أعود إلى بلادي و هل الجزائر إلا بلادي ؟!بقلم:الشيخ بلعمش
تاريخ النشر : 2017-03-19
أعود إلى بلادي و هل الجزائر إلا بلادي ؟!
 للشاعر الموريتاني  الشيخ بلعمش

انعقد للفترة من 11 الى 14 مارس/ آذار 2017 الملتقى الدولي الأول لربيع الشعر البليدي بنجاح كبير بحضور عربي وجزائري. وهاهي انطباعات موريتانية عن الملتقى الدولي الأول لربيع الشعر البليدي/ الجزائر كتبها الشاعر الموريتاني الشيخ بلعمش بعنوان:

السيد الوالي يسأل الشعراء .. !

الأيام القليلة التي مكثتها بالجزائر تشبه ضوءا تسرب من نافذة القلب إلى بيت مهجور .

أندلسي أنا فإن لم أكن كذلك قل لي من أكون ؟!

إلى البليدة منذ قرون وفد الشيخ سيدي أحمد الكبير إلى أخت غرناطة .

جنة في الأرض تحضنها الجبال كأنها حبيبته غرناطة التي ودعها مكرها في عتمة ذاك الزمان الرديء .

بنى داره وجاء بالورد إليها وعطر القرون .. كان قبلة كل الحيارى الذين سعوا يبحثون عن شرفات يتنفسون فيها السلام ..

محنة الموريسكيين في الأندلس مريرة ويخطئ من ظن أنهم استسلموا بسهولة .

قرنان من الصبر على الهوية و العذاب ثم تفرقوا في الأرض شيعا فكانت منهم نواة سكان البليدة ملتحقين بهذا الشريف المهاجر و كان سكان الجبال المحيطة بالمقام الجديد عطاشا إلى من يعلمهم شريعة هذا النور الذي عرفوه فكان يصعد إليهم مفسرا روح الدين و شعائره لذلك سموها جبال ''الشريعه'' .

حدثني الدكتور الشاعر عبد الله حمادي Abdallah Hammadi عن حادثة في التاريخ سألته هل عرف لها مثيلا بعد عام الفيل ؟!  و هي أن الإسبان تجمعوا و من ورائهم كل قوى الشر حينها لرمي الجزائر في البحر بعد أن أزعجتهم محاولاتها الثأرية لما جرى للأهل في الأندلس وحين صحت المدينة ذات صباح على الشواطئ سوداء ملئى بسفن الحرب المعتدية تصدى أهلها للخطر ببسالة الرجال لكن الله أراد أمرا آخر فهبت عاصفة لم يشهدوا لها مثيلا مكثت أياما فحطمت الأسطول و بصعوبة لاذ الملك الغازي بالفرار .

و حدثني من المغرب العزيز الشاعر الأستاذ حسن بن عزيز بوشو الذي جمعني معه الملتقى فكان يدعوني كلما رآني قائلا : يا ولدي فأجيبه : نعم يا أبت قال : أتذكر أنه أيام شبابي كنت مدرسا في مدينة تطوان وكان اسم عائلة حارس المدرسة بلحمر، وبعد مضي شهور كنت في بعض أحاديثي معه فسألته عن اسم بلحمر فاغرورقت عيناه بالدموع و بدأ يتحدث بحسرة مؤثرة شارحا أنه حفيد ملوك غرناطة بني الأحمر كانت دموعه تشي بكثير من الإحساس و الصدق ثم أتاني في صبيحة اليوم الموالي بصرة كبيرة فتحها و بدأ يخرج مفاتيح قصور الأجداد منها واحدا تلو الآخر مسميا كل قصر باسمه كان الرجل الكادح يحلم بالعودة و لقد سرت عدوى حزنه إلي فسالت دموعي .

في مدينة الورد البليدة لوريدة اللحظات كلها أنس و إمتاع و لقد لقيت بها الصديق الدكتور الشاعر محمد مأمون حمداوي فحدث و لا حرج إنه شاعر حقا بكل ما تحمل الكلمة في العمود و التفعيلة و الشعر الملحون و كاتب مسرحي وهو إلى ذلك سوسيولوجي فنان في مجاله و صاحب نكتة يضحك بصدق فيضحكك حتى تسيل الدموع و لقد حدثني فقال : كان مجنون يتجول بين القرى فحدث ذات مرة أنه انتقل من قرية تدعى بني بحدل إلى أخرى تسمى الزهراء و صادف دخوله القرية صلاة الظهر فدخل المسجد بعد أن كبر الإمام تكبيرة الإحرام فكبر المجنون ثم قال بصوت عال : اللهم كما تقبلت مني صلاتي في بني بحدل فتقبلها مني في الزهراء فضحك المصلون كلهم أجمعون حتى فضيلة الإمام .

و مع الدكتور Said Boutadjine السعيد بوطاجين أحد أشهر النقاد في الجزائر و كتابها لا تسأل  عن المتعة و الفائدة و التواضع .

تلك ميزة الجزائريين النبيلة : أنهم لا يتعالون على أحد من العالمين و لا يحبون التحدث عن أنفسهم و إن غضبوا فهم لعمري أحق أهل الأرض بقول الفرزدق :

أحلامنا تزن الجبال رزانة و تخالنا جنا إذا ما نجهل

كان وزير الثقافة الجزائري الشاعر والروائي عز الدين ميهوبي في حفل الافتتاح وفيا لأصدقائه مستمعا بتفاعل لما يقول زملاؤه في الموهبة،  كان طيبا جدا وهو يصافحنا مقدما الورد إلينا في مدينة الورود .

وما كنت أحسب الكرم في أهل الحضر ذلك أن الحياة تجبرهم على العقلانية و التخطيط للغد المجهول فالريف منبت الكرم لكن الجزائر تكسر كل قوانين المعقول بشيمها النبيلة الأصيلة .

كان الأستاذ مراد رقيق مدير مؤسسة ترقية الثقافة و الفنون في البليدة المنظمة للملتقى أول من لقيناه و كانت بسمته الدائمة شعاره .. كان بنفسه ذات عشاء من عشياتنا جمعتني و إياه فيه الطاولة يناولنا بنفسه الأشياء فتذكرت قولتنا في صحرائنا الكريمة سيد القوم خادمهم .

يا له من رجل طيب و كريم يعمل في صمت و إصرار عاشق للشعر و الجمال !

أما الحبيب الشاعر ناصر باكرية فرتب على كتفي في الحفل و التفت و إذا هو ...  هو فلا تسل عن حرارة العناق !
كان أول ما قلت هو بيت ابن الملوح : 
و قد يجمع الله الشتيتين بعدما  يظنان كل الظن أن لا تلاقيا

لم تتمكن أربع سنين تقريبا من تغيير شيء في طباعه فقد بسط نمارق المودة و شرفني في بيته فيا لكرمه و أصالته و يا لشاعريته الفطرية !

في الجزائر تعرفت على شعراء عمالقة .