أغراض الشعر في عصر صدر الإسلام والعصر الأموي بقلم: حسين علي الهنداوي
تاريخ النشر : 2006-05-02
أغراض الشعر في عصر صدر الإسلام والعصر الأموي بقلم: حسين علي الهنداوي


أغراض الشعر في العصر الأموي

وعصر صدر الإسلام

نظرا لتغيير القيم الاجتماعية والإنسانية في عصر صدر الإسلام والعصر الأموي عمّا كانت عليه ونظرا لاستمرار قسم من هذه القيم فقد استمر الشعراء في الحديث عن أغراض متنوعة منها ما هو تقليدي ، ومنها ما هو مستحدث تبعا لمدى التأثر الذي طرأ على شخصية الشاعر وأهم الأغراض التي كتب بها الشعراء في هذا العصر :

1- الفخر والحماسة : نقصد بالحماسة التعبير عن عمق الشجاعة والجرأة لدى الشاعر ونقصد بالفخر ذكر الصفات التي يتمايز بهـــا الناس ضمن أعراف معينة وقــد اتجه الفخر عنــد شعـــراء عصر الإسلام والعصر الأموي اتجاهين ، اتجاه تشرب بروح الإسلام وترك وراءه الولاء القبلي ولـــم يعـد يفتخر بالعصبية القبلية بل ركز على معان جديدة للفخر تتمثل في :

أ?- الحرص على نيل الشهادة .

ب?- الفخر بانتصار المؤمنين.

ج- الافتخار بتأييد الملائكة .

بالإضافة إلى القيم التي أبقى عليها الإسلام والتي جاء الرسول عليه السلام متمما لها : إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق . مثل إكرام الضيف والعفة والشجاعة ... وغيرها ، يقول كعب بن ما لك مفتخرا بيوم بدر :

ويوم بدر لقيناكم لنا مـدد فيه مع النصر ميكال وجبريل

إن تقتلونا فدين الله فطرتنا والقتل في الحقّ عند الله تفضيل

ويقول حسان بن ثابت مفتخرا بجند الأنصار :

وقال الله قد يسرت جنـدا هم الأنصار عرضتها اللقاء

لنا في كل يوم مـن معـدّ سباب أو قتال أو هجـاء

ويقول بيهس بن صهيب مفتخرا باستقبال الضيوف :

ما ينبح الكلب حنيفي قد أُسبّ إذا ولا أقول لأهل أطفئوا النارا

من خشية أن يراها جائع صرد إني أخاف عقاب الله و النلرا

ويقول أبو الأسود الدؤلي مترفعا عن الجهل :

إني ليثنيني عن الجهل والحنا وعن شتم ذي القربى خلائق أربع

حياء وإسلام وبقيا وأنني كريم ومثلي قد يضرّ وينفع

واتجاه عاد إلى التفاخر بالآباء في الجاهلية وذلك في العصر الأموي بعد أن أعاد الأمويون نزعات القيسية واليمانية ، يقول الطّرمّاح بن حكيم مفتخرا بقومه الأسد واليمنية :

لنا من مجازي طيّء كلّ معقل عـزيـز إذا دار الأذلين حلـت

لنا نسوة لـم يجـر فيهن مقسم إذا ما العذارى بالرماح استحلت

إلى أن يمدح قومه قائلا:

بهم نصر الله النبي وأثبتت عرى عقد الإسلام حتى استمرت

وهذا أبو محجن الثقفي يفخر بكرم السيوف ، واسباغ الدروع وبوقائع عشيرته في القادسية

لقد علمت ثقيف غير فخر بأنا نحـن أكـرمهـم سيوفا

وأكثرهم دروعا سابغات وأصبرهم إذا كرهوا الوقوفا

أما الخوارج فقد تنكروا للعصبية القبلية وللتفاخر بالأنساب وأن لا شرف للمرء إلا بتقواه :

أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا هتفـوا ببكـر أو تميـم

دعيّ القوم ينصر مُدّ عيه فيلحقه بذي النّسب الصميم

وما كرم ولو شرفت جدود ولكنّ التقيّ أخو الكريـــم

2- المديح : جاء الإسلام لينفي وليبعد صفة التكسب عن الشعراء من خلال قول الرسول عليه السلام ( احثوا في وجوه المادحين التراب ) . ولكن المدح توجــه بفضل القيم الجديدة باتجـــاه الطريق الأسلم فكان مدحا دون تكسب ولا يعدو صفات الممدوح ، كما في قصيدة كعب بن زهير :

إن الرسول لنور يستضاء به وصارم من سيوف الله مسلول

و كذلك ما صنعه الأعشى الذي اتجه إلى المدينة ليمدح الرسول فاعترضته قريش و أغرته بمئة ناقة , و الذي عكفا راجعاً دون أن يعلن إسلامه فروي عنه في مدح الرسول :

أجدّك لم تسمع وحداة محمدٍ نبيّ الإله حين أوضى و أشهدا

نبيّ يرى مالا ترون و ذكره أغاد لعمري في البلاد و أنجد

أما فـي العصر الأموي فقد اتجه المدح إلـى الخلفاء و الولاة والأمراء و أخفى الشعراء على ممدوحيهم صفات التقى و الورع و حماية المسلمين و الذوذ عن حرماتهم , و إن بقي المدح أحياناً يشرئب إلى صفات المدح عند الجاهليين , يقول الأخطل مادحاً بني أمية :

حشد على الحقّ عيافو الخنا , أنف إذا ألمت بهم مكروهة صبروا

أعطاهم الله جدّاً ينصرون به لا جدّ إلاّ صغير بعـد محتقرو

و تقول ليلة الأخيلية مادحة الحجاج :

إذا هبط الحجـــاج أرضاً مريضة تتبّع أقضى دائـها فشفاهــا

شفاها من الداء العضال الذي بها غلام إذا هزّ القناة سقاهـــا

و قد استنكر عمران بن حطّان المدح التكسبي :

أيهـا المادح العابـد ليعطــــى إن لله مــا بأيــدي العبـــاد

لا تقل في الجواد ما ليس فيه و تسمّي البخيل باسم الجواد

3- الهجــــــاء : نظرا لاشتداد المعركة بين طرفي الإيمان من جهة " الرسول ومن معه من المؤمنين والأتباع " . والكفر من جهة أخرى " أبو سفيان وأتباعه وعبد الله بن أبــي وحــــزن المنافقين " . فقد شجع الرسول عليه السلام الهجاء وبرز من الشعراء المنافحين عن الدعوة الإسلامية حسّان بن ثابت وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة ، وبرز مــن الشعراء المدافعين عن حزبي الكفر والنفاق أبو سفيان وعبد الله بن الزبعرى ، فازدهر الهجاء الفردي والهجاء الجماعي وانتهج طريقا مغايرا في معانيه عن الهجاء الجاهلي فكف عن أعراض الناس وعن شتمهم وقذفهم وتوجه إلى هجاء الذين ضلوا عن طريق الحقّ وإن كان بعض الشعراء الذين توجهوا إلى المشركين لم يترسموا خطا بشكل دقيق وبقي ما وصل إلينا من هجاء هذا العصر استمرارا لأسلوب الجاهليين في التعبير بالإلقاء والتعيير بالأخلاق الشخصية ولذلك فقد أجاب حسان من قال له كيف تهجو قريشا رسول الله منهم ؟ فقال : أسله كما تسل ّ الشعرة من العجين . وهذا ما دفع الرسول عليه السلام إلى أن يطلب منه أن يذهب إلى أبي بكر ليعلم منه أنساب قريش لذلك نجده ، يقول :

لنا في كل ّ يوم من معدّ سباب أو قتال أو هجــاء

فنحكم بالقوافي من هجانا ونضرب حين تختلط الدماء

وقد خرج حسّان بين الهجاء الفردي والجماعي ، وجمع بين منهجي الجاهلية والإسلام ، فكان يعيّر المشركين بفرارهم من أمام المسلمين :

تظلّ جيادنا متمطرات تلطمهن بالخمر النساء

ويقول حسان أيضا مستلهما روح الإسلام وأسلوب القرآن مخاطبا أبا سفيان :

هجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء

أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفـداء

وقد نهى الإسلام عن الهجاء المقذع فقال الرسول : " من قال في الإسلام شعرا مقذعا فلسانه هدر " .

وموقف عمر بن الخطاب من الخطيئة فقد سجنه بعد أن هجا الزبرقان وكذلك موقف عثمان ابن عفان مـن عمر بن ضابئ البر جمي حيث هجا قوما أعاروه كلبا للصيد ، فحبس الكلب وألحوا في طلبه فردّه وهجاهم هجاء فاحشا حيث رمى أمهم بالكلب فقال عثمان : ما رأيت أحدا رمى قوما بكلب قبلك . يقول عمر بن ضابئ:

فأرد متهم كلبا فراحوا كأنهم حباهم بتاج المرزبان أمير

فأحكـم لا تتركوها وكلبكـم فإن عقوق الوالدات كبير

أما الأمويون فقد غضوا الطرف عن هجاء من خالف سياستهم بل شجعوا هذا الفن بصورته القبلية الذي فرّخ لنا فن النقائض والذي هو من أشبع صور الهجاء العربي ، فهذا هو يزيد بن معاوية يشجع الأخطل التغلبي على هجاء الأنصار وأمّنه من غضب والده معاوية :

خلو المكارم لستم من أهلها وخذوا مساحيكم من النجاد

ذهبت قريش بالمكارم كلّها واللؤم تحت عمائم الأنصار

وهكذا عادت العصبية القبلية ، وما تحمله من هجاء قبلي مثله الطرماح بن الحكيم الطائي عندما هجا بني تميم قوم الفرزدق بعد أن خضعت هذه القبيلة ليزيد بن المهلب :

أقرّت تميم لابن دحمة حكمه وكانت إذا سبّت هوانا أمرّت

أفخـرا تميمـا إذا فتنة خبت ولؤما إذا ما المشرفية سلّت

ولـو خـرج الدجال ينشر دينه لزالت تميم حوله واحزألت

لعمري لقد سادت سجاح بقومها فلمـــا أتت اليمامــة حلـــّت

كما أن الهجاء بين الأحزاب السياسية استعرت ناره وتحول إلى نقاش سياسي .

فـن النقائض

النقيضة قصيدة يقولها شاعر من الشعراء في هجاء شاعر آخر مع قومه ، فيزد الشاعر الثاني بنقيضة أخرى تظهر مخازي الأول وقومه تكون على الروي نفسه والقافية ذاتها ، وإن اختلفت بعض الحركات والقوافي أحيانا . وموضوعها الشتم والسباب والقذف وعدم مراعاة الحُرم والأعراف ، وقد كان استمرارا لما حدث في العصر الجاهلي من نقائض ، كما حصل بين حسان والزبعرى ، عندما ذكر ابن الزبعرى أخت حسان بن ثابت ( عمرة ) وقـد نشأ هذا الفن وتطور في العصر الأموي بفعل عوامل اجتماعية وسياسية وعقلية . أما العوامل الاجتماعية فتنطلق مـن الفراغ الداخلي الذي أحدثه الأمويون فــي نفـوس الناس ، فمالوا إلى الفراغ . أما العوامل العقلية فتتمثل في نمـو العقل العربي ونمو الجدل والمناظرة في العقائد والتشريع وأحقية الخلافة . وأما العوامل السياسية فتمثل في محاولة الأمويين صرف الناس عن أمور الحكم واشغال بعضهم ببعض . وقد كان السبب المباشر في ظهور هذه النقائض أن شاعرا يربوعيا هجا جرير فانقض عليه جرير بالهجاء فاستغاث اليربوعي بالبعيث المجاشعي فأغاثه فهجا جريرا ، فانصب جرير على مجاشع وأفحش بذكر النساء فاستغاثت نساء مجاشع بالفرزدق فهجا جريرا وهكذا تكاملت حلقة المناظرة وأصبح هذا الفن الذي دام خمسين عاما من أقبح فنون الشعر العربي بحيث أبرز هذا الفن مدى التراجع الذي حلّ للشعر العربي بعد مرور خمسين عاما على دعوة الرسول عليه السلام ، يقول الفرزدق مفتخرا بشرفه وأصله وعزة بيته :

إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا دعائمه أعــز وأطــول

بيتا بناه المليك وما بنــى حكـــم السماء فإنه لا ينقل

بيتا زراة محتب بفنائه ومجاشع وأبو الفوارس نهشل

وقد أجابه جريرا قائلاً :

أخزى الذي سمك السماء مجاشعا وبنى بناءك في الحضيض الأسفل

إنـي بنـى لـي فـي المكارم أولــي ونفخت كيرك في الزمان الأول

ومن المناقضات التي انتشرت في ذلك العصر ما قاله الفرزدق معتدا بعقول قومه الراجحة في أيام السلم وشجاعتهم في أيام الحرب :

أحلامنا تزن الجبال رزانة وتخالنا جنا إذا ما نجهـل

وقد نقض جرير ذلك في قصيدة :

أبلغ بني وقبان أن حلومهم حفّت فما يزنون حبة خردل

وقد كان الفرزدق هجاء مقذعا يجاهر بما لا يحلّ من النساء فيذكر في هجائه كما حصل معه في المدينة المنورة ما لا يصح أن يصح أن يذكر من ذلك :

هما دلتاني مـن ثمانين قامة كما انقض باز أقتم الريش كاسره

فردّ جرير متهكما وساخرا :

تدليت تزني من ثمانين قامة وقصرت عن باع العلا والمكارم

ويقال أن الأخطل التغلبي قد حكم للفرزدق بالسبق على جرير بعد أن أغراه بشر بن مروان والي العراق بأن ينحاز إلى الفرزدق بعد أن حكم بالسبق لجرير ، يقول الأخطل :

اخسأ إليك كليب إن مجاشعا وأبا الفوارس نهشلا أخوان

وإذا سمعت بدارم قد أقبلوا فاهرب إليك مخافة الطوفان

فيرد عليه جرير :

يا ذا الغباوة إن بشرا قد قضى ألا تجوز حكومة النشوان

تدعوا الحكومة لستم من أهلها إن الحكومة في بني شيبان

4- الرثاء : وهو فن استمر فيه شعراء صدر الإسلام والعصر الأموي على ما كان معروفا عند الجاهليين ، فندبوا وأنّبوهم وعزّوا أحياءهم وإن تغيرت مناقب التأبين وتبدلت شمائلها فأصبح المرثي يتصف بالتقوى والإيمان والخير والبر والرحمة والهداية والطهر ومن ذلك تأبين حسان بن ثابت للرسول عليه السلام :

بالله ما حملت أنثــى ولا وضعت مثل النبي رسول الرحمة الهادي

ولا مشى فوق ظهر الأرض من أحد أوفــى بذمــة جاد أو بميعـــاد

مـن الـذي كان نـورا يستضاء به مبارك الأمر ذا حـزم و إرشاد

ومن ذلك رثاء الشماخ بن ضرار الغطفاني لعمر بن الخطاب بعد أن طعنه أبو لؤلؤة المجوسي :

جزى الله خيرا من أمير وباركت عد الله فـي ذاك الأديم الممزق

فمن يجر أو يركب جناحي نعامة ليدرك ما قدّمت بالأمس يسبق

قضيت أمورا ثم غادرت مثلها بوائح فــي أكمامها لـم تفتق

ومن ذلك رثاء متممبن نويرة لأخيه مالك الذي استشهد في حروب الردة :

لقد لامني عند القبور على البكا رفيقي لتذراف الدموع السوافك

فقال : أتبكي كل قبـر رأيته لقبر ثوى بين اللوى فالدوالك

فقلت له : إن الشجا يبعث الشجا فدعني فهذا كلّه قبـــــر مالك

وقد يتناول الرثاء زوجة محببة لدى الشاعر تمنعه العادات أن يزور قبرها فيقول :

لولا الحياء لهاجني استعبار ولزرت قبرك والحبيب يزار

ولهت قلبي إذ علتني كبرة وذوو التمائم من بنيك صغار

صلى الملائكة الذين تخيروا والصالحون عليك والأبرار

أما رثاء الخوارج فيصف مناقب العُباد من قيام الليل وصيام النهار ، يقول عمر بن الحصين راثيا عبد الله بن يحي وأبا حمزة الخارجي :

كم من أخ لك قد فجعت به قوّام ليلته إلــى الفجـــر

متأوه يتلــو قو ارع مــن آي القرآن مفرّع الصــدر

وأبرز ما يقع عليه المرء من الرثاء ، رثاء مالك لنفسه قبل أن يموت :

فيا صاحبي رحلي دنا الموت فانزلا برابيـــــة إنـــي مقيــم ، ليا ليا

خذاني فجرّاني ببرد إليكمـــــــــا فقــد كنت قبل اليوم صعبا قياديا

تذكرت مـن يبكي عليّ فلــم أجـــد سوى السيف والرمح الرديني باكيا

5- نظرا لكثرة الغزوات والحروب الداخلية والخارجية التي خاضها العرب بعد الإسلام ، فقد كتب الشعراء الذين خاضوا تلك المعارك قصائد تمثل الانتصارات . من ذلك قول كعب ابن مالك بعد أن فتح الرسول خيبر :

قضينا مـن تهامة كل وتـر وخيبر ثم أحجمنا السيوفا

نخيّرها ولـــو نطقت لقالت قواطعنّ دوسا أو ثقيفا

فلست لحاصنٍ إن لم تروها بساحة داركم منا ألوفا

فننتزع العروش ببطن وجِّ ونترك داركم منا خلوفا

ونردي اللات والعزى وودا ونسلبها القلائد والشنوفا

ومن ذلك ما قاله حسان في فتح مكة :

عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع موعدها كداء

يبارين الأسنة مصعدات على أكتافها الأسل الظماء

تظلّ جيادنا متمطّرات تلطّمهنّ بالخمر النساء

ومن ذلك قول عبد الله بن رواحة مصورا شوقه للاستشهاد مخاطبا ناقته :

إذا أنيتني وحملت رحلـي مسيرة أربع بعد الحساء

فشأنك أنعم وخلاك ذمّ ولا أرجع إلى أهلي ورائي

وجاء المسلمون وغادروني بأرض الشام مشهور الثواء

أما أبو محجن الثقفي فيصور بلاء قومه في القادسية قائلا :

إذا ما فـرغنا قــراع كتيبة دلفنا لأخرى كالجبال تسير

ترى القوم فيها واجحين كانهم جمال بأحمال لهن زفير

وإذا كان المستشرقون يزعمون أن فتوحات المسلمين كانت من أجل الغنائم فإن النابغة الجعدي يرد عليهم مخاطبا زوجه التي تأثرت لهجرته : يابنة عمي كتاب الله أخرجني طوعا وهل امنعنّ الله ما فعلا ما كنت أعرج أو أعمى فيعذرني أو ضارعا من ضنى لم يستطع حولا

6- شعر الشكوى : عبر الشعراء في عصر صدر الإسلام عن التظلّم واليأس من سوء العلاقات الاجتماعية وتوزيع الأموال والمناصب السياسية إذ أن المجتمع الإسلامـــي ابتداء مـن موت الرسول عليه السلام قـد أخذ بالتحول البطيء باتجاه التخلي عـن القيم الإيجابية التي كان الإسلام قـد بدأ بغرسها فـي نفوس الناس ، فهـذا شاعـر لا يستسيــغ خلافة أبي بكر الصديق ويرفض أن تتحول الخلافة إليه أو إلى أحد أبنائه :

رضينا رسول الله ما كان بيننا فيا لعباد الله ما لأبي بكر

أيرثنا بكرا إذا مات بعده وتلك لعمر الله قاصمة الظهر

وهذا الشاعر يزيد بن الصّعق يذكّر الخليفة عمر بمكانته ومسؤوليته تجاه الولاة الذين يختلسون الأموال قائلا :

أبلغ أمير المؤمنين رسالة فأنت أمين الله فـــــي النهي والأمر

فلا تدعن أهل الرساتق والقرى يسيغون مال الله فــــــي الأدم الوفر

فقاسمهم ـ نفسي فداؤك ـ إنهـم سيرضون إن قاسمتهم منك بالشطر

وهذا هو الراعي النجدي يتوجه إلى الخليفة عبد الملك بن مروان منشدا إياه شكواه الشعرية من جباة الضرائب الذين جلدوا قومهم بالسياط لعجزهم عن دفع الضرائب :

أخليفة الرحمن إنا معشر حنفاء نسجد بكرة وأصيلا

عرب نرى لله فــي أموالنا حق الزكاة منزلا تنزيلا

إن السعاة عصوك يوم دعوتهم وأتوا دواهي لو علمت ونحولا

أخذوا العريف فقطعوا حيزومه بالأصبحية قائما مغلـــولا

إن الذين أمرتهم أن يعدلـوا لم يفعلـوا مما أمــرت فتيلا

وهذا الشاعر كعب الأشقري يستغيث بعمر بن عبد العزيز متظلما من عماله :

إن كنت تحفظ ما يليك فإنما عمال أرضك بالبلاد ذئاب

لن يستجيبوا للذي تدعو له حتى تجلّد بالسيوف رقاب

7- الغـــزل : إذا كان الشاعر الجاهلي يعيش متمثلا الفروسية والمرأة فإن الشاعر في صدر الإسلام والعصر الأموي قد عايش مبدأ جديدا رفع شأن المرأة وبوأها مكانة مرموقة من خلال النصوص القرآنية :" وعاشروهن بالمعروف " . " وهو الذي خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة " .

من خلال ذلك وبسبب انتشار الغناء وكثرة الفراغ والثراء الذي جاء إلى المجتمع الإسلامي بسبب الفتوح فقد شاع ثلاثة أنواع من الغزل : العفيف ـ الصريح ـ التقليدي .

آـ الغزل العفيف : وينسب إلى قبيلة عذرة القضاعية اليمنية التي كانت تنزل وادي القرى شمال الحجاز والتي كان أبناؤها مشهورين بهذا النوع من الغزل وقد ذكر ابن قتيبة في كتابه "الشعر والشعراء " . أن الجمال والعشق في عذرة كثير وهو امتزاج للظاهرة البدوية مع العفة الإسلامية بحيث جعلت هذه الظاهرة منزهة عن الدوافع الجسدية ، وهو يختلف عن الحب الأفلاطوني الذي يقوم على النظرة الفلسفية كما يختلف عن الحب الصوفي الذي يتجه فيه المحب إلى الذات الإلهية وقد رأى الباحثين أن هذا الحب تجسيد لعقدة المازوخية القائمة على التلذذ بالألم والعذاب وإن كان البعض يروي أو يرى أن في هذا الحب سموا من خلال سماته التي تتمثل بالعفة وتوقد العاطفة والديمومة والوحدانية والمعاناة والشكوى والخضوع المطلق لسلطان المحبوب وتعني ملازمته والحرص على رضاه والقناعة به والإعراض عن أقوال العذال فيه واكبار المرأة من خلال وصف محاسنها القيمية لا الجسدية ، يقول جميل بثينة :

لا والذي تسجد الجباه له مالي بما دون ثوبها خبـــر

ولا بفيها ولا هممت به ما كان إلا الحديث والنظر

ويقول كثير عزة :

أريد لأنسى ذكرها فكأنما تمثل لليلي بكل سبيل

ويقول جميل بثينة :

لقد فضلت حسنا على الناس مثلما على ألف شهر فضلت ليلة القدر

ويقول ابن حزام :

وإني لأهوى الحشر إذا قيل إنني وعفراء يوم الحشر ملتقياني

فيا ليت محيانا جميعا وليتنـــا إذا نحن متنا ضمّنا كفنان

ويقول جميل بثينة :

وماذا دها الواشون إلا كرامة عليّ وما زالت مودتها عندي

ب ـ الغزل الصريح : نظرا لاعتماد الأمويين صرف الناس عن الخلافة فقد أغدقوا على أبناء الحجاز الأموال وأعادوا خارطة العصبية القبلية إلى واقع الجزيرة فاتجه قسم كبير من أبناء الحجاز إلى اللهو والترف والتألق فــي المأكل والملبس والمسكن فانتشر الغناء وكثرة المغنيات وغلب علـى قسم كبير مـن شعراء مكة والمدينة الغزل الصـريـح الذي يتحسس جمال المرأة ، ولكنه على رأي الأدباء بقي أسير دوافع جمالية لا دوافع جنسية ، إذ أن كثيرا من هؤلاء الشعراء يجدون متعة في مجالسة النساء والتحدث إليهن ، ولا يتعدون ذلك ، و قد اتسم هذا الغزل الصريح بسماتٍ متمثلة بالصراحة في وصف علاقة الشاعر بفتاته و تصوير محاسنها ، ووصف معاناته بعاطفة سطحية سريعة الانطفاء ، ذلك أن هؤلاء الشعراء تعلقوا بأكثر من امرأة واحدة ، إضافة إلى نزعة الاستعلاء التي تستحوذ على نفوسهم ، من ذلك قول عمر بن أبي ربيعة في محاسن محبوبته :

غادة تفتر عن أشنبها حين تجلوه أقاح ٍ أوبرد

و لها عينان في طرفيهما حورٌ منها و في الجيد غيد

و أيضاً قوله :

ثم قالت للتي معها لا تديمي نحــوه النظـرا

خاليسيه يا أخت في خفر فـوعيت القـــول إذ وقــرا

إنه يا أخت يصرمنا إن قضى من حاجة وطرا

وقد برز من شعراء هذا الاتجاه : عمر بن أبي ربيعة ، عبد الله بن عمر العرجى ، الحارث بن خالد المخزومي ، أبو دهبل الجمحي ، عبد الله بن محمد الأنصاري .

8 ـ الشعر السياسي :

ليس لدى الجاهليين شعر سياسي بالمفهوم العصري لمعنى كلمة سياسة ، إذ أن القبيلة هي الدولة المصغرة التي ينتمي إليها الإنسان الجاهلي و دفاعه عنها دفاع عن حدود مناطق الرعي فيها ، و إذا كان هناك بعض الممالك قد بدأت تتبلور فإن الإسلام قد جاء و قطع الطريق عليها ، فأنشأ نظاماً جديداً للحياة السياسية المتمثلة بإيجاد خليفة واحد يدافع عن حمى الأرض التي فتحت ، و لكن خلاف المسلمين حول مفهوم الخلافة ، هذه الخلافة لمن تكون و كيف تكون جعل المسلمين ينقسمون إلى أحزاب اتخذت طابعاً سياسياً تمثل في :

آ ـ الحزب الخارجي .

بـ ـ الحزب الأموي .

جـ ـ الحزب الزبيري .

د ـ الحزب الهاشمي .

و لو عدنا إلى بدايات الدعوة الإسلامية لوجدنا أن مسألة تبليغ الرسالة الدينية قد أخذت طابعاً سياسياً مثله حسّان بن ثابت في مخاطبته لأبي سفيان و تهديده للمشركين قبل فتح مكة حين قال :

ألا أبلغ أبا سفيان عني مغلغلة فقـد برح الخفاء

بأن سيوفنا تركت عبداً و عبد الدار سادتها الإماء

و قوله أيضاً مفتخراً أو هاجياً لعبد الله بن الزبعرى و مشيراً إلى مقتل أصحاب اللواء يوم أحد :

و ما أبالي أنبّ بالحزن تيسٌ أم لحاني بظهر غيب لئيم

تلك أفعالنا ، و فعل الزبعرى خامل فــــي صديقه مذموم

و قريش تلوذ منّا لواذاً لم يقيموا وخفّ منها الحلوم

لم تطق حمله العواتق منهم إغا تحمل اللواء النجوم

شعر الخوارج السياسي :

الخوارج هم شيعة علي بن أبي طالب الذين خرجوا عن صفه بعد أن قبل بمسألة التحكيم بينهم و بين معاوية ، ذلك أن معركة صفين قد أوشكت نهايتها على فوز جيش علي ممّا جعل معاوية و جماعته يرفعون المصاحف طلباً للتحكيم ، و قد زعم هؤلاء الخوارج الذين انشقوا عن علي أن مسألة التحكيم خدعة ، و لكنّ علي قَبِلَ به لأنها تطلب تحكيم القرآن الكريم في هذا الخلاف ، و ما كان لخليفة مثل علي أن يرفض التحكيم و قد شكلت هذه الفئة من المسلمين خيشاً عنيداً صلباً رأى بالجهاد ركناً أساسياً من أركان الإسلام و اعتقد أصحاب هذا الحزب الذين تسموا : " الشُّراة ، المحكمة ، الخوارج ، الحَروريّة " أنّه لاحكم إلاّ لله ، و أنه لا يجوز تعيين خليفة للمسلمين و قد خرجوا إلى بلاد ما وراء النهر ، و قد انقسم الخوارج إلى طوائف متعددة منهم : النجدات ، الأزارقة و الأباضية و الشفرية و أشدهم تعنتا الأزارقة الذين يرون أن القعود عن الجهاد اثم كبير وان الخلافة ليست بالضرورة ان تكون من القرشيين أو من العرب .

و قد مثل هؤلاء من الخوارج حزبهم أكبر تمثيل ، فنبذوا كلّ تعصب يقوم على الأسرة أو الجنس ، فقد كانوا مجموعة أفراد ينتمون إلى فئات متعددة ، ومن أشهر و أهم شعراء الخوارج : " قطري بن فجاءة ، الطّرمّاح بن حكيم الطائي ، عمران بن حطّان ، و عمرو بن الحصين ، يزيد بن حسباء " . وقد جمع قطري بين رقة النفس والحماسة للعقيدة ، وعبر عن رؤية الخوارج في القتال فقال :

لعمرك إني فــي الحياة لزاهـــد وفـــــي العيش مالم ألق أمّ حكيم

من الخفرات البيض لـم ير مثلها شفاء لذي بثّ ولا لسقيـــــــــم

لعمرك إني يوم ألطم وجههــا علـــى نائبات الدّهــــر جدّ لئيم

ولو شهدتني يوم دولاب أبصرت طعان فتى فـي الحرب غير ذميم

ويقول عيسى بن فاتك الحبطي حينما هزم أربعون من الخوارج ، ألفين من جند عبيد بن زياد في معركة آساه :

أألفا مؤمـن فيمـا زعمتم ويهزمهـم بآسك أربعونا

كذبتم ليس ذاك كما زعمتم ولكن الخــوارج مؤمنونا

هم الفئة القليلة غير شكّ على الفئة الكثيرة ينصرونا

ويقول مصقلة بن عتبان يفتخر على بني أمية بأنصاره الخارجين كسويد والبطين وقعنب وشبيب وغزالة التي نذرت أن تدخل مسجد الكوفة وتصلي فيه ركعتين ووفت بوعدها وصلت والحجاج لا يجرؤ على الخروج إليها :

أبلغ أمير المؤمنين رسالة و ذو النصح إن لم يربح منك قريب

فمنا سويد و البطين و قعنبٌ و منا أميــر المؤمنين شبيــب

غزالة ذات النذر منا حميدةً لها في سهام المسلمين نصيبُ


9 ـ شعر الزهد : فلسف الإسلام النظرة إلى الحياة الدنيا من منطلق بسيط يدعو إلى أن يكتفي الإنسان بالقليل مـن متاعها و النظر و التركيز علــى ما بعــد الموت لأن فيه الحياة الأبدية و السرمدية :" و اتبع فيمـا أتاك الله الدار الآخــرة ، و لا تنس نصيبك مـن الدنيا و أحسن كمـا أحسن الله إليك " و قوله تعالى : " ما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور " .

و من هذا المنطق تبنى عدد من الشعراء المسلمين في عصر صدر الإسلام و العصر الأموي هذه الفلسفة و دعوا إلى طرح الدنيا و الإقبال على الآخرة و التوكل على الله و الثقة به و الإيمان بأنه متكفلٌ برزق الجميع ، و من هؤلاء الشعراء الذين دعوا إلى ذلك:

" أبو الأسود الدؤلي تلميذ الإمام علي كرم الله وجهه ، مالك بن دينار ، عروة بن أذينة ، سابق البربري " .

يقول عروة بن أذينة :

لقد علمت، و ما الإسراف من خلقي إن الذي هو رزقي سوف يأتني

أسغى إليه ميعنيني تطّلبه و لـــو قعدت أتاني لايعنيني

ويقول أبو الأسود الدؤلي داعياً إلى السعي من أجل العيش القائم على الحياة الكريمة :

وما طلب المعيشة بالتمنــي ولكن ألق دلوك فــي الدلاء

ولا تقعد على كسل تمنـــى تحيل على المقادر والقضاء

وينتقد الشاعر سابق البربري انصراف الأغنياء إلى جمع المال :

فحتى متى تلهو بمنزل باطل كأنك فيه ثابت الأصل قاطن

وتجمع ما لا تأكل الدهر دائبا كأنك في الدنيا لغيرك خازن

وكما وإن شعراء الزهد في هذا العصر قد أكثروا من ذكر الموت وتحدثوا عن هاجسه المفزع :

فويحي من الموت الذي هو واقع وللموت باب أنت لا بد داخله

وكيف يلذّ العيش مـن هـو عالــم بأن إله الخلق لا بدّ سائله

وهذا هو الفرزدق يذكر الموت وعذاب الله في الآخرة في حوار مع الحسن البصري في يوم جنازة زوجه النوار :

أخاف وراء القبر إن لــم يعافني أشدّ مــن القبــر التهابا وأضيقا

إذا جاء فــي يـوم القيامة قائـــــــد عنيف وسوّاق يسوق الفـرزدقا

لقد خاب من أولاد دارم من مشى إلـى النار مغلول القلادة موثقا

10 – شعر الرجز : الرجز طريقة شعرية مختلفة عن طريقة القصيد ، اتخذها مجموعة من الشعراء مركبا ذلولا لنقل عواطفهم ومشاعرهم تجاه الحياة والمجتمع ، وهذا الشعر يقوم من حيث شكله على نقطتين : انجاه وزن بحر الرجز أساسا له والذي يتكون من ست تفعيلات في البت الشعري الواحد قائما على تكرار تفعيلة ( مستفعلن ) كما أنه يراعي التصريع ، وقد تكون قافية كل بيت مختلفة عن قافية البيت الذي يليه ، وقد تكون للأبيات قافية واحدة ، وبعد العجاج وابنه رؤبة أول من حوّل شعر الرجز من البيئة الشعبية إلى البيئة المثقفة بحيث أصبح رجزهما يحتج به في اللغة والأدب بعد أن كان هذا الرجز فنا شعبيا يتناوله العامة في مجالسهم وعمله من ذلك ما قاله العجاج :

أقلّي اللوم عاذل والعتابن وقولي إن أصبت لقد أصابن

وقد كان الرجز في أمله ينظم ارتجالا ويعد الأغلب العجلي أول من أطاله وجعله كالقصيد ، كما أن شعراء الأراجيز تناولوا الأغراض الشعرية كالهجاء ، المديح ، الفخر ... ونهجوا أحيانا نهج القصائد العربية كالوقوف على الأطلال والرحلة إلى الممدوح ، يقول أبو النجم العجلي يصف فهودا لعبد الملك بن مروان في موقعة صيد :

إنا نزلنا خير منزلات بين الحميرات المباركات

في لحم وحش وحباريات وإن أردنا الصيد واللذات

جاء مطيعا لمطاو عات عُلّمن أو قد كن عالمات

ومن الأراجيز التي كتبت للتندر والدعابة ما قاله أبو النجم العجلي موصيا ابنته عند زواجها واصفا الزوجة والحماة في موقف الحشر طالبا منها أن لا تتوانى في الخصام :

أوحيت مــــن برّة قلبا مرّا بالكلب خيرا والحماة شرا

لا تسأمي ضربا لها وجرّا حتى ترى حلو الحياة مرّا

وإن كستك ذهبــــــا ودرّا والحي عميّهم بشر ّطرّا

وقد امتدح علي بن عبد العزيز الجرجاني في كتابه : ( الوساطة بين المتنبي وخصومه ) تعريب الرجّاز للكلمات الفارسية والحبشية كاستعمال كلمة ( البردجا) واستعمال (تسجا ) بمعنى التفّ . وقد أصبحت الأرجوزة في نهاية المطاف نصا أدبيا يعتمد عليه النحاة واللغويون في شواهدهم .

11- شعر الطبيعة : نظرا لنزوح العرب بين حياة الصحراء وحياة الحضارة الجديدة فقد بقي عالقا في أذهان الشعراء مجال الصحراء وما تحمله من ذكريات بما فيها من خيام ونوق وخيول وحيوانات ونجوم ، وبقي كثير من الشعراء يفضل حياة الصحراء على حياة المدن كما عند الفرزدق عندما قارن بين طبيعة الصحراء ونهر وجبل وبين الناقة في تلك الصحراء والسفينة في نهر :

لفلح وصحراواه لو سرت فيهما أحب إلينا مــــن دجيل وأفضل

وراحلة قد عوّدوني ركوبهـــــا وما كنت رعابا لها حين ترحل

قوائمها أيدي الرجال إذا أنتجت وتحمل من فيها قعودا وتحمل

إذا ما تلقاها الأواذي شقهــــــــا لها جؤجؤلا يسترع وكلكـــل

إذا رفعوا فيها الشراع كأنهـــا قلوص نعام أوظليم شمردل

ويعد الشاعر ذو الرمة من أكبر الشعراء الذين عشقوا الصحراء وأيامها وما فيها ورأى ما في الصحراء مسلاة في اطار ذكره لمية تلك المرأة التي أفلتت من يده فجعلته يذوب في رمال الصحراء ، يقول ذو الرمة في وصف حيوان الصحراء بظبية وابنها عاكسا عواطف الإنسان عليهما :

إذا استودعت صفصفا أو صريحة تنحت ونصت جيدها بالمناظر

حذارا على وسنان يصرعه الكرى بكل مقيل عـن ضعاف فـواتـر

وتهجره إلا اختلاسات نهارهـــــــا وكم من محب رهبة العين هاجر