المرأة ذات العينيْن الزرقاوين بقلم:عطا الله شاهين
تاريخ النشر : 2017-04-16
المرأة ذات العينيْن الزرقاوين بقلم:عطا الله شاهين


المرأة ذات العينيْن الزرقاوين
عطا الله شاهين
عندما يراني صاحبي يبدأُ بالحديثِ لي عنْ تلك المرأة التي يحبُّها، أتشوّقُ إلى رؤيتها. قصّتها مثيرة للشّغفِ والفضول والغيرة. صاحبي الممتلئ طويل القامة. يزهو بحبيبته التي يخبّئ صورتَها في محفظتِه، ولا يسمحُ لأيّ مِنْ أصحابِه بالتعرّفِ إلى ملامحِها. أتلصّصُ على ملامحِه وهو يسردُ عنْ عينيها الزرقاوين، ونقاءِ بشرتِها المشربة بحمرةٍ خفيفةٍ، في حين أنّ بشرةَ صاحبي حنطيّة اللون. لا ينطقُ لنا عنْ اسمِها، ولا عنْ مكانِ المواعدةِ السرّيّ الذي عادة ما يكونُ في زاويةٍ منزويةٍ مِنْ سوقِ المدينة. يسردُ لنا عن أحلامِهما سوية، وعنْ خوْفِها عليه حينما يتأخّر في لقياه. أحيانا تعنُّ له الوحشة ليختبرَ ارجحيته في البعادِ. الغيرةُ تجعلني أقضمُ مِنْ قلبِي قطعةً حتّى أتدرّب على القسوةِ حين يراني ليقصّ لي عنْ تلك المرأة، الذي ينتظرها مستقبلٌ باهرٌ بعد ربحِها من صفقةِ عملٍ ..
سأباغتُه وهو يسرّحُ شعره أمام المرآة في مسكننا. تتلاحقُ أنفاسُه وهو يمشّط ما تبقى من شعرِ رأسِه الأسمر. يمرّرُ المُشطَ بخفّةٍ وهو ينظرُ بطرفِ عينه. يطلقُ قهقهةً يشوبُها قليل من المُزاح. يدركُ فضولي لأقتفي أثرَه مع حبيبتِه. لم أعدْ أتحكّم في أحاسيسِي العدائيّة تجاهه وأنا أراه يستعدّ للخروج. يعيّبني بحاجتي إلى حبيبة مثله. في أحدِ الأيّامِ وجدتُه يُسرعُ الخطى، فتأكّدتُ أنّها تنتظرُه في مكانٍ ما. ماكرني وأنا أسألُه عنْ وجهتِه، وتحجّجَ بألمٍ مباغتٍ في كتفِه. كانَ عليّ التظاهر بأنّ كلامَه صحيح وأصدقّه، وأوهمه بذهابِي عنه لبعضِ أعمالي.
ترصّدته وهو يحلّق إليها. لم أستمع إلى كذبِ ذلك الصّاحب الفاشل، فلاديمير، الذي حلفَ أنّ قصّة تلك المرأة مصنوعةٌ من الخيالِ المُبدع لصاحبِنا السّيبيري.
كنتُ أتفرّد بنفسي وأوبّخه على أحاسيسي العنصريّة نحو صاحبي السيبيري حتّى منزلته الاجتماعيّة المنحطّة لا تعطيني الحقَّ في الحقدِ عليه، لأنّ هناك امرأة ما يحبّها ويعشقها ويراها أجملَ المخلوقات إنها ذات العينيْن الزرقاوين.
رغم كلّ هذا ما زلتُ أترصّده، ووأتتبّع أثرَه في طيش، بعد أن تحوّلتُ إلى طيفٍ. أحسستُ بطيشي وأنا أحوم حوله وهو ينضمّ إلى تلك المسيرة الصغيرة التي خرجتْ بعيدًا عن أطراف المدينة لتندِّدَ بموقف رئيس البلدية من قضية لا تستحق الضجة حولها .
صاحبي السيبيري نفسُه لم يعد يتحدّث عن امرأته. وحين ألححتُ عليه بالسؤال، ردّ بشجاعة: في الوقت القريب سنتزوّج، فهي في حاجة إليّ.
الصورة عنهما كانت قاتمةً وغريبة وعنصريّة: عريس حنطي البشرة يتأبّط ذراع امرأة بيضاء لها عينان زرقاوين، كيف سيتناغمان مع بعضيهما؟ أنّبتُ نفسي مرّةً أخرى، وتدرّبتُ على إبعاد تلك الغيرة التي تذبحني. ذات يوم، وصلتني دعوةُ الزفاف، كارت عادي يفوح منه رائحةُ العطور. كان عليّ شراءُ بذلة تناسب بالمناسبة المزعومة. لقيتها مناسبة للثأر؛ فالظهورُ ببذلة فاخرة وغالية ولافتة للأنظار ستكبّد صاحبي المتباهي خسائرَ جمّة. حين وصلتُ إلى فناءِ منزلِه، وجدتُ الأضواءَ الملوّنة مُعلّقةً في سماءِ الفناءِ الواسع. ثم شاهدتُه كانَ يتأبّط ذراع امرأته، ويكاد يلتصق بها، كانت امرأة حيّة بكل ما للكلمة من معنى، وكان السُّرورُ يطفح من ملامحها حين مددتُ يدي للتّسليم عليها، خُيّل إليّ أنّ مُقلتيها تعلّقتا بالسّماءِ. دلّها صاحبي على يدِي قبل أنْ تسقطَ في يدِها المُعتمرة كفوفاً بيضاء، وهي ما تزالَ مُفترّة، ومقلتاها مفتوحتان على وسعيهما حينها، فهمتُ أنّ صاحبي ازدردَ نورَ مقلتيها حتّى لا ترى من الرّجالِ سواه.