاء على ارض ما،  تكون هده الارض خاليه منذ مده لا تقل عن ثلاث سنوات ويكون متعمداً ان تبقى هذه الارض خاليه حتى يقنع نفسه ان اصحابها قد تركوها (والترك طبعاً يكون عنوة عنهم، حيث لا يستطيعوا الوصول اليها خوفا على ارواحهم للخطر الذي يتعرضون له من قطعان المستوطنين)  وأصبحت ارضا محلوله وعادت للدولة باعتبارها صاحبة الادارة في المناطق المصنفة بـ (ج)، أن الاوان لإلغاء هذه الكلمة من القاموس الاعلامي لا سيما بعد قرار مجلس الامن الدولي الاخير باعتبار المستوطنات غير شرعية.

وأخيرا وليس آخرا  السلام آت والعيش بأمل آت فالأفق  في وحم لأن تحمل لنا وللإسرائيليين بفرصة السلام.

بقلم المحامي حسين عاهد عيسه

استاذ القانون العقاري