محطاءات وإضاءات قيمية في سرد سيرة نموذجية - الحلقة 14 بقلم:يونس عاشور
تاريخ النشر : 2017-08-12
محطاءات وإضاءات قيمية في سرد سيرة نموذجية - الحلقة 14 بقلم:يونس عاشور


محطات وإضاءات قيمية في سرد سيرة نموذجية  – الحلقة (14) –

في الحاجة إلى آليات فكريه عملانيّة للخروج من ماهيّة المأزق..! 

يونس عاشور*

     عندما أرادَ صاحبنا الخُروج من القلعةِ بدأ يُفكّرُ في أساليبٍ تقنيّة ناجِعة والقيام بأدوارٍ تمويهيّة نافِعَة من أجلِ الخروج من المأزقِ الذي قد وقعَ فيهِ وذلك عبر إيجاد آليّات فكريّة عملانيّة تتيحُ لهُ قراءة  الحدث بلُغةٍ مفهومية، تنبثقُ معها إمكانات جديدة للتفكير وفضاءات كلاميّة غنيّة بجوهر التعبير وانتقالات للمواقف والمفاهيم بالتدبير والتغيير ومن ثمّة العمل على إقناعِ الخصم أو إبعاده أو التخلّص منه بمنهجيةٍ تعيدُ للموقف قوته وأصالته أي تأصيلاً لذاتية النص وترجمته وظهوره للعيان وتعمل على تفكيك المفهوم إلى مفاهيم والمعنى إلى معانٍ كلُ ذلكَ ينبثقُ من صلابة التفكير العملاني الخلاّق الذي يُساعدُ على فهمِ الإشكاليّات وصوغها صياغةً خلاّقة ومساهمةً فعّالة في تكوين المشهد الفكري على أنهُ يحتاجُ إلى قراءة ونظر وترميم وإعادة بناء وتكوين منهجيٍ بمنطقٍ تحويلي وتطابقي بين الرؤية والواقع أو بين النّص والحدث أو بين ما هو غائب وحاضر على صعيد المفهوم الذي يتأسسُ بإنشاءات خِطابية وأبنية لغوية تعمل على توليد وتركيب المعنى وصناعته صناعة خلاقة ذات علاقة تكاملية، وتحويل فكري فعّال يتيحُ للواحد منّا التخلص من ربقةِ القوقعة الفكريّة الأُحادية إلى منطلق النصوص  الفكرية الآفاقية التعدُّدية المُتَجددة دوماً التي تعملُ على إغناء حقول الفكر وتنميتهِ بصورة فاعلة ومثمرة.

نعود إلى قضيةِ صاحبنا، حِينَمَا وصلَ إلى والي القلعة وحاشيته دارَ بينهُ وبينهم حدِيثاً مُطوّلاً،  فقد شرحَ صاحبنا موقِفه لهم وما قد واجهه إبانَ سفرهِ  وتراحله مع رفاقه وما آلت إليه الظروف من مصاعب ومتاعب في تلك الفترة العصيبة،  فقد انتهى به المطاف إلى طلب المساعدة منهم لكنّ والي القلعة وحاشيته لم يبدو رغبتهم واستعدادهم في التعاون معهُ حيث تجلى له فيما بعد أساليب المراوغة والخداع الذي كانوا يمارسونه معه.

بعدما تبيّن لصاحبنا مكرهم واستشعر خطرهم بأنّهم كانوا يُحِيكُونَ لهُ المؤامرات في العملِ على تصفيتهِ وتصفية رفاقه بدأ ينتابه الخوف وأخذ يُفكّرُ في كيفية الخروج من المأزق الذي قد وقع فيه بينهم..!

صحيح أنّ أخلاقيّاته كانت لها دوراً تعبويّاً في التأثير عليهم كما أسلفنا ذكره في الحلقة السابقة، لكنّهم سرعان ما تغيّر موقفهم اتجاه صاحبنا وبدأت أحقادهم تتجلّى في وجوههم بسببِ خوفهم منه أي على مصالحهم بالدرجة الأولى كأن يسحب البساط من تحتِ أقدامهم ويسلبهم إرادتهم ويجعل بقيّة ممن كانوا مع الوالي في ذلك الوقت ينجذبون إليه فتأسرهم أخلاقه بسبب منطق عبارته التي كان قد وظّفَها في استخدام المحسنّات البديعية واللغوية معهم.

لقد أنتاب الوالي شعور بالخوفِ على مكانته وهيبته ومنصبه وحُكْمَه بسبب مجيء صاحبنا ودخوله عليهم وبعدما رأى الوالي أنّ الجميعَ من حراسهِ ونوابهِ وخدمهِ متوجِّهِين بأنْظارهم إلى صاحبنا ومتأثرين بخطابه وجميل كلامه وحسن قوله ، ونظراً لتلك المؤهلات والكفاءات والقدرات التي كان يتمتع بها صاحبنا فقد  فكّر الوالي في التخلّص من صاحبنا بأسرع وقت ممكن لكيلا يكون له تأثيراً مباشراً على الأشخاص الذين كانوا يقفون مع الوالي.!

لقد أراد صاحبنا فيما بعد الانسحاب شيئاً فشيئا ومغادرتهم، وبالفعل سمحوا له بالخروج من ديوان الوالي،  وبينما هو يخطو بخطوات يائسة نحو الخارج مطأطأ رأسه بدا عليه ملامح التقهقر، وإذا بثعبانٍ ضخم يخرج من بين الجدران ويتجّه نحوه فلتفت إليه صاحبنا وهرع منه فزعاً وبدأ يهرول ويسرع نحو أعمدة القلعة للتخفي والاختباء من ذلك الثعبان الكبير ، لكنّه لم يتسنى له الهرب لأنّ الثعبان كان حجمه ضخماً وطويلاً مُخيفاً في هيئته، فخطرت عليه خاطرة سريعة بأن يجعل الثعبان يغيّر وجهته نحو وجهة أخرى عبر إلقاء كرات صغيرة يتطاير منها أشعّة صفراء عند إلقاءها ورميها في الفضاء، وقد كانت تلك الكرات يحملها صاحبنا في جيبهِ  لاستخدامها في وقت الضرورة لإضاءة المكان المبهم الذي كان يضلّه مع رفاقه أثناء سفرهم.!

بالفعل لقد استطاع صاحبنا أن يختبأ بين أعمدة القلعة الشاهقة بعدما أبعد ذلك الثعبان عنه بذكائه فهرب بحيث لا يستطيع الثعبان رؤيته أو الإبصار به من كثرة  أعمدة وجدران القلعة الموجودة هناك.! إلى أن اختفى الثعبان وذهب من حيث أتى.!

بقي صاحبنا مُختبئاً وخائفًا وراء الجدران حتى غادر الثعبان المكان وبدأ صاحبنا يتحيّن الفرص لكي ينجو بنفسه إلى خارج القلعة وإذا بأحد الحيوانات المفترسة أيضاً من الأسود يخرجُ من مكانٍ خفيٍ ويتجه نحوه لافتراسه، فخاف صاحبنا هذه المرة وأدرك أنّ ثمةً خطر ما يهددُ حياته..!! وبينما هو كذلك إذ هطلت أمطار غزيرة وصواعق برقُ مخيفه ينتقل صوتها من مكان إلى آخر حيث كانت سبباً في إيقاف ذلك الحيوان المفترس الذي أراد القضاء على صاحبنا فاستبشر صاحبنا خيرا عندما رأى الحيوان يفرّ منه فَحَمِدَ الله على هذه النعمَة التي كانت سبباً في استمرارِ حياتهِ وكان ذلك حافزاً لهُ بالتوجه نحو خارج القلعة حتى ينجو بنفسه ويقابل أصحابه  هناك!.

وفي نهاية المطاف استطاع صاحبنا أن ينجوا بنفسه من أهوال تلك القلعة حتى وصل إلى أصحابه بسلام وهم في حالة اشتياق إليه وخوف على حياته،! وصل إليهم وهو شاحب القسمات، مرهق الوجه، مرتجف الشفتين قد أتعبه لقاء الوالي والسير في فناء تلك القلعة الكبيرة وما واجهه من مخاطر جمّة نجا بنفسه منها، وهنا تعجّب رفاقه من صمود شخصيته على مجابهة المشكلات والتحدّيات الجسام  فقالوا له ما هذا العناء والتعب الذي يلوح على وجهك؟؟!

صاحبنا: هيّا لِنغادرهذا المكان حالاً قبل أن يأتي إلينا أحد من الحراس ويمسك بنا أو ينهي حياتنا..! ، أعتقد أنّ والي القلعة ليس أهلاً للثقة لأنّه هو من قد حاول اغتيالي وتصفيتي، لكنني بحمد الله نجوت بنفسي منه.

لقد رأيت عجب العجاب في ذلك المكان واحمد الله إنكما لم تكونا معي.!

أبو دولامة والشيخ المسن ماذا تقول يا صاحبنا؟!...

صاحبنا : ليس لدينا وقت كاف لكي نمكث هنا أكثر! هيّا لِنغادر..!

أبو دولامة والشيخ المسن : سمعاً وطاعة.!

كانوا أثناء فرارهم يتحدثون عن قضيتهم وكيفية الخلاص من المأزق الذي ألمّ بهم، وقد شرح لهم صاحبنا ما قد واجهه من متاعب ومصاعب مع والي القلعة، وأنّ ثمة وحوش كاسرة كادت أن تزهق بحياته هنالك لكنّه بفطنتهِ وذكائه نجا بنفسه من تلك المعضلة التي أراد الوالي من خلالها تصفيته جسدياً!.

لقد مارس الوالي خداعاً زائفاً معه وقد أدرك صاحبنا ما حدث لهُ بأنّه مكيدة ومكر أراد له الوالي أن يقع في الفخ هذا ما وضّحه وشرحه لأبي دولامة والشيخ المسن.

أبو دولامة والشيخ المسن لصاحبنا: إذن لم تستطع الحصول على شيء من الوالي ؟

صاحبنا : كلا لقد هددّني بالانتقام أن لم أغادر قلعته ..!

بقي حديثاً واحدً سيحاول صاحبنا التطرق إليه مع أصحابه عند مسيرهم وبحثهم عن مخرج  ما..! وهو أن والي القلعة أرشده للذهاب إلى شخصٍ يقال له "عبسوي".

هذا ما سنحاول تفصيله وشرحه أكثر في الحلقة القادمة ؟!...

كاتب ومُهتم بالشأن الفلسفي المعاصر*