غزة في مهب الريح... وماذا بعد؟!بقلم:هلا التيان
تاريخ النشر : 2017-04-17
غزة في مهب الريح... وماذا بعد؟!بقلم:هلا التيان


غزة في مهب الريح... وماذا بعد؟!

في بقعة صغيرة من العالم وعلى مساحة تقارب 360 كم مربع، تقع مدينة غزة، تلك المدينة الساحرة التي يقطن فيها حوالي مليوني فلسطيني، سطرت ولا زالت أروع الأمثلة على حكايات البطولة؛ وهي بذلك تشكل نموذجاً يُحتذى به في كل أرجاء المعمورة.

وهنا وفي السطور التالية نسجل بعض المآسي التي عاشها قطاعنا الحبيب، والتي بدأت مع حلول صيف عام 2006 حين أقدمت غربان الشر الإسرائيلية على ارتكاب حماقة جديدة تضاف إلى سلسلة حماقاتها المتكررة بقصف محطة توليد الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة، وجاء هذا الفعل الإجرامي رداً على قيام كتائب الشهيد عز الدين القسام باختطاف الجندي الإسرائيلي آنذاك جلعاد شاليط.

منذ تلك اللحظة بدأت بوادر أزمة الكهرباء تضرب بجذورها في كل أرجاء قطاع غزة من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه، أزمة ألقت بظلالها على كل قطاعات الحياة بشكل عام وقطاع الصحة على وجه الخصوص، حيث توقفت المستشفيات عن إجراء كثير من العمليات الجراحية، نتيجة النقص الحاد في الوقود، وانقطاع التيار الكهربائي لساعات وصلت إلى أكثر من اثنتي عشرة ساعة يومياً.

وفي خضم هذه الأوضاع السيئة التي عانى منها سكان القطاع في تلك الفترة، بدأ موضوع أزمة الكهرباء يتفاعل بشكل كبير من الدول العربية والإسلامية وعلى رأسها قطر وتركيا التي ما توانت للحظة عن تقديم يد العون والمساعدة لأهلنا في غزة، فما كان منها إلا أن أعلنت عن نيتها التبرع بالوقود من أجل إعادة تشغيل المحطة في إشارة إلى موقفها الداعم والمساند للقضية الفلسطينية.

والحقيقة أن تلك الفترة كانت قد شهدت تحسناً ملحوظاً في عمل شركة الكهرباء من حيث ساعات الوصل والفصل، ولكن ما إن بدأ المواطن يستشعر ذلك التحسن حتى دخلت المدينة في مرحلة جديدة من المعاناة.

فمع حلول صيف عام 2007 كانت المدينة على موعد مع صراع من نوع آخر، صراع الإخوة الأعداء، وهو نشوء سلطتين سياسيتين إحداهما في قطاع غزة تحت سيطرة حركة حماس والأخرى في الضفة تحت سيطرة حركة فتح.

منذ تلك اللحظة وقطاع غزة يعيش في حالة حصار خانق فرضته إسرائيل عقب سيطرة حركة حماس على القطاع فأغلقت المعابر وقننت دخول المحروقات إلى القطاع، واستفحلت ظاهرة الفقر، وتراجعت الأوضاع المعيشية وتفشت البطالة.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل ما زاد الطين بلة أن إسرائيل شنت ثلاثة حروب على المدينة في أقل من ست سنوات، حروب مسعورة قضت على الأخضر واليابس، ولعل أشد تلك الحروب ضراوة حرب 2014 والتي ارتكبت إسرائيل فيها مجازر بشعة ضد كل القيم الإنسانية من قتل وتدمير ممنهج خلال هذه الحرب.

انتهت حرب غزة بكل مآسيها، وأصبح أهل غزة على موعد مع إعادة الإعمار الذي بدأ يدق أجراسه في المدينة بعد تصريحات أدلى بها السياسيون.

تصريحات أحيت الأمل في نفوس الغزيين بأن تعود الأوضاع إلى سابق عهدها، فبدؤوا يجهزون أنفسهم لمرحلة قادمة قد تفتح لهم أبواب الرزق بعد أن شح الدخل، وانضمت أعداد كبيرة منهم إلى صفوف البطالة.

ولكن يبدو أن تلك الوعود كانت حبراً على ورق وذهبت أدراج الرياح كما ذهب غيرها من الوعود التي تلقاها الفلسطينيون على مر الزمان.

ثلاث سنوات مرت على انتهاء الحرب، ومع تأخر الإعمار واستمرار الحصار، ظل الجرح يسرق منا بهجة الحياة، فالأزمات لا زالت تراوح مكانها والوضع على حاله فلا جديد يذكر ولا قديم يعاد.

وكان آخر الانتكاسات التي تعرض لها أبناء القطاع ما عرف بمجزرة الرواتب التي جاءت بعد إعلان الحكومة عن صرف رواتب الموظفين عن شهر مارس، وعندما توجه الموظفون لاستلام رواتبهم كانت الفاجعة بخصم 30% من تلك الراتب.

وفي خضم أزمة الرواتب أود أن أشير إلى الملاحظات التالية:

أولاً: لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يُحارب الموظفون في حقوقهم التي كفلها لهم القانون، وعلى الحكومة أن تتراجع فوراً عن القرار.

ثانياً: إن أحد أهم المسؤوليات الملقاة على عاتق الحكومة، أن تعمل على توفير كل ما يلزم لشعبها، ومن هنا أقول: إذا كانت الحكومة عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها تجاه شعبها فلترحل، وليحتكم الشعب إلى انتخابات حرة ونزيهة، يشارك فيها الكل الفلسطيني فمن حق شعبنا العيش بكرامة أسوة بباقي شعوب العالم.

ثالثاً: إن اتخاذ مثل هذا القرار له تبعات اقتصادية واجتماعية كبيرة حيث تنتشر الجريمة، ويزداد الفقر، وحالات الانتحار، وتتراكم الديون على المواطنين، ويصاب الاقتصاد بالكساد، وكل تلك الأمور بحاجة للتدخل العاجل من أجل وضع الحلول لها. 

رابعاً: فيما يتعلق بوفد السداسية التي أعلن الرئيس محمود عباس عن توجهه لغزة بقيادة السيد محمود العالول، أقول: لقد سئمنا تلك التصريحات التي تتفوه بها ألسنتكم، والتي اعتقد أنها تصريحات لا يراد منها سوى التجمل أمام وسائل الإعلام، وأرى أنه حتى لو جاء الوفد إلى غزة، فلن يكون هناك شيء أكثر من التقاط الصور التذكارية أو الدعوة لتناول طعام العشاء في أحد الفنادق.

وهنا أتساءل، ماذا نريد نحن كفلسطينيين؟

هل نريد أن تكون بلادنا كسنغافورة مثلاً أمن وأمان واستقرار؟ أم نريد أن تكون بلادنا قتل ودمار وخراب؟

خامساً: شعب فلسطين قدّم الغالي والنفيس من أجل ثرى هذه الأرض حيث إنه تواق للعيش بأمن وأمان واطمئنان، ويحلم أن يكون له دولة في القريب العاجل؛ فلنعمل معاً من أجل تحقيق هذا الهدف.

وفي النهاية أقول: رحم الله شهداء فلسطين الأبرار والشفاء العاجل لجرحانا البواسل والحرية لأسرانا الأبطال خلف القضبان، وكل الحب والتقدير لشعبنا الصابر المرابط في أماكن تواجده.