فجرُ أسيرٍ بقلم : داليا العروج
تاريخ النشر : 2017-03-19
أعتقد حقًا أن لا شيء يروي عطشه الآن فرغبته تزداد كُلما خرجت الشمس في كل بُكُور في عالمه و ما أن تلوذ بالفرار يزداد اشتهائه في عُلو المكوث إلى حيث السماء لينادي بصوت عالٍ جدًا أن يقترب نصر بلاده ويحرق ما كان بالأمس عتيا , في عينيه اللتين تنتشر حولهما الخرائط السوداوية من هالات يختلقها حنين يمكث خلف قضبان اللاحياة والتي كانت تتوه في وسط التحقيق كلما لاقَ ذكرياته صدفةً , كأنها نسمات هواء تُداعب وسائد حُجرته بعد أن تجعله يقيم طقوسه المُعتادة في مناجاة تلك نافذة السجن العتيقة المُمتلئة بِصمتْ و المليئة بأمنيات تنسلخ من ذاته و في حين شروده من نفسه إلى ما هو لا مستحيل في نظره كان يفكر عندما يصبح حراً وطنه كيف سيكون يغرق بعينه مُسلطاً ناظره تجاه لذاك الأفق البعيد , يتنفس بِعُمق مُخرجاً شهقات مُتتالية يسند عاتقه بموازة جسده و يهمس بصمتْ يملئه الحنين , يفتقد جُزء من ذاكرته ركلته يومًا ما بِرصيف هالكَ
و بالرغُم من أثار بُكاء ليل على وسادته العتيقة المليئة بِأمنيات لا يفهمها إلا الإله كان هُناك بصَيصْ أمل يأتيه في ساعة مُتأخرة لِيمسح ما تبقى مِن جريمة الأمس الحالكَ , لِـ يُخبره الفجر أن الليل كان مُجرد مُحطة تقربه من الحرية تمضي الأيامَ دُون أن تلتمس ملامحه , دُون أن ترسم لوحه أخرى تعني هُو دُون أن يضمد جِراحه , دُون أن يكتب ما تبقى من روايته , دُون أن يدون يومياتَ كانت ممتلئة به دُون أن يمر الفجرَ إلا بحنين , أو غُروب إلا بهمسة اشتياق .
مَضى سريعًا , مُهرولاً نحو سراب باهتْ اللون , ظنًا منه أنه يُخبئ الكثير , الكثير من أشباه وُلدت بتجاويف قلبه و برغم من زوبعة رمال تدفقت فوق رأسه أنسته من هو , أو من هو الأمس و أنستنه أي الفُصول وُلد أو حتى بأي الأعوام هو, كَطفل لا يتحدث سُوى رمزًا , لا ينطق عن الهوى , يتعثر في مشيته , يتلعثم مُحاولة أن تُخرج أنفاس تنطق بِحُروف عُقلاء لا حُروف جُنون تُنهي عقدها في الحياة إليه حيثُ أسوار تقتات بها على عقاقير إلى أن يحين موعدها مع حريته ! تفاصيل مُتراكمة في خزانته تحتاج إلى إخراج كي تعيد توازن النبض داخله , إلى أن يعيد شيءْ كان بالأمس ينبض , يتنفس , يقتاتَ من زُهور أمل خُلقت في صدر جسده , تِلك الطُرقات باتتْ تخذله , لم تعدَ تجلبَ سوى الذكريات السيئ عيناه و شفتيه و بقايا أناملك المُتراقصة بالحرف بِقربه , لا يجُيد التبعثر أمام الكُون و لكن يجيدَ المُوت فداءا لوطنه يرفعَ كُفيه مُنادياً الإله , تطغى ذاكرته و تلتصق به أكثر و ذاك المؤبد الذي أصدره عدوه بِحق فُؤاده مازال يراوده كَكابوسَ , يُعيق حُلمه الُمفرح , يُنهي سُباته بِفزعه تتبعها بُكاءَ ينادي بليلَ عقيم لا يأتي إليه بِطيف يبعثُ اختناق : يَا الله , يا الله احمي لي أمتي يا الله اجعل أمي وأبي يستذكروني بالرضا وأرضى عني يا اله , يا الله بحقَ جسدي و قلبي , سلم لروحي رغباتي , و اجعل من حروفي ملاذي يَا الله أسُكب بين ضلوعي سكينه تبعثُ الأمل ْ , يا الله هَّبْ لي من لدُنكَ توبة نصوحة تُغلق أبواب الأزمان , يا الله أرزقني فرحة نصر تملأ مِداد السَماءْ ,