لم يسعفه حظه فانكشف أمره بقلم:د. سلطان الخضور
تاريخ النشر : 2017-06-18
لم يسعفه حظه فانكشف أمره بقلم:د. سلطان الخضور


لم يسعفه حظه فانكشف أمره
د. سلطان الخضور


كان يفترض أن يعيش اسماعيل عيشة مستقرة غير مضطربة في الحارة التي يقطنها مع أسرته ، كما يعيش إخوته وكما يعيش أقرانه ، فهو أصلا ابن لفلاح بسيط وأم بسيطة اشتهرا بالأدب وحسن الخلق .لكن الجهل كن سببا رئيس في انحراف اسماعيل عن جادة الصواب.

بدأ اسماعيل مشوار حياته مثل بقية الأطفال . فقد جرت العادة في مجتمعاتنا العربية ان تعبر الأسرة عن رضاها ، وفي كثير من الأحيان عن تشجيعها لسلوكيات عفوية تصدر عن أبنائها في سنيهم الأولى ، فهذا الطفل الذي يحفظ سورة الفاتحة أو يستطيع العد من رقم 1 الى رقم 10 هو في نظر الأسرة انجاز عظيم ، يجب ان يعيده الطفل كل نصف ساعة وأمام كل ضيوف اسرته ، فهو انجاز يستحق الثناء ممن يستمعون لإسماعيل ، ويعتمد الأمر فيما بعد في غرس المفاهيم الصحيحة ومدى نجاحها على ركنين مهمين وهما الأسرة والبيئة المحيطة وشخصية الطفل .وغالبا ما تكون شخصية الطفل قابلة للتشكل في السنوات العشر الأولى.

أما فيما يتعلق بإسماعيل فقد استمرأ المديح من أسرته ، ومن بيئته المحيطة، إذ كان يشعر بالبطولة وبعظم الانجاز كلما سلك مسلكا يكون مصدرا للضحك ، ويظن حينئذ أنه يصنع ما يستلطفه الآخرون مما كان يشجعه على تكرار السلوك عينه أو البحث عن سلوك آخر مشابه , ليثير اهتمام من حوله من الأهل والأقارب ، حتى لو كان فيه اعتداء على خصوصيات وأشياء الجيران والأقارب .

كانت البداية عند بداية دخوله الصف الأول الأساسي ، وبالذات في أيامه الأول عندما لم يستطع التفاعل مع المعلم فنزع الاوراق التي كان يجلد بها كتبه ودفاتره ووضعها في حقيبته المدرسية ، وألقى بكتبه نحو المعلم قائلا "خذ كتبك التي سلمتني إياها . أما هذه الأغلفة فهي لي "وتمكن من الهروب والعودة للبيت ، ليقص قصته هذه مع معلمه على ذويه ،حيث كان هذا الموقف مدعاة لضحك والديه والتندر بهذه الحادثة أمام أقاربه وجيرانه في معظم مجالسهم.تجرأ إسماعيل أكثر ، وفي عز النهار وغياب جيرانه عن المنزل لبرهة من الوقت ، دخل اسماعيل بيت جيرانه حيث وجد الأبواب مشرعة ففتح خزائنهم وأخذ قليلا من النقود .أخذ ما يكفيه مصروف يومه وما لا يلفت نظر الجيران من جهة ، وما لا يلفت نظر ذويه من جهة أخرى ، لكن حظه لم يسعفه فانكشف أمره عن طريق جار آخر كان قد رءاه يدخل فأخبر الجيران ، فلما عادوا الى منزلهم وعدوا نقودهم فوجدوها فعلا ناقصة عما تركوها .

كانت هذه حادثة أخرى للتندر بما فعله هذا الطفل الشقي ، وباتت الحادثة تتناقلها الألسن على أنها انجاز آخر من إنجازات اسماعيل كلما التقاه أحد من الأقرباء او أحد من المعارف ، يسأله مرفقا سؤاله بابتسامة عريضة قائلا : "هل صحيح ما سمعناه أنك بالأمس فعلت كذا وكذا ....؟ " ،فيبتسم هو الاخر لأنه لم يجد من يوبخه أو يردعه عن أفعاله ، فتطور الأمر وتكررت الحادثة وكلما زاد العمر بإسماعيل قليلا زادت قيمة ما يسرقه وزادت أفعاله شناعة ، ظنا منه أن هذا السلوك صحيح.

تطور الأمر ، حين بلغ اسماعيل سن الرشد ، فبدلا من الرشد والاستقامة ، زادت نسبة الانحراف لديه ، وبات لا يصاحب إلا رفاق السوء ، فيمضي أوقاته مطاردا إما من زملائه أو من أهله أو من أقاربه أو مطلوبا للشرطة على فعل اقترفه بحق شخص ما.

أمضى إسماعيل ما مضى من سني عمره عاق لوالديه ولمجتمعه ، تلازمه حالة عصبية مزمنة ، في كثير من الليالي تجده مترنحا يبحث عن عدو ، يفرغ شروره لدية إما شتما أو وعدا ووعيدا.

وهكذا ، مازال اسماعيل يعيش على هذه الحال لا يريح ولا يستريح .