التخطيط الحضري في تنمية المدن الجديدة بقلم:عادل عامر
تاريخ النشر : 2017-05-28
التخطيط الحضري في تنمية المدن الجديدة بقلم:عادل عامر


التخطيط الحضري في تنمية المدن الجديدة
الدكتور عادل عامر
مقدمة :-
إن الظروف والأوضاع الراهنة التي تمر وتـتأثر بها المنطقة العربية، على مختلف المستويات والأصعدة الوطنية والمحلية والإقليمية والعالمية، تستوجب إعادة النظر بصورة شاملة في الوضعية الحالية لما يسمى بالنظام التخطيطي على المستوى الوطني ككل، من ناحية، وعلاقته بمختلف النظم الحكومية الأخرى، ونظم القطاع الخاص والاستـثماري، ونظم المجتمع المدني المعاصر، من ناحية ثانية. بالإضافة إلى علاقة ما سبق بالنظم والأطر الإقليمية والعالمية من ناحية ثالثة.
للمدينة ذاكرة مجسمة تغوص في المستقبل مثلما تغوص في الماضي رغم أنها دائما تعبر عن الواقع الحاضر،"أركيولوجية المدينة"تتمثل في هذه الطبقات الزمنية التي تتحول إلى واقع مادي يجعل من المدينة عبارة عن حلقات متداخلة ومتراكمة يصعب تفكيكها لكنها تبث داخلنا "الحس الزمني"بكثافة، حتى أننا لا نجد سجلا بصريا بالغ الدقة يضاهيها فهو سجل متحرك يقبل الجديد دائما ، فكل حلقة جديدة تزيد من التداخل الزمني في المدينة وتثري فيها التفاصيل الدقيقة إلى درجة أنها تمثل "السجل الاجتماعي"الذي يقدم العلاقات البينية الغير مرئية وبصورة بصرية ساكنة ظاهرا ومتحركة ومتغيرة في الداخل.
إن المدينة تعيش "هويات متعددة"نابعة من هوية كلية هي الذاكرة الثلاثية الأبعاد "زمنيا"، إلا أننا نشعر بذلك الخط الذي ينقلنا داخل جدار الزمن ، ليذكرنا كيف تشكلت المدينة نتيجة تراكم الأحداث ويقول لنا أن المدينة"حالة إنسانية طبيعية" طالما أن الإنسان دائم الحركة والتغيير وفي حالة بحث دائم عن "عمارة جديدة للأرض" الأمر الذي يفرض عليه البحث عن تقنيات جديدة باستمرار.
الإشكالية هي عندما يحدث خلل في التركيبة الزمكانية للمدينة وتصبح الحالة المشوهة هي السائدة ، فنحن لا نستطيع أن ننكر أن المدينة العربية المعاصرة ترزح تحت ضغوط حضرية تجعلها في حالة فقد دائم للكثير من المكتسبات الحضارية ، الأمر الذي يدفعها إلى المزيد من التشوه وفقد القيمة الجمالية والتاريخية التي يفترض أن تعبر عنها هذه المدن، حتى أنها صارت تفقد مخزونها التاريخي نتيجة لتقليدها للغرب وفي نفس الوقت لم تستطع اللحاق به، وكثير من أجزاء المدينة القديمة تتوارى يوما بعد يوم تحت ضغوط "التمدن"، دون الشعور بمسئولية أن المدينة هي فضاء للحياة ولا يمكن التفكير في قلب المدينة كمتحف يجب المحافظة عليه بل يجب المحافظة على مساره الزمني ومن طبائع المدن أنها تحتفظ بكل حلقاتها الزمنية .
وقد حدث انفصال عميق بين العمارة وبين من يصممها ومن يستخدمها وهو الأمر الذي جعل من المدينة العربية على وجه الخصوص تقع تحت ضغوط التحضر الذي فرضه النمو السكاني والذي أصبح ظاهرة عالمية بعد الحرب العالمية الثانية ، وبذلك فقد المحيط العمراني مقدرته على توصيل حس المشاهدة وسقط في دائرة الفوضى التي جعلت العمارة مجرد وظيفة نتيجة لهذه الفوضى الحضرية.
وخاصة علاقة هذا النظام بنظم الإدارة المحلية، أو ما يعرف حاليا، بنظم البلديات أو المجالس البلدية أو ما يماثلهما بمختلف المسميات بكل دولة عربية. وذلك كنقطة بدء لفهم ودراسة ما يمكن تصوره وعمله في مجالات التـنمية العمرانية الشاملة على المستوى العربي.
وعملية إعادة النظر هذه، تمليها عدد من الاعتبارات الموضوعية، التـنظيمية والإجرائية، الحالية والمستقبلية. والتي يجب أن تدرس بعناية مع إعطاء الأولوية والوزن النسبي لكل منها حسب علاقته بطبيعة النظام التخطيطي ونظام المجالس البلدية المشار إليه. وخاصة ضمن الوضعية الجديدة لمختلف أجهزة التخطيطي العمراني الرسمية ، سواء كانت إدارات أو هيئات أو وكالات .. الخ.
هذا مع الأخذ في الاعتبار أهمية دراسة التجربة التـنموية الحالية لكل دولة على حدة، على ضوء خبرة الماضي، وأوضاع الحاضر التي تـتضمن وتشمل مشروعات الأعمار والتعمير على مختلف مستويات وقطاعات التـنمية الشاملة.
وهذه الأوضاع بطبيعة الحال سوف تؤثر بصورة كبيرة على كيفية التعامل مع أوضاع المستقبل. وتحدد بالتالي التوجهات العامة عند استشراف آفاق هذا المستقبل. وهي التوجهات التي سوف تمثل بالتالي، مضمون الإستراتيجيات والرؤى الخاصة بمختلف مستويات وقطاعات التـنمية بكل دولة عربية. ولقد نشأت المدن نتيجة الرغبة في التعايش كمجموعات بالنسبة للأفراد ،ولتحقيق الاستقرار الذي كان يحاول الإنسان القديم جاهدا الحصول عليه، فمن الريف والصحراء والغابات ، بدأ ينتقل تدريجيا للوصول إلى مفهوم جديد للتعايش، يضمن استقراره، ويحقق له في نفس الوقت الحماية من كل المؤثرات الخارجية ، فكان تخطيط المدن القديمة ينطلق من نوعين :التخطيط الدائري والتخطيط ذو المحاور المتعامدة أنظر الشكل-1-.ولقد وجهت الدراسة دائما الباحثين للسؤال: متى وأين وتحت أي ظروف ظهرت هذه المدينة وماذا أسهمت به في تاريخ المنطقة أو العصر؟ وهل هناك نمو تطوري أو دوري في التاريخ الإنساني مرتبط بظهور المدن أو نموها ؟ إن قيام المدن ونموها مسألة يصعب أن نتتبعها بدرجة ملحوظة لأسباب عديدة، ومما لاشك فيه أن المدن انبثقت تعبيرا عن ظروف روحية ومادية واجتماعية وسياسية ، وانعكست هذه الصور على تغير المدن ونمو العمارة ، وأكد بارنز:"أن العمارة هي سجل لعقائد المجتمع"، ويقصد بنشأة المدن: "هي مرحلة المدينة في فجر قيامها"، وتتميز بانضمام بعض القرى لبعضها البعض، واستقرار الحياة الاجتماعية إلى حد ما ،وقد قامت المدينة في هذه المرحلة بعد اكتشاف الزراعة وقيام الصناعات اليدوية.
ومن أهم هذه الاعتبارات السابقة، ما يلي:
· المتغيرات والظروف الحالية على المستوى الوطني؛
· المتغيرات والظروف الحالية على المستويين الإقليمي والعالمي؛
· المتغيرات والظروف الحالية المؤثرة على مستوى النظام التخطيطي بكل دولة؛
· المتغيرات والأوضاع الحالية المؤثرة على مستوى النظام البلدي بكل دولة.
· الحاجة إلى تطوير وتحديث النظم التخطيطية العمرانية الحالية
وسوف تعتمد هذه الدراسة، عدد محدد من المفاهيم المحورية، التي نعتقد بأهمية تـناولها، للتعرف على مجمل العلاقات بمجال وموضوع هذه الورقة البحثية. والتي تمثل في نفس الوقت وسيلة الفهم الواعي بمختلف الجوانب المتعلقة بطيف عريض من المصطلحات والمفاهيم الأخرى ذات العلاقة والارتباط بمجالات، المجتمع، والدولة، والعمل والشأن العام، والرؤى الاستراتيجية، والتـنمية والتعمير، والخطط والمشروعات والسياسات والبرامج، ... الخ.
وهذه المفاهيم بالتحديد، هي: أولا، مفهوم النظام التخطيطي، والذي يدخل في نطاقه مفهوم الجهاز التخطيطي. والمفهوم الثاني، هو مفهوم التـنمية العمرانية المستدامة والمجتمعات المستدامة، والذي يضم عددا كبيرا من المفاهيم والمصطلحات الفرعية، التي تغطي في مجموعها، مختلف جوانب العمران المعاصر فكرا وتطبيقا، ممارسة وفعلا.
كما نود التأكيد على حقيقة علمية ومنطقية، متعارف عليها، وهي أنه لا توجد حلولا سحرية، أو وصفات جاهزة لمشاكل وموضوعات ذات خصوصية محلية. وإنما ما يمكن السعي إليه هو المزيد من البحث والدراسة المتعمقة والمتأنية لهذه الأوضاع، والاستفادة قدر الإمكان من أفضل التجارب والممارسات، من ناحية التعرف على كيفية التعامل مع الخبرة المستفادة. وذلك حتى يمكن أن نصل إلى الوضعية المطلوبة والكفيلة بضمان تواجد بحوث ودراسات عمرانية محلية وإقليمية، تضع الحلول المطلوبة للأسئلة والمشاكل الحالية، وتضع التصورات والرؤى المتوقعة لعمران المنطقة العربية في المستقبل.
أهمية تحديد بعض المفاهيم والمصطلحات الأساسية
التخطيط
كمفهوم ومصطلح، التخطيط هو أسلوب ومنهج في التفكر المنطقي والعقلاني، ويتم ممارسته من قبل الجميع، وعلى كل المستويات، بدأ من المستوى الفردي، والعائلي، حتى المستويات المحلية والوطنية والعالمية. وهو يتعلق بتصور ورؤية لوضعية معينة في المستقبل، مطلوب الوصول إليها، ومن ثم وضع الوسائل والإجراءات الكفيلة بتحقيقها. وتـتعدد صفات التخطيط، بتعدد المستويات والقطاعات، حيث نجد تخطيط استراتيجي، ووطني وإقليمي ومحلي، وتخطيط بعيد المدى، ومتوسط المدى، وقريب المدى، وتخطيط سياسي، اقتصادي، واجتماعي، وبيئي، وعسكري، وتربوي، وصحي، وتكنولوجي، وتـنموي وتخطيط جزئي، كلي وشمولي، وتأشيري، وتوجيهي، وإرشادي، ... الخ.
التخطيط العمراني
· وعندما يتم إلحاق صفة العمراني بالتخطيط، يصبح لدينا مفهوم التخطيط العمراني، ومن هنا تبدأ إشكالية حقيقية يتصف بها هذا المفهوم. وهي إشكالية التعميم والشمولية ودرجة عالية من عدم الاتفاق على مفهوم واحد محدد.
· ولكن يمكن إعطاء تعريف مبسط، للتخطيط العمراني، وذلك باعتباره أداة ووسيلة لتحقيق المصلحة العامة، لكافة قطاعات وفئات المجتمع، من خلال وضع تصورات ورؤى لأوضاع مستقبلية مرغوبة ومفضلة، لتوزيع الأنشطة والاستعمالات المجتمعية في المكان الملائم وفي الوقت المناسب. وبما يحقق التوازن بين احتياجات التنمية في الحاضر والمستقبل القريب، من ناحية، وبين احتياجات التنمية لأجيال المستقبل البعيد، من ناحية أخرى، أي تحقيق ما يعرف بالتنمية المستدامة. وبما يحقق التوازن بين الرؤى الاستراتيجية والطموحات والرغبات، من ناحية، وبين محددات الموارد والإمكانات الواقعية، من ناحية أخرى. مع ضمان تحقيق التـنسيق والتكامل، في استيفاء احتياجات ومتطلبات القطاعات التـنموية الشاملة، سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وبيئية، ... الخ، من خلال التزويد بالخدمات والمرافق العامة، وشبكات البنية الأساسية بأنواعها المختلفة. ومن خلال وضع الاستراتيجيات والسياسات العامة، والمخططات العمرانية بمستوياتها المختلفة وطنية وإقليمية ومحلية، وبنوعياتها المتعددة. ووضع وتحديد البرامج والمشروعات العمرانية، على سبيل المثال في التالي: إسكان، نقل وطرق، جسور وكباري، خدمات ومرافق عامة، ... الخ. وفي إطار تشريعي وقانوني واضح وملزم، ومن خلال عمليات وإجراءات محددة، وبتـنسيق وضمان مشاركة مجتمعية كاملة، خلال كافة مراحل العملية التخطيطية.
مفهوم النظام التخطيطي
· يقصد به، في هذه الدراسة، ذلك النظام الشامل لأنشطة كافة الجهات الحكومية ، وخاصة جهازها التخطيطي الرسمي، المعنية بشئون مجالات وقطاعات التخطيط والتـنمية العمرانية الشاملة. وذلك بمشاركة مختلف جهات ومؤسسات المجتمع المدني، والقطاع الخاص والقطاع الأهلي. من خلال شبكة متداخلة ومترابطة ومتكاملة من العلاقات والأنشطة المتفاعلة.
· وهذا النظام على المستوى الوطني، يمكن أن يضم، منظومة الجهات والهيئات الحكومية، وجهازها التخطيطي الرسمي، ومنظومة اللجان والمجالس العليا والمتخصصة، ومنظومة المجالس البرلمانية، ومنظومة تشريعية قانونية من القوانين والقرارات واللوائح المنظمة للعمران، ومنظومة من آليات وإجراءات العمل والتـنسيق والتعاون، في كافة مراحل العملية التخطيطية، الإعداد والتـنفيذ والمتابعة، ونظام البلديات، ومنظمات المجتمع المدني المعنية.
· وكأي نظام، فإن النظام التخطيطي العمراني له مدخلات ومخرجات. ومن أهم مدخلاته، التوجهات والسياسات العامة للدولة، الغايات والأهداف على المستوى الوطني، الطموحات والرغبات والآمال المجتمعية، البيانات والمعلومات العمرانية مثل الخرائط المساحية الطوبوغرافية والعقارية، الصور الجوية والفضائية، الإحصاءات والتعدادات، المسوح الميدانية، والاجتماعية، ... الخ، ومن أهم مدخلاته كذلك الموارد والإمكانيات المادية والبشرية.
· ومن أهم مخرجات النظام التخطيطي، رؤية استراتيجية على المستوى الوطني لمستقبل وأوضاع العمران، واستراتيجيات ومخططات إرشادية على المستوى الإقليمي - المحافظات والبلديات- وسياسات عامة تخطيطية - إرشادية وتوجيهية لمختلف قطاعات ومجالات وقضايا التـنمية العمرانية الشاملة - مخططات تـنمية وتعمير محلية - هيكلية وعامة للمدن والقرى، ومحلية تفصيلية، ... الخ - وتشريعات ولوائح منظمة للعمران، وبرامج ومشروعات تعمير وتـنمية عمرانية.
· ونظام العمل داخل هذا النظام تحكمه مجموعة من الآليات وإجراءات التـنسيق والتكامل والتعاون بين أجزائه المختلفة. وهي ما يطلق عليها العملية التخطيطية. ويتحدد مقدار نجاح النظام بالقدر الذي تـتسم به العملية التخطيطية، بدرجة كبيرة من الوضوح والتكامل والتعاون والتـنسيق بين كافة عناصر هذا النظام، وبالطبع يتحدد أيضا، مقدار نجاح النظام، بدرجة تحقيقه للأهداف والغايات المرجوة منه.
· ومن الجدير بالذكر أن العديد من الدول المتقدمة، قد قامت ببرامج رائدة في مجال تحديث وتطوير نظامها التخطيطي، خلال العقد الأخير، وهو الأمر الذي استوجب معه إجراء عملية تقويم شامل ومتكامل لأداء أجهزتها التخطيطية، وكافة عناصر نظامها التخطيطي، مثل تقويم منظومة التشريعات والقوانين التخطيطية والعمرانية، والعلاقة بنظام الحكم والإدارة المحلية.
· ويمكننا الإشارة في هذا المجال، إلى التجارب الرائدة لكل من المملكة المتحدة، والدانمارك، وكافة الحكومات الإقليمية بأستراليا، وجنوب أفريقيا، وجمهورية أيرلندا، وجنوب أفريقيا، وهونج كونج.
كما يرتبط بما سبق، الاهتمام الكبير والمتنامي بصورة ملحوظة، ببرامج بناء القدرات والمهارات، والتعليم المستمر للعاملين في أجهزة التخطيط الرسمية. وهو الأمر الذي أصبح بمثابة عنصرا أساسيا في بنية وتركيب أي جهاز تخطيطي رسمي.
ومن ناحية أخرى، يمكننا القيام بعملية تقويم لجهاز تخطيطي ما ، عن طريق التعرف على مجمل المخرجات التي أنجزها هذا الجهاز، وهذه بالطبع عملية ليست بالسهلة أو البسيطة على مستوى أجهزة تخطيط رسمية لا تعتمد، أصلا، أسلوب التوثيق أو النشر لمعلوماتها أو أعمالها. حيث يصبح الأمر وكأنه دربا من دروب المستحيل، أن يتم الحصول على معلومات بسيطة، وإن كانت حيوية، عن هذا الجهاز وبصورة آنية. أي بمعنى تواجد هذه المعلومات بصورة ملائمة عند الاحتياج إليها.
ولكننا نجد الصورة مختلفة تماما لدى العديد من أجهزة التخطيط الرسمية، في البلدان المتقدمة. فعلى سبيل المثال، وليس الحصر، إذا ما قمنا بزيارة لموقع الجهاز التخطيطي الرسمي باسكتلندا، على شبكة الانترنيت العالمية، وفي الصفحة الرئيسية لها الجهاز، نجد المعلومات التالية:
- مقدمة عن النظام التخطيطي باسكتلندا Planning System
- التعريف بالوزير المسؤول وأخر تصريحاته
- القوانين والتشريعات التخطيطية Planning Legislations
- القائمة الكاملة بالتعميمات والمذكرات والأوامر الوزارية
- السياسات العامة التخطيطية Planning Policies
- مذكرات النصح والإرشاد التخطيطية Planning Advice Notes
- سلسلة الدلائل المرجعية التخطيطية Planning Guides
- جوائز التخطيط السنوية Planning Awards
- حقائق ومعلومات تخطيطية Planning Facts
- المجلة الدورية عن التخطيط
- وضعية تقدم وإنجاز المعاملات التخطيطية
- مخططات التنمية والتعمير بأنواعها المختلفة
- تقارير التدقيق والمتابعة التخطيطية Planning Audit
- تقارير التشاور التخطيطية Planning Consultation Papers
- النظام التخطيطي والتقنيات الحديثة E – Planning
- الإطار الوطني للتخطيط National Planning Framework
هذا بالإضافة إلى إشارات وإحالات إلى عدد من الجهات ذات العلاقة بمجال التخطيط العمراني، مثل جمعيات التخطيط، وبرامج ومشروعات مشتركة على المستوى الوطني أو الإقليمي، أو الدولي والعالمي. بالإضافة إلى إحالات إلى مواقع خاصة بحالات الاستئناف القانونية التخطيطية، والدراسات والبحوث التخطيطية.
وغني عن القول، أن كل بند من البنود السابقة، يتم عرضه بالتفصيل في صفحات متتالية، شاملة ومتكاملة. وما يمكن ملاحظته بوضوح، في هذا الموقع، وما يماثله من مواقع في بلدان عدة، أن الهدف الأساسي منه هو نشر المعلومات التخطيطية بطريقة سهلة متاحة للجميع، للتعريف بنظام التخطيط الشامل على المستوى الوطني.
ولكنه التعريف الذي يهدف وينشد الإفهام الكامل والوضوح والشفافية، مع قدر ملحوظ من الثقة بالنفس والفخر بالعمل والأداء، والرغبة المستمرة في التطوير والتحسين والتحديث.
طبيعة الوضع القائم
أن مواجهة الأوضاع العمرانية الحالية المتفاقمة، التي يعاني منها قطاع العمران العربي ، والتي سوف تتزايد تداعياتها في المستقبل المنظور. نتيجة لعدم التحضير الواعي والجاد، والتخطيط السليم، لمستقبل التـنمية العمرانية والشاملة. تتطلب جهدا وعملا حقيقيا على أرض الواقع.
ولكن علينا في نفس الوقت الإشارة إلى أن هذه الوضعية الحالية، والتي يعتقد البعض باستحالة مواجهتها، يجب أن لا تضعنا في وضعية اليأس والقنوط، حيث لابد من الإيمان بأن طريق العمل الجاد هو الوسيلة الناجعة.
وهذا الأمل في تحقيق المستحيل، له مؤشرات حالية إيجابية، ناجمة عن ظروف ومتغيرات راهنة. يمكن في حالة حسن استخدامها وتوظيفها، تحقيق هذا المستحيل، ومنها:
- تواجد إرادة سياسية ، قوية وواضحة، بصورة متفاوتة، على مستوى العديد من الدول العربية؛
- تواجد اهتمام واضح ونية صادقة، بدعم مجالات التـنمية العمرانية والإسكانية، ودعوات معلنة لحل كافة المشكلات العمرانية؛
- الاهتمام الواضح، في السنوات القليلة الماضية بقطاع البلديات والمجتمع المدني، وما رافقه من تحولات ديموقراطية، وحرص معلن على دعم وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني والبلدي؛
- وهو الأمر الذي يعني ضمنا، إمكانية تحقيق أكبر تـنسيق ممكن بين النظام التخطيطي الرسمي ونظام البلديات، والمجالس البلدية، بما يحقق خدمات عمرانية أفضل، وأكثر ارتباطا بالواقع؛
- إمكانية الاستفادة الحقيقية، من أفضل الممارسات والتجارب العالمية، والتي أصبحت متاحة بصورة واسعة النطاق. واعتماد أسلوب البحث العلمي الرصين، في تحليلها والاستفادة منها حسب الظروف المحلية.
المتغيرات والظروف الحالية على المستويين الإقليمي والعالمي
· إن التحولات المتسارعة لظاهرة العولمة، تحتم السعي الدؤوب لفهم تداعياتها وتأثيراتها الإيجابية والسلبية، على المستوى المحلي لكل دولة، خاصة فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية؛
· أصبح من المتفق عليه عالميا، أهمية الأخذ بسياسات ونظم عصرية على مستويات الإصلاح الإداري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي؛
· التطورات والتطبيقات والممارسات المعاصرة، في مجالات التحديث والتطوير الإداري والاقتصادي، والثورة المعلوماتية الرقمية، والتقنيات فائقة التطور في مجالات الاتصالات والشبكات، ونظم وقواعد البيانات، ومجتمع المعلومات والمعرفة، والاعتماد الأساسي على مفهوم البحث والتطوير.
· كما أصبح من المتعارف عليه في مجالات التـنمية والعمران، وما يتعلق بها من قطاعات وأنظمة متـنوعة، مثل النظام التخطيطي، والنظام البلدي، ونظام الحكم المحلي ، أو الإدارة المحلية والمجالس البلدية، أهمية الأخذ بمفاهيم ومصطلحات معاصرة تلقى قبولا واعترافا واسعا، عالميا وإقليميا، أكاديميا ومهنيا وتطبيقيا، فكرا وممارسة. دعم وتشجيع القطاع الخاص والقطاع الأهلي في مجالات التـنمية والتعمير، الاهتمام بموضوع الشراكات ذات المستويات المتـنوعة محليا ووطنيا وعالميا، الاهتمام بالمستقبل وبالدراسات الاستشرافية، التأكيد على أهمية توثيق المعلومات وحرية نشرها والوصول إليها،ويرتبط بذلك مفهوم الحكومة الرقمية أو الذكية، وكذلك نظم المعلومات وقواعد البيانات، والربط الشبكي بين مختلف الجهات المعنية بمجال ما، ونظم دعم اتخاذ القرارات العمرانية والتـنموية، كما أن هناك تأكيدا واضحا على أهمية مفهوم الاستفادة من أفضل الخبرات والممارسات وتعميمها، ... الخ.
· كما يلاحظ الاهتمام البالغ بالمستقبل، ووضع وصياغة الرؤى والاستراتيجيات المختلفة، والدراسات والبحوث الاستشرافية، الكفيلة برسم صورة أكثر وضوحا وتأكيدا عن المستقبل القريب والبعيد. وقد بدأ هذا الاهتمام منذ العقد الأخير من القرن الماضي، وتحديدا للاستعداد للدخول في الألفية الثالثة الجديدة والقرن الحادي والعشرين.
· وهو الأمر الذي نراه بوضوح في مختلف توصيات ومبادئ المؤتمرات العالمية والدولية، وخاصة مؤتمر قمة الأرض، ومؤتمر قمة المدن، كما قامت العديد من الدول، بل والمدن، بتقديم وإعداد خطط ورؤى إستراتيجية، تـتـناول مستقبل مجتمعاتهم في القرن الحادي والعشرين. ومن الجدير بالذكر أن معظم هذه الخطط قد تم إعدادها من قبل الوزارات والإدارات المعنية بشئون التخطيط العمراني، في هذه الدول والمدن.
· كما أنه من المناسب في هذا المقام، أن نشير إلى أن العديد من الدول قد قامت في هذه الفترة، بإعداد مشروعات وبرامج لتطوير النظام التخطيطي القائم في بلدانهم، وهو أمر يتوافق مع طبيعة ما جاء في النقطة السابقة. ومن هذه المحاولات ما يتم حاليا من تطوير للنظام التخطيطي في كل من المملكة المتحدة، شاملة اسكتلندا وأيرلندا الشمالية، وويلز، وكذلك الأمر في هونج كونج، خاصة بعد وضعيتها الحالية ضمن جمهورية الصين الشعبية، وكذلك كافة حكومات المناطق الإدارية في استراليا ونيوزيلندا، وكذلك السويد، وألمانيا، والدانمرك، وجنوب أفريقيا، والعديد من دول شرق أوروبا.
· هذا بالطبع، إضافة إلى ما يتم من جهود لوضع العديد من الأفكار والمبادرات، المشار إليها سابقا، حيز التـنفيذ والتطبيق العملي على مستوى المدن والقرى والأقاليم في معظم دول العالم المتقدم. والتي تغطي مختلف جوانب تـنمية المجتمع، وخاصة جوانب الإسكان، والتعمير، والعمل التعاوني في مجالات تحسين البيئة المعيشية والبيئة الطبيعية، والحفاظ على التراث المعماري والعمراني، ورعاية الفئات الأقل حظا وذات الاهتمام والاحتياجات الخاصة، على سبيل المثال،المعاقون، المرضى والمسنون، الأطفال والأرامل والمطلقات، والمشردون، ... الخ، والتصميم العمراني والبصري، والتخطيط والتصميم والعمارة الخضراء، والسياحة البيئية، والمشروعات الصناعية والتجارية المتوافقة مع البيئة والمجتمع، ... الخ.
· وأيضا هناك شبه إجماع عالمي واسع النطاق، بمبادئ وأفكار ومفاهيم، تـتعلق بالشأن العام، مثل تعظيم مفهوم المصلحة العامة، والمحاسبة والمكاشفة والشفافية، وحرية الوصول إلى المعلومات، وتدعيم وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني، وتأكيد الشراكة بين هذه المؤسسات وكل من القطاع العام الحكومي والقطاع الخاص والاستـثماري، والتأكيد على المرجعية القانونية والدستورية، وتدعيم العملية الديمقراطية، وبالتحديد نظام الحكم والإدارة المحلية والبلدية.
الحاجة إلى تطوير وتحديث النظام التخطيطي العمراني
على المستوى الوطني

إن ما تم استعراضه من اعتبارات على مستويات متعددة في الفقرات السابقة، يحتم العمل الجاد على تواجد نظام تخطيطي عمراني شامل ومتكامل، على المستوى الوطني بكل دولة عربية، نظام واضح ومحدد الملامح، له مضمون وغاية، ومجموعة من الأهداف، ويتكون من عناصر أساسية، لا غنى عنها لتواجد مثل هذا النظام.
منها على سبيل المثال: أهمية تواجد كل من الإرادة السياسية، والرؤية الإستراتيجية العمرانية على المستوى الوطني، التي تعطي النظام مضمونه المجتمعي، وتواجد جهاز تخطيطي قوي وعصري، ومنظومة تشريعات وقوانين تخطيطية وعمرانية متكاملة، ومجموعة متكاملة وشاملة من السياسات العامة العمرانية، والسياسات الإرشادية القطاعية، وهيكل واضح للتدرج الهرمي للمخططات العمرانية، بدءا من المستوى الوطني، وبصورة إستراتيجية إرشادية، وعلى المستوى الإقليمي الذي يغطي المحافظات والبلديات بمخططات لإقليمية إرشادية، وكذلك بمجموعة شاملة من المخططات العامة والتفصيلية التي تغطي كافة المدن والقرى.
هذا بالإضافة إلى تضمين النظام مفهوم واضح ومحدد لضمان المشاركة المجتمعية والشعبية، والقطاع الخاص والاستثماري، في كافة مراحل العملية التخطيطية، وأيضا تبني مفهوم التخطيط للتنمية، ومفهوم التنمية المستدامة الشاملة، ومفهوم البحث والتطوير. وتواجد درجة عالية من التنسيق والتفاعل مع باقي الجهات المتداخلة في النظام التخطيطي، وفي صور متعددة من الشراكات المختلفة، وأشكال التعاون المتعددة.
ولذا فإنه من الضروري أن يقوم الجهاز التخطيطي، بوضع تصوراته الخاصة بمفهوم النظام التخطيطي العمراني الشامل على المستوى الوطني، وأن يفكر بداية بالعمل على بلورة بعدين أساسيين:
الأول : الدور والمكانة، التي تتعلق بمفهوم النظام التخطيطي الشامل، وهو الأمر الذي يرتبط بمضمون التخطيط وبمفهوم الرؤية الإستراتيجية، وبطبيعة الدعم السياسي، أو الإرادة السياسية العليا. وعلى الجهاز التخطيط الرسمي بكل دولة مسئولية القيام بوضع وبلورة أهدافه الإستراتيجية، من حيث مفهوم التخطيط والدور الذي يمكن أن تقوم به على مستوى الدولة، في الحاضر والمستقبل. والقيام بمحاولة تعرف واسعة النطاق لكل ما هو حديث وعصري في تطبيقات مجالات التخطيط العمراني، وتحديدا في الدول ذات التميز والتفوق في هذا النطاق. هذا إلى جانب القيام، بصورة موازية، بعملية نقد ذاتي لمجمل الخبرة السابقة، وللإمكانات والموارد والقدرات والمهارات البشرية، والمادية الحالية. على أن يتم ذلك في صورة تفهم دقيق للوضعية الحالية للجهاز التخطيطي من حيث الأداء والإنجاز، وتحديد نقاط القوة، والتركيز على نقاط الضعف، وتحديد السلبيات بكل دقة، سواء كانت معوقات، أو تداخل اختصاصات، أو نقص في مجال بناء القدرات، أو الموارد المادية، ... الخ.
الثاني: طبيعة وبنية الجهاز التخطيطي ذاته، باعتباره الجهة الحكومية الرسمية المسئولة، عن بلورة هذا النظام التخطيطي الشامل، وعن وضع الخطط العمرانية، والاستراتيجيات والسياسات العامة والبرامج والمشروعات والتشريعات المنظمة للعمران، وتـنفيذ المخططات ومتابعة الإنجاز والتحكم والمراقبة. وذلك في إطار شامل من التـنسيق المتكامل مع باقي النظم الحكومية، ذات العلاقة، ومع نظام البلديات وخاصة نظام المجالس البلدية، الذي يتمتع أو يجب أن يتمتع، بمهام واختصاصات ذات علاقة مباشرة بالعملية التخطيطية، وذلك طبقا لما يتم العمل به على مستوى الدول المتقدمة حاليا.
وهذا البعد الثاني، يحكمه الهيكل التـنظيمي للجهاز، والمهام والمسؤوليات الرئيسية المنوط إليه، بقوة القانون، من ناحية، وبوضعية هذا الجهاز ضمن منظومة الوزارات والجهات الحكومية، من ناحية أخرى، ليتمكن من خلال ذلك الإطار تحقيق الغايات والأهداف الوطنية في مجال التخطيط والتـنمية العمرانية، ولتحقيق مضمون الرؤية الإستراتيجية الشاملة للتنمية، وللتحول والتغيير في المستقبل، بصورة متطورة وعصرية.
كما أن طبيعة هذا الهيكل التـنظيمي، تتعلق بكل ما هو إجرائي وعملي لتـنفيذ هذا المضمون وتلك الرؤية التي يحققها النظام التخطيطي ككل. وذلك في إطار مهام ومسؤوليات الجهاز التخطيطي، بكل دولة على حدة.
ومن الضروري في هذا المقام، الإشارة إلى أن تطوير الهيكل التـنظيمي، ليس هدفا بحد ذاته، وإنما هو مجرد وسيلة لتحقيق الغاية والأهداف المتوقعة من هذا الجهاز التخطيطي. ولذا فإنه من الخطأ الفادح البدء بإعادة هيكلة الجهاز التخطيطي، عن طريق مجرد وضع عدد مقترح من الهياكل التـنظيمية، بإداراتها وأقسامها ودرجاتها ووظائفها المختلفة. دون الالتفات الواعي وبدرجة كبيرة من المسؤولية، إلى أهمية دراسة طبيعة المهام والمسؤوليات الجديدة، والمطلوبة، والتي تـتوافق مع طبيعة الوضعية القائمة على مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وكذلك ضمن الإطار المعاصر لمفهوم النظام التخطيطي الشامل.
ومن ثم، وبعد إجراء تقييم علمي دقيق لما سبق، وبدراسة أفضل الخبرات والممارسات والتجارب المماثلة لعدد من الدول، ذات السمعة الطيبة والتميز الملحوظ، في مجالات وتطبيقات التخطيط والتـنمية والتعمير، يمكن وضع تصور استراتيجي محدد الملامح، لتطوير وتحديث النظام التخطيطي ككل، ومن خلاله يمكن الحديث عن تطوير الجهاز التخطيطي بهيكله التـنظيمي ومهامه ومسؤولياته وواجباته الرئيسية الجديدة والمعاصرة.
على أن يتم هذا التطوير والتحديث بصورة تمكن من تطبيقه على مراحل متـتالية ومتدرجة، تؤدي كل مرحلة في نهايتها، إلى إمكانية البدء في المرحلة التالية لها، على أساس من الانتقال النوعي الواضح. على أن يكون الهدف الرئيسي من هذه الخطة الإستراتيجية للتطوير والتحديث، هو تحقيق الوضعية المطلوبة للجهاز التخطيطي العمراني، ضمن النظام التخطيطي الشامل لكل دولة. وضمان التـنسيق والارتباط الجيد بمختلف نظم العمل الحكومي والعام، والمجتمعي، وخاصة نظم البلديات والمجالس البلدية، ومنظومة القوانين والتشريعات المتكاملة.
و هذا التطوير المرحلي والمتدرج، لابد وأن يتم بالصورة التي يؤكد فيها الجهاز التخطيطي جدارته واستحقاقه، لهذه المكانة ولذلك الدور الحيوي، مثله مثل باقي أجهزة التخطيط العمراني المماثلة، في أكثر بلدان العالم تقدما ورقيا في هذا المجال. وعلى أعلى درجة من الأداء والإنجاز تضاهي المستويات العالمية.
وهو الأمر الذي بدوره يمكن الجهاز التخطيطي من ممارسة دوره ومهامه ومسؤولياته، وبالتالي يجعله قادرا على العمل بقوة في مجال تحسين أوضاع الحاضر، ورسم وصياغة كيفية تحقيق مستقبل أكثر إشراقا ورفاهية لمجتمع حقيقي عصري، وبما يليق بها من أوضاع معيشية في القرن الحادي والعشرين.
ومن المناسب في هذا المقام، الإشارة إلى أهم ما يميز فكرة ومفهوم النظام التخطيطي العمراني. هو أنه نظام مرتبط ومتعلق بالمستقبل، وبالنظر دوما إلى الأمام، وبكيفية مواجهة التحديات المستقبلية، والاستعداد الدائم والمستمر للتعامل مع مشكلاته وتوقعاته.
كما أن النظام التخطيطي في نفس الوقت، ومن ناحية أخرى، يهتم بالوضع القائم وباحتياجات ومتطلبات، المشاكل العمرانية الراهنة والملحة، ويعمل على إيجاد الحلول التخطيطية المناسبة لها. وإذا ما تم التركيز الشديد على أحد هذين البعدين الزمنيين - المستقبل والحاضر- وتم إهمال البعد الآخر، فإن هذا الأمر سوف يؤدي في النهاية إلى التسبب في حدوث خلل واضح في النظام التخطيطي.
كما أن النظام التخطيطي، من ناحية ثالثة، يتصف بالشمولية وبنظرته الكلية لمختلف المستويات والقطاعات العمرانية وذات العلاقة بالتـنمية الشاملة للمجتمع ككل. وقد يتم حدوث خلل على مستوى هذا النظام التخطيطي، في حالة التركيز على مستوى معين مثل التخطيط التفصيلي، وخاصة ما يعرف بنظام تقسيم الأراضي، وإهمال المستويات الأخرى، وخاصة المستوى الوطني الاستراتيجي، والمستوى الإقليمي، أي المحافظات والبلديات.
وكمبدأ عام في أي نظام، فإن الوقوع في وضعية الإغراق والانغماس الشديدين في التفاصيل، يؤدي بالضرورة إلى وضعية سلبية، من ملامحها الواضحة، ضياع القدرة على رصد وتحديد الصورة الكبيرة والإطار العام للنظام. وهو الأمر الأشد خطورة فيما يتعلق بالنظام التخطيطي بالتحديد، حيث يؤدي هذا الأمر إلى فقدان القدرة على تكوين حالة من الفهم المطلوب، الممكن الوصول إليه، فقط، عن طريق الاستفادة من قراءة الصورة الكبيرة، والقيام بالربط بين التفاصيل، وتكوين العلاقات، والقدرة على الفرز بين الأسباب والمسببات، وما هو خاص وما هو عام، والثوابت والمتغيرات... الخ.
ومن ناحية رابعة، أن التركيز عل قطاع معين من قطاعات النظام التخطيطي، بدرجة كبيرة أو بصورة مغالى بها، يؤدي بدوره إلى حدوث نوعا آخر من أنواع الخلل في النظام. فعلى سبيل المثال، التركيز الشديد على قطاع استعمالات الأراضي، قد يؤدي إلى إهمال باقي القطاعات العمرانية الشاملة، بأبعادها المختلفة، سواء كانت اقتصادية، وتشمل قطاع الأعمال والتجارة والمال، والصناعات بأنواعها ومستوياتها المختلفة، ... الخ، أو اجتماعية، وتضم الخدمات الاجتماعية، ورعاية الفئات الأقل حظا وذوي الاحتياجات الخاصة، ورعاية الطفولة والأمومة، وكبار السن، ... الخ، والقطاعات الحضارية والثقافية، وتشمل المحافظة على المناطق التراثية، والأبعاد الجمالية والمعمارية، والتصميم الحضري، والصورة البصرية، ... الخ، إضافة إلى أهمية قطاع البيئية، وما يتعلق بها من مفاهيم التـنمية المستدامة، والمدن الصحية، ومشاكل التلوث، والطاقة المتجددة، والتـنوع البيولوجي، ... الخ.
ومن ناحية خامسة، أن النظام التخطيطي الشامل، يضمن في ممارساته وتطبيقاته العمرانية، ذلك التوازن الهام بين كل من القطاع الحضري والقطاع الريفي، حيث يتم وضع معايير ملائمة تضمن عدم التركيز الشديد على مدن أو مناطق حضرية بعينها، وبالتالي إهمال التنمية العمرانية المتكاملة لعديد من القرى، أو الأماكن النائية، أو المناطق الفقيرة. وهو الأمر الذي يفسر أحد أهم الأدوار الحقيقية للدولة باستخدامها للتخطيط العمراني، كأداة لتحقيق التوازن بين كافة القطاعات العمرانية للمجتمع، وخاصة المكانية والجغرافية منها. وهو ما يشير إليه بعض منظري مجال التخطيط العمراني. حيث يرون أن لهذا المجال بعدا سياسيا واجتماعيا قويا، ناجما عن كون الأمن والسلامة الوطنية، هما من أهداف السياسة المكانية.
ومن ناحية سادسة، أن أهم ما يحدد دور ومكانة نظام التخطيط الشامل، وبالتالي جهازه التخطيطي الرسمي، هو القدرة على تحديد مجال ونطاق ومستويات المعلومات التخطيطية والعمرانية. أي بمعنى آخر المادة الخام التي يتعامل معها النظام باعتبارها من أهم مدخلاته ومخرجاته. سواء كانت، على سبيل المثال، بيانات أو معلومات إحصائية شاملة، أو سياسات عامة وتوجهات حكومية ومجتمعية، كمدخلات، أو في صورة مخططات بأنواعها ومستوياتها المختلفة، أو سياسات عمرانية عامة أو قطاعية إرشادية، أو في صورة قوانين وتشريعات،... الخ.
وبالطبع فإن من أهم طرق التعرف على هذه المعلومات وتحديدها بدقة، هو طبيعة وعناصر المهام والمسؤوليات والواجبات الرئيسية لهذا الجهاز التخطيطي، في الحاضر كوضع قائم، وما يجب أن تكون عليه، في المستقبل.
وهذا يعني أن أجهزة التخطيط العمراني بكل دولة عربية، عليها مهمة ومسؤولية بناء قواعد للمعلومات التخطيطية والعمرانية بصورة متخصصة وشاملة. وعلى أسس علمية دقيقة وصارمة. مستفيدة من كل ما هو متاح والعمل على استكمال وتطوير ما ينقصها.
وذلك في إطار الاستفادة القصوى من التطورات المتسارعة في مجالات نظم المعلومات وتوثيقها على المستويات العالمية. هذا مع الوضع في الاعتبار، أهمية الاستفادة من كل ما هو متاح على المستوى الوطني، من معلومات ذات العلاقة لدى كافة الوزارات والجهات الحكومية والخاصة المعنية. ودراسة إمكانيات تبادل المعلومات، من ارتباط بشبكات معلومات قائمة، أو التعاون على إقامة نظم وقواعد معلومات مطلوبة مع جهات أخرى معينة. سواء كان ذلك على مستويات إقليمية أو عالمية.
وهذه النقطة السابقة لها أهمية كبيرة، حيث من المطلوب أن يتواجد نظام معلومات تخطيطي عمراني قوي وفعال، يوفر ويتيح صورة شاملة ودقيقة وواقعية، عن وضعية العمران والتنمية الشاملة على مستوى كل دولة. شاملة كافة الأوضاع العمرانية للمدن والقرى، من حيث المشاكل والمعوقات، والإمكانات والموارد، والخطط المشروعات،... الخ. التنمية والمجتمعات المستدامة المعاصرة
مفهوم التنمية المستدامة
تبنت معظم الدول المتقدمة، ممثلة في أجهزة التخطيط العمراني، مجموعة من الرؤى والمفاهيم، والتي تكاد أن تتطابق مع ما تم الاتفاق عليه عالميا في مجالات التنمية المستدامة - العمرانية والتشييد والتعمير، والبناء والتي تتميز:
· بسعيها نحو وضع قواعد وممارسات جديدة ومعاصرة لمفهوم التنمية المستدامة تمكنها من مواجهة تحديات الحاضر وتوقعات وتطلعات المستقبل.
· وبريادتها في نطاق إنشاء المجتمعات المستدامة، وإعادة تطوير وتأهيل المناطق الحضرية والريفية والتراثية التقليدية، من هذا المنطلق.
· وبتبنيها لمناهج ومقاربات ابتكاريه وإبداعية في مختلف مجالات التنمية.
· والعمل على دمج مفهوم الاستدامة في القوانين والتشريعات.
· وبوضعها وتنفيذها لمخططات واستراتيجيات وسياسات عمرانية مستدامة ومسئولة، عن توازن تنمية القطاعات الاقتصادية، والبيئة، والاجتماعية. بدأ من المستوى الوطني والإقليمي وحتى المستويات المحلية، وتفاصيل التصميم العمراني والمعماري؛· وبحرصها المستمر على تقديم قيم جديدة مضافة خلال ما تقوم به من أعمال ومشروعات. تراعى فيها تطبيق مفاهيم مثل - نوعية الحياة، ونمط المعيشة، التصميم البصري...
مفهوم المجتمعات المستدامة
· هي أماكن ومجتمعات يريد سكانها العيش والعمل فيها حاليا وفي المستقبل،
· وهي مجتمعات مستدامة نظرا لكونها تحتوي على البنية الأساسية المجتمعية، والفرص والإمكانات التي يحتاج إليها سكانها،
· وتجعلهم يشعرون بالانتماء، وبالالتزام والعمل على رفاهية مجتمعهم،
· وهذه المجتمعات مستدامة بسبب امتلاكها للقدرة والفعالية الاقتصادية، التي تؤمن الاحتياجات الإسكانية للسكان حسب مختلف فئاتهم وقدراتهم في السوق،
· كما أنها مستدامة لتوفيرها فرص تحقيق طموحات الشباب كما كبار السن،
· وهي مجتمعات مستدامة بيئيا بسبب قدرتها على التلائم الايكولوجي،
· كما أنها مجتمعات تحمي وتحافظ على البيئة الطبيعية، بل وتعمل على تدعيمها بطرق تتواءم مع احتياجات المستقبل بقدر مساو لتعاملها مع احتياجات الحاضر.
عناصر المجتمعات المستدامة
· منظومة الحكم الجيد
· النقل والمواصلات
· الخدمات
· البيئة
· المساواة
· الاقتصاد
· الإسكان والبيئة المبنية
· الثقافة والمجتمع
ولكن يتطلب ضمان تطبيق هذا المفهوم ودمجه على مستوى التخطيط العمراني، الاهتمام بالمهارات والمعرفة الفنية الجديدة، المرتبطة بهذا المفهوم، للكوادر البشرية المسئولة عن عملية التنمية المجتمعية الشاملة
بعض المقترحات العملية لتطوير وتحديث أجهزة التخطيط العمراني العربية المعاصرة
تشير نتائج ما سبق استعراضه ودراسته، إلى أهمية تواجد نظام تخطيطي عمراني شامل على مستوى كل دولة. نظام قادر على تحمل مسؤوليات أوضاع الحاضر ومتغيراته، من جهة، ونظام يتولى مسؤولية صياغة وتنفيذ رؤية إستراتيجية عمرانية في المستقبل، من جهة أخرى.
وكما أوضحنا بصورة مباشرة ومحددة، أن هذه المسؤوليات تقع على عاتق الجهاز التخطيطي العمراني الرسمي. وبالطبع لا يمكن تحميل الجهاز التخطيطي كامل المسؤولية عن هذا الأمر. حيث تتواجد عدد من الاعتبارات والقرارات التي يتعلق تنفيذها بالمستويات السياسية والحكومية العليا. ولكن يمكننا في هذا المقام اقتراح عدد من الخطوات أو المبادرات التي يمكن بلورتها، بل وتنفيذها من قبل أجهزة التخطيط الرسمية. منها على سبيل المثال:
- البدء في إعداد واستكمال قواعد البيانات والمعلومات التخطيطية والعمرانية؛
- دراسة الوضع الراهن للجهاز التخطيطي الرسمي الوطني من منطلق القيام بعملية نقد ذاتي بناء؛
- إعداد وتنفيذ خطة تطوير مرحلية وشاملة للجهاز التخطيطي؛
- البدء في وضع نموذج إرشادي لمستويات التخطيط العمراني على المستوى الوطني. حيث يمكن البدء في عمل النماذج التالية:
- نموذج لرؤية مستقبلية للعمران على المستوى الوطني في القرن 21
- نموذج للمخططات الإقليمية الإرشادية للمحافظات والبلديات
- نموذج لمخططات عمرانية هيكلية أو عامة للمدن والقرى
- نموذج لمخططات عمرانية للأحياء والمناطق
- نموذج لسياسة عامة عمرانية إرشادية
- نموذج لسياسة عمرانية قطاعية إرشادية
والمقصود بنموذج لمخطط عمراني إرشادي، هو القيام بعمل هذا المخطط النموذج، بصورة علمية وبأحدث الطرق والوسائل الفنية التي تتواكب مع التطورات المعاصرة في مجال التخطيط العمراني على المستوى العالمي.
هذا مع أهمية أن يتم توثيق هذا العمل ليصبح بمثابة دليلا تخطيطيا إرشاديا ومرجعيا، على مختلف مستويات المخططات العمرانية. وتحديد كافة المعلومات المطلوبة، وإجراءات ومراحل العملية التخطيطية، وآليات التنسيق مع كافة الجهات المعنية، وتحديد البيانات والوثائق المطلوبة كمدخلات لهذه العملية، أو كمخرجات لها.
ويمكن اختيار نماذج لمخططات تتعلق بالتطوير الحضري، أو الريفي، للمناطق القديمة والتراثية، أو للمناطق ذات الطبيعة الخاصة، أو مخططات للتصميم العمراني البصري، أو حتى مخططات لتقاسيم الأراضي، ... الخ.
ويجب أن يوضح النموذج، كافة التفاصيل الخاصة بكيفية إعداد وصنع المخطط، وطريقة إعداد التقارير التخطيطية القياسية، وكذلك الخرائط الخاصة بهذه المخططات، وتحديد الهدف من المخطط، وتحديد منطقة الدراسة، ومناطق التأثير الأعلى مستوى، وتوثيق كافة البيانات والمعلومات التخطيطية المطلوبة، بأنواعها ومستوياتها المختلفة، وتحديد المشاكل والمعوقات العمرانية، والموارد والإمكانات المتاحة، وفكرة المخطط وطريقة التناول، وتحديد كيفية وسبل جمع المعلومات الميدانية، وأنواع الإحصاءات والمسوح المطلوبة، وطريقة تطبيق مبدأ ومفهوم التخطيط المجتمعي والمشاركة الشعبية، وسبل ووسائل التنسيق والتعاون مع نظام البلديات والمجالس البلدية، وباقي الجهات المعنية، والسند القانوني أو التشريعي، وبيان عناصر المخطط ومكوناته ومراحله، وآليات التنفيذ والمتابعة والرقابة التعميرية، والتكلفة، ومصادر التمويل، واحتياجات الاستملاك أو التعويض، ... الخ.
كما يمكن للجهاز التخطيطي في هذه المرحلة، القيام بمراجعة شاملة للتشريعات العمرانية والعمل على بناء إطار عام لمفهوم منظومة قوانين وتشريعات تخطيطية متكاملة، على المستوى الوطني. ودراسة تطبيق مفهوم القانون التخطيطي المرجعي أو الرئيسي، ذلك المفهوم الأكثر شمولا وعصرية مقارنة بالقوانين الحالية.
وعلى الجهاز التخطيطي إعطاء أهمية خاصة، لطبيعة العلاقة بنظام البلديات وخاصة المجالس البلدية المنتخبة، وكذلك للعلاقة بعدد من الجهات المعنية بشئون التنمية والإعمار، وذلك بطرح عدد من المبادرات الخاصة بأشكال التعاون والتنسيق، والمشاركة في برامج ومشروعات مشتركة. والتأكيد على الاستفادة من تجارب وممارسات الشراكة مع القطاع الخاص والاستثماري، من جهة، وكذلك أشكال التعاون مع منظمات وهيئات المجتمع المدني المتنوعة، والمجتمع المهني والعلمي والأكاديمي في مجالات التخطيط والتنمية العمرانية، من جهة أخرى.
وبدراسة أفضل التجارب والممارسات على مستوى أجهزة التخطيط المماثلة على المستوى العالمي، يمكن تبني عددا من هذه المبادرات والبرامج والمشروعات المشتركة، وذلك على ضوء الظروف والمتغيرات المحلية. مع التركيز على تلك المبادرات والبرامج المتعلقة بمجالات، التنمية المجتمعية، رفع مستوى معيشة الأحياء القديمة، وتطوير المناطق الريفية والقروية، ومبادرات التنمية الاقتصادية بأشكالها المختلفة، ... الخ.
ويوجد عدد ضخم من هذه المبادرات والبرامج التي تم بالفعل تطبيقها، على المستوىين الإقليمي والعالمي. والتي تعتمد في الأساس على شراكة فعلية بين أجهزة التخطيط الرسمية، والمجالس المحلية والبلدية، وجمعيات العمل العام والطوعي، بالإضافة إلى تواجد مبادرات تعتمد على مبدأ السوق وآلياته، حيث يم مشاركة القطاع الخاص، وجال الأعمال المحليين، والمستثمرين في تخطيط وتنفيذ وإدارة مشروعات وبرامج محددة، تهدف إلى رفع الكفاءة والاستغلال الاقتصادي لمناطق معينة، وفي مجالات محددة.
وكما أشرنا سابقا إلى أهمية قيام الجهاز التخطيطي، بالبدء في إعداد واستكمال قواعد للبيانات والمعلومات التخطيطية والعمرانية، ويمكن في هذا المقام اقتراح البدء في عدد من المشروعات والبرامج التي تمثل احتياجا حقيقيا لأي جهاز تخطيطي عمراني وطني معاصر، وهي بالتحديد:
- مشروع المسح العمراني والبصري للمدن والقرى؛
- مشروع حصر وتصنيف استعمالات الأراضي على المستوى الوطني؛
- مشروع حصر وتحديث وتطوير المخططات العامة والتفصيلية؛
- مشروع توثيق البيانات الأساسية للتنمية العمرانية الشاملة؛
ويمكن لهذه المشروعات، أو ما يتم ترشيحه كأولوية ملحة، أن تتم على شكل تعاون مشترك مع أحد الجهات المعنية، أو بالتعاون مع أكثر من جهة واحدة.
مع أهمية مشاركة جهات أخرى مثل، المجالس البلدية، والمحافظات، ، والهيئات العامة لحماية البيئة، والمكاتب الاستشارية الوطنية، وقطاع الأعمال والمقاولات، والجمعيات المهنية، ومراكز البحوث والهيئات الأكاديمية، ومؤسسات المجتمع المدني ... الخ.
وعلى ضوء هذا التصور المرحلي، لعملية بناء وتطوير الجهاز التخطيطي، يمكن بلورة هذا النظام التخطيطي العصري، ويمكن معه استكشاف واستشراف آفاق مستقبل العمران الشامل على المستوى الوطني، وتحديد الكثير من أشكال التعاون والتنسيق مع كافة الجهات المعنية داخل هذا النظام.
ومن أكثر هذه الأمور إلحاحا في المستقبل القريب، هو طبيعة وملامح العلاقة بين الجهاز التخطيطي ونظام البلديات والمجالس البلدية. حيث أن معظم تطبيقات وممارسات التخطيط العمراني المعاصر في هذا المقام، على المستوى العالمي، تقوم بإعطاء مسؤولية إعداد وتنفيذ المخططات العامة والتفصيلية للمدن والقرى، للبلديات والمجالس المحلية. في حين تحتفظ الأجهزة التخطيطية الرسمية، بمسؤولية، مراجعة واعتماد هذه المخططات، ومسؤولية وضع المخططات الإقليمية الإرشادية، والسياسات العامة العمرانية، والسياسات العمرانية القطاعية، وبالطبع تمارس هذه الأجهزة الرسمية مسؤولية وضع الرؤى والمخططات الإستراتيجية على المستوى الوطني، ومسؤولية إعداد واقتراح القوانين والتشريعات ضمن منظومة متكاملة.
وهذا الأمر يتطلب بالطبع القيام بدراسة أكثر تعمقا وتحليلا، يتم بها دراسة جدوى هذا الفصل في المهام والمسؤوليات، وتحديد الموارد والإمكانات المطلوبة، وخاصة في مجال بناء القدرات والمهارات الأساسية لكوادر الأجهزة التخطيطية على مستوى البلديات، وتحديد الإطار التشريعي والقانوني الذي يحكم هذه العلاقة.
ومن ناحية أخرى، وفي إطار مفهوم النظام التخطيطي الشامل، سوف يصبح الجهاز التخطيطي الرسمي في وضعية تحتم عليه التعامل مع مفاهيم ومضامين جديدة وحديثة ومعاصرة، لم يتم تناولها قط من قبل، أو على الأقل لم يتم تناولها أو إدراكها بالصورة المطلوبة.
منها على سبيل المثال، مفهوم التنمية المستدامة، ومفهوم التقويم البيئي، ومفهوم التخطيط المجتمعي والمشاركة الشعبية، ومفهوم نظام البلديات والإدارة المحلية والمجالس البلدية، ومفهوم منظومة القوانين والتشريعات المتكاملة، ومفهوم التفكير الإبداعي ومجتمع المعلومات والمعرفة، ومفهوم التخطيط للتنمية، ومفهوم البحث والتطوير، ومفهوم بناء القدرات والمهارات الأساسية والمتطورة، ... الخ.
وهذا التعامل يعني، ليس فقط الفهم الواعي والإدراك العميق لأهمية هذه المفاهيم، ولكن يعني في الأساس القدرة على ترجمة هذه المفاهيم إلى مضمون حقيقي داخل العملية التخطيطية ككل، وفي كافة مراحلها. بحيث يتم تضمين هذه المفاهيم في كافة الاستراتيجيات والسياسات العامة الإرشادية، والسياسات القطاعية، وفي كافة مستويات وأنواع المخططات العمرانية، ومنظومة القوانين والتشريعات التخطيطية والعمرانية المتكاملة.
وفي حين أن الخطة الحضرية الجديدة تدعو إلى تنفيذ هذه الأولويات مشفوعة باتخاذ إجراءات متزامنة ومتضافرة، فإن التوصيات المتعلقة بتخطيط المدن هي بمثابة خريطة طريق واضحة لصناع القرار في القطاعين العام والخاص لتكييف البرامج وفقا لبيئات كل منهم. ولأغراض التوجيه العام، تشير التوصيات إلى المبادئ التوجيهية الدولية بشأن التخطيط الحضري وتخطيط الأراضي، التي اعتمدت في نيسان/أبريل 2015 من جانب مجلس إدارة برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (موئل الأمم المتحدة). وتوفر المبادئ التوجيهية التوجيه في تحديد مهام التخطيط على عدة مستويات: المستوى الوطني (مثل الربط والموازنة بين نظام البلدات والمدن)؛ والمستوى المتروبولي (مثل التنمية الاقتصادية الإقليمية، والروابط الحضرية - الريفية، وحماية النظم الإيكولوجية)؛ ومستوى البلديات (مثل تصميم وحماية نظم الأماكن العامة، واستثمارات رؤوس الأموال في الهياكل الرئيسية الأساسية، والمخطط العام للكتل المعمارية، وإمكانية الاتصال)؛ ومستوى الأحياء (مثل التصميم الخاص بموقع محدد والمشاعات الحضرية المحلية).
وتقدم الأحكام المتبقية من خطة التنمية الحالي عدة مفاهيم للمدن والمناطق من حيث هياكلها وأشكالها. ويدعو أحد تلك الأحكام إلى ”تنفيذ سياسات عامة وخطط تنموية للأراضي تكون متكاملة ومتعددة المراكز ومتوازنة“. وفي هذا الصدد، تقر الدول الأعضاء بأن المناطق المتروبولية تتألف من مستوطنات من مختلف الأحجام والمهام تمكِّن الناس من الاختيار من مجموعة متنوعة من الترتيبات المعيشية؛ ويمكن أن تنص على وفورات الحجم التي تسهم في كفاءة الأنشطة التآزرية مع تجنب المساوئ الاقتصادية المتصلة بالازدحام الحالي وزيادة الكثافة في العديد من الأماكن؛ وإتاحة الحفاظ على قيمة الأراضي الزراعية وخدمات النظم الإيكولوجية، وإزالة المستوطنات في المناطق المعرضة للكوارث من قبيل السهول الفيضانية والمنحدرات الوعرة. ويشير إدراج كلمة ”متكاملة“ في هذا التوجيه إلى توفير نظم داخلية تكميلية وربطها معا، من قبيل النقل والمياه والصرف الصحي والإسكان والأماكن المفتوحة والخدمات المجتمعية في المناطق الحضرية. وهذا من شأنه تحسين أداء النظم الداخلية والنظم الخارجية المماثلة، على النحو المطلوب في المدن والبلدات والقرى لضمان وجود أوجه تآزر قوية بين الريف والحضر من أجل تبادل السلع (مثل تزويد المدن بالمواد الغذائية) والخدمات (توفير الرعاية الصحية إلى المناطق الريفية).
ووفقا للولاية المنبثقة عن مؤتمر معني بالإسكان والتنمية المستدامة، تضع الخطة الحضرية الجديدة موضوع الإسكان في صلب أحكامها. وتشير بقوة إلى الحق في السكن اللائق كعنصر من عناصر الحق في مستوى معيشي لائق المنشأ بموجب اتفاقات سابقة أبرمتها الأمم المتحدة، لا سيما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948. ويبرز هنا التزام أساسي يتمثل في تعزيز ضمان الحيازة، فضلا عن الدعوة إلى توفير الخدمات الأساسية. وتحدد خطة التنمية أيضا الحاجة إلى بناء أحياء ذات دخل مختلط، إلى جانب محاولة لكفالة توفير وحدات ميسورة التكلفة والتصدي للتشرد، والربط بين وسائل النقل العام، وإيواء الأشخاص الضعفاء (المسنون والنساء والأشخاص ذوو الإعاقة)، والتعامل بصورة عادلة مع اللاجئين.
وبالإضافة إلى تعزيز أداء المدن والمناطق، هناك هدف رئيسي للأحكام المتعلقة بالتخطيط، والتنمية الحضرية المستدامة على العموم، يتمثل في خفض الزحف العشوائي أو منعه. وبينما لا تشغل المناطق الحضرية سوى حوالي 2 في المائة من سطح الأرض، فإنها عادة ما تقع بالقرب من المسطحات المائية والأراضي الزراعية الخصبة، لأنه يجب أن تتاح لسكان المناطق الحضرية الكبيرة إمكانية الحصول على الغذاء والماء. وعندما ينمو سكان المدن تتوسع تلك المناطق لتصبح ضواحي متفرقة لا يمكن ضبطها، الأمر يدمر النشاط الزراعي، ويهدد التنوع البيولوجي، ويضعف خدمات النظم الإيكولوجية. وكإجراء وقائي، تدعو الخطة الحضرية الجديدة إلى استخدام التوسعات الحضرية المخططة لإدارة التنمية المكانية الحضرية واستيعاب الأعداد المتزايدة من سكان المدن، سواء كانوا من المهاجرين الريفيين أو الجيل الثاني من سكان الأحياء الفقيرة. والتوسع الحضري هو مساحة كبيرة من الأراضي الشاغرة تتصل بالمدينة بواسطة الطرق، فضلا عن وسائل النقل والنظم المائية. وينطوي مخطط التوسع الحضري على تخصيص وحماية مساحة كافية من الأراضي لبناء شبكة من الشوارع الصالحة للخدمة، والمرافق المجتمعية الأساسية (مثل المدارس والمستوصفات) وأماكن مفتوحة للترفيه؛ أما الجزء المتبقي من الأراضي فيتاح للراغبين في تشييد مساكنهم بأنفسهم. وبطبيعة الحال، تأتي برامج تحسين الأحياء الفقيرة رفقة برامج للتوسع الحضري. وتقترح خطة التنمية ترتيبات تتعلق بالنقل، والمياه، والصرف الصحي، والكهرباء، والتعليم، والصحة. ويتوقف تنفيذ سياسات التوسع الحضري/تحسين الأحياء الفقيرة على السلطات التي لديها إطار قانوني داعم يرجح إدراج حق الاستملاك العام والترتيبات التنظيمية لحماية الأماكن العامة. وعلاوة على ذلك، تدعو خطة التنمية، بحسب ما ورد فيها، إلى تعزيز مجموعة من القدرات التمويلية.
وتقر الدول الأعضاء بالحاجة إلى مراقبة الزحف العشوائي بأن يدرج في مؤشرات أهداف التنمية المستدامة مقياس لكفاءة استخدام الأراضي، وهو معدل استهلاك الأراضي إلى معدل النمو السكاني. ويمكن استخدام هذه النقطة البيانية، إلى جانب نصيب الفرد من استهلاك الأراضي، لرصد ومراقبة الاتجاه ونوعية النمو. ومن حسن الحظ أن التقدم في الاستشعار عن بعد وما يرتبط بها من النمذجة السكانية سيتيح لمديري الشؤون الحضرية استخدام هذه التدابير على نحو أوفر وأكفأ. وسيكشف النقاب في الموئل الثالث عن مثالين اثنين: برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، معهد لنكولن لسياسات الأراضي ومشروع ستيرن للحضرنة، جامعة نيويورك، حيث ستُرسم خرائط 200 مدينة وتوسعاتها مع مرور الوقت؛ وطبقة المستوطنات البشرية العالمية التي يقوم بتنفيذها مركز البحوث المشترك التابع للاتحاد الأوروبي، التي تحدد المناطق المعمورة في العالم وترتبط بشبكات السكان التابعة لجامعة كولومبيا. وتسهم هذه الأدوات في تطور علوم المدن.
وسوف يتم الإعلان أيضا في الموئل الثالث على اقتراح آخر مثير يستند إلى السياسات الموصى بها للتوسع الحضري/تحسين الأحياء الفقيرة الحضرية: جائزة الرخاء الحضرية/ مناطق الطاقة المتجددة، والتغذية، والبيئة، والمياه، والنفايات (RENEWW). وتتوخى هذه المبادرة استخدام تقنيات الاقتصاد الدائري لربط التوسعات الحضرية بالمستوطنات القائمة. وانطلقت المبادرة على يد ائتلاف متعدد الأطراف أقامته وزارة خارجية الولايات المتحدة والعديد من الشركاء، بما في ذلك المختبر الوطني للطاقة المتجددة، ومعهد الموارد العالمية، وإدارتا التصميم والهندسة/كليات جامعة بنسلفانيا، وكلية الإدارة والتنظيم في جامعة تكساس، وجامعة العلوم والتكنولوجيا في ميسوري، وغيرها. وتهدف هذه المبادرة إلى تحفيز الأفكار لوضع نماذج لامركزية ومغلقة للتخطيط المكاني وتوفير الخدمات لضواحي المناطق الحضرية التي تستخدم الطاقة المتجددة بدلا من الطاقة الأحفورية؛ واستخلاص المياه الجديدة، والغاز الحيوي، والأسمدة من المياه المستعملة؛ وإنتاج الغذاء والوقود الأحيائي بمواد أُعيد تدويرها، وجميع هذه العمليات تجري بدون أن تخلف وراءها أي نفايات تقريبا. وستتيح كل منطقة من مناطق RENEWW، على مسافة يمكن قطعها سيرا على الأقدام أو ركوبا على الدراجات، مساحة خضراء للترفيه المجتمعي، وخدمات إعادة التدوير والصرف الصحي، فضلا عن مكان لشراء الأغذية الطازجة، والسلع المدورة، والوقود الأحيائي، ومياه الشرب المأمونة. ومن شأن أي منطقة من تلك المناطق تبنى في الطرف الخارجي للمستوطنة غير الرسمية الموجودة أن توفر جسرا يصل بالتوسيعات الحضرية المتاخمة.
وتعكس اعتبارات التخطيط الإضافية الهدف 11، حسبما يتبين من قراءة متمعنة للخطة الحضرية الجديدة . وبالإضافة إلى أحكام الإسكان والنقل والتخطيط، تشمل الخطة الاستفادة من التراث الثقافي والطبيعي وحمايته؛ وتأسيس منابر للمشاركة المجدية في صنع القرار؛ وتحسين عملية الحد من مخاطر الكوارث؛ والترويج لمعالجة النفايات بصورة سليمة بيئيا؛ وإقامة أماكن مفتوحة وخضراء وإتاحتها للعموم.
وأخيرا، لا يتمثل النجاح الباهر في أن الخطة الحضرية الجديدة تعزز الهدف 11 من أجل تحقيقه فحسب، بل أنها تعمل باعتبارها وسيلة لتعزيز مبادئ التنمية الحضرية المستدامة المرتبطة بهذا الهدف، من قبيل عدم ترك أحد يتخلف عن الركب؛ والقضاء على الفقر؛ والاستفادة من فوائد الكتل العمرانية الناجمة عن الحضرنة لنشر الرخاء؛ وتعزيز الاستدامة البيئية بشكل ملموس مع إمكانية إدارتها وقياسها. وبالتالي، فهي تقدم حججا قوية لصالح بناء مدن ومناطق جيدة التخطيط. وإذا تجاوزنا هذا التأكيد لتقديم تفاصيل كثيرة محددة، من قبيل سلاسة وظيفة الكثير من النظم المدعومة بقوانين استخدام الأراضي وقوانين البناء، والسياسات المالية المنصفة، فإن الخطة تتيح التوجيه العملي للدول الأعضاء التي تسعى إلى اتخاذ إجراءات في هذا الصدد.
وفي حين أن الخطة الحضرية الجديدة هي وثيقة وضعتها الدول الأعضاء تركز فيها على دور الحكومات الوطنية في تعزيز الإسكان والتنمية الحضرية المستدامة، فإنها تشدد أيضا على الحاجة إلى إشراك طائفة واسعة من أصحاب المصلحة غير الحكوميين في تنفيذها. ولحسن الحظ، توفر الخطة تشجيعا قويا في مجالات عديدة. وتشدد على أهمية وضع سياسات حضرية وطنية وتمكين السلطات المحلية ودون الوطنية على الاضطلاع بالمسؤوليات المرتبطة بولاياتها القضائية. كما تقر بأهمية إشراك أصحاب المصلحة، بما في ذلك في إطار المجموعات الرئيسية التقليدية، وتشير كذلك إلى أهمية المنتديات الابتكارية الأخرى التي برزت في العمليات التحضيرية للموئل الثالث. ورغم أنها لم تُذكر جميعها في الخطة، فإنها موثقة جيدا في مصادر المعلومات العامة، بما في ذلك السجلات الرسمية لقرارات الأمم المتحدة، والبيانات الصادرة في الاجتماعات والمجلات الأكاديمية والصحف، الممثلة بشبكات Citiscope، و Next City، و Cities Today. وتشمل هذه الابتكارات استخدام وحدات السياسات التي يرأسها الخبراء وفرقة العمل العالمية للحكومات المحلية والإقليمية؛ وتشكيل الجمعية العامة للشركاء في الموئل الثالث؛ وتنظيم 11 مؤتمرا إقليميا ومواضيع ؛ وعقد جلسات استماع رسمية لأصحاب المصلحة.
وتشدد الخطة الحاجة إلى إرشادات عملية وقائمة على الأدلة، والابتكار، ووجود علاقة ترابطية قوية بين العلوم والسياسات في التخطيط الحضري والإقليمي، وصياغة السياسات. وهي تدعم أيضا إقامة آليات لإضفاء الطابع المؤسسي على عملية تقاسم وتبادل المعلومات والمعارف والخبرات، وتؤكد على ما يرتبط بذلك من ضرورة بناء القدرات. وعلاوة على ذلك، تدعو الخطة موئل الأمم المتحدة إلى أن يكون مركز تنسيق للتعاون بين وكالات الأمم المتحدة للاعتراف بالروابط مع المبادرات الأخرى، بما في ذلك التنمية المستدامة، والحد من مخاطر الكوارث وتغير المناخ. وتدعو، على وجه الخصوص، إلى تقييم موئل الأمم المتحدة لمعرفة ما إذا كان عمله بشأن الخطة يتطلب ولاية منقحة للاضطلاع بهذه المسؤوليات بفعالية. وأخيرا، تصر الخطة على أن يستند هيكل ما بعد الموئل الثالث إلى المنابر القائمة، من المنتدى الحضري العالمي، وتدعو الجمعية العامة إلى تقديم تقرير كل أربع سنوات عن التقدم المحرز.
وخلاصة القول، وفيما يتعلق بالتنمية الحضرية المستدامة ووسائل تحقيقها، تحدد الخطة الحضرية الجديدة الأولويات الرئيسية الثلاث التالية: الإدارة، والتخطيط، والمالية. وتوفر توجيهات فنية في معظمها بشأن كل من هذه المواضيع، ولا سيما التخطيط، دون أن تكون إلزامية الطابع. وتأخذ الخطة في الاعتبار الحاجة إلى إنشاء ائتلافات حكومية ومتعددة أصحاب المصلحة لأغراض التنفيذ، وتقر بضرورة تجديد وتوسيع نطاق علوم المدن من خلال الاعتماد على الأدلة في توليد المعارف ونشرها. وهذه الوثيقة التي تحتوي على 24 صفحة مملوءة بالأفكار. ويتوقف الأمر الآن على الدول الأعضاء لتهيئة بيئة تمكينية من أجل تطبيق خريطة الطريق هذه. وفي حين أن تنفيذ التغييرات المقترحة سيستغرق بعض الوقت، فإن مواصلة التركيز على العناصر الرئيسية، على النحو المبين أعلاه، سيزيد من فرص إحراز تقدم كبير للناس الذين يعيشون في المدن والمناطق في جميع أرجاء العالم.


الإبداع والتميز في تخطيط المدن
الاستمرارية في التنمية العمرانية – الأسلوب والمنهج والتطبيق في المناطق والمدن السعودية
1- مقدمة :
1-1 يعتمد الأسلوب التقليدي للتخطيط العمراني على منهج إعداد المخططات العامة للمدن والقرى والتي نحاول أن نرسم الصورة المستقبلية لهذه التجمعات القديمة منها والجديدة على مدى طويل من الزمن يبلغ عشرين عاماً في معظم المخططات . والمخططات العامة بهذه الصورة تعتمد على التوقعات المنتظرة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسكانية من ناحية كما تعتمد من ناحية على ما هو متوفر من المقومات الطبيعية والبيئية ومصادر الطاقة والمياه والخدمات. وتطبق في هذه الحالة المعايير التخطيطية المتعارف عليها من كثافات للبناء أو كثافات للسكان أو تقدير لحجم الخدمات ونوعياتها من توفير المساكن بمستوياتها المختلفة والمدارس بمستوياتها المختلفة و الخدمات الصحية بأنواعها المختلفة بالإضافة إلى الخدمات التجارية و الإدارية والترفيهية وما يربط كل هذه العناصر من شبكات طرق رئيسية وفرعية ومحلية تصمم لاستيعاب كثافات مختلفة من المرور و بسرعات محدودة على كل نوعية كما ترتبط كل هذه العناصر أيضاً بشبكات للكهرباء والغاز والاتصالات والصرف الصحي والمياه. وتقدم كل هذه الدراسات في شكل تقارير فنية تدعمها مجموعات من الخرائط التوضيحية والجداول الحسابية الأمر الذي يأخذ من الزمن عامين أو ثلاثة ربما تتغير فيها قاعدة البيانات.
1-2 والمخططات العامة تعتمد على أساس كامل من البيانات والإحصاءات التي تتوفر من فترة الإعداد أو قد سبق توفرها في الإحصائيات العامة التي تجري كل عشر سنوات وقد توضع هذه البيانات في شكل جداول أو رسومات بيانية أو على خرائط مساحية بما يطلق عليه نظام البيانات الجغرافية. ومع المتغيرات التي تطرأ على البيانات يتم مراجعة المخططات العامة على فترات خمسية يتم بعدها تقييم الوضع الراهن وما طرأ عليه من متغيرات وتتم هذه المراجعات على ضوء ما استجد من بيانات ومعلومات الأمر الذي حدا إلى استعمال الحاسب الآلي في حفظ واسترجاع البيانات بعد تجديدها وقد فطنت بعض المدن إلى ضرورة إنشاء قواعد بيانية متجددة توفر المعلومة في أقرب وقت ممكن للعرض على مستخدمي القرار لاستعمالها في توجيه الاستثمارات المتاحة له على أرض الواقع .
1-3 لقد وجد بالتجربة أن هذه المخططات العامة لا تحقق أهدافها بالرغم من الدراسات المستفيضة التي بنيت عليها. ولقد لجأت العديد من الدول إلى اقتضاب هذه المخططات العامة إلى مخططات هيكلية تأشيرية توضح المعالم الرئيسية المتوقعة مستقبلاً ولا تدخل في التفاصيل حتى تتيح قدراً كبيراً من المرونة وحرية التغيير والتبديل لمواجهة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يصعب على المخطط التكهن بها عند إعداد المخططات العامة. ثم تطورت المخططات الهيكلية إلى مخططات إرشادية تدعمها العديد من القرارات واللوائح والتوجيهات والمعايير والنظم الأمر الذي يتطلب نظام مؤسسي خاص يعمل على دفع ومتابعة وتطوير التنمية العمرانية كعملية مستمرة تتعامل مع المتغيرات المستقبلية. وقد أصبحت هذه النظرية أسلوباً جديداً في التنمية العمرانية .
2- بداية مشروع الأمم المتحدة في التخطيط العمراني بالمملكة :
2-1 بدأ مشروع الأمم المتحدة للتخطيط العمراني بالمملكة العربية السعودية عام 1973م وكان الهدف منه أساساً إيجاد التنسيق بين ما يتم دراسته بواسطة المكاتب الاستشارية الأجنبية المتعاقدة مع وزارة الشؤون البلدية والقروية لتخطيط المناطق الخمس بالمملكة مع إعداد المخططات العامة لخمس مدن في كل منطقة وبين ما يجري من دراسات تخطيطية في وزارة التخطيط وخاصة ما يرتبط بتخطيط الأقاليم والتوزيع المكاني لاستثمارات الخطط الخمسية المتتالية. بدأ المشروع بتسعة خبراء تحت قيادة كبير الخبراء مع الفريق المقابل في إدارة تخطيط المدن بوزارة الشؤون البلدية والقروية وكان على فريق الخبراء أيضاً التنسيق بين كبرى المكاتب الاستشارية العالمية حيث لم تكن بدايات عملهم واحدة ولم تكن بينهم وحدة فكر أو وحدة منهج بل كان كل منهم ينهج منهجاً خاصاً لما تعود عليه ويعمل به في بلاد أخرى. حتى أن أحدهم كان يستعمل نص التقرير الفني مع تغيير اسم المدينة وعدد السكان وغيرها من البيانات الخاصة بكل مدينة. فكان من الصعب التنسيق بينهم .
2-2 حاول فريق خبراء الأمم المتحدة أن يتلمس طريقة في العمل ويجد له مدخلاً علمياً للتنسيق بين ما يجري في إدارة تخطيط المدن بوزارة الشؤون البلدية والقروية وما يتم عمله في وزارة التخطيط من ناحية أو إيجاد لغة مشتركة بين المكاتب الاستشارية العالمية واقتصر عمل الخبراء على مراجعة ما يقدم إليهم من تقارير فنية أو خرائط تخطيطية لإبداء الرأي بشأنها كجهاز فني يعمل مع الفريق المقابل في إدارة تخطيط المدن .
2-3 من خلال التعامل مع منجزات الدراسات التخطيطية التي كانت تقدم تباعاً من المكاتب العالمية بالمنطق التقليدي في إعداد المخططات العامة للمدن بدأ خبراء الأمم المتحدة يتحسسون طريقهم للبحث عن الأسلوب الأمثل للتنمية العمرانية في ضوء المعطيات المحلية بيئياً واقتصادياً وسياسياً وارتبطت تقاريرهم التقييمية بمخططات تفصيلية بديلة تعكس الفكر الإسلامي في التخطيط الحضري من ناحية ومنجزات العصر من ناحية أخرى. وكانت هذه التقارير مع المخططات البديلة تعرض على سمو نائب الوزير تباعاً إلى أن اقتنع بها وبدأت اهتماماته تقل بالنسبة لما يقدم من التقارير والمخططات التي وضعتها المكاتب العالمية خاصة وأن معظمها كان قد فقد موضوعيته في ضوء المتغيرات السريعة التي طرأت على المدن ولم تستطع المخططات ملاحقتها وكانت هذه البداية لمرحلة جديدة لمشروع الأمم المتحدة .
3- تطوير مهام وفعاليات مشروع الأمم المتحدة :
3-1 اتضح من خلال المعايشة المستمرة مع ما أنجزته المكاتب العالمية من مخططات استغرق إعدادها أكثر من ثلاث أعوام أن معظم هذه المخططات قد فقدت فعاليتها في ضوء المتغيرات السريعة التي طرأت على المدن السعودية في هذه الفترة فقد بدأت هذه المكاتب عملها فيما بين عام 1971م وعام 1972م ثم بدأت الفعاليات الأولى لمشروع الأمم المتحدة في مرحلته الأولى 1973م حتى عام 1975م أي بعد عامين من المتابعة والتقويم لما قدم من دراسات ومخططات وأن هذا الأسلوب التقليدي في أعداد المخططات العامة لم يعد مقبولاً ولا يصلح لمدن تنمو بسرعة وتتغير بيئتها الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية بمعدلات أسرع من أن تلحقها هذه المخططات العامة وكان لابد من البحث عن أسلوب آخر بديل من التكليفات الاستشارية التي تنتهي بانتهاء مدة عقودها. ونترك الساحة التخطيطية بعد ذلك فارغة انتظاراً لتكليفات أخرى جديدة . إما لتجديد المخططات أو لإعداد مخططات تفصيلية وهكذا .
3-2 وضع كبير الخبراء تصوراً لتطوير العملية التخطيطية في ضوء نتائج المرحلة السابقة التي مضى عليها عامين . ويهدف هذا التصور إلى التعامل مع العملية التخطيطية بأبعادها الزمنية الثلاثة : أولاً : اليومية وهي التي تواجه المتطلبات الآتية بتوجيه من متخذ القرار دون الانتظار لمخططات بعيدة المدى ، الثانية: الخمسية : وهي التي تهدف إلى توجيه الاستثمارات المقررة في الخطط الخمسية والتي تخص المشروعات المختلفة المدرجة لكل مدينة ووضعها في المواقع المناسبة لها في إطار المخططات التأشيرية للمدينة وهذا ما أطلق عليه برنامج التنمية الاقتصادية الاجتماعية والعمرانية الخمسية للمدينة أو المنطقة. وهو ما يتزامن مع البرامج الخمسية للتنمية الاقتصادية الذي تحددها وزارة التخطيط وهنا يمكن الربط والتنسيق بين أقطاب العملية التخطيطية وهي الأجهزة المعنية في وزارة التخطيط مع الأجهزة المعنية في إدارة التخطيط العمراني بوزارة الشؤون البلدية والقروية. وهنا أيضاً يمكن التكامل بين الجوانب الاقتصادية الاجتماعية والعمرانية في عملية تنموية واحدة ووضع استثمارات الخطط الخمسية في بعدها المكاني. أما البعد الثالث فهو البعد الطويل الأمد الذي يقوم فيه الخبراء المتخصصون كل في مجاله بتقدير التصورات المستقبلية الطويلة الأجل في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية وهو ما يرتبط أساساً بالمخططات الإقليمية للمناطق المختلفة .
3-3 يتضمن التصور الذي وضع لتطوير العملية التخطيطية تحديد الآليات التي تتولى تناول الأبعاد الثلاثة السابقة بحيث تقوم أجهزة وزارة التخطيط بوضع التصورات الطويلة الأجل – كما تقوم أجهزة وزارة التخطيط بالتعاون مع أجهزة تخطيط المدن في وزارة الشؤون البلدية والقروية بوضع الخطط الخمسية للتنمية الاقتصادية الاجتماعية والعمرانية للمدن. التي تنقل بعد ذلك لأمانات المدن للتنفيذ على ضوئها بالتكامل مع ما يتم في الواقع اليومي من مشروعات جارية أو تم اتخاذ القرار بشأنها .
3-4 من هذا المنطلق تم وضع الهياكل التنظيمية والإدارية والفنية لأجهزة التخطيط المحلي على مستوى تحت مسمى " الإدارة العامة لتخطيط وتنمية المدينة " تنشأ في كل مدينة في الأمانة أو البلدية حيث التعامل اليومي مع المتطلبات العاجلة وبهذا المفهوم يتم تكامل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية بالجوانب العمرانية في عملية مستمرة تقوم بها الأجهزة المحلية. الأمر الذي تطلب بالتالي وضع دلائل الأعمال الخاصة بأداء الجزئيات المختلفة للعملية التخطيطية كما تطلب الأمر إنشاء نظام لمراكز البيانات التخطيطية على المستويات المحلية ترتبط في أسلوب أدائها بمركز البيانات على مستوى الدولة إعمالاً لتأكيد الترابط الرأسي بين البيانات المحلية والقومية في حركة تبادلية بينهما الأمر الذي تطلب إعداد برامج خاصة على الحاسب الآلي لتحقيق هذا التكامل .
3-5 في ضوء قناعة المسئولين في وزارة الشؤون البلدية والقروية على هذا التطور في الفكر التخطيطي تم وضع البرنامج التنفيذي للمرحلة الثانية من مشروع الأمم المتحدة حيث تطلب الأمر زيادة عدد الخبراء من تسعة في المرحلة الأولى إلى حوالي 25 في المرحلة الثانية حيث تم تخصيص خبير عمراني لكل مدينة يعمل مع الفريق المقابل في الإدارة الجديدة للتخطيط والتنمية في الأمانة. ويبقى فريق خبراء الاقتصاد والاجتماع والمساحة والتخطيط الإقليمي والتنمية الريفية والتخطيط الحضري في العاصمة – الرياض – في مقر الإدارة العامة لتخطيط المدن بوزارة الشؤون البلدية والقروية. وقد قام كبير الخبراء بتصميم مبنى خاص لاحتواء هؤلاء الخبراء مع الفريق المقابل .
3-6 استكمالاً للتنظيم الجديد لإدارة العملية التخطيطية أو التنمية العمرانية وضع خبراء الأمم المتحدة الشروط المرجعية لإنشاء مركز للمعلومات مقره الرياض ويتصل بفروع تابعة له في المدن المختلفة كما وضع الخبراء الشروط المرجعية لمشروع التنسيق بين مشروعات البنية الأساسية من طرق وصرف صحي وشبكات مياه وكهرباء وهاتف بحيث يتم التنسيق بينهما تخطيطاً وتصميماً وتنفيذاً ، ويعتبر هذا المشروع من أهم منجزات مشروع آلام المتحدة كما طلبت من كبير الخبراء وضع التصور الخاص بإعادة تنظيم الإدارات والأجهزة الخاصة في وزارة الشؤون القروية شاملة وكالة بتخطيط المدن والشؤون القروية بجانب الشؤون الفنية والإدارية والمالية … الخ .
4- دلائل الأعمال التخطيطية :
4-1 تعتبر العملية التخطيطية عملية مستمرة لها مقوماتها وآلياتها وأجهزتها وأسلوب العمل فيها بأن الأمر يستدعي إعداد دلائل للأعمال التخطيطية التي نوضح بالتفصيل أسلوب تناول الجوانب المختلفة للعملية التخطيطية بدءاً من التنظيم الإداري والتوصيف الوظيفي ماراً بأسلوب جمع البيانات وتبويبها واسترجاعها ثم أسلوب إعداد كل من المخططات التأشيرية والتفصيلية والتنفيذية وذلك في ضوء المعايير التخطيطية المناسبة والكثافات البنائية والسكنية مع المعايير الخاصة بالطرق والمرور والأمن والسلامة والدفاع الوطني وتنسيق المواقع وتعتبر دلائل الأعمال التخطيطية بمثابة الوقود الذي يحرك أجهزة التخطيط العمراني ويطبقها أعضاء الجهاز التخطيطي كل في تخصصه وان لم يتوفر أي تخصص فيمكن في هذه الحالة الاستفادة بالخبرات الخارجية التي تلتزم بتطبيق دلائل الأعمال إلى أن يتم تدريب التخصصات المحلية ، وبهذه الطريقة يمكن بناء الهيكل التنظيمي من المواطنين المحليين تدريجياً حتى تستكمل سعودة الأجهزة التخطيطية بالكامل .
4-2 تم تحرير دلائل الأعمال التخطيطية بأسلوب سهل بلغة بسيطة ومباشرة معززة بالرسومات والأمثلة التوضيحية بحيث يساير النص الشكل في كل حالة فإعداد هذه الدلائل يعتبر من أهم الأعمال في بناء العملية التخطيطية واستقرارها واستمرارها حتى في حالة تغيير الأفراد في أي موقع من الهيكل التنظيمي للعملية التخطيطية. وتشمل دلائل الأعمال بالإضافة إلى الجوانب الفنية أسلوب متابعة المخططات وتجديدها وتعديلها. وكل ما يرتبط بذلك من جوانب تنظيمية وإدارية ومكتبية من مكاتبات وتقارير وحفظ وأرشيف .
5- ولادة فكر جديد في تنمية المدن الجديدة :
5-1 إذا كان مشروع الأمم المتحدة قد انتهى إلى وضع الصيغة المعاصرة لإدارة عملية التنمية العمرانية للمدن القائمة بأبعادها الزمنية وآلياتها العملية فإن هذا المشروع قد تولد عنه فكراً جديداً لإدارة عملية التنمية العمرانية للمدن الجديدة بعد أن ثبت في الواقع العملي عدم جدوى وضع المخططات العامة لهذه المدن الجديدة لتقطع أوصالها للتنفيذ على مراحل بعد أن ثبت عدم جدوى أسلوب التوقعات الرقمية الجامدة لعملية التنمية العمرانية للمدن الجديدة في المواقع الجديدة لزرع مجتمعات جديدة تقترب في محتواها إلى عملية التنمية لزرع شجرات جديدة في تربة جديدة تبدأ من مرحلة غرس الشاتلات تحت عناية خاصة للحفاظ عليها من التقلبات البيئية ومدها بالغذاء والماء الكافي لمد جذورها في التربة الجديدة مع وضعها تحت الملاحظة المستمرة في هذه الفترة حتى تنبت أوراقها الجديدة وتبدأ مرحلة النمو التي تحتاج هي الأخرى لعناية خاصة بأسلوب آخر مناسب حتى تشب وتبدأ في إنبات طرحها الأول في مرحلة الإخصاب التي تحتاج هي الأخرى إلى عناية خاصة وبأسلوب مناسب للحفاظ على ثمرها وزيادة إنتاجها. وكذلك المجتمعات الجديدة التي تزرع في أراضي جديدة لابد وأن تخضع إلى أسلوب خاص في التنمية العمرانية بدأ من تحضير الموقع لاستقبال الفوج الأول من رواد الاستيطان البشري الأمر الذي يتطلب توفير جميع الخدمات لهم بسهولة ويسر فيما يتوفر لهم في الموقع أو خارجه واعتبار هذه الموجة الأولى من المستوطنين هم الجذور التي سوف تنمو وتتشعب في تربة المكان وهم العلامة الأولى لجذب أفواج أخرى من السكان من مختلف المستويات الاجتماعية والمهن العملية فتزداد بذلك متطلباتهم المعيشية سواء في المرافق والخدمات العامة أو في توفير فرص العمل المناسبة في الصناعة أو الزراعة والتجارة والإدارة .. وهكذا تتم عملية التنمية العمرانية بشكل عضوي تتزايد فيه السكان الجدد كما تتزايد معهم الخدمات المعيشية والمرافق العامة. وتستمر هذه العملية تدار من جهاز خاص قادر على الاستقبال والتوطين مع البناء والتشييد. إلى أن تنمو المدينة وتثمر وتستطيع أن تدار ذاتياً دون تدخل كبير من الخارج .
5-2 تتطلب إدارة عملية التنمية العمرانية الجديدة التي تمثل كياناً عضوياً ينمو من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب ثم مرحلة النضج تتطلب آليات خاصة لدفع عملية التنمية العمرانية وتعديل مسارها كلما تطلبت الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ذلك. وتضمن هذا الآليات أسلوباً خاصاً من التخطيط العمراني والمعماري. تنمو في إطاره كل عناصر المدنية، مناطق الإسكان بنوعياته مع الخدمات والمرافق العامة بصورة متكاملة ومتزامنة حتى لا تترك فراغات شاسعة تفصل أوصال المدينة فالمرحلية في النمو هي الأساس الذي تنمو على أساسه خلايا المدينة الخلابة السكنية مع الخلايا الحكومية مع فروع المرافق والطرق. ويشمل أسلوب المرحلية أيضاً تصميم مباني الخدمات العامة من مدارس إلى متاجر إلى وحدات صحية وإدارية بحيث ينمو البناء مع نمو الخلايا السكنية وبمعنى آخر تنمو الخدمات مع ما يتناسب من حجم التدفقات من السكان الجدد. والخلية العمرانية في هذه النظرية تمثل الحد الأدنى لوحدة الجوار المتمثلة في 160 دار أو مضاعفاتها بكثافات مختلفة على مساحة محددة 180م × 360م كما أثبتتها البحوث التي أجريت في هذا الشأن. والخلية العمرانية أو وحدة الجوار بمساحتها المحددة نستطيع أن نضم نوعيات خاصة من الخدمات العامة مع استكمال الخلايا المجاورة لمقوماتها الاستيطانية.
5-3 ويبقى من المنظومة المتكاملة لإدارة عملية التنمية العمرانية الجانب الإداري والمالي والاجتماعي باعتبار أن عملية الاستيطان لا تقتصر فقط على الإسكان ولكنها تتضمن جوانب أخرى مكملة تتمثل في التنمية الاجتماعية والتأهيل الثقافي والتوعية البيئية مع التنمية الاقتصادية وإيجاد فرص جديدة للعمل في كافة المجالات الأمر الذي يتضمن جذب الاستثمارات لإنشاء الصناعات بأنواعها مع إسكان وتدريب الكوادر اللازمة للعمل بها .. وبنفس الأسلوب التنموي تنمو المناطق الصناعية بأنواعها في خط موازي للنمو العضوي للمدينة وتبعاً لمتطلبات السوق الاستثمار المتغير أيضاً .
5-4 جاءت النظرية الجديدة لإدارة التنمية العمرانية للمدن الجديدة كإفراز طبيعي للنتائج العلمية والعملية والتطبيقية التي خرجت من مشروع الأمم المتحدة للتنمية العمرانية في مرحلتيه الأولى والثانية ومن أوراق العمل التي أعدت خلال مدة هذا المشروع في الفترة من عام 1973م إلى عام 1979م والتي أضافت بعداً جديداً للتنمية العمرانية في الدول النامية الأمر الذي ساعد على ترقية مدير المشروع إلى أعلى الدرجات الوظيفية في جهاز الأمم المتحدة وكان اتصاله الدائم مع السكرتير العام المساعد للمعونة الأجنبية الأمر الذي أدى إلى إنشاء وحدة اتصال لمدير المشروع في مقر الأمم المتحدة بنيويورك.المقترحات والتوصيات
· أهمية الأخذ بمفهوم النظام التخطيطي الشامل بمفاهيمه الفرعية وتطبيقاته العملية، كوسيلة معاصرة وضرورية لتطوير التخطيط العمراني على مستوى كل دولة.
· العمل على دمج مفهوم التنمية المستدامة، والمجتمعات المستدامة في صلب العملية التخطيطية العمرانية الشاملة،
· أهمية إنشاء مراكز إقليمية على مستوى الدول العربية على غرار أكاديمية المجتمعات المستدامة بالمملكة المتحدة،
· إنشاء مركز وطني بكل دولة يشرف عليها المركز الإقليمي،
· ضرورة دمج تشريعات وقوانين البناء والتخطيط العمراني بمفاهيم الاستدامة
أهمية إعداد دلائل إرشادية على مستوى التصميم العمراني والعمل على إصدار كود عربي في هذا المجال