السفينة بقلم: محمد عبد المحسن العلي
تاريخ النشر : 2017-05-09
المفكر الإسلامي محمد عبد المحسن العلي - الكويت
( السفينة ) قصة قصيرة
وهي ملخص لمشروع فيلم روائي يفكر به الكاتب يدور حول ( سفينة الإسلام ) التي غيبها حكم الملك العاض والجبري ، فهناك جوانب من الأحداث المهمة لم تذكر في القصة والتي تبين ، من غيب السفينة ؟ ولماذا غيبت ؟ وكيف غيبت ؟ ومتى تعود للظهور ؟ وكيف ؟ وما هو شكل الحياة التي ستكون بعد ركوب السفينة من قبل المسلمين ؟
إن النظام السياسي الإسلامي نظام كوني محكم بإحكام الكون وبدقة صنعته , فسبحان من خلق الأشياء ومكننا منها وسخرها لنا , فآلية الإسلام السياسية آلية كونية تتوافق حركتها مع نواميس وقوانين حركة الكون وما به من خلق ظاهر وخفي وهو أشبه بالسفينة المحكمة الصنع التي تمخر عباب الماء وتعبر البحار والمحيطات , فهو نظام سياسي يسير بروح من الله يعبر به المسلمون الزمن ومحيطات المستقبل إلى بر الأمان , وهو ( الجنة ) ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) الحديث .
قصة السفينة
يستيقظ ابو صالح باكرا كل صباح ليؤدي صلاة الفجر ومن ثم يجلس ليقرأ القرآن الكريم ويذكر الله ثم يتناول إفطاره وبعد ذلك يأخذ قطيع الغنم إلى المرعى ، وبعد وصوله ينتشر القطيع في مساحة كبيرة من الأرض يحرسهم ويحيط بهم ثلاث كلاب من كلاب الحراسة لاتساع المرعى الذي يرعى القطيع به ، ثم يجلس ابوصالح بجوار رئيس القطيع ( المرياع *) وحماره الذي يحمل زاده وبعض حوائجه .
الراعي ابو صالح يبلغ من العمر 65 عاما و يحمل شهادة دكتوراه في علم الاجتماع ، عمل مدرسا في بعض الجامعات وبعد 35 عام من عمله دخل المعترك السياسي ورشح نفسه لمجلس الشعب واصبح عضوا فيه ، واستمر في المجلس 4 سنوات وهي المدة التي يجري بعدها انتخاب أعضاء جدد ، وبعد ذلك خرج بقناعات جعلته يفكر في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ويطبقه على نفسه بعد ما تهيأت له الظروف ، ( عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَن ) صحيح البخاري.، فدخوله لمجلس النواب اكمل الصورة لديه حيث لمس عن قرب زمن الرويبضة وكيف يخدع الناس وكيف يضللون ويستغلون من قبل معظم أعضاء مجلس النواب والحكومة وكيف يستغل النواب وأعضاء الحكومة مناصبهم ، فالمال والمناصب فتنت أعضاء مجلس النواب والحكومة ، كما ادرك باستحالة إصلاح الأوضاع والأحوال السياسية والاجتماعية من خلال دخول المجلس باسم " الديمقراطية " فهي في حقيقتها ( تسلط جماعي مشترك ) يمارسه الاثرياء و الأقوياء والاحزاب وأهل العصبيات على بقية أفراد المجتمع ، و " الديمقراطية " في الفكر الغربي هي البديل الوحيد عن "الدكتاتورية " أو التسلط الفردي، واحد اهم الفروق بينهما هو إمكانية قبول الناس بما فيهم المسلمين بذلك( التسلط الجماعي المنظم ) حيث لم يتعايش المسلمون منذ بداية الملك العاض وحكم بني امية مع ( الشورى ) .
وهناك مسائل كثيرة أدركها أبو صالح عملت على إفساد الحياة مثل غياب العدل واعتماد فلسفة ومناهج التعليم الغربية التي تفصل عقول الدارسين عن بصائر الوحي مما جعل إدراك الحقيقة أمر يصعب على الناس ، و النظام الاقتصادي القائم على الربى و الإعلام الذي يفسد الذوق ويضلل الناس ويشحن رغباتهم للشراء والاقتراض ، كما لمس ابو صالح السياسات الخاطئة التي سلبت الناس إرادتهم و حقوقهم وضرورات حياتهم الإنسانية وحرمتهم من إثبات ذاتهم وتنمية قدراتهم عدا غياب مبدأ تكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع ، و هناك أمور أخرى جعلت ابو صالح يتخذ قرار العزلة ويتجنب الفتن ويكتفي شر وسفاهة وتفاهت الرويبضات .
وفي يوم من الأيام وبينما كان أبو صالح جالسا بين غنمه يقرأ أقبل عليه من بعيد شاب في مقتبل العمر يبدو عليه مظاهر الخوف والقلق ، إقترب الشاب منه وسلم عليه فرد أبو صالح السلام وطلب منه الجلوس لأخذ قسطا من الراحة وقدم له الماء والطعام ، وبعد أن أكل الشاب وشرب راح يتأمل المكان وهو مرتاح النفس ومطمئن ، فسأله أبو صالح عن اسمه بعد ما عرفه بنفسه ، فأجاب، عبد السلام ، ودار هذا الحوار بينهما .
ابو صالح : اهلا وسهلا بك ، من أين قدمت وما سبب اضطرابك وخوفك ؟ .
عبد السلام : قدمت من سوريا من وسط الحرب والدمار وأنا كنت في العراق في الفلوجة ورأيت مناظر يشيب لها الولدان .
ابو صالح سأله سؤال مباشر : هل انت من تنظيم الدولة الإسلامية ، اي من داعش ؟
عبد السلام : نعم كنت معهم.
ابو صالح ، والآن ؟
عبد السلام : أما الآن فقد كفرت بهم ، والحمد لله لم اقتل نفسا ، ولم اؤذي احد فلقد مكثت معهم شهور قليلة اعمل في النقل والتحميل في العراق ثم انتقلت لسوريا استعدادا للفرار ، لقد واجهت أهوال وشهدت جرائم ومنكرات ترتكب باسم الإسلام .
ابو صالح: ما الذي جعلك تأتي إلى هنا في مراعي تركيا ، ولم كنت خائفا ومضطربا، أنت الآن في مأمن .
عبدالسلام : لقد شاهدت مناظر مفزعة أثناء انتمائي مع داعش أثرت على نفسيتي ، كما أنني أخشى ملاحقتي من قبل الأنظمة الحاكمة فمن الممكن أن يكون اسمي وصورتي لديهم ، لا أعرف، أنا غير مطمئن، علما بأنني أحمل جواز ساري المفعول وإقامة يمكنني تجديدها بعد انتهائها .
ابو صالح : ينظر إلى عبد السلام طويلا ، ويقول له ، يبدو بأنك تبحث عن الحقيقة التي لم تجدها في ظل حكومات الملك الجبري ولا في حكم تنظيم الدولة ؟ .
عبدالسلام : لقد أدركت يا ابو صالح ما في نفسي وفيما يجول في خاطري، نعم، انا ابحث عن الحقيقة ، ابحث ما هو مجهول بالنسبة لي وهو النظام السياسي الذي يستمد أهله رؤيتهم من النبع الصافي الأصيل وهو الكتاب والسنة ، فأنا أعتقد بأنه لا بد من وجود منهج رباني يدير حركة المجتمع ، وفشل داعش وغيرهم في تجسيد المنهج الصحيح لا يعني بأنه ليس هناك منهجا سياسيا إسلاميا يمكن أن يدير شؤون وحركة المجتمع .
ابو صالح : حسنا يمكنك المكوث معي بعض الوقت فأنا أعيش وحيدا هنا بعد ما هجرت المدينة وأهلها ويمكنني إيضاح الصورة العامة لك بناء على قراءتي وتجاربي وفهمي للواقع ، فما عليك إلا أن تأخذ الصور الفكرية وتضعها في مخزن الذاكرة للتأمل بها ولتطابقها مع ما لديك من صور وتجارب وخبرات وما تقدمه لنا بعض السور من صور ، فالقرآن الكريم عبارة عن سور تحمل بعض الصور... الصور الفكرية ، وفي مجملها مع بعض الأحاديث تشكل لك الصورة العامة .
عبد السلام : جزاك لله خيرا ، فأنا أجد بأن نفسي بحاجة للمكوث فترة بعيدا عن الناس وصخب المدينة وسط هذا الهدوء والصفاء و المرعى الخصب .
عبد السلام ، هل لك زوجة وأبناء ؟ .
ابو صالح : نعم ، فزوجتي قد توفاها الله منذ سنتين و لي منها ولدان يعملون في المجال الطبي فاحدهم ا طبيب والآخر صيدلي ولي ابنة متزوجة وهي ربة بيت لا تعمل بالرغم من حصولها على شهادة دكتوراه في اللغة العربية . وأوضح أبو صالح سبب عزلته واتجاهه لرعي الغنم ، فهو يود في آخر أيامه العيش بهدوء وصفاء بعيدا عن الفوضى التي أحدثها اللاعقل في العالم خاصة العالم العربي .
عبد السلام يتساءل : اللاعقل ؟ وما دخل العقل بما يحدث ؟ .
ابو صالح: المسألة طويلة وبحاجة لشرح سنتحدث حولها في الأيام القادمة إن شاء الله .
وجلس أبو صالح وعبدالسلام يتجاذبان الحديث حتى قبل غروب الشمس وبعد صلاة المغرب قاموا لإعداد وجبة العشاء وبعد تناولهم لوجبة العشاء صلوا صلاة العشاء وذهبوا إلى مخاعهم للنوم
وفي الصباح الباكر وبعد الصلاة جلس أبو صالح وعبدالسلام يتناولان الإفطار ومن ثم خرجا إلى المرعى وجلسا ليتبادلا الحديث.
عبد السلام : عم ابوصالح ما هي خلاصة رؤيتك لأنظمة الحكم وكيف تدار الأمور في الدول ؟
ابو صالح: يتحدث مبتسما وهو ينظر إلى حماره و( المرياع) والغنم والكلاب، و يلتفت إلى عبد السلام ويشير برأسه قائلا ، انظر إلى نظام الرعي عندي تجد صورة نظام الحكم عندما يغيب الحكم بموجب الشريعة .
عبدالسلام ، مبتسما و متسائلا ، وما دخل نظام الرعي ونظام الحكم وأين وجه الشبه بينهما ؟
ابوصالح : نعم انه امر مضحك مبكي .... أليس هناك راعي وحمار ومرياع وغنم وكلاب ، كذلك الوضع في الدول مع اختلاف بسيط في الصورة، فالغنم هم الرعية ، والمرياع يمثل كل قائد وناشط سياسي وشيخ له أتباع في الدولة، وقد يكونون من المحسوبين على أهل العلم، ووجود أكثر من مرياع في الدولة أمر يتطلبه تميز الإنسان عن الغنم بالعقل والتفكير ، فهناك تنوع فكري وعقدي بين الناس والسلطة الحاكمة تراعي تلك المسألة وتقبل بها، وقد تقوم السلطة بصناعة كذا مرياع من أجل إشغال مقاعد المعارضة ، والكلاب التي تمنع وتحاصر الغنم في دائرة رعي معينة ، يقابلها القوة الناعمة للدولة والقوانين التي يحاصر الفكر بواسطتها حتى لا يخرج عن الدائرة الفكرية التي يرسمها النظام الحاكم _ حتى لو كان فكر معارض _ والقوة الناعمة تتمثل بالأفكار والمفاهيم التي تروجها المشيخة الرسمية ومثقفوا واعلاميوا السلطة الذين يحاصرون العقول بواسطة التربية والتعليم والإعلام كما تحاصر الكلاب الغنم .
عبد السلام : انا اعرف بأن المرياع يتبع الحمار في حركته والغنم تتبع المرياع في دائرة الرعي ، إذا كان الراعي هو الحاكم من هو الحمار ؟
ابو صالح : لا … الراعي هو الشيطان الذي يرسم ويدير الحركة بغياب الوعي والحكم الشرعي ، وأما الحمار هو الحاكم الذي يركبه ويحركه الشيطان الذي تسلط عليه بعد ما فقد التحصين لأنه استخف بمنهج الله وشرعه. والدليل ، قال تعالى ( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99)إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ (100) النحل... اي مشركون بالله، وشرك الانظمة شرك واضح وبين، وقال تعالى ( قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَٰذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42)) الحجر .ومن يصبح للشيطان عليه سلطان لن يشعر بحاله وبأحواله مالم يشعره الله عز وجل وسيكون له وعي وادراك خادع خاصة اذا ما كان العلماء الذين يعملون تحت امرة الحاكم اصبحوا بنفس الحالة .
عبد السلام : وما قولك في الآية التي توضح بأن الشيطان لم يكن له على من اتبعه سلطان، قال تعالى ( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ......) ابراهيم .
أبو صالح : السلطان هنا سلطان وسلطة وجبر وقهر على الاقناع ، اي المسألة ستكون اشبه بدخول اختياري من قبل من يسبح في البحر الى دوامة مائية وجدت امامه، وبعد ما يختار الدخول فيها فقد السيطرة وسحبته الدوامة الى الاسفل، وهكذا يحدث للانسان، فباتباعه لخطوات الشيطان وقبوله بإملاءاته يصبح للشيطان سلطان على الانسان
هل لاحظت يا عبدالسلام بأنني أتحدث عن سياسة الشيطان وما يمليه على الحكام. وذكر أبو صالح الحديث ( : قال حذيفة بن اليمان قلت: يا رسول الله إنا كنا بشر فجاء الله بخير فنحن فيه فهل من وراء هذا الخير شر، قال: نعم، قلت: هل وراء ذلك الشر خير، قال: نعم، قلت: فهل وراء ذلك الخير شر، قال: نعم، قلت: كيف؟ قال: يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك، قال: تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع. وقد رواه الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي والألباني.
هل لاحظت يا عبد السلام ( وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس) وعلماء السلطة ركزوا على السمع والطاعة وقبلوا العمل تحت أمرة الشياطين، وهذا دليل على قلة وعيهم وإدراكهم وسطحية فهمهم، كما يدل على فشلهم أمام سنة الإبتلاء .
ولو نظرت إلى نتائج ما يسمى بالربيع العربي على ضوء الحديث ستجد بأنه كان في الحقيقة ربيع للشياطين حيث سفكت الدماء وهتكت الأعراض وعبث بالمال وبدد وأتلف وحدثت الفوضى وهجر الناس ودمرت منازلهم ...الخ، فالخروج على حكم الشياطين بحاجة لعلم ولإجراءات وأعمال معينة تسهل للناس الخروج عليهم.
عبد السلام : سبحان الله …نعم. .. نعم ... اتضحت الصورة ، وماذا عن من خرجوا من الدائرة كالقاعدة وداعش ؟ .
ابو صالح : من يخرج من تلك الدائرة الفكرية وينفذ من سيطرة علماء ومثقفي وإعلامي السلطة ستتجمع عليه الشياطين لتحرفه عن مساره وتجعله يتجه للعنف وسفك الدماء ان لم يتسلح بالعلم اللازم للخروج من الدائرة الفكرية التي ترسمها السلطة ، فليس المطلوب رفع السلاح بعد الخروج على الحاكم بل المطلوب الخروج من دائرة اللاوعي التي يرسمها الشيطان بواسطة علماء ومثقفوا وإعلاميوا السلطة إلى دائرة وعالم الوعي ، وهذا يكفي ليعبد الإنسان ربه على بصيرة .
عبد السلام : وما دخل الشيطان في مسألة الحكم وإدارة شؤون وحركة المجتمع .
ابو صالح : إن الشيطان كائن سياسي يضع استراتيجيات ويرسم سياسات يوحيها لأوليائه ، ألم يقسم بعزة الله على إضلال وغواية الإنسان ؟ ، قال تعالى ( ( قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين ( 82 ) إلا عبادك منهم المخلصين ( 83 .ص. كما قال تعالى ( قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40 الحجر . وهناك آيات كثيرة توضح عداوة وقدرة الشيطان . والتسلط على الناس والتضييق عليهم وسلب إرادتهم و خداعهم وتضليلهم وحرمانهم من حقوقهم الشرعية وضرورات حياتهم الإنسانية وغياب مبدأ تكافؤ الفرص وإثبات الذات .. الخ كلها من أعمال الشيطان ينفذها بواسطة من أنحرف عن الصراط وتجاهل المنهج بعد ما فقد التحصين ، والنص الالهي والنبوي ليس طلسم او حرز يعلق أو يحفظ في الصدور ليصد الشياطين ، بل هي نصوص للعمل والتطبيق ، فبالعمل والتطبيق الصحيح تحصل المنفعة ويحصل التحصين ، والتلاعب بالنص وتجزئته هذا اريد وهذا لا أريد و هذا يرضي الحاكم وهذا لا يرضيه يجعل الإنساني دون تحصين حتى لو كان الإنسان حافظا للنص _ القرآن والسنة _ فهو سيصبح مثل الحمار يحمل أسفارا. ثم قرأ أبو صالح ( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) الجمعة .
عبد السلام : ومن أدرك الحقيقة وخرج من دائرة اللاوعي إلى عالم الوعي والإدراك سيعتبر بالنسبة للسلطة إنسان ضال ويحذر منه حتى لا يؤثر على الآخرين.
ابو صالح : بالضبط هذا ما سيحدث ، فلك أن تتخيل ماذا سيحدث لو أن معظم من هم محاصرين في دائرة اللاوعي خرجوا إلى دائرة وعالم الوعي .
عبدالسلام : بطبيعة الحال سيتغير النظام وسيكون هناك نظام جديد بناء على الواقع الجديد الذي أدركه الناس .
ابوصالح : نعم … سيبحث الناس حينها عن السفينة .
عبدالسلام : أي سفينة ؟ وما ذا تعني بالسفينة .
ابوصالح : أعني بالسفينة هي النظام السياسي الذي يعبر به المسلمون الزمن ، فعقيدة التوحيد وأفكار الرسالة التي تبنى على أساسها مؤسسات الدولة ستكون أشبه بالسفينة التي تعبر البحار والمحيطات .
عبدالسلام : ومتى يكون ذلك ؟ ، فما أحوجنا للسفينة .
ابو صالح : الأمور والأحوال تجري بمقادير واقدار ، فإذا قدر الله تعالى ظهور السفينة سيقيض الله من يبين للمسلمين سفينتهم كما سيقيض لها ربانا .
عبد السلام : هل تعني سيكون ذلك عند ظهور المهدي محمد بن عبدالله .
ابو صالح : نعم وكما بينت الأحاديث النبوية الشريفة الصحيحة. فما حدث ويحدث من فتن ترك آثار بليغة على المجتمع وخاصة على ( العقل والوعي والإدراك ) حيث عرف اللغويون الفتنة بأنها الاختبار والابتلاء المضل عن الحق المفسد للعقل ، فما بالك بمجموعة متتابعة ومتقاطرة من الفتن ؟ ماذا سيكون أثرها على العقل والوعي والإدراك؟ ، فأنا أعتقد بأن الموقف العام بحاجة لرجل عنده علم من لدن العليم الخبير للتعامل معه، فمكر الشياطين مكر عميق، وبعد ما يمكن الله للمهدي محمد بن عبدالله سيعرف الناس الفرق بين ربيع الشياطين وربيع المسلمين والمستضعفين .
عبدالسلام : وماذا عن اللاعقل الذي ذكرته في الأمس ، أليس نحن في الزمن الذي تنوعت به العلوم والمعارف وتطور العلم وارتقى وتنور العقل ؟
ابو صالح : اذا ذهب الدين فسد العقل وإذا فسد العقل سفكت الدماء وهتكت الأعراض وعبث بالمال واتلف ، و العقل عقدة الفلاسفة في كل زمان ومكان وفتنة الناس في هذا الزمان ، حيث فتن الناس بمخرجات العقل المنفصل عن الوحي الإلهي، نعم هناك إنارة حدثت للعقل ولكنها إنارة النور الأدنى الذي يكتسب بالبحث العلمي باستخدام العقل والحواس في الاستدلال على نتائج البحث ، ولكن هناك النور الأعلى الذي تقدمه بصائر الوحي ، مثال : الرئيس الذي يحمل شهادة بالطب ... كبشار الاسد، الا يعتبر متعلم ومتنور ؟ ، ماذا تفسر الدمار الذي يحدثه في بلده وسفك الدماء وهتك الأعراض وإتلاف الممتلكات وتهجير الملايين من الشعب ؟ في الحقيقة أنه إنسان لا يملك عقل سليم ويفتقد للنور الأعلى. ومثله كثير، ومظاهر فساد العقل كثيرة ولكنها لا تعزى لفساد العقل ، فكيف سيدرك المسلمين بأن حاكمهم لا يملك عقل سليم وهو يحيط به المحسوبين على أهل العلم والثقافة ويشيدون بحكمته ورشده؟ فعلماء السلطة والمشيخة الرسمية الذين فشلوا أمام سنة الابتلاء أقوى خط دفاعي يتمترس وراءه الشيطان .
عبد السلام : إذن المسألة ليست هينة وبحاجة لجهد فكري وعملي معين حتى يعود للناس وعيهم.
أبو صالح : نعم … فمعالجة الأمر بحاجة لفكر نير غير تقليدي ، ولا يقوى على معالجته إلا من لديه علم لدني أي علم الوهب الذي تقدمه المدرسة الربانية القائمة على العمل الصالح الصحيح وليس الكسب الذي تقدمه المدرسة التقليدية القائمة على حفظ النص وإظهاره دون فهم عميق وعمل صحيح .
عبد السلام : ما العمل ... ما النجاة ؟ .
ابو صالح : هناك أحاديث تبصرنا بالعمل المطلوب في زمن تقاطر الفتن .
((عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا النَّجَاةُ قَالَ أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ)) رواه الترمذي
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ستكون فتن، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، مَن تشرَّف لها تستشرفه، فمن وجد منها ملجأ أو معاذًا فليعذ به))؛ متفق عليه .
فيا عبد السلام كن من القاعدين ولا تكن من القائمين أو من الماشين أو من الساعين ، أي لا تكن مرياع ولا تابع لمرياع ، وإذا تهيأت لك الظروف للعزلة فاعتزل حتى يأتي أمر الله .
ثم لاحظ عبد السلام ابوصالح وهو يقرأ بصوت خافت ( أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر ) ، فسأل أبو صالح وما علاقة هذا الجزء من الآية بموضوعنا .
ابوصالح : أنا أربط في ذهني بين الجزء الذي قرأته من الآية وبين الواقع الذي أشاهده والمسه وهو ليس تفسيرا للآية، فالسفينة هو النظام السياسي الذي يخرج الناس المساكين من بحر الظلمات الذي أجبرتهم أنظمة الملك الجبري على الدخول فيه، والمساكين أعني بهم الناس الذين استكانوا لأنظمة الملك الجبري ولم يجدوا عنها بديلا، فسياتي الزمن الذي يظهر العلي القدير للمسلمين سفينتهم، أي أن الجزء من الآية يقدم الصورة التي ذكرتها وتتطابق معها.
عبد السلام : لابد أن تكون هناك مقدمات لظهور السفينة ، فما هي من وجهة نظرك ؟ .
ابوصالح : انا اظن ( الشعور بالحاجة ) أي تنامي الشعور عند المسلمين وغيرهم بحاجتهم لنظام يحقق أمنهم الفكري والنفسي والمادي كما يحقق آمالهم و أمانيهم المشروعة ويخرجهم من الظلمة إلى النور ، وإذا وجدت العلماء الأتقياء يتحدثون بصوت مسموع عن أثر ذهاب الدين على فساد العقل أعلم بأن الأمر أصبح قريب ، فكلما تقدمت الأيام سيكتشف الناس وعلى رأسهم العلماء بأن هناك شيء ما جرى للعقل ومن ثم يبدأون في التساؤل والبحث ، متى فسد العقل ؟… وكيف فسد العقل؟ … ومن أفسد العقل؟ ..ولماذا فسد العقل ؟… وكيف سيعود النور الأعلى والهدى إليه، فالسوءات العقلية للحكام ولعلماء ولمثقفوا ولإعلاميوا السلطة ستكشف تدريجيا للناس وبحسب وعيهم بالمسألة .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ لَهَرْجًا، قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْهَرْجُ؟ قَالَ الْقَتْلُ فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَقْتُلُ الْآنَ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ وَابْنَ عَمِّهِ وَذَا قَرَابَتِهِ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَعَنَا عُقُولُنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا، تُنْزَعُ عُقُولُ أَكْثَرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَيَخْلُفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنْ النَّاسِ لَا عُقُولَ لَهُمْ، ثُمَّ قَالَ الْأَشْعَرِيُّ وَأيْمُ اللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّهَا مُدْرِكَتِي وَإِيَّاكُمْ وَأيْمُ اللَّهِ مَا لِي وَلَكُمْ مِنْهَا مَخْرَجٌ إِنْ أَدْرَكَتْنَا فِيمَا عَهِدَ إِلَيْنَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنْ نَخْرُجَ كَمَا دَخَلْنَا فِيهَا )) رواه ابن ماجه وأحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني ونعيم بن حماد، والحاكم وصححه على شرط الشيخين، وصححه الألباني ….
هل لاحظت ( أكثر ذلك الزمان ويخلف له هباء من الناس) أي الأمر لا يتعلق بالقتلة فقط .
قيل لعمر بن الخطاب:(كيف عبدتم الأصنام قبل الإسلام ألم يكن عندكم عقل؟ فقال:كان هناك عقل لكن لم تكن هناك هداية) .. اللهم أنر قلوبنا بالهداية
عبد السلام : هناك أسئلة كثيرة كانت تدور في ذهني وجدت الإجابة عليها .
ابوصالح : عليك أن تتأمل في بعض المسائل التي تتعلق بالحكم والسيطرة وإعادة قراءتها كمسألة الكفر والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتبليغ الرسالة ، فهي من الشعائر ومن أفكار الرسالة التي تشكل هيكل وبنية السفينة ، وهي مسائل تجعل تكاليف لا تطيقها الأنظمة الحاكمة ، ففهم القاهر المتغلب وعلمائه لبعض المسائل يختلف عن فهم من أتى للحكم بالرضا والقبول ، فسياسة رعي الغنم تختلف عن سياسة إدارة شؤون المجتمع .
وبعد ثلاثة أيام وبعد ما استوضح عبدالسلام رؤية ابوصالح قرر عبدالسلام الرحيل والعودة إلى وطنه برؤية جديدة للحياة وودع ابوصالح وشكره على حسن ضيافته .
_____________________________
* المرياع : هو رئيس القطيع لم يذق حليب أمه و يتم فصل المرياع عن أمه منذ ولادته، ويتم إرضاعه من زجاجة موضوعة في خرج حمار، ومع مرور الزمن يصبح الحمار بمثابة أمه وأبيه أينما ذهب، حيث يبقى حوله وخلفه، وفي مرحلة متقدمة من عمره يتم خصيه والعناية به ليسمن ويوضع في رقبته جرس خاص يسمى «القرقاع» لتصبح مهمته قيادة القطيع خلف الحمار المدرب على السير باتجاه المرعى.... وكلما سار المرياع يدندن الجرس وهي إشارة للقطيع ليلحق به وهكذا...! -
فلا تكن مرياع في مراعي دول الملك الجبري وتاكد بانك لا تتبع مرياع .
________________________________________
قصة ( السفينة ) المفكر الإسلامي محمد عبد المحسن العلي - الكويت