حتى في دول الغرب مع كل انتخابات جديدة.. "تعود حليمة لعادتها القديمة"!!بقلم: محمد مصطفى حابس
تاريخ النشر : 2017-04-19
حتى في دول الغرب مع كل انتخابات جديدة.. "تعود حليمة لعادتها القديمة"!!بقلم: محمد مصطفى حابس


*حتى في دول الغرب مع كل انتخابات جديدة.. "تعود حليمة لعادتها القديمة"!!*

محمد مصطفى حابس: جنيف /سويسرا

 مقولة “عادت حليمة لعادتها القديمة”، مقولة شهيرة من الأمثال العربية القديمة التي نردّدها دائما، ولكن فينا من يجهل معناها.. وتقال في حالة عودة الشخص إلى عادة قديمة كان قد تخلى عنها، وهناك روايات عديدة تصب أكلها في المعنى نفسه .. الرواية الأولى تقول إن حليمة هي زوجة حاتم الطائي الذي اشتهر بالكرم، بينما هي اشتهرت بالبخل، فكانت إذا أرادت أن تضيف سمناً إلى الطبخ قلّلت منه أشد الإقلال وارتجفت الملعقة في يدها، فأراد حاتم أن يعلمها الكرم، فقال لها: إن الأقدمين كانوا يقولون إن المرأة كلما وضعت ملعقة من السمن في قدر الطعام زاد الله عمرها يوماً، أعجبت حليمة بالفكرة فمن لا يرغب بزيادة عمره يوما؟، فأخذت حليمة تزيد ملاعق السمن في الطبخ، حتى صار طعامها طيباً فتعوّدت يدها على السخاء.

ولكن شاء قدر الله أن تفجع في ابنها الوحيد الذي كانت تحبه، فجزعت حتى تمنت الموت، وتذكرت مقولة زوجها فأخذت تقلل من كمية السمن في الطبخ حتى ينقص عمرها وتموت، ومن الطبيعي أن يشعر ضيوف حاتم بهذا التراجع في نكهة الطعام، فكانوا يقولون: “عادت حليمة لعادتها القديمة”.

أما الرواية الثانية فتقول، أنه كانت الصغيرة حليمة؛ طفلة لم تبلغ الحلم، وكبعض الصغار، كانت (تبلل) الفراش كل ليلة، إلا أنها ما لبثت أن شبّت عن الطوق، مما جعل الأهل يظنون أنها تركت عادتها القديمة، وصارت من أجمل الفتيات اللائي يتمناهن الأمير والفقير، ولكن حليمة أحبت شاباً وسيماً معوزاً، وعملاً بالقاعدة المعروفة في مجتمعها، أسرّت ذات يوم لأمها أن قد: (نضج البلح يا أمي)، فكان لها ما أرادت. ولما حضر موكب الزفاف، لم تخرج حليمة من حجرتها. طلبها العريس وأهله، فلاذوا بأمها يسألون، عسى ألا تكون قد غيّرت رأيها بابنهم الوسيم، إلا أن الأم همست لهم وهي تتلفت يمنة ويسرة، قائلة: يا ناس لا تفضحونا.. (عادت حليمة لعادتها القديمة)!.

 فرنسا تمنع المفكر الإسلامي هاني رمضان دخول أراضيها

أضرب هذا المثل العربي، لأنه مع كل موسم انتخابي جديد حتى في دول الغرب مع الفارق طبعا، يكون فيه لقصة حليمة نصيب الأسد، و يتجدد السيناريو و يعود المترشح للانتخاب يطلب ودّ الشعب للتصويت لصالحه وأو لحزبه، أما الدول في الغرب كفرنسا و أخواتها فهي كثيرا ما تهدّد المنتخبين ببعبع الإرهاب و الخوف من المسلمين، بحيث أعلنت وزارة الداخلية الفرنسية يوم السبت الماضي، أنها تمنع دخول أراضيها للمفكر الإسلامي، هاني رمضان، مدير المركز الإسلامي بجنيف السويسرية، وجاء في بيان وزير الداخلية الفرنسي أن الأستاذ هاني “مثير للجدل ومعروف لتبنيه في الماضي سلوكا وإدلائه بتصريحات تشكل تهديدا خطيرا للنظام العام على الأراضي الفرنسية”، ونقل البيان عن وزير الداخلية الفرنسي الجديد، ماتياس فيكل، أن “وزارة الداخلية وقوات الأمن مستنفرة بالكامل وستواصل الكفاح بلا هوادة ضد التطرف والتشدد”.

وكان الأستاذ هاني رمضان، قد أثار “ضجة” منذ أزيد من 15 سنة، عندما دافع سنة 2002 في مقالة نشرتها صحيفة “لوموند” الفرنسية عن مواضيع غاية في الحساسية  في الغرب حول تطبيق الشريعة والحجاب ورجم المرأة الزانية وغيرها.. وعلى إثر ذلك تم تسريحه – دون تبين- من سلك التعليم من قبل حكومة جنيف من وظيفته كمدرس للغة الفرنسية بسبب تصريحاته “المتعارضة مع القيم الديمقراطية ومع أهداف المدرسة الرسمية” على حد تعبير السلطات السويسرية، حينها، لكنه طعن في القرار أمام المحاكم السويسرية والأوروبية، معتبرا أن ذلك فبركة إعلامية فرنسية، وبعد ست سنوات من الجدل والصراع القانوني في المحاكم ربح القضية وحصل على تعويضات عن تسريحه تبلغ 345 ألف فرنك سويسري، حسب وسائل الإعلام السويسرية، رغم ذلك رفضت سلطات جنيف إدماجه في سلك التعليم، وفضلت التعويض المالي، بدل انتدابه مرة ثانية.

المرأة لديها الحق في ارتداء ما يحلو لها من لباس وفقا لقناعاتها

 أما هذا الأسبوع، وبعد إنهاء إلقاء محاضرته في مدينة ” كولمار” شمال شرق فرنسا، قرّرت فرنسا منعه من باقي المحاضرات المبرمجة، و رافقته بأدب متميز  الشرطة الفرنسة على غير عادتها، حتى الحدود السويسرية، أين سلم له و للشرطة السويسرية قرار منع الدخول الرسمي بداية من يوم السبت المنصرم، ولما وصل إلى جنيف أعلن الأستاذ هاني رمضان، أن الشرطة الفرنسية عاملته بلطف مدة ترحيله من ترابها إلى الحدود الشمالية السويسرية، و ذكر أنه سيطعن عن طريق العدالة الفرنسية في القرار المجحف في حقه، وقد كلف محام بذلك، إذ يرى أن المرسوم الذي قدمه وزير الداخلية غير مبرر، بل قال “و يتضمن أخطاء وتحريفا لآرائي الحقيقية ” والواقع، مذكرا على سبيل المثال، ما نسب له في قضية الحجاب الكامل الذي يغطي الوجه واليدين، معترضا بقوله ” أن زوجته وبناته يرتدين الحجاب وهن كاشفات لوجوههن”، مضيفا أنه يعتقد أن المرأة لديها الحق في ارتداء ما يحلو لها من لباس، وفق قناعاتها، لا يجبرها أحد على لباس بعينه.

الرجم وسيلة ردع لا غير ومن المستحيل تطبيقها

كما ردّ على قضية  “التمييز ضد المرأة” التي ألصقها له المرسوم الفرنسي ظلما وعدوانا، في إشارة إلى مقال نشر في صحيفة “لوموند” الفرنسية في سبتمبر 2002، حول موضوع تطبيق الشريعة ورجم النساء الزانيات، التي أخرجت عن سياقها العام، حسب العديد من الملاحظين، لما لا وقد أعرب في العديد من المناسبات بوضوح لا يداخله شك أنه ضد الرجم، إذ لا ننسى  أنه كان قد نشر في يومية ” لوطان” – الزمان-  السويسرية وفي العديد من  المناسبات، أخرها اعتراضه عن رجم النيجيريتان أمينة لوال وصفية حسيني، فبرئت العدالة ذمتهن من العقوبة، تماما كما كان قد اعترض عن رجم الإيرانية سكينة التي هي أيضا كانت متابعة بالرجم، لم تنفذ فيها هي أيضا هذه العقوبة، مشددا على أن هذه العقوبة في أساسها هي وسيلة ردع لا غير، ويكاد يكون من المستحيل تطبيقها اليوم بنفس الطريقة والوسائل.. ويحتاج الأمر إلى إثباتات كثيرة.

وقد ذكرنا في مقال سابق بعنوان {” الرجيمة” مسرحية صراع قيّم تستغيث ، من يرشدها “؟}.. أن الآيات القرآنية الكريمة تثبت وتوحي أن الرجم كان لدى أقوام سبقتنا، وجاء كوسيلة ردع للمنحرف عن شريعة الله لا غير، واليوم حتى في الدول الإسلامية التي نصت بعض دساتيرها على الرجم، إلا أنها لم تستطع تطبيقه لاعتبارات عدة، فالسعودية مثلا، كشف أخيرا السيد الزهراني، مسؤول السجون في السعودية، بأنه خلال مدة عمله بالسجون لـ20 سنة وحتى الآن، لم يتم تنفيذ حد الرجم في المُدانين رغم وجود أحكام بقتلهم بالرجم بالحجارة حتى الموت!.

كما أعاب الدكتور هاني على المرسوم الفرنسي، اتباعه للغة الجدل، التي انتهجها هذا الأخير، حول ما نسب له منذ 15عاما مضت: “أن امرأة دون حجاب مثل عملة 2 أورو مكشوفة للجميع وتتداولها الأيدي “، متحديا السيد الوزير، ماتياس، لإثبات ذلك، قائلا: “أي امرأة محجبة ليست بالضرورة نموذجا للفضيلة، ولا المرأة السافرة بالضرورة شيطان”!.

أما قول الوزير الفرنسي، أن السيد هاني يكن “العداء لإسرائيل”، معتبرا انتقاده الصهيونية هو “من المرجح تحريض على الكراهية ضد اليهود”!، فيرد عليه المفكر المسلم السويسري مطمئنا إياه بقوله : ” لقد قلت دائما أن معاداة السامية هو أمر غير مقبول البتة، ولكن هذا لا يمنعنا من شجب الجرائم التي ارتكبت ضد السكان المدنيين في غزة وفلسطين”..

سويسرا تستصغر ما ذهبت إليه جارتها الكبرى فرنسا

 أما من جهة السلطات السويسرية، فقد استصغرت نوعا ما، ما ذهبت إليه جارتها الكبرى فرنسا، إذ صرح المسؤول الأمني بمجلس الدولة لمقاطعة جنيف، السيد بيير موديه “أن جنيف لا تبت في ملف الكفاءة الكونفدرالي السويسري”، موضحا أن هذا الطرد يأتي “كقرار فرنسي بدافع حماية النظام العام والأمن العام وليس بسبب التهديدات الموجهة للأمن الداخلي، مبينا في تدخل متلفز للذين يطالبون بمنعه من إلقاء محاضرات حتى في مركزه الإسلامي، أن السيد هاني رمضان لا يشكل خطرا على النظام العام السويسري إلى حد الآن..”، بل يدخل عموما في حرية التعبير التي تحترم الواقع المعيش للشعوب، والإدلاء بالرأي و الرأي الآخر، لما لا والدكتور هاني رمضان هو صاحب مقولة “عندما نرى الشمس بأم العين فلا أحد ينكر ضياءها، وما يحول بين الناس وبين رؤية نور الشمس هو السحاب، وأعتقد أن المسلمين هم هذا السحاب الذي يحول بين الغرب وبين رؤية نور الشمس”.. هذه العبارة أطلقها “هاني رمضان” في أثناء حوار مطول حول واقع العلاقة بين الإسلام والغرب في الوقت الراهن.

عندما نرى الشمس بأم العين فلا أحد ينكر ضياءها

 حيث يرى “هاني رمضان” في تصرفات بعض المسلمين عائقا كبيرا أمام فهم الأوروبيين للإسلام؛ لأن الغربيين يرون الإسلام من خلال سلبيات المسلمين، ومن خلال القراءات البعيدة عن الإسلام، وهذا ما يفرض ضرورة وجود حوار حضارات حقيقي بين المسلمين والغرب، مؤكدا أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الغربيين؛ نظرا لأنهم ينطلقون من معطى أن لهم الرفعة في هذا الحوار، ويشعرون أنهم الأعلى مكانة، وأن نموذجهم هو الواجب اتباعه، وبالتالي ينظرون للإسلام وفق مصطلحات جاهزة وتابعة لتاريخهم الخاص.

الدعوة في الغرب ليست سياحة و لا رحلة مريحة

 أعتقد أنه يجب أن يضع المسلمون المقيمون في الغرب أنفسهم في مكان الغربيين الذين قاوموا طويلا للحصول على حرية التعبير بما يعنيه ذلك من معايير غربية، والتي أصبحت تشكل ركيزة أساسية في تقاليدهم، وهي تقاليد فكرية تشكك في كل شيء بما في ذلك الأديان، أي لم يعد هناك أي “طابو”.. لقد سقطت المحرمات لديهم.. فحي الله كل داعية مخلص متبصر بنور الله، لأن  الدعوة في الغرب غير الدعوة في الشرق، الداعية في الغرب يحتاج إلى مناكب قوية، يصبر على البلاء، ويؤمن بالقضاء، لأنّ الله تعالى خلق الدنيا وجعلها دار ممرٍ وليست بدار مقرّ، وحفّها بالمحن و الابتلاءات وغمرها بالمصائب والفتن.. لحكمة جليلة ذكرها الله تعالى في قوله :{  الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ }  [ الملك : 2 ].

و صدق سيد الظلال القائل:” الذي ينهض بالدعوة إلى الله في المجتمعات غير العادلة … يجب أن يوطّن نفسه على أنه لا يقوم برحلة مريحة، ولا يقوم بتجارة مادية قريبة الأجل!، إنما ينبغي له أن يستيقن أنه يواجه أقواما يملكون القوة والمال ويملكون استخفاف الجماهير حتى ترى الأسود أبيض والأبيض أسود!، ويملكون تأليب هذه الجماهير ذاتها على أصحاب الدعوة إلى الله، باستثارة شهواتها وتهديدها بأن أصحاب الدعوة إلى الله يريدون حرمانها من هذه الشهوات!.

كما أنني لم أجد أروع وأبلغ مما قاله الإمام العلامة عبد الحميد بن باديس في هذا الصدد، أثناء حرب التحرير الجزائرية، فقد قال رحمة الله عليه : ” على أهل الحق أن يكون الحق راسخا في قلوبهم عقائد، وجاريا على ألسنتهم كلمات، وظاهرا على جوارحهم أعمالا، يؤيدون الحق حيثما كان وممن كان … يقولون كلمة الحق على القريب والبعيد، على الموافق والمخالف، ويحكمون بالحق كذلك على الجميع، ويبذلون نفوسهم وأموالهم في سبيل نشره بين الناس وهدايتهم إليه بدعوة الحق، وحكمة الحق وأسبابه ووسائله على ذلك يعيشون وعليه يموتون، فلنجعل هذا السلوك سلوكنا وليكن من همنا، فما وفينا منه حمدنا الله تعالى عليه، وما قصّرنا فيه تبنا واستغفرنا ربنا، فمن صدقت عزيمته ووطن على العمل نفسه- أعين ويسر للخير، وربك التواب الرحيــــــم..”.