متى سيصبح المالك حر التصرف بملكه؟ بقلم:فرج درابيع
تاريخ النشر : 2017-04-20
متى سيصبح المالك حر التصرف بملكه؟ بقلم:فرج درابيع


متى سيصبح المالك حر التصرف بملكه؟
ينظم عقد الإيجار في الضفة الغربية قانون المالكين والمستأجرين رقم (62) لسنة 1953 الصادر في عهد الحكم الأردني، ومجلة الأحكام العدلية التي صدرت في عهد الحكم العثماني وتعتبر بمثابة القانون المدني، ويشمل سريان تطبيق قانون المالكين والمستأجرين جميع عقود الإيجار المبرمة لغايات السكن والأعمال التجارية ضمن العقارات الداخلة حدود البلديات والمجالس المحلية.

وبموجب قانون المالكين والمستأجرين تم ترسيخ مبدأ "الامتداد القانوني لعقد الإيجار" الذي أثار جدلاً كبيراً في أوساط المجتمع الفلسطيني كما أدى ترسيخ هذا المبدأ إلى تزاحم القضايا في المحاكم الفلسطينية، فمبدأ الامتداد القانوني لعقد الإيجار ينزع إرادة مالك العقار بأن يُخرج المستأجر من ملكه عند انتهاء مدة العقد بل وحتى لو أراد المالك أن يزيد قيمة الأجرة المستحقة من المستأجر فليس له ذلك، كما أن عقد الإيجار ينتقل لورثة المستأجر بعد وفاته، وينتقل أيضاً لمن كان يعيلهم المستأجر بالمأجور إذا كان الإيجار لغايات السكن، ولا يحق للمؤجر إخراج المستأجر من المأجور إلا في بعض الحالات الاستثنائية المحددة بالقانون. 

وامتداد عقد الإيجار ناتج عن فلسفة تشريعية مستمدة من ظروف تاريخية، فبعد حرب عام 1948 لجأ الكثير من المواطنين الفلسطينيين إلى الأردن، وكانت المباني محدودة في ذلك الوقت، فازداد الطلب على المساكن بشكل متزايد ما أدى إلى ارتفاع الأجرة في إيجار المساكن، وهذا بدوره دفع الكثير من المالكين للطمع في الحصول على أجرة أعلى لأملاكهم، فكان بعضهم يشترط على المستأجر بأن يدفع أجرة أعلى أو يخرج من المأجور، أو يحاول المؤجر بأن يُخرج المستأجر بأي طريقة، وكذلك كانت الحياة الاجتماعية مختلفة فكان أصحاب الأملاك هم الأغنياء الذين يستأجر منهم الفقراء، فكان الغني يستأثر بالفقير ويتعسف بمعاملته معه، وهذا ما دفع المشرع بالتدخل فتم بموجب قانون المالكين والمستأجرين إقرار مبدأ الامتداد القانوني لعقد الإيجار لحماية المستأجرين.

فإن كان قانون المالكين والمستأجرين تم إصداره لأسباب ومبررات معينة، فإنه في الوقت الحاضر انعدمت هذه الأسباب والمبررات، وهذا الامتداد لعقد الإيجار يتناقض مع المنطق القانوني السليم، فعدم حرية أطراف العقد بإنهاء عقد الإيجار بإرادتهم يتناقض مع مبدأ العقد شريعة المتعاقدين، كما أن عدم جواز زيادة الأجرة على المستأجر يتناقض مع ارتفاع مستوى المعيشة المستمر، فإذا كانت الأجرة في زمان ما مناسبة فإنها تصبح في زمن آخر زهيدة جداً وليس لها قيمة، فأصبح الكثير من مالكي العقارات يترددون في إيجار أملاكهم خوفاً من عدم إمكانيتهم استعادة هذه الأملاك من المستأجرين، وهذا بدوره أيضاً يعمل على تراجع الاقتصاد الفلسطيني، بسبب العزوف عن الاستثمار في المشاريع التي تتعلق بإيجار العقارات.

 ورغم مخالفة هذا القانون الواضحة لأحكام الشريعة الإسلامية، فإنه يتناقض أيضاً مع القانون الأساسي الفلسطيني الذي كفل حق الملكية، فحق الملكية حق مانع أي أن المالك وحده الذي يستأثر بسلطة التصرف والاستغلال والاستعمال في ملكه، فلا يجوز تقيد هذه السلطات بإعطاء المستأجر وورثته الحق في الاستمرار بالانتفاع مدى الحياة في ملك ليس لهم!

وفي ظل عدم انعقاد المجلس التشريعي لإصدار قانون موحد بين الضفة الغربية وقطاع غزة، لأنه الحال نفسه في قطاع غزة حيث ينظم على عقد الإيجار قانون تقييد إيجارات (دور السكن) رقم (44) لسنة 1940 الصادر في عهد الانتداب البريطاني، الذي يسري على العقارات الواقعة داخل حدود البلديات ومراكز المدن، وهذا القانون أيضاً لا يختلف كثيراً عن قانون المالكين والمستأجرين، فباتت هنالك ضرورة ملحة لإصدار "قرار بقانون" ينظم عقد الإيجار بصورة تكفل حرية المالك والمستأجر بوضع شروط العقد بما فيها مدته باتفاق بين الطرفين، حيث أنه بموجب المادة (43) من القانون الأساسي الفلسطيني يجوز لرئيس السلطة الوطنية في حالات الضرورة وفي حال عدم انعقاد المجلس التشريعي إصدار قرارات بقانون لها قوة القانون.

والجدير بالذكر أيضاً أنه وفق المادة (5) من قانون المالكين والمستأجرين يجوز لرئيس الوزراء أن يقرر زيادة في الأجرة وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة حيث جاء بهذه المادة أنه: "يحق لرئيس الإدارة المدنية، لغاية مصلحة الجمهور، أن يأمر بتخفيض بدل الإيجار أو زيادته لكل المستأجرين أو لقسم منهم." -عدلت هذه المادة بهذه الصياغة بموجب الأمر العسكري رقم (1271) لسنة 1989- فالصلاحية المخولة لرئيس الإدارة المدنية تنتقل إلى مجلس الوزراء نظراً لطبيعة النظام السياسي الفلسطيني إلا أن هذه الصلاحية المقررة للحكومة الفلسطينية لم تتم ممارستها، ما يعني أن المشكلة ليست تشريعية دائماً، ففي عقود الإيجار المبرمة يجب على الأقل زيادة الأجرة فيها، بحيث تتناسب الأجرة المستحقة مع المنفعة المستغلة، وخاصة في عقود الإيجار القديمة التي بها الأجرة زهيدة.