أحلام بقلم : محمود حسونة
تاريخ النشر : 2017-06-10
أحلام بقلم : محمود حسونة


1_حلم ...
رأيته ملتفا بغلالة بيضاء شفيفة ،ثمّ حلق في الهواء كغيمة خفيفة ،حتى وقف مصلوبا في الفراغ كقطعة ضوء، وبسط ذراعيه وانتظر من يعانقه ،إنه يشتاق إلى حضن فقده .
من هذا؟؟ أنا أعرفه ،إنه طفلي الشهيد الذي دفنته ،ما زال كشوكة في قلبي تغز ،وجرحى لم يزل ينز وينز قطرات كالنوار الأحمر ،صعدت على بساط الريح المسحور ، حتى عانقته ،فألبسني تاج النور وخطونا معا على سطح ماء ،ولامسنا النجوم العاشقة و العشب الطري ، وأحاطتنا القناديل،و الفراشات تحوم حولنا كندف الثلج ومطر ناعم يرشق وجوهنا .
تكتمل الرحلة وتنتهي الأغنيةَ مع أجراس الصباح .
2_ حلم آخر...
يطل من العتمة الثقيلة ،تتضح ملامحه كلما اقترب، طويل القامة معصوب الرأس بكوفية حمراء ،ودم بلون الدم ينز من أنحاء جسمه الممتلئ بالجروح والكسور والرضوض،وألم عميق يستبد به كأنه النبي بأثوابه المسدلة الطويلة المعبئة بالغيث، كان مغمض العينين،مد ذراعيه والدم مازال يقطر من فمه وأنفه وعينيه وأطرافه .
من هذا الذي هو ذاك ؟؟!! إنه ولدي الذي غيبته الزنازين
صار يمشي فوق صدورنا ويجأر بنداء ممتد ،فيجرح صدأ حديد الأبواب،كان نداؤه ينفث دما وصدأ وعتمة وشجن وغربة وحنينا وجمرا وبصاقا ،وما إن شق عينيه حتى اختفى كل شيء وصارت الدنيا هالة بلون الحليب ،سحب عربته الذهبية وبدأ يملؤها بأزهار الياسمين على أنغام الزغاريد والمزامير والصهيل والأغاني المستحيلة.
3_حلم أخير...
فجأة انطفأ القمر،الليل يشتد واشتد ،حتى صار عنيفاً ،والدنيا صارت تمطر ليلا ، لقد صدرت الفتوى ، الطلقات تطارد عصفورا قلبه صغير،طلقة غادرة ،وطلقة ماكرة ،وطلقة حاقدة ،والطاقة الرابعة كانت قاتلة، أصابت القلب،فانهمرالمطر أحمرا!!!
العصفور الصغير صار غزالا يرمح، ثمّ نام في الطريق ،لم يكن في الطريق غير النباح والرياح والسلاح ،لقد قبضوا على دمه وملابسه وصار الضباب يغطي زجاج الشبابيك ،كثر الهمس،ثم صار الهمس دما واضحاً ،مدت الأم بصرها وقلبها عبر الشباك المشرع و الريح ما زالت تدوي ،من هذا الغزال ؟؟!!ّ مولاي إنه صغيري يا مولاي،مولاي كان وحيداً يا مولاي !! لقدخبأته من غزوات الليل واللصوص ،وحين اشتد القصف والعصف والنسف ، وتكاثر وقع الذهول ، كنت أنتظرأن الصباح ،وتشتعل المصابيح عبر الزقاق ،لكنهم دهموا براءته وأحلامه ،فهل ينطفئ الدم بالدمع ؟؟!!
4_ليل مالح...
كان الصمت يخيم على سطح الماء المصقول ،ثمة شيء يتراءى كالشبح في الغبش الناعم، حاولت ان أتفحص معالمه ، كان القارب يعج بالناس الفارين من فوضى التأويل الدموي إلى أرض الأوهام ،تاركين العوسج البري يتغذى على ظلالهم،والرعد الوثني يثخن الجراح في قبابهم المهجورة فإما قاتل أو مقتول ،والتابوت ملآن برقصاته الوحشية ،صار الليل والماء المالح يبتلعان الناس ،والشام تنادي أبناءها ،ولا أحد يسمع
غابوا عنها وتراهم!! كان الفراغ يحدق فيها ويعوي بالويلات،فلا ترى سوى طفلاً ينكفئُ على الزّبَدِ ، بعيداً كان الليلُ المالحُ.
أين ذهبوا؟؟!!سؤال كانت إجابته بلا كلمات !!!
بقلم : محمود حسونة ( أبو فيصل )