وقفة ثقافية وعيد الأضحى المبارك بقلم:سلامة عودة
تاريخ النشر : 2017-08-19
وقفة ثقافية وعيد الأضحى المبارك بقلم:سلامة عودة


وقفة ثقافية وعيد الأضحى المبارك
تجول العيون بين سطور التاريخ ترنو إلى معرفة الحقائق، فتنثر الكلمات من على الشفاه عطر ثقافة، ونرتشف من المتلقي رشفات النقد؛ كي نتحلى برياحين المعلومات عبقاً يرسل إلى الأجيال، ولعل حادثة سيدنا إبراهيم تنقدح في الذاكرة عند حلول عيد الأضحى، والتلبية تعطر أجواء مكة وجبل عرفات، ليكون الذبح في اليوم الثاني، تيمنا بالطاعة المثالية التي ندّت عن سيدنا إبراهيم خليل الله ،عليه السلام، عندما أُمر بذبح ولده إسماعيل، وهو أول من فتق لسانه باللغة العربية ، وقد كانت قصته الرائعة في التاريخ والدين جلية واضحة، وأمه هاجر تذرع الصفا والمروة بحثاً عن ماء أو مُعين في أرض لا زرع فيها، حتى يتفجر ماء زمزم ، فتقضي مآربها منه، وتدل الطيور على المكان فتنفذ إليه قبائل العرب من جرهم وغيرهم، وتصبح المنطقة مأهولة يأتيها رزقها، ويقام فيها بناء الكعبة التي أقام بنيانه سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل.
وحتى تبقى الذكرى حية في النفوس، فلا يزال الحجاج يذبحون الأضاحي في يوم النحر، ولكن الأمر مختلف مع اليهود الذين يعتقدون أن الذبيح إسحاق، وقد فدي بكبش، يحتفل اليهود بطقوس الذبح كذلك ، وينفخون في قرن الكبش إيذانا ببدء سنة جديدة ، وحتى تكون هذه السنة حلوة ومؤملة ، يأكلون التقاح المغموس بالعسل.
كما تقول كتب التاريخ ،والله أعلم : إن هذا الكبش هو تقدمة هابيل إلى الله ، وقد تقبلها الله تعالى ،وبقي الكبش يرتع في رياض الجنة حتى كانت حادثة الذبح ، فيكون فداء لإسماعيل عليه السلام، ولا يخفى على دارس السيرة النبوية القول المشهور عن سيد ولد آدم عندما قال: أنا ابن الذبيحين، وقد ربط الحادثتين من فحوى كلامه.
فالديانات جميعها جاءت بالتوحيد، والكتب السماوية جاءت كتب هداية، والقصص في هذه الكتب متشابهة لو لم يعتريها التحريف، ونحن مسلمين نؤمن بما جاء به الأنبياء والرسل كافة، غير أننا نجد الديانات الأخرى تقف عند حدود رسولها وحسب، أما نحن فنقول: موسى عليه السلام ، وعيسى عليه السلام، ومحمد خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم.
ويذكرنا منظر الحجاج وهم على عرفات، بيوم الحشر، وهم عراة ، والشمس قاب قوسين أو أدنى، يعرضون على ربهم للحساب ، فإما الجنة أو النار، وانظر عند مغيب الشمس يفيضون أمواجاً بحثاً عن تتمة المناسك؛ لتفاؤلهم الرائع بقبول دعائهم وتضرعهم إلى الله تعالى أن يعفو عنهم، ويتقبل عملهم الصالح، وهم تاركون ملذات الدنيا الفانية وقد تركوا شعرهم وأظفارهم ، ولبسوا ثياب الإحرام التي تذكرهم بأن الدنيا متاع زائل ولم يبق منها ما يزين سوى ثوب أبيض نقي من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.
رفعوا الأكف والثياب البيضاء ، وهم شعث غبر ؛ ليرحمهم الله برحمته.
فطوبى لمن زار نلك الأماكن وتبرك بها، وقد كان خشية الله تجسدها دموع تذرف ، وقلوب مطمئنة بعملها، وإنه لحج مبرور وسعي مشكور ، وتجارة رابحة لن تبور.