التخلف السياسي والحياة السياسية السليمة بقلم:جاسم محمد دايش
تاريخ النشر : 2017-07-26
التخلف السياسي ظاهرة عامة تشمل بآثارها الفاعلين السياسيين الأساسيين في المجتمع وهم الحكام والقوى السياسية والناس وقد انعكست هذه الظاهرة على علاقة الحكام بالقوى السياسية والجماهير من جهة وعلى علاقة القوى السياسية فيما بينها أولاً, وفيما بين الجماهير ثانياً من جهة أخرى , وعلى دور الجماهير في الحياة السياسية العامة من جهة ثالثة , وتتجلى ظاهرة التخلف السياسي في العديد من المصاديق العملية والتي تعد ” فساداً ” في الحياة السياسية الإنسانية منها احتكار العمل السياسي وإقصاء الأمة عن الحياة السياسية وتحولها إلى قطيع يسوقه “فرعون” أو محتكر العمل السياسي إلى حيث يريد بالقوة والإكراه أو الخداع أو التضليل الإعلامي والسياسي . وكذلك الانفراد بالسلطة واستخدام مبدأ القمع والعنف والاحتكام إلى السلاح في العلاقات السياسية أولاً في علاقة الحكم بالجماهير والقوى السياسية وهذا هو “العنف الرسمي” ثم في لجوء الجماهير والقوى السياسية إلى العنف دفاعاً عن نفسهاً وهذا هو “العنف الثوري” أو الشعبي , وأخيراً في لجوء القوى السياسية إلى العنف في تصفية خلافاتها السياسية وهذا هو “العنف الفئوي” . ولا ننسى ظاهرة سحق الإنسان ومصادرة حقوقه السياسية التي تشكل الدعامة الحقيقية للحياة السياسية وفي مقدمتها الحرية والعدالة رغم أن “الإنسان” هو الفاعل الأساسي في العملية السياسية , بل أن التخلف السياسي في جوهره هو تعبير عن “غياب” الإنسان عن الساحة السياسية لان حضور الإنسان السياسي الواعي والفاعل هو من الضمانات الكبرى التي تحول دون تخلف المجتمع سياسياً .

وأيضاً غياب الثقافة السياسية المستوعبة والناضجة والوعي السياسي العميق والشامل وهما من الشروط الأساسية للممارسة السياسة السليمة ومن الضمانات الأولى في صيانة الحياة السياسية وحفظها من السقوط والانحراف , وكذلك أن غياب الثقافة السياسية تؤدي إلى ممارسة العمل السياسي بأساليب غير سياسية وبدائية وتصاعد الصراعات السياسية على أهداف رخيصة يومية مع كل ما يولده ذلك من ضرر على المصالح العليا للناس في الحرية والأمن والعدالة والتقدم الاجتماعي والاقتصادي , ومن مظاهر التخلف السياسي المهمة هو ( اللامبالاة السياسية ) لدى قطاعات كبيرة من الناس أما بسبب اليأس من جدوى العمل السياسي نتيجة ممارسة الحكام والفاعلين السياسيين , أو بسبب الخوف على حياتهم وحريتهم في حال اهتمامهم بالشؤون السياسية العامة . وتكمن المسؤولية على جميع المثقفين من النخب السياسية وغير السياسية وخاصة النخب الفكرية التي تصدت للحياة السياسية في العمل على الخروج من مأزق التخلف السياسي وتجاوزها وعدم الإصابة بها مرة أخرى .

وليس من الطبيعي هنا أن يتم هنا رفع شعارات ضبابية غير واضحة المعالم والأبعاد وإنما يضع لكل مفهوم أو شعار حدوده ومصاديقه بشكل يتيح للناس رؤيته بوضوح وينطبق هذا على شعار ” الحياة السياسية السليمة ” التي نريد لها أن تكون علاج شامل لمشكلة التخلف السياسي التي نعاني منها . أن الأمر المهم والذي يتعين تحقيقه هي إقامة الحياة السياسية السليمة , فقط قدمت النخب الحاكمة مسألة “التنمية الاقتصادية” على مسألة “التنمية السياسية” والمجتمعية والذي حدث بعد فترة من حكم هذه النخب أن الأمرين لم يتحققا ” فلا وحدة ولا عدالة ولا تنمية ولا حريات أساسية ولا حقوق إنسان ولا مشاركة سياسية ” , ومن دون الدخول في الجدال حول أولوية العامل السياسي أو العامل الاقتصادي نقول أن العامل السياسي يلعب دوراً مهماً في سياق تطور مجتمعاتنا وان تحولاً كبيراً يمكن أن يتحقق من خلال ” الإصلاح السياسي ” فمثل هذا الإصلاح يفتح الباب أمام حالة من الاستقرار السياسي والأمن المجتمعي وقد يضع المجتمع على سكة التطور والتقدم الاجتماعي بهدوء وسلام . أن عملية الإصلاح والتغيير بحد ذاتها تحتاج إلى أجواء سياسية سليمة وطبيعية وهو ما تحتاج إليه حلقات التطور الأخرى على الصعد الاقتصادية والثقافية والعلمية .

أن الظاهرة السياسية الأولى التي نفترض إنها ستبرز في الحياة السياسية السليمة هي “التعددية السياسية” والتي تتجسد على شكل منظمات (أحزاب)سياسية أو تيارات سياسية , وان التعددية السياسية لا تستلزم الاحتراب العسكري إلا في حالات التخلف السياسي أما في وضع سياسي متقدم قادر على إدارة الخلاف السياسي بطريقة ناجحة فأن التعددية ستكون من عوامل تنشيط حركة المجتمع . أما الظواهر الأخرى كالمشاركة السياسية وتداول السلطة والوعي السياسي الجماهيري والنقد البناء والرقابة الشعبية والحوار وكذلك وجود مؤسسات دستورية فأنها مظاهر تؤشر على وجود حياة سياسية سليمة في المجتمع , وكذلك وجود مؤسسات اقتصادية قادرة على توفير الرفاهية للحياة السياسية للأفراد , ويمكن أن نقول ” أن السياسة هي انعكاس للاقتصاد ونتيجة له ” وكذلك فأنه يتيح للإفراد استقراراً معيشياً يمكنهم من الاهتمام بالشؤون العامة, ويؤشر غياب هذه المعالم أو احدها على وجود خلل أو مرض في الحياة السياسية فيتعين معالجتها والتخلص منها .

أن الحياة السياسية السليمة هي الإطار العام الذي يتيح للمجتمع أن يمارس حياة طبيعية على مختلف الأصعدة والمجالات , وفي ابسط تعريف لها هي تلك الحياة التي يستطيع أي فرد الانخراط في العملية السياسية لمجتمعه ولعب دور سياسي فيها بالتناسب مع حجمه الحقيقي وقدرته على التأثير والفعل .