دور الحوكمة في ضبط المؤسسات غير الربحية في فلسطين بقلم:منى موسى
تاريخ النشر : 2017-07-02
دور الحوكمة في ضبط المؤسسات غير الربحية في فلسطين بقلم:منى موسى


دور الحوكمة في ضبط المؤسسات غير الربحية في فلسطين

منى موسى باحثة في مجال التنمية

شهدت السنوات الأخيرة تطوراً تكنولوجيا سريعًا على كافة الاصعدة, أدت الى ظهور مفاهيم جديدة لمواكبة التطور ومن ضمن هذه المفاهيم الحوكمة,  وقبل البدء بالحديث عن دور الحوكمة في ضبط المؤسسات غير الربحية في فلسطين علينا تعريف مصطلح الحوكمة ونشأتها:

فهي الطريقة التي تدار بها المؤسسة وآلية التعامل مع جميع  أصحاب المصالح فيها, بدءاً من الفئات المستهدفة, ومروراً بالمساهمين والموظفين( بما فيهم الإدارة التنفيذية وأعضاء مجلس الادارة ) وصولاً بآلية تعامل المؤسسة مع المجتمع كله.

وظهر مصطلح الحوكمة بعد الانهيارات الاقتصادية العديدة والأزمات المالية التي وقعت بعدد من دول شرقي اسيا, وامريكا اللاتينية وروسيا, بجانب الازمة المالية في الفترة الاخيرة خاصة في الولايات المتحدة الامريكية واوروبا وبسبب هذه الازمات تعرضت العديد من المؤسسات الكبيرة لأزمات مالية مما استدعى وضع قواعد للحوكمة لضبط العمل داخل المؤسسات غير الربحية, لتحقيق مبدأ الانضباط والشفافية والاستقلالية.

وبالانتقال للواقع الفلسطيني:

بمدى تطبيق المؤسسات غير الربحية لنظام الحوكمة في فلسطين:

من وجهه نظري, أن فلسطين تحتاج الى بذل مجهود كبير لتحقيق مبدأ الحوكمة, على الرغم من 

أن هناك العديد من المؤسسات غير الربحية تطبق مبدأ النزاهة والشفافية وتفصح عن أنشطتها وتقريرها المالي والاداري, ولكن لم نصل حتى الآن الى تطبيق مبدأ الحوكمة, ومن جهة اخرى هناك مؤسسات لم تقوم على تطوير عملها وأنشطتها ومواكبة كل ما هو جديد وتظل متقوقعة على ما هي عليه, ومن هنا أصبح من الضروري وجود الحوكمة في المؤسسات غير الربحية, لان المؤسسات غير الربحية أصبحت تنتشر في المجتمع  الفلسطيني بشكل كبير, وأصبحت تقدم خدمات وأنشطة مختلفة, لذا كان من الاجدر تبني المؤسسات لمصطلح الحوكمة للحد من المخاطر التي تتعرض لها المؤسسات, ولتعزيز القيم الديمقراطية, والعدل, والمساءلة, والمسئولية والشفافية, والنزاهة في المعاملات, وتعزز سيادة القانون ضد الفساد, واحترام العاملين وتقديم الحوافز لهم, واقامة علاقات بين المانحين, وتمنع الكثير من الفساد الاداري والمالي, وتساعد على بناء الكوادر البشرية, واعداد صفوف من القيادات المستقبلية, بجانب تحديد الأهداف الخاصة بالمؤسسات, وتحقيق مبدأ الرقابة وضمان استمرارية المؤسسات غير الربحية في تقديم انشطتها وبرامجها للفئات المستهدفة, بجانب العمل على تطوير المؤسسة والتخطيط الاستراتيجي لها, ومن هنا تحقق المؤسسات غير الربحية النمو والاستخدام الامثل لمواردها وتقلل الحوكمة من كلفة رأس المال لأن البنوك تمنح قروضا ذات نسبة وفائدة أقل للمؤسسات التي تطبق مبدأ الحوكمة وملتزمة بتطبيقه. 

 ومع الانتشار الواسع للمؤسسات غير الربحية في فلسطين، أخذت المؤسسات غير الربحية شكلين من الناحية القانونية، وهما:-

الأولى: الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية، والتي تخضع في تشكيلها وممارسة اختصاصاتها لأحكام قانون الجمعيات, ويوجد في قطاع غزة قرابة (930) جمعية مسجلة بموجب أحكام هذا القانون، وتعمل في جميع المجالات القانونية والحقوقية والصحية والزراعية والتنموية والشباب والنساء والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة.

الثانية: الشركات غير الربحية، وهذا النوع لم يكن معمولا به في الضفة الغربية، لأنه لم يكن واردًا في قانون الشركات رقم (12) لسنة1964) )  الساري في الضفة الغربية.

 بموجب القرار بقانون سنة (2008) واستحداث أنواع جديدة من الشركات منها الشركات غير الربحية. وتنص المادة (3) منه على أن يشترط لتأسيس أية مؤسسة غير الربحية أن يكون غاياتها تقديم خدمة أو نشاط اقتصادي أو اجتماعي أو ثقافي أو أهلي أو تنموي أو غيره, من شأنه تحسين مستوى المواطنين في المجتمع اجتماعيًا وصحياً ومهنياً ومادياً وفنياً ورياضيًا وثقافياً وتربوياً, دون أن تهدف الى تحقيق الربح, وإن حققت عوائد فلا يجوز توزيعها على المساهمين فيها.

 وأصبح هناك انتشاراً لهذه الشركات في الضفة الغربية، سينما بعد سن قانون الشركات غير الربحية عام (2008) وعمل قسم منها في مجالات التنمية المختلفة وأخرى في الاستشارات وبعضها في القطاع الزراعي, و تم تنظيمها بموجب نظام خاص من مجلس الوزراء برام الله,  وأثار صدور النظام اعتراضاً في الضفة، وبررت الحكومة صدور النظام على لسان رامي الحمد لله وتستند الحكومة في إقرارها للقانون بما وصفه الحمد الله في تصريحات له بتجاوزات "إدارية ومالية" تحدث في تلك الشركات، حيث أكد أن هناك انحرافا في (1082) منظمة ومؤسسة غير حكومية من بين 2882)) مؤسسة في الضفة الغربية, كما أن تقرير وزارة الداخلية، أكد أن هناك (500) مؤسسة من هذه المؤسسات غير  فاعلة على الإطلاق، سوى أنها تتلقى الدعم المالي والأموال بإسم الشعب الفلسطيني والقانون والأنظمة السابقة لا تسري من الناحية القانونية الا على الضفة الغربية.

أما في قطاع غزة فقد تشكلت العديد من الشركات غير الربحية بموجب قانون الشركات الانتدابي، وقامت كتلة التغيير والإصلاح في قطاع غزة بتعديل قانون الشركات في العام (2012), وهذا القانون يقتصر سريانه على قطاع غزة, وفيما يتعلق بالشركات غير الربحية فقد أوقفت تسجيل أية شركات جديدة، على اعتبار أن ممارسة العمل الطوعي وغير الربحي، بالإمكان ممارسته من خلال الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية.

ومع هذا التزايد لمؤسسات غير الربحية التي تعمل في الاراضي الفلسطينية بمختلف قطاعاتها التنموية, وأنشطتها المختلفة, أدى ذلك الى وجود ضعف في بعض القيادات الادارية في المؤسسات, بجانب ضعف الرقابة والتقييم, وهناك مؤسسات غير الربحية لا تعتني كثيرا ببناء قدرات فئات المجتمع المحتاجة والمستفيدة من الدعم, ولا تلتفت الى رفع كفاءة وفاعلية المؤسسة, ولا تقوم بالتنوع في الأنشطة المجتمعية التي تسعى لتنمية المجتمع.

وفي كافة الأحوال فقد تزايد عدد المؤسسات غير الربحية في فلسطين، سواء المسجلة كشركة غير ربحية ، أو كجمعية أهلية.

من هنا كان من الضرورة وجود نظام الحوكمة  لتكون بمثابة ضبط لعمل المؤسسات غير الربحية لأنها تمكن هذه المؤسسات من الاستجابة بفاعلية وبشكل سريع الى المخاطر التي قد تنشأ, الأمر الذي يعمل على زيادة قدرتهم على تحقيق أهداف مؤسساتهم, والعمل بشكل أفضل للنمو والتطور في المؤسسات لتحقيق مستوى من الشفافية ورفع مستوى كفاءتها.

لذا تم التوصل الى هذه التوصيات:

- على جميع المؤسسات غير الربحية تبني مبادئ الحوكمة لضمان تحقيق النجاح طويل الامد.

- اعداد التقارير السنوية الواضحة بشكل رسمي لمعرفة مدى التزام المؤسسات بالحوكمة الجيدة.

- التزام جميع المؤسسات غير الربحية بتطبيق نظام الحوكمة حتى تتجنب الوقوع بالعديد من المخاطر وتجعلها قادرة فقط على تحقيق اهدافها التي تسعى لها.

- على المؤسسات غير الربحية الالتزام في تطبيق مبدأ الشفافية حتى يصبح هناك ثقة اكبر بين المؤسسات وبين المتبرعين وجذب الدعم.

- أن تصبح نظام الحوكمة من ضمن النسيج الخاص للمؤسسات غير الربحية بكل جوانبها من قبل افرادها وثقافتها وواجهتها العامة.

- ان تتعرض المؤسسات غير الربحية التي لا تطبق مصطلح الحوكمة للمساءلة.

- نشر الوعي لأهمية تطبيق نظام الحوكمة بالمؤسسات غير الربحية.

- انشاء معهد للحوكمة في فلسطين على غرار المعاهد الموجودة في بعض الدول العربية والاجنبية.

وفي الختام على جميع المؤسسات غير ربحية في فلسطين العمل على تطبيق مبدأ الحوكمة لأن هناك بعض الخلل والقصور في متابعة تطبيق المؤسسات غير الربحية لمبادئ الحوكمة  وظهر في الآونة الأخيرة اغلاق لبعض المؤسسات بسبب ظهور حالات عديدة من الانهيارات الاقتصادية داخل المؤسسات, وغياب الرؤية الاستراتيجية, وغياب نسبي لبعض المفاهيم مثل المساءلة, والنزاهة, ومن هنا كان من الواجب العمل على توفير المناخ المناسب لتطبيق نظام الحوكمة في المؤسسات غير ربحية في فلسطين.