حوار مع الشاعر والمترجم العراقي جاسم قحطان
تاريخ النشر : 2017-03-05
حوار مع الشاعر والمترجم العراقي جاسم قحطان


       الشاعر والمترجم العراقي المقيم بالدانمارك قحطان جاسم ولد عام 1952 في العراق. نشر أولى نصوصه في طريق الشعب عام 1977.
ساهم بأصدار مجلة ثقافية (الموقف الثقافي) صدرت في سوريا عام 1985. نشر العديد من القصائد والمقالات في الصحف والمجلات العراقية والعربية. نشر العديد من الترجمات عن الموسيقى، الفن، السينما والشعر.
صدر له كتاب ( نظرة في تأريخ العراق السياسي الحديث) 1992. له ديوان (رؤى في مملكة الغياب) صدر عام 1992. وديوان (تجليات العزلة).و  آن الذهول ، شظايا الوقت.
يكتب في الصحافة الدانماركية، وحاصل على شهادتي ماجستير واحدة في علوم الدولة والعلاقات الدولية 1998 والثانية في العولمة والاندماج 2005.
أنهى أطروحة الدكتوراه في تحليل (خطاب الاسلاميين و الديمقراطية في العراق و مصر) 2010.

حوار مع الشاعر والمترجم العراقي جاسم قحطان

حاوره عبد الواحد مفتاح

 
1-ما فاتحة النص الذي ورّطك في عالم الكتابة؟

 أن الاجابة عن سؤال كهذا يتطلب استعادة حياة كاملة...حيث عشت طفولة مرتبكة متوزعة بين مدن تتغير رافقتها عاطفة ساذجة تبحث عن حنان  مغّيب ..وحنين دائم  عن أمان مفقود ..أسئلة غير مكتملة أو واضحة المعالم عن عذابات لا دخل لي فيها أو كنت مرغما أن اعطي رأيي في وقت مبكر عنها ...الخوف  من أنهيار العائلة ..موت مبكر لاخت لم تبلغ الأربعة اشهر ..أب متبرم يتهكم من كل شيء حتى من طفولتنا .. ودوره في توريطي بالكتابة ...كان أبي يكتب الشعر الشعبي "الابوذية "- نوع من الرباعيات الشعرية تكتب باللهجة العاميّة في العراق - وكانت له مكاتبات مع شعراء من مدن أخرى، وكان كثيرا ما يلقي على مسامعنا ونحن صغارا بعض تلك الابيات وهي تصف محنته وأحزانه و مسيرة حياته ..كان يجمع تلك الاشعار في دفتر خاص وقد تسنى لي أن اتلصص على ذلك الدفتر وأقرأ بعض اشعاره ..لم تدم تلك المتعة اذ اكتشفها ذات يوم فقام بتمزيق الدفتر بكاملة وكان في حالة من الغضب لا انساها ابدا ...ربما لانني أكتشفت بعض اسراره ورأى في ذلك أنهيارا لكبرياءه االبطرياركي..ولا ننس  تلك الدموع المكتومة لأم كانت ترى في أنصياعها الى الله الحل الامثل لكل المحن......أذن يمكن القول أن كتاب الحياة هو الذي ورطني كما غيري في محنة الكتابة .

2-كيف كانت بدايتك الأولى في النشر؟

البدايات دائما مغلقة وعصية ..لا اعرف اين قرأت ذلك ..ولكنها حقيقة .المرأة هذا المخلوق السامي والاجمل من بين كل المخلوقات هو الذي فجر في داخلي ينبوع الكلمة ..اذا لم أقل الشعر..كنت في الثالثة عشر عندما استعرتُ كتاب الانكليزية المدرسي للصف السادس الابتدائي  من أمرأة شقراء كانت تكبرني بعشر سنين ،لقد سحرت بجمالها  فكتبت لها قصيدة ووضعتها بين دفتي الكتاب ..ومنذ ذلك اليوم لم أتحدث الى تلك المرأة وتحاشيت تماما اللقاء بها .ونسيت القصيدة التي كتبتها لها . بقيت صورتها في مخيلتي لسنوات  و كنت ارتعش كشجرة كلما مر طيفها بذاكرتي ..لا يمكن تسمية تلك المحاولة كبداية عقلانية أو اختيار ذاتي لكتابة الشعر بل شعور أنساني عفوي .. تكررت المحاولة بعد سنوات عندما اقيم مهرجان شعر عام 1969 وكنت حينها طالبا في المرحلة الاعدادية  ..كان المهرجان تحت أشراف "الاتحاد الطلابي" التابع للسلطة . قدمت للجنة المهرجان قصيدة حب ولانني لم أكن عضوا في الاتحاد فقد رفضت قصيدتي ولكن عبرعلاقات صداقة تم قبولها، لكنني قرأت قصيدة سياسية بدلا عنها ..وقد تعرضت بعدها للمساءلة ..كانت مغامرة غير ذكية ....في السبعينات عندما كان الشاعر سعدي يوسف مشرفا على برنامج للشعر في الأذاعة العراقية  غامرت بارسال قصيدة الى البرنامج ،التي اعتبرها التجربة الحقيقية الشعرية الاولى في حياتي  وتم قراءتها من الاذاعة ..كنت أترقب البرنامج كطفل يترقب ايام العيد ..لا يمكنني وصف حال الفرح الذي تملكني آنذاك... ثم مرت بضعة سنوات حتى نشرت اولى قصائدي وكانت في الطليعة الكويتية وطريق الشعب العراقية..

3-ماذا عن تفاصيل طقوس كتاباتك؟

  الكتابة عميلة معقدة ..قد انهض قبل االثلث الخير من اللليل وفي رأسي فكرة او مقطع شعري فأسجلها..واحيانا أعدّ نفسي لكتابة قصيدة في وضح النهارعن موضوع أختاره مسبقا..الكتابة معاناة شأنها شأن اي عمل أبداعي لانها  توحد تام مع الذات ..لا أحد يشاركك الفكرة عندما تكتب ..أنها الفرصة الوحيدة التي يختلي فيها الانسان تماما مع نفسه..أنا بطيء في الكتابة اذا لم أقل كسولا ...بالنسبة لي القصيدة لا تكتب مرة واحدة ولهذا فانني كثيرا ما أعيد كتابة قصائدي وأغيّر فيها وربما يوضح هذا الأمر أبتعادي عن النشر أو ندرته .. يمكنني أن أنقطع فترة طويلة متوحدا مع الكتابة والقراءة اذا ما قررت أن أنجز عملا ما ، منفصلا تماما عن كل ما يجر ي في العالم ...أميل الى الألمام الممكن  بالموضوع الذي أود الكتابة عنه او الانشغال به وهذه واحدة من نواقصي أذ انني لا اكتفي بقراءة الموضوعات منقولة عن آخرين ولدي رغبة دائمة بان اذهب الى المصدر الاصلي ..مما يجعلني أضيع في تفاصيل لم تكن في الحسبان ..ولهذا أحسد احيانا بعض الكتّاب الذين لديهم القدرة على النشر بمجرد انهم اطّلعوا على بعض الكتب او الدراسات ..

4-كيف تنظر إلى الشعر العربي؟ ماذا عن حاضره ومستقبله؟

لم يعد الشعر ديوان العرب لكي يصف حالهم وأحوالهم ...فقد حلت سبل وطرق جديدة للتعبير عن ذلك....رغم أن التصاق العرب بالشعر أمر تاريخي ..ولكن لأننا موصوفين بأعتبارنا  أمة صوت فلا يمكن لنا أن نتوقف عن كتابة الشعر..لكن ابداع الشعر موضوع آخر ..فتمكنك من كتابة قصيدة لا يعني أنك ابدعت قصيدة .. الشعر العربي في حالة أزدهار مضطرب ..ما أعنيه هنا ..هناك نشر واسع ..كثرة تكتب الشعر وتنشر بدون تحفظ  و بصورة  لم يسبق لها مثيل ..لكن القليل ممّا ينشر يمكن تسميته شعرا .ثمة مشكلة ..لقد غابت أسماء كبيرة وهذا الغياب خلق أرباكا و حالة فراغ ...هذا لا يعني عدم ظهور أسماء جديدة  تمكنت من أن تتبوأ مكانتها الشعرية الراقية بل يعني   أنحسار القلق الوجودي والمعرفة  الشعرية لدى العديد من كتّاب الشعر ...على الرغم من ذلك فأن الشعر العربي سيواصل طريقه ويفتح أفاقا جديدة  بفعل الخزين الهائل الذي تمتلكه الشعوب العربية من تراث أدبي وشعري ومعاناة حسيّة  ومعايشتها لهزّات معرفية هائلة .

5-في ظل الجدل الدائر حول قصيدة النثر ودورها في المشهد الثقافي العربي ومستقبلها، هل تعتقد أن هذه القصيدة مؤهلة للبقاء وكيف ترى حظوظها؟

ألاشكال الادبية والفنية شأنها شأن نماذج الحياة ذاتها في حالة تطور وتجدد. تموت وتحيا بفعل عوامل كثيرة ..قصيدة النثر في سياق تطورها وأزدهارها اللاحق لم تمثل أستثناء من قانون الموت والحياة هذا....يمرّ العرب بمخاضات فكرية وحضارية وأجتماعية كبيرة.. العالم أصبح أكثر من أي وقت آخر في متناول اليد ..وقد رافق هذا الأنفتاح سيل كبير من المعارف والتجارب الانسانية ، حيث البحث الدائم عن الحرية والابداع والتجديد..قصيدة النثر جاءت لتبقى..أنها وليدة مخاضات و تحولات ثقافية وادبية لم تعد الاشكال الشعرية السابقة قادرة على احتواءها أو ربما قصورها في تمثل هذه التحولات..قصيدة النثر هي قصيدة النزوع الكلي نحو الحرية ..بيد أن هذا النزوع نحو الحرية تم أساءة أستخدامه ..فبدون توفر شروط هذه الحرية  تغدو ممارستها شكلية في الواقع العملي أو الكتابة و أدعاء سطحيا لا يلمس معنى الحرية. ..لذلك نرى بعض الشعراء عندنا ، الذين حاولوا  التشبه بسلوكيات شعراء وأدباء أوروبيين كانوا قد مارسوا حياتهم بحرية قصوى، قد فشلوا في نقل تجربتهم وسلوكهم وأفكارهم لسبب بسيط هو غياب الحرية عندنا في شكلها الاجتماعي أو السياسي .. يمكن القول أن هناك أستثناء ..أذ يمكن الاشارة الى ثلاثة مبدعين عرب مارسوا الحرية حياة وكتابة وهم محمد شكري من المغرب ، عبدالأمير الحصيري وجان دمو من العراق ..ولذلك جاءت تجاربهم الحياتية والدبية صادقة واصيلة ..  تجربة جان دمو الشعرية تحتل مكانة خاصة في قصيدة النثر لانه مارس الحرية في الكتابة والحياة كما أحسهما وعاشهما تماما مدعومة بمعرفة عميقة بحرفيات الادب.. أود تكرار ما قلته في مكان آخر: الشعر معرفة كما هو موهبة وأحساس متقد وذهنية متأملة .. ما نقرأه من شعر اليوم يمر بمخاضات عديدة وصعبة ..كانت القصيدة العمودية وقصيدة الشعر الحر تفترض قيودا لغوية وعروضية، ولذلك كانت الكتابة صعبة وتتطلب مرانا وتجربة ومعرفة ..  استسهل البعض كتابة قصيدة "النثر" بسبب تحررها من قيود العروض، و اعتقدوا  أن قصيدة النثر ستتيح لهم بفعل تحررها من الاشكال والقيود أن يصبحوا شعراء بحيث أن كلّ شيء متاح لهم..من حق الناس أن تكتب ما تشاء فلا وجود  لقضاةٍ على الشعر ..الا ان كتابة الشعر عملية معقدة..معظم ما يكتب اليوم هو نصوص .وليس شعرا ..محاولات تجريبية تقوم على تلفيق لغوي ساذج خالي من اي معنى وتجربة..وأقل ما يمكن ان نطلق عليه، أنه شعر الحِكم...والسرد ..شعر وصفٍ لا يمس تعقيدات الظواهر الوجودية والانسانية بل يبقى معلقا عند غلافها الخارجي السهل.. وهو أمر معيب ويحط من قيمة الشعر ..

 6-لك إطلاع كبير بالأدب الدنماركي،راكمت العديد من الترجمات من هذا الأدب للعربية؟ ما الذي جذبك لهذا الأدب؟ وهل هناك نقاط تقاطع أو تشابه بين بنية النص العربي والدنماركي؟

لا أدعي أن اطلاعي  شاملا على الادب الدانماركي ولكن يمكن القول أنني سعيت أن اتواصل معه عبر علاقات مع بعض الادباء أنفسهم أو قراءة الاصدارات الادبية والثقافية في الدانمارك ..  ان ترجماتي لا تزال متواضعة رغم أنني نشرت العديد من الترجمات  لشعراء وأدباء دانماركيين ولي ترجمة جاهزة للنشر لمختارات شعرية دانماركية..ما يجذبني للادب الدانماركي هو عمقه ..انه يتعامل مع المعنى ويتناول قضايا الانسان الخالدة ..الحرية ، الموت ، الحب والخديعة، الانتحار وغيرها. لا يمكن المقارنة بين بنية النصوص لمجتمعات مختلفة ..فطريقة الكتابة واللغة التي تكتب بها النصوص تلعب دورا كبيرا في بنية النص..لكن يمكن العثور على هذه التقاطعات في القضايا التي يتناولها النص العربي والدانماركي ..الأثنان منشغلان بقضية الوجود والانسان والطبيعة والكون والله..يمكننا العثور على بعض المساعي في االادب الدانماركي لنقل تجارب من النص العربي وثيماته وهذا ما نراه واضحا في بعض كتابات سورن كيرككورد حيث يستخدم فن الحكاية المعروف لدينا في التراث العربي وخصوصا في ألف ليلة وليلة ، والمعروف أن كيرككورد كان يقتني كتاب الف ليلة وليلة في مكتبته..كما أن هناك تقاطع بين رؤية كيرككورد الى االله والحب وافكار المتصوفة العرب وكتاباتهم ..كما نرى التأثر الواضح بألف ليلة وليلة ايضا في كتابات ه.س. أندرسن..أما من الادباء المعاصرين فيمكن أعتبار الشاعر أريك ستينوس الذي كتب قصيدته الشهيرة عن بغداد واحدا من الذين تأثروا بالنص العربي..وحسب علمي لا توجد دراسات مقارنة حول هذا الموضوع ..وللعلم فأن النص العربي غير غائب عن المكتبة الدانماركية ..فنصوص كملحمة جلجامش، المعلقات السبعة، الف ليلة وليلة، نصوص من الشعراء المتصوفة والكثير غيرها مترجمة الى اللغة الدانماركية ..

 7- ما مدى تواصلك مع الوسط الشعري العراقي وأنت بعيد.. وما مدى تواصلك مع الثقافة الدنماركية؟

قراءتي للشعر العراقي والعربي عموما لم تنقطع كما أنني اعرف الخريطة الشعرية العراقية بصورة جيدة كما أتابع الدراسات النقدية الشحيحة التي تصدر هنا وهناك ..ولي صداقات واسعة مع أقراني من الشعراء ..كنت أستغل فرص سفراتي السياحية الى المغرب ومصر وتونس لكي اقتني من الكتب التي تساعدني على الاطلاع على ما ينشر في العراق..في السنوات الاخيرة تفضل العديد من الاصدقاء الشعراء من ارسال بعض دوواينهم وكتاباتهم لي ..واليوم تتوفر فرصة اكبر لقراءة ما يكتب بفعل الانترنت وادوات الاتصال الأخرى. أعتبر وعيي نتاج ثقافات متعددة  ..لكن تواصلي مع جذور ثقافتي بقي متواصلا رغم انني توقفت عن الكتابة لفترة طويلة باللغة العربية واكتفيت الكتابة  بالدانماركية ..أجدني اكثر تحررا عندما اكتب بلغتي الام ..ولهذا كتب الروائي والشاعر الجزائري مالك حداد الى أمه : أني ارطن يا أمي" تعبيرا عن معاناته حين يكتب باللغة الفرنسية.متابعتي للثقافة الدانماركية جيدة ومتنوعة ..لأن فيها الكثير..في الدانمارك اكثر من الف دار طبع ونشر.. والترجمة من كل انحاء العالم جارية على قدم وساق ,ويتم ترجمة الكتب التي تصدر في العالم وبلغات عديدة الى الدانماركية وهذا ما يتيح لي أن اطلع على الكثير من المعارف المنقولة اليها اضافة الى ما تتيحه لي قراءاتي بالسويدية والنرويجية والانكليزية .

 9-كمترجم  كيف تعيش مغامرة نقل متن من لغة إلى أخرى؟ خاصة من الدنماركية التي طالما اعتبرت لغة بعيدة وملغزة وغير مقروءة لدى القارئ العربي ؟

اللغة الدانماركية واللغة الاوربية عموما هي لغة رياضيات ..لكن هناك مرونة فيما يخص الكتابة الادبية  ويمكنك أن تقرأ خروجا على قواعد اللغة في العديد من النصوص دون أن يقابله ذلك أستهجانا .. اذ يبحث النقاد والمختصون في دواعي هذا الخروج ويسعون لتأويله وتفسيره باعتباره جزء من العملية الادبية ..وهذا غير  ممكن بالنسبة لنا في العربية لأرتباط الللغة العربية بالمقدس، أي هناك العديد من التابوات التي تمنع من أي محاولة تجديد أو خروج على ما تم صياغته قبل 14 قرنا. هذه ليست دعوة للفوضى كما قد يخيل للبعض ولكن دعوة للنظر في التحولات الجارية في علم اللغة الأتصال واشكال الكتابة ..الترجمة نشاط ابداعي ومعرفي ..وهو نشاط صعب ويتطلب صبرا كبيرا .. من مميزات اللغة العربية وجود غنى المترادفات اللغوية لكن هذا قد يخلق مشكلة في الترجمة ..فالترجمة ليست تعويض كلمة بمفردة أخرى شبيهة لها بل تتطلب معرفة كاملة بالنص وحيثيات كتابته..وأود أن اعطي مثلا ملموسا على ذلك هو صدور أنطلوجيا عن الشعر الدنماركي كانت مليئة بالأخطاء كما أن ترجمة سورن كيرككورد عن لغات أخرى غير الدانماركية أعتبره عملا بلا فائدة ..فمثلا يميز سورن كيرككورد  بين كلمة angst و frygt  اللتين يتم ترجمتهما عربيا الى "الخوف " وهي كارثة ..لأن كل فلسفة كيرككورد تميز بين هذين المفهمومين ..وعدم ترجمتهما بصورةى صحيحة يعني الاضرار بكل فلسفته. كما ان هناك مفردات لا تتوفر سوى في اللغة الدانماركية لما لها من مرونة كمثال على ذلك مفردة menneskelige  

  والتي تعني" أنساني" الا أن سورن كيرككورد يقسمها الى نصفين وهو يتحدث عن قضية الحب فيقول menneske- lige

بمعنى أن البشر متساوون وهذا الامر يصعب ترجمته  دون معرفة باللغة الدانماركية.

10-إن الاغتراب لَيحْضُر، بكثافةٍ، في الأدب والفن، ويدخل في نسْج خيوط بنية الأدباء والفنانين على اختلاف مستوياتهم العلمية، هل تشكل الغربة تيمة في كتاباتك؟

الاديب والشاعر هو أنسان قبل أن يكون أي شيء أخر..وتدخل القضايا التي تشكل تحديا لوجوده في نصوصه..والاغتراب يمكن ان يتحقق وانت تعيش في وطنك أو بين اقرب احبائك..أما الغربة ، اي النزول في ارض أخرى وبين بشر لا تشاركهم ثقافتهم او لغتهم فانا لم اشغل نفسي بهذا الموضوع مباشرة ..ولكن عدم الانشغال لا يعني غياب الاحساس بالغربة ومعاناتها ..ولهذا يمكن القول انني تناولت الأغتراب أكثر مما تناولت الغربة ..الغربة حققت لي حرية أكبر في الكتابة ومنحتني خبرة  ووسعت من آفاقي  الشعرية والفكرية والانسانية ..

11-أطروحتك للدكتوراه كانت عن (خطاب الإسلاميين و الديمقراطية في العراق و مصر(  كيف تنظر لهذه الموجة من التيارات الإسلامية التي اجتاحت العالم العربي مباشرة بعد ما سمي بربيعه؟ ألا تخاف على منجز القصيدة العربية من هذا الخريف الذي يهدد بالرجوع إلى فترات ما قبل الأسئلة التي أنتجت بنية القصيدة ؟

 لقد أُطلقت على أنتفاضات الربيع العربي خطأ أسم "الثورة" ..ولهذا من الضروري أولا ان نتفق على تعريف للثورة..الثورة تعني تحولات بنيوية جذرية في المجتمع والثقافة. ولهذا فأن الربيع العربي ليس ثورة بل خاتمة ممكنة للأزمات المستعصية التي مرت وتمر بها الحكومات العربية ..وهي أزمات لا تزال سارية ..وتنخر في جسد المجتمعات العربية بعمق.. لم يكن مستبعدا صعود التيارات الاسلامية ..فهي لم تغب عن الساحة ولم تواجه مستوى القمع الذي واجهته القوى السياسية الاخرى خلال العقود الاخيرة . هذا لا يعني أن بعض وجوهها السياسية لم تتعرض للملاحقة بل يعني  أن الحركات الاسلامية كانت تتمتع بديناميكية أكبر للحركة والتوسع بين الجماهير وبعلم  الدولة ذاتها. لقد ساهمت الحكومات العربية ، التي  غالبا ما يوجه  لها الاسلاميون النقد االحاد بأعتبارها حكومات علمانية، بنشر الدين و الحفاظ على البنية الثقافية الدينية عبر أنتهازية غبية للموازنة بين القوى السياسية ولتقويض نشاط القوى الديمقراطية والعلمانية ، التي تعتبرها هذه الحكومات الخطر الحقيقي على وجودها..الحكومات العربية التي قامت بعد الاستقلال هي دول تنمية وتحديث وليست حداثة ..فالحداثة تتطلب تحقيق الحرية الشخصية للمواطن وفصل الدين عن الدولة.. ألا أن ما قامت به حكومات ما بعد الاستقلال  هو قمع الحريات وتوسيع القاعدة الثقافية والاجتماعية الدينية عبر تعزيز دور المؤسسات الدينية الرسمية ـ التي تمثل بحد ذاتها مصدرا حقيقيا للقوى الاسلامية. ومثال على ذلك يمكن الاشارة الى الدور  الذي لعبه الأزهر في مصر ،منذ جمال عبدالناصر وحتى مبارك ،في الحد من انتشار الفكر النقدي للدين..كما انه ساهم عبر أقامة مئات من المدارس الدينية بتخريج الآلاف من الطلبة والائمة، الذين ساهموا بنشر الفكر الديني..وقد لمسنا نفس الامر في دول عربية أخرى حيث لعبت المؤسسات الاسلامية بدور نشط في الحفاظ على البنية الثاقفية الدينية وهذا يعني أن الافكار الاسلامية لم تغب لحظة واحدة عن دورها الفاعل في المجتمع العربي وبقيت تمارس دورها بأعتبارها الحاضن الاساسي للبنية الثقافية التقليدية في المجتمع  العربي ،حتى حين تعرض التيار الاسلامي في سنوات معينة الى الملاحقة من قبل السلطات ، بينما لم تتوفر نفس الفرصة للقوى السياسية العلمانية الاخرى التي كانت تتبنى افكارا ومفاهيم حداثية يمكن القول عنها أنها تمتاز ببعض غرابتها عن المحيط الثقافي العربي وتحتاج الى وعي ومعرفة اكبرلهضمها من قبل الجمهور..أضافة الى ذلك فأن القوى الاسلامية وجدت لها دعما اقتصاديا كبيرا من قبل دول أخرى لها مصالح مشتركة بنشر الفكر الديني المحافظ لم يتحقق لقوى أخرى. لكن صعود الحركات الاسلامية لا يعني أختفاء الازمات في الوطن العربي، بل بالعكس يعني تعمقها واشتداد حدتها ..لانه لا يمكن اقناع المواطن العادي عبر شعارات تحشيدية بلاغية ودينية ..المواطن يريد حلا ملموسا لمشكلاته المستعصية في قضايا السكن والعيش والدراسة والحريات السياسية وغيرها ..وهنا فان الاسلاميين سيقعون في ورطة اما الاكتفاء بأتباع أيديولجيتهم الدينية وشعاراتهم التهييجية وبالتالي الفشل في تقديم حلول عاجلة للازمة، او الانصياع الى الامر الواقع والاقرار بعلمانية القرارات السياسية التي تتطلب مشاركة اوسع تقوم على مفهوم المواطنة وفصل الدين عن الدولة وفي كلا الحالتين فانهم الخاسرون مستقبلا...لانهم سيقعون في تناقض  مع أنفسهم والجمهور ..بالمقابل  يتطلب من القوى العلمانية والديمقراطية ضم القوى الاسلامية وعدم عزلها باعتبارها قوى تمثل جزء من الواقع القائم..وبالتالي عدم تغريبها وجعلها في حالة حوف دائم من المستقبل .

 أنني ارى في هذه التحولات رغم كسوفها وارتدادها حاليا جانبا ايجابيا ..لقد فتحت عين المواطن العادي على اهمية الحرية ..وفي مجتمعات يشكل فيه الشباب اكثر من60% من مجموع السكان فأن شعار الحرية سيكون هو الشعار الاكثر اهمية لها مستقبلا ، وهذا بحد ذاته يخدم الابداع عموما والقصيدة العربية خصوصا لانه سيوفر مناخا اكبر ، اي مناخ الحرية التي لا يمكن بدونها أن يتحقق ابداع حقيقي..  

  12-في كلمات:

 محمود درويش: شاعر تمكن من استعادة وطن لم يكن ممكنا استعادته على أرض الواقع..كما انه اسس لقصيدة الحشد .. القصيدة التي لا يمكن التمتع كليا بها الا مع الجمهور.

 حميد العقابي

 شاعر وروائي يسعى عبر كتاباته أن يتحرر من آهوال الخوف التي تركها القمع في بلده العراق على روحه وايضا التحرر من التابو والثقافة التي ترفد ذلك القمع .

 الدنمارك

بلد الحرية والمعرفة وبلدي الثاني الذي منحني ما عجز ان يمنحني أيّاه بلدي الاول العراق ..

Lis Lindebæk Jasim

زوجتي وحبيبتي التي علمتني أن اصغي الى انسانيتي وأن احب الآخر بدون أن يتضمن  هذا الحب مشاريع الربح والخسارة..ساعدتني أن ارى ومضة الامل المشتعلة في الحياة رغم كل ما يحيطها من موت وخراب وكراهية .

القصيدة

وجعٌ كلي ّ وتبصر دائم في الكون والأنسان والوجود

العراق

الوهم الذي لا يغادرني ..