في نقد عملية تقييم أداء العاملين في المؤسسات الحكومية في قطاع غزة
بقلم الباحث / محمد عاطف غزال
أكاديمية الإدارة والسياسة للدراسات العليا
تشهد أروقة المؤسسات الرسمية العاملة في قطاع غزة في مثل هذه الأيام من كل عام نشاطاً غير عادي عنوانه الأبرز تقييم أداء الموظفين لعام سابق، فبعض هذه المؤسسات في انتظار اعتماد نتائج التقييمات وبعضها الآخر قد اعتمد تقييماته بالفعل وتقدم خطوة باتجاه استقبال الطعون عليها والتعاطي معها من قبل لجان الاختصاص.
ورغم أن عملية التقييم هذه لا يترتب عليها – في واقعنا الفلسطيني - كثير عمل، لا من حيث تحفيز الموظف المتميز وترقيته، ولا من حيث الأثر في تخطيط البرامج التدريبية وتوجيه جزء منها لمعالجة ما تكشفه هذه التقييمات من جوانب القصور والخلل، إلا أن تقييم الأداء يكتسب أهمية ولو معنوية لدى الكثير من الموظفين الذين أرهقهم عدم انتظام الرواتب وعدم اكتمالها وباتوا لا يرون في الأفق ما يشي بالخير حول مستقبلهم وأمانهم الوظيفي، وكأنهم رأوا تميزهم في أدائهم الوظيفي درباً من التحدي لإرادة الفشل التي أرادها لهم البعض.
بيد أن الآثار المعنوية لعملية تقييم الأداء ليست الوحيدة التي تكسب هذه العملية أهميتها، وكذلك فإن ضعف الاستثمار لنتائجها في تحفيز الموظفين وتخطيط برامجهم التدريبية لا يقللان من هذه الأهمية، وهو ما يقودنا للتعرف أكثر على عملية تقييم الأداء باعتبارها أحد أهم وظائف الموارد البشرية.
يلزمنا ابتداءً التعرف على مفهوم عملية تقييم الأداء إذ يعرفها الدكتور أنس عبد الباسط عباس في كتابه إدارة الموارد البشرية " دراسة وتحليل أداء العاملين وملاحظة سلوكهم وتصرفاتهم اثناء العمل وذلك للحكم على نجاحهم ومستوى كفاءتهم في القيام بأعمالهم الحالية، وأيضاً للحكم على إمكانيات النمو والتقدم للفرد في المستقبل وتحمله لمسؤوليات أكبر أو ترقيته لوظيفة ذات شأن ومسؤوليات أكبر ".
وبينما أورد عبد المعطي عساف في مقال له نشرته في العام 1988 مجلة العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت تحت عنوان " الاتجاهات الحديثة لتقويم أداء العاملين في الإدارة الحكومية " أورد فيه وصفاً لعملية تقييم الأداء بأنها " محاولة بتحليل أداء الفرد بكل ما يتعلق به من صفات نفسية أو بدنية أو مهارات فنية أو فكرية أو سلوكية بهدف تحديد نقاط القوة والضعف ومحاولة تعزيز الأولى ومواجهة الثانية وذلك كضمان أساسي لتحقيق فاعلية المنظمة الآن وفي المستقبل"
على أن مجمل الكتاب الذين تطرقوا إلى مفهوم عملية تقييم الأداء بالتعريف استهدفت تعريفاتهم – كما يرى الدكتور خالد عبد الرحمن الهيتي في كتابه إدارة الموارد البشرية – الإجابة على التساؤلات التالية:
1. ما هو مستوى أداء الفرد وسلوكه في العمل؟
2. هل أن الأداء أو السلوك يشكل نقطة قوة أو ضعف للفرد؟
3. هل يحتمل تكرار نفس الأداء والسلوك في المستقبل؟
4. ما هي انعكاسات ذلك السلوك أو الأداء على فاعلية المنظمة؟
وقد خلص الهيتي إلى استنتاج مفاده " إن عملية التقييم ليست غاية بحد ذاتها وإنما وسيلة للوصول إلى عدة غايات منها إعادة النظر بسياسات التوظيف والأجور والحوافز والتدريب وغيرها من الأنشطة الجوهرية لإدارة الموارد البشرية ".
نظرياً فإن ما تقدم ذكره من تعريفات وتساؤلات من المفترض أن تجيب عليها عملية تقييم الأداء وما أعقبها من وصف بأن العملية ليست غاية في حد ذاتها، يبدو ذلك كله منطقياً ومعبراً عن مفهوم عملية تقييم الأداء، لكنني كواحد أصنف من الإدارة الوسطى لمؤسسة وطنية عريقة - وقد شاركت في عملية تقييم الأداء وتم تقييمي لسنوات عدة - بدت لي عملية تقييم الأداء غاية في حد ذاتها إذ لا يترتب عليها سعياً لتحقيق الغايات التي حددت كوسيلة للوصول إليها، وتلك لا تعد المثلبة الوحيدة لنظام تقييم الأداء في قطاعنا الحبيب ،وثمة ملاحظة تتعلق بعملية تقييم الأداء قبل وبعد وأثناء التقييم.
أما قبل: فالتخطيط للمؤسسة ولمواردها البشرية ووصف الوظائف لكل من يشملهم التقييم هي حبيسة أدراج مكاتب الإدارة العليا للمؤسسة على أحسن الأحوال، هذا إن لم تكن حبيسة فكر المديرين.
وأما أثناء عملية تقييم الأداء فلا بد من تسجيل مجموعة من الملاحظات بعضها عام والبعض الآخر يتعلق بطبيعة عمل كاتب هذه السطور:
1. لا زال التقييم يعتمد المسؤول المباشر الذي هو عرضة للتأثر بمجموعة من العوامل النفسية والاجتماعية التي قد تدفعه للتعامل مع التقييم وفق مزاجية أو محسوبية قد تحملانه على تزكية المسيء وعدم تقدير المحسن.
2. قد يقطع الفترة التي يقيم خلالها الموظف بعض التغيرات الإدارية على مستوى المؤسسة، فيؤتى للدائرة بمدير جديد قد لا يظفر بوقت كافٍ يتعرف فيه على طبيعة الدائرة ولا المهام المنوطة بالموظفين الذين سيقيمهم.
3. وجود عدد – غير قليل – من الموظفين تختلف مهامهم التي كلفوا بها من إدارتهم المباشرة عن مهام الوظيفة التي أثبتت في سجلات الموظف في ديوان الموظفين العام كأن يعمل أحدهم كاتباً بينما ما هو ثابت في الديوان أنه فني أو مراسل.
4. الاختلاف الواسع بين طبيعة وظيفة ما في وزارة معينة ووزارة أو هيئة وطنية أخرى كما هو حاصل في وظائف العاملين في سلك القضاء وأمثالهم من الموظفين في الوزارات الأخرى الأمر الذي يجعل اعتماد نفس محاور التقييم بل نفس النموذج غير قائم على أسس عادلة.
5. وكذلك الأمر الاختلاف في حجم وضغوط العمل من مؤسسة لأخرى.
فضلاً عما قد يعتري التقييم من مجاملات أو تقييم بالانطباعات المسبقة " الهالة " أو الرغبة في الانتقام الشخصي.
وأما بعد: فقد أشرت إليها في حديثي عن عدم البناء على نتائج عملية تقييم الأداء في الوصول للغايات التي أعدت من أجلها وتتعلق بسياسات التوظيف والأجور والحوافز والتدريب وغيرها من الأنشطة الجوهرية لإدارة الموارد البشرية.
إن عملية تقييم الأداء بحاجة إلى إعادة تقييم من قبل كل مكوناتها والجهات المشرفة عليها سواء ما تعلق من التقييم بالأشخاص المقيمين أم بالإجراءات السابقة واللاحقة لتقييم الأداء أو حتى بالنماذج ومسألة تعميمها بحسب الفئة أو المسمى الوظيفي وهو أمر لن تبادر إليه الإدارات العليا دون أن تكون هناك أصوات تنادي به من كل الذين تشملهم عملية التقييم، ودون أن يبادروا بتقديم الأفكار الرائدة والمميزة لتحقيق الهدف الأسمى للتقييم وهو التصحيح والارتقاء.
محمد عاطف غزال
غزة - مارس 2017
في نقد عملية تقييم أداء العاملين في المؤسسات الحكومية في قطاع غزة بقلم:محمد عاطف غزال
تاريخ النشر : 2017-03-06