ريما خلف : شجاعة الأخلاق وإنسانية الموقف بقلم : حماد صبح
تاريخ النشر : 2017-03-20
ريما خلف : شجاعة الأخلاق وإنسانية الموقف بقلم : حماد صبح 

في شجاعة أخلاقية صادقة قدمت الدكتورة ريما خلف استقالتها من منصبها كأمينة تنفيذية ل " لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا " المعروفة إيجازا ب " الاسكوا " ؛ بعد أن أصر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جويتريش على سحب التقرير الذي أعدته اللجنة عن معاملة إسرائيل للشعب الفلسطيني في الضفة وغزة والداخل المحتل ، ووصفت فيه تلك المعاملة بأنها فصل عنصري يستهدف تمكين جماعة عرقية من التسلط على جماعة عرقية أخرى . التقرير سحب خضوعا لقوة الضغوط التي مارستها أميركا وإسرائيل وغيرهما من القوى الدولية التي تعلم عن معاملة إسرائيل للفلسطينيين أكثر وأسوأ مما احتواه التقرير الذي لم تجد فيه الأطراف التي ضغطت لسحبه أي مأخذ يمس علميته ومهنيته . وتكفي هنا الإشارة إلى أنه من إعداد رتشارد فولك _ الرئيس الحالي لمجلس أمناء "المرصد الأورو المتوسطي" ، والمحقق السابق للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية الذي كان حينئذ مقصد لوم إسرائيل وسخطها _ ، وفرجينيا تيلي أستاذة العلوم السياسة في جامعة جنوبي إيلينوي الأميركية . داني يانون مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة وصف التقرير بنوع من التوجه النازي ، ووصفه أسلوب متبع من المسئولين الإسرائيليين الذين دأبوا على استحضار النازية عند ما يغضبهم موقف أو رأي معين . ومندوبة أميركا في الأمم المتحدة نيكي هايلي قالت إنها ستقف دائما في صف إسرائيل ، ولا جديد في قولها سوى حدة اللهجة التي استمدتها من مجاهرة ترامب الفظة في مناصرته لإسرائيل والتي لا يصبغها بأي قدر من الدبلوماسية ولو كان رقيقا هشا . ريما خلف المندوبة الأردنية ، ذات الأصل الفلسطيني ، والتي اختارتها صحيفة " الفايننشل تايمز " البريطانية واحدة من خمسين شخصية في العالم حددت ملامح العقد الماضي ؛ قالت في نص استقالتها : " ... وبديهي أن يهاجم المجرم من يدافع عن ضحاياه ... " ، وهذه ثقافة حقوقية واعية متمكنة ، وتضيف مستدركة : " لكنني أجد نفسي غير قابلة للخضوع لمثل هذه الضغوط ... " ، وتعلل إباءها الخضوع تعليلا أخلاقيا مشرفا قائلة : " بصفتي إنسانا سويا فحسب . " ، وفي تعليلها ، فضلا عن البعد الأخلاقي الخاص بها ، بعد يقصي عن معاملة إسرائيل للفلسطينيين أي ذرة إنسانية . ومن الموافقات أن سحب التقرير المعري لعنصرية إسرائيل التي لا شبيه لها ؛ سبقه بيوم كشف الضابط الإسرائيلي رافي إيتان عن دوره في طرد كثير من عرب النقب إلى غزة في 1948، وكيف أعطاهم 24 ساعة فقط للهرب إليها ، وزاد فأبان ندمه على أنه لم يطرد كل عرب النقب إلى سيناء . تقرير الإسكوا لم يكشف إلا القليل من شجرة السوء الإسرائيلية المسمومة الكثيفة الأغصان ، ومع ذلك سحب ، والسبب الأقوى ليس الضغوط التي تصدت له ، بل الهوان ، والتخاذل العربي الشامل .حين كان العرب أقوى شيئا ما ، أصدرت الأمم المتحدة قرارا يصنف الصهيونية حركة عنصرية ، وحين بدأ ضعفهم في الظهور سحب القرار ، ولضعفهم الهائل الآن ، والأسوأ منه محالفة كثرتهم لإسرائيل ، سحب تقرير الإسكوا العادي الذي وصف بعض مظاهر العنصرية الإسرائيلية ، والذي كان حتى دون سحبه سيظل بلا قيمة دون متابعة عملية لتفعيل محتواه . ومحزن أن تتمنى خلف تبني القمة العربية الموشكة الانعقاد في العاصمة الأردنية التقرير الموءود ، واعتباره واحدة من وثائقها المرجعية . لو كان العرب بهذا القدر من الإخلاص لأنفسهم ما وئد التقرير ، وما اضطرت خلف للاستقالة ، وإن كانت في الحق صنعت تاريخا مشرفا لذاتها وللمخلصين في الأمة . القمة العربية القريبة من المنتظر أن تكون أسوأ قمة عربية على سوء القمم العربية السابقة . لو كان لدينا مسئولون في شجاعة خلف الأخلاقية وإنسانية موقفها ووطنيته الضمنية ، هل كانت إسرائيل ستوجد في القلب العربي ؟! وإذا وجدت هل ستعيش حتى الآن ؟! وإذا عاشت هل ستكون بهذه العدوانية الفاجرة ، والعنصرية الإجرامية ؟!