رحلة إلى المؤتمر الشعبي الثالث في ميدان رابين في تل أبيب ومشاهد وصفية بقلم: برهان السعدي
تاريخ النشر : 2017-03-20
رحلة إلى المؤتمر الشعبي الثالث في ميدان رابين في تل أبيب ومشاهد وصفية بقلم: برهان السعدي


رحلة إلى المؤتمر الشعبي الثالث في ميدان رابين في تل أبيب ومشاهد وصفية
بقلم: برهان السعدي

انطلقت دعوة عبر الفيس بوك لمن يعرف اللغة الانجليزية للمشاركة في اجتماع في يافا يتناول الانتهاكات الإسرائيلية، وتصاريح الدخول إلى الخط الأخضر مع وجود باصات وتوفر وجبة غداء. وعلمت أن برنامج الرحلة سيكون بانطلاق الباص الساعة السابعة صباحا من طولكرم، وهناك باصات أخرى من عدة مدن فلسطينية، ويبدأ الاجتماع الساعة العاشرة صباحا، وينتهي الساعة الثانية بعد الظهر، ثم تنطلق كل مجموعة إلى يافا للتنزه.

فقال لي منسق الرحلة، ما رأيك بمرافقتنا إلى يافا، وفعلا كان مجال لي ولزوجتي لمرافقة المجموعة إلى يافا، لكن لم نكن نعرف مكان الاجتماع بالضبط، المهم عند الجميع هو زيارة يافا، المدينة الفلسطينية العريقة، ذات التاريخ الأصيل بعروبتها، وقد وصفها كتاب وأدباء بعروس البحر، حتى أن دلال المغربي، في عملية الساحل في 11/3/1978 حملت سمة من سمات ومواصفات هذا الاسم بعد استشهادها، زيتونة الشاطئ، أو عروس الشاطئ، ربما كان ذلك مصادفة، أو توافقا.

نقطة الانطلاق كانت من المجمع القديم في مدينة طولكرم، وكان الانتظار، منذ دقائق قبيل السابعة صباحا وحتى الساعة الثامنة، فالحافلة الإسرائيلية، بسائقها المقدسي قادمة من نابلس كمحطة أولى لانطلاق الرحلة بمجموعة من السيدات أو الفتيات، والمحطة الثانية عنبتا، لتحمل أيضا بعض السيدات والفتيات، أما نقطة الانطلاق الرئيسية، كانت من طولكرم، حيث مجموعة من الشباب والفتيات.

طبعا، تصريح الدخول لا يعطيك الحق بأن تدخل من المكان الأقرب، فطولكرم فيها عدة مداخل "أو كما تسمى معابر "، إنما يجب الذهاب إلى قلقيلية، وبعد وصول المعبر، تم إعادة الحافلة، لأن تصريح الدخول يحدد المعبر الشمالي لمدينة قلقيلية، وليس معبر صوفين الشرقي، وفعلا كانت الاستجابة لتعليمات المجندة على الحاجز (المعبر)، وبعد جهد غير يسير، يذكرنا بمعانيات عمالنا اليومية، والذين يضطرون أن يكونوا على المعبر قبيل الفجر بساعات حتى يتمكنوا من الوصول إلى أعمالهم في الوقت المحدد. المهم استطعنا الخروج بسلام، ووصلنا ميدان رابين في تل أبيب الساعة الثانية عشرة ظهراً، رغم أننا اجتزنا المسافة في العودة بأقل من ساعة من الزمن.

المشهد في ميدان رابين الواسع، ناس كثيرون في مجموعات موزعة على المقاعد حول طاولات كثيرة جداً، وتم ابتلاع مجموعتنا بين الناس، والملفت للانتباه، أن إسرائيليين ذكورا وإناثا يتجولون، ويستقبلون: هل قدمتم الآن؟؟ هل تجولتم في تل أبيب؟؟ لماذا قدمتم؟؟ والأغلبية من الحضور سبب قدومها رغبة في زيارة يافا والتنزه، ومشاهدة البحر، ولا يعرفون شيئا عن طبيعة المؤتمر.

وكانت أحاديث متفرقة قبيل الجلوس والانضمام إلى تلك المجموعات على الطاولات، وكل طاولة عليها علم فلسطيني وعلم إسرائيلي، وهناك حوارات متبادلة. في حين التقيت مع إسرائيلية اصطحبتني لتعرفني على منظمي المؤتمر، فهذا ليس اجتماعا، إنما هو المؤتمر الثالث، وانطلقت معها، إلى كثير من الطاولات، أسمع ماذا يدور من أفكار وأقوال.
ولفت انتباهي ما سمعته من إسرائيلي، يتكلم بعبرية مفهومة لي، وبعربية لا أفهم كثيراً منها، وهناك فلسطيني يترجم أقواله. فكانت عبارة له تكررت أكثر من مرة: يقولون أنهم يخافون من توجيه الاتهام لهم بالتطبيع، وردد أيضا كلمة "سلام" ولم أهتم بغير ذلك من كلام. حينها قررت البقاء في وسط هذه المجموعة، وجلست مع زوجتي التي لا تعرف أية كلمة باللغة العبرية، والملف أيضاً اهتمام الإسرائيليين بأن يكون الكلام مسموعا ومفهوما للجميع، بمعنى أنهم طالبوا عدة مرات بضرورة ترجمة كلامي إلى العربية، ليفهم الفلسطينيون المتواجدون ما أقوله.

طلبت حق الكلام، أخبرتهم أن حديثي سيكون فقط باللغة العبرية، وليس بالانجليزية، وتساءلت: عن أي تطبيع تقول؟؟ أخبرك بأنني أتهم نفسي بهذه الصفة المشينة جداً، إذا شاركت في تطبيع مع احتلال، لكن هل فتح حوار مع مجموعة إسرائيلية، لإظهار الموقف الرافض للاحتلال والاستيطان هو تطبيع؟؟!! إن التطبيع يهدف أساساً إلى تسويغ الاحتلال وتجميله وإطالة أمده.

وتكلمت باختصار كفلسطيني، أن السلام الذي تبحثون عنه، يكمن فقط في إزالة الاحتلال، وإزالة الاستيطان، وإقامة دولة فلسطينية، مستقلة وذات سيادة، في حدود الرابع من حزيران عام 1967، ولست ضد قيام دولة واحدة، يعيش فيها الجميع بغض النظر عن اللون أو الدين في فلسطين، لكن ليس بمفهوم الاحتلال الذي يعتبر أنه بالتهام الأراضي الفلسطينية، وإزالة الجدار تكون الدولة الواحدة. فالدولة الواحدة مفهومها المساواة الكاملة، والحقوق الكاملة لشعبنا الفلسطيني في ظل برلمان واحد، وحكومة واحدة، بإنهاء الاحتلال ونظام الآبارتهايد.

وكان المطلوب في المؤتمر، أن تضع كل مجموعة من المجموعات المنتشرة اقتراحاتها وتصوراتها لرؤيا السلام، وكيفية الخروج من هذا الواقع.
من الملاحظ، أن الجميع كان يطرح كلمة "سلام"، ويرفض الاحتلال، لكن المفاهيم متباينة، فالبعض كان يطرح سؤالا عن السبب القائم للصراع، وآخرون يتصدون له، بقولهم أن الهدف الآن، ليس العيش بماضٍ، إنما كيف نبني مستقبلا. كما أن رأي الإسرائيليين حول الخروج من الواقع، كان غير متجانس، فالبعض يعتبر أن قيام دولة فلسطينية يجانب إسرائيل هو الحل، وهناك من يعتبر أن حل الدولتين قد ولى إلى غير رجعة، لأن إسرائيل دفنت هذا الحل، والبديل فقط هو دولة واحدة على جميع الوطن.
كما أن أصحاب طرح الحل على أساس دولتين، كانوا ينادون بدولة يهودية ودولة فلسطينية، معللين ذلك، أن إسرائيل لا يوجد فيها دستور، وإنما سيصاغ الدستور على أساس أن إسرائيل بلد كل اليهود في العالم كما طرحت القيادة الصهيونية المؤسسة سابقا، وجاء الوقت الآن لتنفيذ تلك الرؤيا، وعليه فهم يستهجنون الموقف الرافض ليهودية الدولة من الفلسطينيين، بذريعة أنهم لا يتدخلون في فلسطينية الدولة الفلسطينية، أو بمسماها. أما موقفهم الرافض لمبدأ حل الدولة الواحدة هو خوفهم أن تتحول إلى دولة شبيهة بلبنان أو في اليمن أو هولندا التي لا تستمر فيها حكومة لنهاية مدتها.

أما موقف الإسرائيليين للاستيطان، فهو موقف عائم ومائع، بتصنيفهم أن هناك مستوطنات يمكن فكها وأخرى لا يستطيعون، فهناك أمر واقع، ومثال على ذلك، كيف سيكون الوضع في اريئيل، التي هي من كبريات المستوطنات في الضفة الغربية، بأبنيتها وعمرانها ومؤسساتها وجامعتها؟؟!!
إذا كان الأمر الواقع هو الذي يحدد معالم السلام، فكيف بعد عدة سنوات، وبناء مستوطنات جديدة بحركة عمرانية، ومصادرة أراضٍ فلسطينية وتهجير أصحابها ومالكيها الأصليين؟؟ هل نقول أن الواقع الجديد المفروض والقائم، يتطلب سلاما بدون فلسطينيين؟؟

وطرح البعض من الإسرائيليين، ما هي الخطوات اللازم اتخاذها من أجل تهيئة الأجواء لسلام بين الشعبين، وماذا على كل طرف أن يقدم، فكان موقف لبعض الإسرائيليين، أن الفلسطينيين قدموا كل ما عندهم، ولم يبقَ عندهم شيء لتقديمه، ولم يبق أيضاً عندهم شيئا ليخسروه.

وأخيراً، كان هناك أشخاص من الجهة المنظمة، يتجولون بين المجموعات، مذكرين إياهم بأن يصيغوا ما توصلوا له، ويوقعون عليه، وأمام هذا التباين في الموقف، قدمت ورقة باللغة العبرية مضمونها: الحل فقط بإقامة دولة مستقلة وذات سيادة على كامل التراب الفلسطيني المحتل منذ عام 1967، وبدون وجود لأي مستوطنة كانت، بغض النظر عن سبب إقامتها أو تصنيفها سياسياً أو دينياً (يشوف، أو هتنحلوت).
وتعتبر المجموعة المنظمة للمؤتمر أن أعمال المؤتمر الشعبي الإسرائيلي الفلسطيني هذا يحاكي عملية التفاوض بين الجانبين.