الحلقة الثانية والعشرون من كتاب "ذاكرة الترف النرجسي" بقلم: د.حنان عواد
تاريخ النشر : 2017-08-10
الحلقة الثانية والعشرون من كتاب "ذاكرة الترف النرجسي" بقلم: د.حنان عواد


الوطن.. الكلمة وروح الانتفاضة.

الأخ شهاب محمد شاب مناضل ومقاوم،شارك بمعركة الكرامة، أصيب بها وفقد رجله،وظل مؤمنا بالوطن والنضال، ايمانا لا تخفت ضياؤه.

وحينما تلتق مناضلا كالأخ شهاب،لا تستطيع الا أن تحمل له كل التقدير والاكبار.

حمل شهاب أمانة ترتيب برنامجي الثقافي بكل اهتمام،ونظم برنامجا شاملا،يضم ندوات في سفارة فلسطين،ولقاءات اعلامية في الصحف والاذاعات وتليفزيون الكويت.كان الجو التفاعلي بارتقاء الفكر المقاوم،واللقاء الحميمي الذي جمعني بقيادتي الوطنية،والتي طالما حلمنا أن نلقاها،كنا قد شاهدنا حضورهم باجتماعات المجلس الذي عقد في عمان،حيث غطى التيليفزيون الأردني هذا الحضور الملفت،والذي عشنا فيه معهم أياما مبشرة بالأمل.

وكانت أولى الزيارات التي رتبها الأخ شهاب، زيارة الأخ القائد سليم الزعنون،معتمد اقليم فتح في الكويت، ورئيس المجلس الوطني الفلسطيني،التقيته في مكتبه،وكان المكتب يطل بروح الانسان،تسير الحركة بتوثب ملفت.حدثته عن أوضاع الأرض المحتلة،وحدثني عن فتح ونشاطها، وأسمعني بعض قصائده المنطلقة من روح شاعر ألق الروح ،ثم أهداني قصيدة خاصة كتبها بوجودي .كانت زيارة راقية،انطلق الحديث بشجونه معرجا على مواقع ومواقف كثيرة.ألاخ أبو الأديب شخصية مميزة،ملامحه الانسانية تحمل رؤيا سياسية وانسانية،واطلالته في حركة فتح،رجل قانون وشاعر وسياسي مجرب،تلقي اضاءات نوعية على قادتنا الذين أسسوا للانطلاقة وللوجود الفلسطيني،وظلوا قامات عالية يعتز بها.سعدت جدا باللقاء معه،وأسعدتني الثقة التي يحملها والايمان بالنضال والغد القادم بالأمل.رئس المجلس الوطني،السلطة الأعلى في منظمة التحرير،وكان مرجعية هامة لثورتنا العملاقة،ومؤسسا لحركة فتح،رجل المواقف الكبرى ،والمؤتمن على الرسالة مع الرئيس عرفات وقادة الثورة الآخرين .أحمل له كل تقدير واكبار،رعى زيارتي بعمق المحبة والتقدير،واهتم بي كثيرا،وظل متابعا معي النشاطات والانجازات.شاركت معه في اجتماعات كثيرة هامة،في ترسيخ الفكرة النضالية،وروح الانتفاضة المباركة،الى أن التقيته عائدا في لحظات تاريخية،وظل حضوره النوعي فينا حتى هذه اللحظات..أمد الله في عمره وحفظه لفلسطين. 

عدنا بعدها، الى سفارة فلسطين،وهناك تعرفت على الأخ عوني بطاش سفير فلسطين في الكويت،والأخ عقبة الذي لا يفارق الفاكس أبدا،وهو يصل الوطن بالمحطات العديدة التي ينطلق منها صوت منظمة التحرير،وكذلك تعرفت على الأخ أبو أسامة سعيد،والعديد من الكوادر الملتزمة.وكانت حركة فتح آنذاك تقوم بتنظيم  احتفاليات الانطلاقة، والتي سيحضرها الرئيس.وقد انتدب الأخ ابو الأديب الأخ ناصر عابد ليتابع برامجي مع الأخ شهاب، كما انتدب الأخ جمال سعيد لمرافقتي.طلب مني أن أقدم قصيدة باسم صوت الأرض المحتلة،فطلبت من ألاخ شهاب قراءتها نيابة عني..وفي بداية الحفل،صعد شهاب الى المنصة، وقرأ القصيدة،ولما جلس ثانية،سأله أبو عمار عني قائلا"هي فين حنان؟"،فناداني وجلست قربه،فقد كنت في الصفوف الأخيرة للابتعاد عن الكاميرات.اكتمل البرنامج،وخرجت مع الرئيس في الموكب الرئاسي الى مقر الرئاسة،ثم أوصلني الشباب الى الفندق.وفي الصباح عدت الى المقر،فوجه لي الرئيس دعوة للحضور الى تونس وغادر.

تابعت في اليوم التالي اللقاءات،التقيت الأخ وليد أبو بكر في جريدة القبس،والأخ حافظ البرغوتي،ولفيف من المفكرين الفلسطينيين والعرب،وتعرفت على الكاتبة ليلى العثمان،ورحبت بي كثيرا،وعاتبت الأخ شهاب لأنه لم يعلمها بزيارتي قائلة:"لماذا تخفون عني حضور هذه الكاتبة المتألقة"؟،بعد ذلك زرتها،وبنيت بيننا صداقة راقية.كما التقيت لفيفا من المفكرين الاعلاميين الفلسطينيين  والعرب.و في جريدة القبس،نشر حوار معي،حاورني الكاتب المعروف وليد أبو بكر،جاء فيه: "حنان عواد القادمة من الأرض المحتلة..الحديث عن الثقافة حديث حول الوطن..

"حنان عواد من الأسماء الفلسطينية الأدبية المعروفة،لها حضور في الحركة الأدبية في فلسطين المحتلة والعالم".

ثم تم تنظيم لقاء جماهيريا مع المرأة،أعدته السيدة الفاضلة سلوي أبو خضرة،رئيس الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية.قدمت خلالهامحاضرة في ظل أجواء الثورة والحماس المنقطع النظير.ثم التقيت الدكتور وجيه،ممثل القائد أبو جهاد،وكان دمثا رقيقا،مميز الحديث والهدوء المشع ذكاء. 

كان لي أقرباء في الكويت،خالي مصطفى الذي لم أره منذ مدة طويلة،وهو يعمل مديرا في شركة النفط بالأحمدي.تابعت السفارة البحث عن العنوان،وجهزوا لي سيارة، وفاجأته،وكانت مفاجأة رائعة.

وعلى هامش اللقاءات الرسمية،كان الأخ شهاب يلتقيني بأمانة المسؤولية والحرص الدائم..

وفي جلساتنا،كان يحدثني عن الثورة والنضال وروح الالتزام..ولم أكن أدري بأنه مقاتل،عاش تجربة النضال العملية وسطر الكلام الثائر،الى أن كنا جالسين في صالة الفندق نعد البرنامج الثقافي،استرسلنا في الحديث،وعرجنا على معركة الكرامة وتضحيات الرجال،فاذا هو يشير الى قدمة المركبة،ويروي القصة بكبرياء،توقفت قليلا،وحزنت كثيرا،واغرورقت دموعنا،وصمتنا طويلا..ثم تابعنا الاعداد...ودارت في ذهني صورة معركة الكرامة،والتضحيات،وصورة أخ أمامي شاهدا على عصر نقاء الثورة.

وفي اقليم الكويت،اهتم بي الأخوة اهتماما غير عادي،أكبروا حضوري السياسي والثقافي الذي غطى الصحف ،وأشادوا بعمق الانتماء والفكر الوطني ،ولم يتوانوا في توفير سبل الراحة لي ،قدموا لي جميع التسهيلات اللازمة،بكل الحب والتقدير والتمييز،مما أثار حفيظة  بعض النساء..ففي أحدى الامسيات،رن جرس الهاتف،واذا بصوت نسائي يقول لي بلهجة مصرية:"هل جئت الى هنا لتأليف قلوب الرجال؟ان رجالنا مفتونون بك،ولا يتوقفون عن الحديث عنك".ودون أن أعرف من تعني من الرجال،تحدثت اليها بلطافة وهدوء،وقلت لها بكل ثقة:"انني أتفهم شعورك،ولا أعتقد أن لي ذنب بكل هذا،ولكنني أطمئنك بأن كل ما يجري هو حالة شعورية مرحلية امتدت من وشائج اللقاء الفلسطيني ما بين الداخل والخارج،والذي كان ممنوعا لسنوات،فما بالك وانا هنا أمثل الرئيس أبو عمار والقائد أبو جهاد،وقادمة من عمق فلسطين،من القدس ،برائحة الوطن المعتق،كيف سيكون احتفاء الأخوة بي..ثم تابعت:"صدقيني سيدتي،ان كل هذه التفاعلات ستهبط تدريجيا عندما أغادر،وستبقى الأخوة والصداقة هي الأعلى والأسمى،وستشعرين بذلك بوضوح..أرجو أن لا تقلقي،انني اطمئنك،ومطمئنة بأن هذه هي الحقيقة التي ذكرتها وستدركين ذلك، وان حصل هذا أرجو من حضرتك الاتصال بي"،وكأنما كلماتي أراحتها وهدأت من روعها،وتغيرت لكنة الحديث لتحدثني بكل احترام وتقدير..وفي اليوم التالي حضرت لزيارتي.

والحقيقة،ان الاخوة تعاملوا معي بدرجة ارتقاء سامية،وغمروني بالرعاية والدلال،والتفوا حولي بكل المحبة والاعجاب،حتى أن الأخ شهاب كان يناكفني قائلا:ماذا ستقولين لكل المعجبين"المشموسين"؟

من الطبيعي،أنه حينما يلتقي الناس مع أديبةشابة،صاحبة قلم حاد،تطل الى الاقليم من الأرض المحتلة وبانتفاضتها المباركة،تأخذ الدهشة مداها،و يجول الذهن في محطات الاعجاب ورغبة التعارف و الاقتراب المعبر عن الانتماء والهوية... 

وفي المعرفة،تنمو في الكثير من الأحيان مشاعر خاصة، والفة انسانية بنقاء الياسمين..وتكون مرحلية،باطلالات الروح على آفاق جديدة متجددة،مخضبة بمشاعر مختلطة الحضور،مربوطة بواقعية وجمال الحدث،والزمن المرسوم على ابداعات المواقف.وحينما ينتهي الحدث ،تأخذ المشاعر أمتعتها لتغادر تدريجيا،واحيانا تمتد فلا يكسرها البعد ولا الرحيل.

والحقيقة أن هذه الأحداث تكررت معي في مواقع ومواقف عديدة...

سرت في الكويت وتفاصيلها،في اللقاءات السياسية والادبية والتنظيمية،بروح محلقة في آفاق ملونة الحضور،مجددة الأمل،وفي المساء كنت يوميا ألتقي أخا من قادة الثورة،نناقش خلال الجلسات وضع الأرض المحتلة ومتطلباتها ومشاكلها.وقد قدمت الي الكثير من العروض لمتابعة العمل،ولكنني،وأنا أعي تماما، أنني مكلفة بهذا البرنامج من قبل الأخ أبو جهاد وأبو عمار،اعتذرت عن أي فعل وأي برنامج يمكن أن يتقاطع مع ما يريدونه مني،رغم ان الأخوة جميعا من نفس الحركة، ونفس طروحاتها،فلم تغرني الأموال ولا الوعود.

ولما أنهيت البرنامج،قامت سفارتنا والأخ شهاب بارسال تقرير مفصل الى الأخ أبو جهاد،موثقا بالمنشورات.

وقبل الرحيل،طلبت من الأخ شهاب أن يأخني الى محل الكترونيات،لأشتري للأخ أبو جهاد جهازا خاصا..خرجنا سويا الى أكبر محل الكترونيات،فانتقيت له جهازا مميزا يحوي راديو وتليفزيون بحجم صغيروخدمات أخرى.

غادرت الكويت،محملة بأريج الاكبار لاخوتي الذين التقيتهم،رجالات فكر وثورة،وللأصدقاء الذين تعرفت عليهم  لتمتد وشائج الصداقة الى ما وراء الحدود.

وبعدها،أعد برنامج آخر في دولة الامارات العربية.سافرت الى أبو ظبي،واستقبلني بترحاب الأخ خالد ملك سفيرنا هناك،والأخ راجح الطل مندوب الأخ أبو جهاد.أقام السفير حفل استقبال على شرفي في السفارة،ثم أعد الأخ راجح،وهو واسع الثقافة، برنامجي الثقافي المكثف.لقاءات اعلامية وثقافية غطت الصحف جميعها،تعرفت في أبو ظبي على كوادر فتح وأعضاء اتحاد الكتاب والمرأة والجالية الفلسطينية،وكذلك تعرفت على الشاعر الفلسطيني أنور الخطيب،والأخت زينب الوزير وأبو عاصف،والدكتور محسن شقيق الرئيس ياسر عرفات، ولفيف من القيادات العسكرية،

وتم ترتيب لقاء هاما مع رئيس الصندوق القومي الأخ جويد الغصين ،سعدت جدا بهذا اللقاء،وأكبرت فيه الرجل والانسان .وظل الأخ جويد يهتم ببرامجي ونشاطي،ويتابع حواراتي الجادة،وكلما أنهيت عملا كبيرا،كان يتصل بي ويبارك خطواتي.وفي أحد الأيام اتصل بي ودعاني الى مكتبه،تحدثنا طويلا ثم قال لي:"ان النجاحات التي تحققيها،وثقة الرئيس أبو عمار المطلقة بك،خلقت جوا من الحسد من قبل العديدين،وسأقول لك بصراحة: بانني كنت بالأمس مع الرئيس عرفات،وتناولت طعام العشاء معه،وكان معنا مجموعة،أخذوا يتحدثون،ثم تطرقوا الى نشاطك الثقافي،وتفوهوا بأمور كيدية،مما أثار الرئيس عرفات،ورد عليهم بقوة:"انها كفاءة غير عادية،ويجب أن نقف معها وندعمها،ان ما تقوم به،يعادل جهودا كثيرة تقومون بها،وعليكم جميعا احترامها وتقديرها،وتسهيل مهامها"،فصمت الجميع.انني أتمنى أن تكوني حذرة في التعامل معهم..شكرته،وقدرت ملاحظته،وأنا أدرك بأن المحاولات الكيدية لا تتوقف.

 انضم الى البرنامج الثقافي الأخ شهاب محمد، بتعليمات الأخ أبو جهاد،وكان هدف الفعاليات،تعريف الجماهير بالكلمة الملتزمة،ومن خلالها، اعلاء صوت منظمة التحرير الفلسطينية وصوت الانتفاضة.

قضيت أياما هادفة بحضور الاخوة،وبينما كنت في عمق البرنامج،اتصل بي الأخ أبو جهاد، وطلب مني تمثيل فلسطين في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في جنيف،وتم ترتيب سفري الى هناك،وشعرت بأهمية هذا التكليف،وأخذت أعد التقارير الهامة حول الانتهاكات الاسرائيلية لحقوق الشعب الفلسطيني،والممارسات الارهابية التي يقوم بهاالاحتلال.جهزت التقارير باللغة الانجليزية،وأعددت كلمة فلسطين بقوة اللغة والثوابت الفلسطينية.

غادرت الى جنيف،واستقبلني السفيرنبيل رملاوي،وعدد من كوادر السفارة،وكان الأخ أبو جهاد قد أرسل توصيته الى السفارة،بالاهتمام الخاص بي. لأنني أمثله شخصيا.والأخ نبيل رملاوي شخصية هادئة خجولة،عميقة المعرفة بابداع دبلوماسي.

ابتدأ الاجتماع الأممي، قدمت كلمة فلسطين،وقد استحسنها الأخ السفير، واعجب في كيفية الطرح وعمق التقارير التي تم توزيعها وعرضها،وقد لاقت الكلمة استحسان أعضاء الجمعية العمومية،وأثنوا على الطرح،وخاصة أنه يقدم من الأرض المحتلة،وكانت هي المرة الأولى التي أمثل فلسطين في الأمم المتحدة. 

وكان علي أن أعود مباشرة لاستكمال برنامجي في الامارات.