المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج وإشكالية التمثيل الوطني بقلم: د. نايف جراد
تاريخ النشر : 2017-02-26
 المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج وإشكالية التمثيل الوطني

بقلم: د. نايف جراد

الأصل في عضوية المجلس الوطني الفلسطيني هو الانتخاب كما ينص على ذلك نظام انتخاب أعضاء المجلس الوطني الصادر عن الدورة الثانية للمجلس عام 1965، لكن إجراء الانتخابات لم يكن ممكنا على أرض الواقع، بسب ظروف الشتات ومواقف الدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين، وسياساتها تجاه القضية الفلسطينية، بل إن مقرات مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية التي افتتحت في القدس باعتبارها المقر الرئيسي للمنظمة تم إغلاقها واعتقال القائمين عليها، فأقيمت في أقطار أخرى بعيدا عن فلسطين. وظلت كيفية تمثيل تجمعات الشعب الفلسطيني المختلفة هما فلسطينيا، عولج بأشكال ديمقراطية متنوعة، كعقد اجتماعات موسعة، كما فعل أحمد الشقيري، أو التوافق على اختيار من لهم صفات تمثيلية أو اعتبارية كأعضاء برلمان أو رؤساء بلديات وجامعات ومؤسسات وجمعيات، أو ك" الكوتا" الفصائلية، وتمثيل أعضاء الهيئات المنتخبة للاتحادات الشعبية في المجلس الوطني والمركزي، واللجوء أحيانا، وخاصة في الثمانينيات، لتنظيم مؤتمرات أو لقاءات شعبية موسعة لاختيار أو انتخاب ممثلي التجمع المعني لعضوية المجلس الوطني، كما حصل في الكويت و قطر والأردن والولايات المتحدة والبرازيل وتشيلي وغيرها.

إشكاليات تمثيل الداخل والخارج في المنظمة

بغض النظر عن أية ملاحظات حول  طريقة اختيار أعضاء المجلس وعدالة التوزيع لممثلي التجمعات الفلسطينية طوال الفترة ما قبل اتفاق أوسلو عام 1993، إلا أنه كان يلمس حرصا على تمثيل كل مكونات الشعب الفلسطيني بغض النظر عن انتماءاتهم. وكان يحرص على مشاركة واسعة في القرار ورسم السياسات، وخاصة في الظروف الحرجة، ومثال ذلك اللجوء لعقد مؤتمر شعبي مثلت فيه كل تجمعات الشعب الفلسطيني سبق انعقاد الدورة الاستثنائية للمجلس الوطني في نيسان عام 1972، وقد حضره 550 عضوا غير أعضاء المجلس الوطني ومثلت فيه الأرض المحتلة ب100 عضو. وفي ظروف لاحقة، وعندما تكرس الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني عربيا ودوليا، وتوسع الاعتراف بها وإقامة العلاقات معها، وزادت مهماتها، قرر المجلس الوطني في دورته الثالثة عشرة عام 1977 تعزيز التمثيل الوطني عبر رفع نسبة تمثيل المنظمات الشعبية في المجلس الوطني الفلسطيني وتمثيل من لم يكن يمثل منها سابقا كاتحاد الكتاب والصحفيين، بحيث وصل عددها الى 9 اتحادات وتشكيلات يمثلها في المجلس 51 عضو، كما وثبتت نسبة تمثيل الداخل إلى 100 عضو، ومثلت ولأول مرة تجمعات جديدة كالسعودية، والعراق، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، وليبيا، والجزائر، والمغتربين في الولايات المتحدة الأمريكية وأميركا اللاتينية. كما مثلت مخيمات اللاجئين في الأردن وسوريا ولبنان والمبعدين من الأرض المحتلة. وهكذا وصل عدد أعضاء المجلس الوطني إلى 293 عضوا عدا عن ال100 عضو من الداخل الذين لم يحتسبوا من النصاب.

 كانت مسألة تمثيل الداخل الفلسطيني ما قبل اتفاق أوسلو عام 1993، معضلة كبيرة تطرح ذاتها على الفصائل الفلسطينية ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية. ومن المعروف أن أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني بعد عام 1967 قد حرموا من المشاركة فيه، لكن المنظمة احتفظت للداخل بحصته كما ذكر آنفا بعدد 100 عضو دون تسميتهم، ثم رفع العدد إلى 122 عضوا. وفي الدورة الخامسة عشرة للمجلس الوطني المنعقدة في دمشق بعد اتفاق كامب ديفيد عام 1979، اتخذت المنظمة قرارا باعتبار الجبهة الوطنية هي الذراع الأساسي الفعال للمنظمة في الداخل، وقررت زيادة نسبة تمثيل المنظمات الشعبية بما يتناسب وحجمها القاعدي. وفي عام 1981 تقرر أن تكون حصة الداخل 180 عضوا، ولم يتم إعلان أسمائهم لدواعي أمنية ولم يعتبروا من نصاب انعقاد المجلس.

ولئن كانت التنظيمات الفلسطينية قد أوجدت آليات لمشاركة الداخل في هيئاتها القيادية وقراراتها، فإن الداخل إجمالا ظل على المستوى الوطني العام بعيدا إلى حد ما عن المشاركة المباشرة في القرار.

ولعل مسألة مكان مركز القرار الوطني هي مشكلة تاريخية في مسيرة الكفاح الوطني الفلسطيني، بسبب الشتات وانتقال القيادة الفلسطينية من ساحة إلى أخرى بسبب ظروف النضال الوطني الفلسطيني، حيث كانت البداية في الأردن من ثم انتقلت إلى لبنان وأخيرا إلى تونس قبل أن تقام السلطة الوطنية الفلسطينية. ومن الطبيعي مع قيام السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة أن ينتقل مركز الثقل القيادي للداخل، وبالتالي ينتقل معه مركز القرار الوطني. وقد سبق هذا الانتقال، حدث تاريخي كبير ألا وهو الانتفاضة الشعبية الكبرى عام 1987، التي نقلت ثقل النضال الوطني الفلسطيني إلى الداخل، ومع قيام السلطة باتت ساحة الداخل هي التي يتقرر فيها المصير الوطني.

وإجمالا، وحتى عام 1992، ورغم الخلافات الفكرية والسياسية والتنظيمية بين فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، والتي وصلت أحيانا حد الاقتتال الذي رفضه الجميع، كان ثمة حرص على وحدة الكيانية الوطنية والتمثيل الوطني ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية، واعتبرت المنظمة الانجاز التاريخي الأبرز الذي حققته الثورة الفلسطينية، والذي يجب التمسك به والحفاظ عليه. وكانت فصائل المنظمة ومعظم النشطاء الفلسطينيين المتواجدين في التجمعات المختلفة يشاركون في عضوية الاتحادات الشعبية ويتمسكون بوحدتها رغم كل الخلافات على سياساتها والتمثيل فيها، وكانت تلك الاتحادات تمثل فعلا قواعد شعبية منتشرة بشكل واسع في شتى البقاع، تنظم الفلسطينيين وتجمعهم وتوصل صوتهم للرأي العام الفلسطيني والعربي والدولي. لكن الوضع لم يبق عليه بعد اتفاق أوسلو وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية، حيث عادت معظم قيادات فصائل المنظمة الأساسية وقيادات التنظيمات الشعبية للداخل، وترك فراغ في الخارج عرضة لمن يستطيع أن يسده.

وقد نبهت بعض الفصائل الفلسطينية وقيادات سياسية وبعض الكتاب الفلسطينيين لخطورة تداعيات انتقال مركز القرار إلى الداخل، داعية إلى ضرورة الحرص على وحدة الشعب الفلسطيني، بما تعنيه كوحدة قضية وأهداف وتمثيل وحقوق وكيانية، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل تجمع من تجمعات الشعب الفلسطيني وأولوياته الكفاحية والاقتصادية والاجتماعية، محذرين من إهمال منظمة التحرير الفلسطينية ومؤكدين على تفعيل دور هيئاتها ومؤسساتها ودوائرها وممثلياتها وسفاراتها وقواعدها الشعبية( الاتحادات الشعبية) للقيام بمهامها على أكمل وجه في رعاية فلسطينيي الشتات ومشاركتهم في النضال الوطني و حمايتهم والدفاع عن حقوقهم، وإسناد وتعزيز ودعم الداخل بكل أشكال الدعم الممكنة، ناهيك عن ضرورة الحفاظ على المنظمة وحمايتها من محاولات التهميش وتحسبا من مآلات التسوية السياسية. وفي هذا السياق، كانت القرارات الحكيمة للرئيس الراحل ياسر عرفات بإبقاء المقرات الرئيسية لبعض هيئات ومؤسسات منظمة التحرير الرئيسية في الخارج، كالمجلس الوطني والصندوق القومي والدائرة السياسية والدائرة العسكرية والأمن الخارجي، وكذلك الربط، الذي تم بعد جدل واسع على هامش صياغة قانون الانتخابات لعام 1995، بين المجلسين الوطني والتشريعي والذي حافظ نسبيا على وحدة المؤسسة التشريعية العليا للشعب الفلسطيني، فاعتبرت انتخابات التشريعي هي انتخابات للمجلس الوطني حيث تهيأت الظروف بناء على المادتين"5" و"6" من النظام الأساسي لمنظمة التحرير، وتم التأكيد على اعتبار أعضاء المجلس التشريعي المنتخبين أعضاء طبيعيين في المجلس الوطني ولم يجعل من المجلس التشريعي للسلطة بديلا للمجلس الوطني، رغم محاولات أعضاء من التشريعي وبعض القيادات فك ذلك الارتباط وانتزاع الدور لصالح التشريعي. وبقيت منظمة التحرير الفلسطينية هي المرجعية السياسية الوطنية العليا التي تمثل الشعب الفلسطيني بأسره. وقد حدث خلل كبير على هذا الصعيد، يتعلق بفلسطينيي الداخل عام 1948، الذين وبسبب الاعتراف المتبادل بين المنظمة وإسرائيل والاتفاقات الموقعة باتوا رسميا خارج هذا التمثيل وإن كان استمر الحرص على تعزيز العلاقة معهم ومع ممثليهم وإشراكهم بطرق مختلفة في الرأي والاستفادة من طاقاتهم في بناء المؤسسات الفلسطينية.

ولئن كان انتقال مركز الثقل  الوطني للداخل قد عني أن تتركز الجهود والإمكانيات في الداخل لبناء مؤسسات السلطة ورعاية شؤون المواطنين في مناطق السلطة الفلسطينية، باعتبار أن هذه المنطقة هي إقليم الدولة الفلسطينية المنشودة، والذي أدى إلى انخراط واسع في بناء أنوية مؤسسات هذه الدولة لدرجة الدخول في تحدي أمام العالم والأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمانحين، لإثبات الجدارة في بناء مؤسسات دولة عصرية. وقد تصرف البعض وكان قيام وتجسيد الدولة قاب قوسين أو أدنى، وتعاطى مع طروحات حاولت المساومة على الدولة مقابل حقوق أخرى كحق عودة اللاجئين. وبناء عليه ولسوء تقدير حول مسيرة التسوية السياسية،وما ولدته السلطة من مصالح، أهملت مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وتجمعات الفلسطينيين في الشتات، بل وألحقت المنظمة بالسلطة كبند متواضع في إطار الموازنة، ووضعت ممثلياتها في الخارج تحت مسؤولية وزارة خارجية السلطة بديلا للدائرة السياسية التي بقي مقرها في تونس. وهكذا أهمل الخارج، بوعي أو دون وعي.

وقد لعب موضوع تأجيل قضية اللاجئين إلى الحل النهائي إلى جانب قضايا أساسية أخرى كالقدس، والتمييز بين لاجئ ونازح، دورا في تولد شعور لدى اللاجئين الفلسطينيين بأن ثمة إجحاف قد لحق بهم جراء ذلك، وخاصة مع بروز أطروحات جديدة بشأن قضية اللاجئين تركز على التعويض والتوطين واختيار أماكن إقامة بديلة واقتصار تحقيق العودة في أحسن الأحوال إلى المناطق التي من المفترض أن تقام عليها دولة فلسطين. وقد ازداد تفاقم هذه المشكلة بعد ما لحق باللاجئين الفلسطينيين في بعض التجمعات من مآسي جديدة وتهجير قسري جديد وتشريد، كما حصل مع فلسطينيي العراق، ولاحقا سوريا، وكما حصل مع فلسطينيي لبنان والكويت وليبيا قبلهم. ولعل هذا المستجد هو ما دفع نشطاء اللاجئين للتحرك وتنظيم المؤتمرات الشعبية وتفعيل مؤسساتهم وإنشاء الجديد منها التي تدافع عن حقوق اللاجئين وفي مقدمتها حق العودة للديار والممتلكات الأصلية، ورفض التوطين والتعويض، والمطالبة بالحماية الدولية للاجئين على أساس القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. وقد نجح هذا الحراك في دفع المنظمة للاهتمام بدائرة شؤون اللاجئين واعتبارها دائرة مركزية في الداخل والخارج، ونتج عنه ظهور عدد كبير من مؤسسات الدفاع عن حق العودة ولجان إحياء ذكرى النكبة واللجان الشعبية في المخيمات في الوطن والشتات، وإلى جانبها بعض مراكز الأبحاث والمؤسسات والجمعيات غير الحكومية التي تعنى بقضية اللاجئين. ولكن الملاحظ أنها جميعها، ورغم الخلافات والتعارضات فيما بينها، ورغم ملاحظاتها على وضع المنظمة بعد أوسلو والإجحاف بحق اللاجئين، أجمعت على التمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده.

الحركة الإسلامية وإشكالية التمثيل

بعد ذلك التاريخ، ومع نشأة حركة المقاومة الإسلامية حماس وتعزز دورها في الساحة الفلسطينية وإلى جانبها حركة الجهاد الإسلامي، حدث تغير نوعي في العلاقات الفلسطينية الفلسطينية، حيث أن عدم اعتراف حماس بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، أدى إلى صراع على التمثيل الوطني. وقد دلت  مواقف وسياسات حماس، أنها تسعى لتشكيل بديل للمنظمة ينتزع تمثيلها الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وفي أحسن الأحوال، إعادة بناء وهيكلة المنظمة بما يسمح بوجود قوي وفعال لحماس في قيادتها يغير كليا برنامجها السياسي ومواقفها. وقد حاول الرئيس الراحل ياسر عرفات امتصاص هذه الرغبة عبر تمثيل حماس في المجلس الوطني في دورته الحادية عشرة المنعقدة في غزة عام 1996، لكنها رفضت، وقام أيضا بتمثيل تنظيمات سياسية إسلامية نشأت مع بداية السلطة كحزب المسار الإسلامي وحزب الخلاص الإسلامي المحسوبين على حماس في المجلسين الوطني والمركزي، وأقدم خليفته الرئيس محمود عباس لاحقا على خطوة جريئة بإدخال حماس في اللعبة الديمقراطية الداخلية وإشراكها في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006، بعد أن كانت قد رفضت المشاركة فيه سابقا باعتباره من إفرازات أوسلو. وقد جرى ذلك في إطار اتفاق المصالحة الذي تم برعاية مصرية عام 2005، ووثيقة الأسرى والوفاق الوطني التي تم تبنيها رسميا من قبل السلطة الفلسطينية عام 2006. وهكذا ومع نجاح حماس في الانتخابات وحصولها على أغلبية المجلس التشريعي وتشكيلها لحكومتها، باتت جزءا لا يتجزأ من النظام السياسي الفلسطيني للسلطة الوطنية، التي تعتبر ذراع منظمة التحرير الفلسطينية في الداخل. لكن حماس لم تعترف بالسلطة كذراع للمنظمة، وطالبت بإعادة بناء و تشكيل المنظمة ومشاركتها فيها بحصة تعادل نسبة ما حصلت عليه في المجلس التشريعي، ورفضت وحتى آخر لحظة اعتبار أعضاء المجلس التشريعي المنتخبين أعضاء في المجلس الوطني الفلسطيني. وانقلبت حماس على اللعبة الديمقراطية حين استولت بالقوة والعنف على السلطة في غزة في صيف عام 2007. وهكذا انقسمت الساحة الفلسطينية انقساما كبيرا أثر بشكل خطير على وحدة التمثيل الفلسطيني، وتم استغلاله استغلالا كبيرا من قبل دولة الاحتلال وأطراف إقليمية ودولية، وسمح بتدخلات واسعة في الشأن الفلسطيني.

جرت محاولات عديدة لرأب الصدع كاتفاق مكة المكرمة للمصالحة عام 2007 برعاية سعودية، ووثيقة القاهرة للوفاق والمصالحة عام 2009 واتفاق المصالحة الفلسطينية عام 2011، وإعلان الدوحة برعاية قطرية عام 2012 واتفاق المصالحة برعاية مصرية عام 2013 ، واتفاق الشاطئ عام 2014. وبعد ذلك توصلت الأطراف المختلفة إلى تفاهمات وآليات لتنفيذ الاتفاقات الموقعة، ومنها تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية والإطار القيادي المؤقت، الذي نصت على تشكيله الاتفاقات السابقة، على طريق إجراء انتخابات المجلس الوطني في الداخل والخارج إلى جانب الانتخابات الرئاسية والتشريعية.

وبعد وصول المفاوضات إلى مأزق حاد بسبب التعنت والمواقف والسياسات الإسرائيلية وخاصة الاستيطانية والتهويدية في الضفة الفلسطينية، في ظل ظروف اقليمية ودولية ملائمة لها، ومع استمرار حصار غزة، وطرح مشاريع جديدة بشأن القطاع تقترح قيام الدولة الفلسطينية فيه بعد توسيعه على حساب سيناء، ومع غياب دور المجلس التشريعي وشلل مؤسسات المنظمة ومع الامتعاض الشعبي من استمرار الانقسام وعدم إتمام المصالحة، ومع حدة الهجمة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني والتقاء مصالح دولة الاحتلال مع مصالح بعض دول الإقليم المتنفذة العربية وغير العربية كتركيا التي أعادت تطبيع علاقاتها بإسرائيل، باتت تطرح مسائل شرعية المؤسسات الفلسطينية كافة بشكل واسع، وإلى جانبها تطرح مسألة وراثة الرئيس أبو مازن.

وقد لعبت الخلافات مع النائب المفصول من فتح محمد دحلان دورا في إذكاء الخلافات وترويج سيناريوهات ما بعد أبو مازن. واستطاع دحلان بعلاقاته الإقليمية وخاصة مع الإمارات و مصر أن يمهد الأرضية لانفتاح مصر على قطاع غزة وحماس وأن يعقد مؤتمرات ولقاءات في مصر بعيدا عن السلطة والمنظمة ضاربا على وتر أهمية وضرورة فك الحصار، وهو ما فسر من السلطة كمحاولة عبث في الساحة الفلسطينية ومساسا بالشرعية.

في هذه الأجواء عقدت حركة"فتح" مؤتمرها الوطني العام واستطاعت مواجهة التحدي بتجديد الشرعية التنظيمية لرئيس الحركة وقياداتها، وقامت بعدها اللجنة المركزية المنتخبة بانتخاب محمود العالول نائبا لرئيس الحركة وجبريل الرجوب أمينا للسر.

سبق ذلك ندوة نظمها "مركز الجزيرة للدراسات" حول " التحولات في الحركات الإسلامية" في أيلول عام 2016، وفي مداخلته في الندوة، اعترف خالد مشعل ولأول مرة بخطأ حركته وخطأ الحركات الإسلامية عموما في تعاملها مع "الثورات" في المنطقة العربية حين تبنت "نظرية البديل" مؤكدا " أن حماس أخطأت حين استسهلت حكم غزة بمفردها.." وأن الطريق السليم هو الشراكة مع كل شرائح الوطن.

وأثناء انعقاد مؤتمر فتح تفاءل الفلسطينيون خيرا بحضور وفد ضيف من حماس وإلقاء كلمة لرئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل أكدت على ضرورة إنهاء الانقسام وإنجاز المصالحة و الشراكة الوطنية.

وفي أعقاب مؤتمر فتح، اتفق فلسطينيا على دعوة اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني للانعقاد، وتسهيلا لحضور الجميع بمن فيهم حماس والجهاد الإسلامي، عقدت اللجنة اجتماعها في بيروت يومي 10 و11 فبراير 2017 برئاسة رئيس المجلس الوطني السيد سليم الزعنون. وأكد البيان الختامي للجنة على ضرورة تجسيد الوحدة الوطنية في إطار منظمة التحرير الفلسطيني الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. و اتفق المجتمعون على ضرورة عقد المجلس الوطني الفلسطيني، بمشاركة القوة الفلسطينية كافة وفقا لإعلان القاهرة 2005 واتفاق المصالحة الموقع في 4/5/2011 من خلال الانتخاب، حيثما أمكن، والتوافق حيث يتعذر إجراء الانتخابات.  كما اتفق المجتمعون على ضرورة تنفيذ اتفاقات وتفاهمات المصالحة كافة بدءً بتشكيل حكومة وحدة وطنية تضطلع بممارسة صلاحياتها في جميع أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية بما فيها القدس وفقا للقانون الأساسي والقيام بسائر المهام الموكلة ليها بموجب اتفاق المصالحة بما في ذلك توحيد المؤسسات واستكمال إعمار قطاع غزة وحل مشكلاته والعمل الحثيث من أجل إجراء الانتخابات للرئاسة والمجلسين التشريعي والوطني.

المؤتمر الشعبي: رافد جديد أم بديل؟

 تشير تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أن عـدد الفلسطينيين في نهاية عام 2016 فـي العالم  وصل حوالي 12.70 مليون فلسطيني، يتوزعون بواقع 6.41 مليون فـي فلسطين التاريخية، أي ما نسبته 50.47% مـن إجمـالي عـدد الفلسـطينيين فـي العالم، والباقي يعيشون في الخارج ونسبتهم حوالي 49.5%، ومنهم حوالي 5.59 مليون يعيشون في البلدان العربية، أي ما نسبته 44.0%، والباقي وعددهم 696 ألفا يعيشون في دول أجنبية ونسبتهم 5.5% من تعداد الشعب الفلسطيني.

ولعل الاستخلاص السريع من هذه الأعداد والنسب، هو أن للخارج وزنه الكبير في تعداد الشعب الفلسطيني يكاد يصل إلى النصف. ومن باب الحسابات الميكانيكية في مسألة التمثيل السياسي الفلسطيني، يفترض البعض أن الخارج يجب أن يمثل في المؤسسات الفلسطينية التمثيلية بالنصف. وينطلي هذا المنطق الشكلي على البعض، فيأخذ بالصراخ مطالبا بذلك.

ذات المنطق يتحدث عن وجود كفاءات وطاقات هائلة للفلسطينيين في الشتات، وأن هذه الكفاءات والطاقات يجب أن يهتم بها وتنظم جهودها ويستفاد منها، وهذا صحيح تماما أيضا، ولكن ألا توجد أطر واتحادات شعبية وجمعيات ومؤسسات تعمل في كل الأقطار العربية والبلدان الأجنبية يمكن الانخراط فيها أو التعاون معها لتوحيد الجهود في سبيل تنظيم أفضل للجاليات والتجمعات؟ أو لا يوجد هنالك سفارات وممثليات لفلسطين أو دوائر لمنظمة التحرير كدائرة شؤون اللاجئين ودائرة المغتربين، يمكن التعاون معها في سبيل المزيد من الاهتمام وتوفير الإمكانيات والعناية بهموم كافة الشرائح و المساهمة في وضع الحلول للمشاكل المطروحة؟

هل السؤال المطروح هو كيف ينظم الفلسطينيون في الشتات أم من ينظمهم؟ وهل هو: كيف توحد جهود الفلسطينيين أم من يمثلهم. وهل هو: كيف يمكن تعزيز وتطوير إشراك فلسطينيي الشتات في القرار الوطني أم كيف يمكن أن تتشكل البدائل للمؤسسات الوطنية القائمة؟ وهل هو : كيف يمكن تعزيز التمسك بحق العودة والمطالبة به وببقية الحقوق أم من يمثل اللاجئين؟

نعم السؤال هو كيف ينظم فلسطينيو الشتات ويفعل عملهم الشعبي والنقابي وتوحد جهودهم وتعالج همومهم ويستفاد من طاقاتهم و ضرورة تعزيز مشاركتهم في القرار الوطني والتعبير عن تمسكهم بحق العودة والمطالبة بحقوقهم السياسية والمدنية أيضا في البلدان التي يقيمون فيها. أما من يقوم بذلك ومن المفترض أن يقوم بذلك، فهذه مسؤولية الجميع. وإذا كان الجميع حريصا على توحيد الجهود ومبدأ الشراكة، فإن العنوان المفترض التوجه إليه هو منظمة التحرير الفلسطينية  والأطر والاتحادات العامة التي تجمع الجميع. ولقد حاول نشطاء الجاليات الفلسطينية في أوروبا وغيرها من القارات أن يشكلوا أطرا موحدة للفلسطينيين،  كلجان حق العودة والائتلاف الفلسطيني العالمي لحق العودة ومؤتمر فلسطينيي أوروبا وأمريكيا وتجمع الشتات الفلسطيني ومجموعات"عائدون" والاتحاد العام للجاليات الفلسطينية في أوروبا ورابطة اللاجئين الفلسطينيين في دول الاتحاد الأوروبي وغيرها. لكن التجربة دلت على أن حماس كما هي عادتها تاريخيا منذ بداية انطلاقتها ورفضها للانخراط في القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة، مارست مماطلة كبيرة في الانخراط بهذا الفعاليات، وكان يشارك بعض نشطائها فيها في البداية، وكان يتفق معهم على توحيد الجهود في هذه الأطر الموحدة، لكنها تعود وتنفض عن تلك الأطر لتشكل أطرها الخاصة البديلة للأطر الوطنية الموحدة، كمؤتمر فلسطينيي أوروبا ومركز العودة/لندن ومركز العدالة الفلسطيني في السويد وما يسمى ب" التجمع الفلسطيني" في أوروبا والذي يشمل تجمعات للمهنيين كالمعلمين والمهندسين والأطباء وغيرهم.

ما يسمى بالمؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج المنعقد في تركيا لا يخرج عن هذا السياق، وهو يأتي تتويجا لسلسلة مؤتمرات وفعاليات تنظيمية لحماس لتشكيل أدوات جماهيرية مهنية لها في بلدان أوروبا وغيرها من البلدان، تظهر فيها قدراتها وحجمها ووزنها الشعبي، وخاصة بعد ما لحق بالاتجاهات الإسلامية من هزائم وانتكاسات على الصعيد العربي وخاصة في مصر وسوريا وغيرها. وقد سبق هذا المؤتمر قيام حركة الإخوان المسلمين في العالم بتنظيم " المؤتمر الشعبي العالمي لنصرة فلسطين" في تركيا، تقرر فيه " حشد قوى المجتمع المدني في إئتلاف وتحالف شعبي للتضامن مع فلسطين" بهدف " نصرة فلسطين وإعادة إعمار غزة"، و"تنسيق ودعم جهود اللجان وفرق العمل الناشطة في مجال دعم ونصرة فلسطين بالإمكانات و الخيرات المتاحة ". كما دعا المؤتمر إلى إنشاء أطر تحت مسميات" نساء من أجل فلسطين" و" شباب من أجل فلسطين". وفي خطوة تحاكي ما تقوم به منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية ناقش المؤتمر التحرك الدولي على الصعيد القانوني وخرج بتوجهات لمتابعة ذلك في محكمة الجنائية الدولية وغيرها من المحافل والمنابر دون ان يلحظ التنسيق مع الدبلومسية الفلسطينية الفاعلة على هذا الصعيد. وكان النشطاء المحسوبين على حماس قد نظموا في  مركز العودة الفلسطيني بلندن( الذي يترأسه ماجد لزير) والتجمع الفلسطيني بألمانيا مؤتمرا تحت عنوان "فلسطينيو أوروبا والمشروع الوطني الفلسطيني" عام 2015، الذي دعا " لإعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية عبر مجلس وطني فلسطيني منتخب على أساس ديمقراطي في الداخل والخارج". وقد حاول المنظمون إضفاء الصفة الوطنية العامة على المشاركين من خلال إتاحة المجال لحضور عدد من الشخصيات والقيادات الفلسطينية غير المحسوبة على التيار الإسلامي، لكن معظم المتحدثين والضيوف والكلمات الرئيسية والمنابر الإعلامية التي ساهمت في المؤتمر كانت محسوبة على ذلك التيار وعلى المحور القطري التركي.  وكتمهيد لمؤتمر فلسطينيي الشتات نظمت حماس مؤتمرا باسم" مؤتمر فلسطينيي تركيا وقضايا الوطن" في تموز 2016، ترأس لجنته التحضيرية محمد مشينش، وتحدث فيه سفير دولة فلسطين والدكتور مصطفى البرغوثي أمين عام المبادرة الوطنية. وأخذ المؤتمر طابعا وطنيا عاما ضم مختلف الاتجاهات وألوان الطيف الفلسطيني. وشمل فعاليات تتعلق بالعمل النقابي والنساء والشباب.

ومن الملاحظ أن مركز الجزيرة للدراسات، وقناة الجزيرة القطرية، ومركز الإعلام الفلسطيني المحسوب على حماس، ومركز الزيتونة للدراسات وغيرها من المنابر الإعلامية والبحثية عملت بجهد كبير وحرفية في الترويج لانعقاد تلك المؤتمرات والتعريف بها وبمخرجاتها.

ويبدو أن " المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج" يأتي كتتويج لتلك الجهود، مترافقا مع تصريحات لقادة حماس تدعو لتفعيل الخارج وتحركات إقليمية متزايدة ضاغطة على الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية.

الجديد في الأمر أن منظمي المؤتمر يزعمون أنه وطني جامع يشمل كل ألوان الطيف الفكري والسياسي ومختلف الانتماءات، وأنه ليس بديلا لأحد ولا يستهدف خلق بدائل لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأن اختيار مكانه( تركيا) جاء لاعتبارات لوجستية وليس انحيازا لخيار أو محور. وربما قد انطلت هذه الإدعاءات على بعض القيادات والنشطاء الفلسطينيين، الذين لا يشك بانتماءاتهم وولاءاتهم وحرصهم على منظمة التحرير الفلسطينية، كما حصل في لبنان مع صلاح صلاح ود. حسين أبو النمل وقاسم عينا وصلاح اليوسف ود. صلاح الدين الدباغ، أومع أنور مخلوف وأليكس قطان من فلسطينيي تشيلي، أو الدكتور سلمان أبو ستة ود. أنيس القاسم وعطا الله صالح سعيد ود. غادة الكرمي من بريطانيا، أو مع وداد العاروري  من الأردن، أو د. سعيد خالد الحسن من المغرب. فالمتمعن بالشخصيات الأساسية التي تقف وراء تنظيم هذا المؤتمر والناطقين باسمه والمروجين له، هم في أغلبيتهم الساحقة من حماس وأصدقائها وحركة الإخوان المسلمين والمحسوبين على قطر وقناة الجزيرة، ومنهم ماجد الزير وزياد العالول  ومحمد مشينش وعصام يوسف ومنذر رجب وهيثم عبد الهادي ويسري عقيل وأسامة الأشقر ووائل أبو هلال وزاهر البيراوي وغيرهم. وإلى جانبهم بعض منظري هذا التيار وفي مقدمتهم د. منير شفيق، ود. بشير نافع،  ود. محسن محمد صالح ومن يتعاونون معهم من إعلاميين وكتاب يعمل معظمهم مع قناة الجزيرة كأحمد الشيخ وخليل شعث وجمال ريان  وروان الضامن  وناديا سعد الدين. وليس من الصحيح أن دعوة بعض الأشخاص من هذا البلد أو ذلك تعني بأن الفلسطينيين فيه ممثلين بشخصهم.

وما لم يقله الناطق الإعلامي باسم اللجنة التحضيرية للمؤتمر زياد العالول، قاله المتحمسون له الذين يريدون تصفية حسابات مع منظمة التحرير الفلسطينية أمثال شاكر الجوهري، الذي قال حرفيا: " يفرض على المؤتمر اتخاذ قرارات حاسمة لإطار فلسطيني دائم، بديل لمنظمة التحرير الحالية" وطالب الجوهري المؤتمر" بإصدار بيان يعلن سحب الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل ، وسحب اعتراف الشعب الفلسطيني بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد".

ويبدو أن حضور شخصيات وطنية وازنة كالتي ذكرت سابقا ممن هم ليسوا بمحسوبين على التيار الاسلامي، بل القومي، له هذف التغطية على المرامي الحقيقية للمؤتمر. وقد نبه الدكتور ابراهيم حمامي الذي يعتبر من غلاة المتطرفين في التيار الاسلامي، عن أمله في أن يخرج المؤتمر " بآليات تمثيل شرعية كبيرة من الشعب الفلسطيني باتت خارج الحسابات السياسية للمتحكمين بالقرار السياسي الفلسطيني" رافضا المشاركة بالمؤتمر وحضور تلك الشخصيات الوطنية حتى لا تلمع، وهو في الحقيقة يعبر عن جزء من واقع الشتات حيث تبحث بعض الشخصيات عن دور لها في مختلف المنابر والمحافل.

ومن المعروف أن المؤتمر وحسبما جاء في وثائقه يخطط منظموه ليخرج عنه تمثيل سياسي وتشكيل لجان وهيئة عمومية وهيئة إدارية ومؤتمرات دورية تعقد كل سنتين أو ثلاثة.

وقد تنبهت بعض الشخصيات الوطنية التاريخية  وقادة الجاليات الفلسطينية في الخارج لمخاطر المؤتمر، فالقائد يحيى حمودة عرف بخبرته وحسه أن " الجهة القيادية التي تقف وراء المؤتمر هي الإخوان المسلمين"، وتساءل من أين لمنظميه كل هذه الأموال التي ستصرف على الإقامة والطعام والترويح في الفنادق الفخمة في تركيا، وقال محقا" فالذي يدفع للزمار يحدد النغمة". أما مازن الرمحي رئيس اللجنة التنفيذية للاتحاد العام للجاليات الفلسطينية في أوروبا، فاعتبر أن المؤتمر يهدف لخلق جسم مواز او بديل لمنظمة التحرير الفلسطينية، مؤكدا أنها محاولة حتما ستبوء بالفشل، داعيا إلى دق ناقوس الخطر تجاه أداء قيادات منظمة التحرير الفلسطينية ومسؤولياتها في التعامل مع الشتات وأطره الوطنية، معتبرا أن الإهمال والتهميش وعدم التمثيل السليم في مؤسسات منظمة التحرير، وغياب الدعم المادي للأطر الفاعلة في الشتات، أدت إلى ترك الباب مفتوحا على مصراعيه لكل العابثين..".

وختاما، يضم الكاتب صوته ليحيى حمودة ومازن الرمحي، محذرا من خطورة هذا المؤتمر على التمثيل الوطني الفلسطيني الجامع التي يمثله المجلس الوطني ومنظمة التحرير الفلسطينية، وهو ما يدق ناقوس خطر فعلي يفرض على قيادة المنظمة أن تتحرك سريعا لمواجهة هذا التحدي والعمل على تفعيل هيئات ومؤسسات المنظمة وتجديد شرعيتها ديمقراطيا عبر انتخابات شاملة للداخل والخارج.