قراءة نقدية لرواية "نصفي الآخر"بقلم يوسف السحار
تاريخ النشر : 2017-06-17
" نصفي الآخر "
بعيون الناقد المبتدئ
قراءة نقدية أولى لرواية نصفي الآخر للكاتب الغزي شفيق التلولي
بقلم / يوسف السحار

الفضاء الروائي لنصفي الآخر :
في رواية " نصفي الآخر" يطرح الروائي شفيق التلولي الكثير من القضايا السياسية والاجتماعية، التي طرأت على البيئة الفلسطينية بعد العام 1965، حيث انطلاق شرارة الثورة الفلسطينية مروراً بنكسة حزيران 1967، ومراحل الصراع والمراجهة مع العدو الإسرائيلي في داخل فلسطين وخارجها، فحرب بيروت 1982 وانتفاضة الحجارة 1987، كانا حاضرين وبقوة تشابه تلك القوة التي كانت موجودة في ميدان المعركة وساحة المواجهة، فالكاتب لم ينفصل عن الواقع بتهويمات الخيال المجنح والشطحات التخيلية.

ولعل تجربة الكاتب الاعتقالية في سجون الاحتلال والتضييق الوحشي الذي تعرض له وأسرته كانت خير من يمثل الأسرة الفلسطينية المناضلة وقد أخذت حقها في فصول الرواية، بعد ذلك يأخذنا الكاتب التلولي في قطار التاريخ إلى محطات اتفاق أوسلو وقدوم السلطة الوطنية الفلسطينية 1994م إلى قطاع غزة، حيث مكان ولادة الكاتب ونشأته، وليوصلنا بعد ذلك لمحطة الانتفاضة الفلسطينية الثانية ويذكرنا بمشاهد الطفل محمد الدرة وهو يحتمي بصدر والده جمال ذلك الذي كان يستغيث بعاطفة أبوته الجنود الذين يطلقون الرصاص عمداً عليه وعلى ابنه محمد، لكن لا حياة لمن تنادي، وكأن تلك الصرخات كانت تمهد للاستغاثة الكبرى التي أطلقها الشعب الفلسطيني في خريف عام 2002، حيث ذروة الأحداث الدامية، فمن عملية السور الواقي وجصار الرئيس عرفات في الضفة إلى اجتياح بعض المناطق في قطاع غزة فرفح وخانيونس والبريج ومخيم جباليا الذي كان شاهدا على مجزرة كبيرة امتدت فصولها 17 يوما وتركت من الألم ما تركت في نفسية الكاتب الذي يقيم هناك وأسرته.
فمجدي ذلك الأخ الأصغر لشفيق / الكاتب كان أحد من قضوا نحبهم في هذه المجزرة.
ثم ينتقل بنا الكاتب بعد ذلك لمرحلة جديدة في تاريخ الشعب الفلسطيني حيث الانقسام الفلسطيني في صيف العام 2007 وأحداث الانقلاب الأسود المشهودة، والتي كان الكاتب أحد ضحاياها وأحد من شهد على سوداويتها فرصاص الحاقدين أبى إلا أن يضع بصماته الأليمة في قدم الكاتب، لتبقى شاهدا حياً على سوداوية تلك الأحداث.
وها هو الكاتب / التلولي يطير بنا عبر طائرة الإبداع الجميل متجهاً صوب سوريا حيث الجمال والسحر الذي أجاد الكاتب وصفهما، فجبال قاسيون، وساحة الأمويين، والصالحية ذلك الحي الجميل، قد أخذوا حظهم الوافر في قلب الكاتب بسحر الألفاظ ورقة اللغة وعذوبة الوصف المعطر بياسمين الشام .

لكن الجمال لم يدم لسوريا ولا للكاتب التلولي، فالخريف العربي قد حلَّ على هذا البلد العظيم أهله ليفسد كل ما فيها وليسقط أوراق الربيع المزهر في دمشق، ولتحل رائحة البارود الممتزجة بدم الأطفال والنساء محل عبق الياسمين والريحان الدمشقي .
يعود الكاتب ويعود بنا عبر فضاء روايته إلى هناك، حيث غزة، تلك التي لم تختلف مشاهد الموت فيها عما شاهده في سوريا فحروب إسرائيل الثلاث التي أنهكت البشر والحجر والشجر ، فلا مكان آمن إلا القبر ولا يقين موجود إلا الموت .

وكم هي دقيقة تلك العدسة التي يرصد من خلالها الكاتب أحوال الموت وطرقه في بلاد العرب، فكارثة السفن المهاجرة التي أغرقت في شواطىء البحر عمداً لحسابات المال والأموال لم تغب عن فضاء نصفي الآخر .

أما بعد :
لقد حاول الكاتب أن يقبض على سيرته الذاتية وسيرة قطاع غزة ومخيم جباليا ومدينة دمشق التي احتضنته وأسرته فأحبها وأحبته حتى باتت نصفه الآخر بعد النصف الأول مخيم جباليا .
تتداخل السيرتان سيرة الكاتب الذاتية مع سيرة تلك الأماكن التاريخية لدرجة التماهي والذوبان، ما يجعل من الصعوبة فصل الكائن عن المكان، وتتوازى السيرتان عند بعض المحطات فلا يتم التقاطع بينهما إلا عند بعض المفترقات .

وكأني بالكاتب / الراوي أنه أراد من كل هذا السرد أن يسقط التاريخي العام والمعاصر على ذاتيته ليبوح لنا ببعض تفاصيل حياته وليصور لنا مراحل محورية في حياته وسيرته الذاتية عبر مرآة التاريخ المحوري التي مرَّ بها الشعب الفلسطيني منذ عقود .
فما بين نصفه الأول ونصفه الآخر تتكشف لنا رحلة أمل عايشها الكاتب في طفولته، ورحلة ألم كابدها الكاتب في كبره .