الاختلاف الايديولوجي بقلم: علي الكاش
تاريخ النشر : 2017-02-20
الاختلاف الايديولوجي

علي الكاش
‏1. إشكالية مصطلح الإرهاب وربطه بالإسلام حصرا
افرزت الأوضاع الدولية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الكثير من المصطلحات التي إعتاد ‏رجال السياسة إستخدامها في أحاديثهم وحواراتهم، وكذلك وسائل الإعلام الدولية في تغطية ‏الأخبار، على الرغم أن بعضها غير ناضج ويحتاج الى المزيد من التوضيح كي يمكن الخروج ‏منه بتعريف دقيق يتوافق مع الحقائق على الأرض. وأبرز هذه المصطلحات هو (الإرهاب). من ‏المؤسف ان هذا المصطلح رُبط بطريقة مجحفة بالإسلام، في الوقت الذي يصر حتى الساسة ‏أنفسهم بالقول ان الإرهاب لا يرتبط بدين ومذهب وجنس وقومية ولون ودولة، لكن عندما يقوم ‏مسلم بعملية إرهابية، تطلق أبواق الأعلام على الفور مصطلح (الإرهاب الإسلامي)، وعندما يقوم ‏مسيحي او يهودي بعملية إرهابية، فلا تطلق مصطلح (الإرهاب اليهودي) و(الإرهاب المسيحي) ‏مع ان هذه العمليات تدخل في خانة الإرهاب. فلماذا هذه الإزدواجية في التعامل مع مفهوم ‏الإرهاب؟ ‏


سنحاول تفكيك المصطلح على ضوء التغييرات الحالية في المشهد السياسي الدولي، وانفراد ‏القطب الأمريكي في تصنيف المصطلحات السياسية وفقا لمصالحه الخاصة ورؤية مفكريه، إنها ‏بلا شك إرادة القوة والنفوذ وربما الغطرسة، أو ما أطلق عليه النظام الإيراني قوى الإستكبار ‏العالمي. وربما الأوضاع السائدة في ايران والعراق وافغانستان وسوريا واليمن ولبنان وتداخل ‏وتشابك العلاقات بين الولايات المتحدة الامريكية من جهة، وروسيا من جهة أخرى مع هذه ‏المجموعة الحاضنة او المصدرة للإرهاب، يلقى ظلالا جزئيا على تعريف الإرهاب، أو على أقل ‏تقدير التقرب من المفهوم. وهناك حاجة ماسة لتحديد خصائص الإرهاب واسبابه ومصادر تمويله ‏وكيفية التعامل معه بصورة صحيحة في حال توفر الجدية والجهود الحقيقية لمحاربته. ‏
إذا اخذنا بوجهة نظر الولايات المتحدة الامريكية واوربا في ربط الإرهاب بالإسلام، فأن من يدفع ‏ثمن الإرهاب هم المسلمون أنفسهم، والدماء الامريكية والأوربية التي اراقها الإرهاب ليس سوى ‏قطرة من نهر الدماء العربي والإسلامي المراق يوميا بل وفي كل ساعة. كما ان الحرب على ‏الإرهاب تجري على الساحة العربية والإسلامية وليس على الساحتين الامريكية والأوربية، ‏والثروات التي تستنزفها عمليات محاربة الأرهاب يتحمل وطئتها الرئيسة العرب والمسلمون، ‏والأضرار التي خلفها الإرهاب في الولايات المتحدة واوربا لا تعادل عشر ما تعرضت له الدول ‏العربية والإسلامية، بمعنى ان ضحية الإرهاب هم بالدرجة الأساس المسلمون أنفسهم، وليس من ‏الإنصاف ان تُلصق صفة الإرهاب بالمسلمين، طالموا هم من أبرز ضحاياه.‏
مع بروز الإدارة الامريكية الجديدة بزعامة ترمب، تصاعدت الحملات الإعلامية بين الولايات ‏المتحدة الامريكية والجمهورية الإسلامية الايرانية، في الوقت الذي كانت إداراة اوباما الضعيفة ـ ‏حسب وصف الامريكان أنفسهم ـ قد غضت النظر بشكل مقرف عن توسع الدور الايراني في ‏المنطقة وما رافقه من إضطرابات وعنف وإرهاب، بل وتمزق دول وتحولها الى كيانات هشة ‏كالعراق وسوريا واليمن ولبنان. فقد فتح الصمت الامريكي المطبق الأبواب أمام الدب الروسي ‏على مصراعيها، وفقدت الولايات المتحدة أبرز حلفائها العرب سيما دول الخليج العربي علاوة ‏على تركيا، وسخر النظام الإيراني كل امكاناته لخدمة الدب الروسي بما فيها إقامة قواعد عسكرية ‏على أراضيه، ولكن ما لم يدركه النظام الإيراني في علاقته مع الروس ان المصالح هي الدفة التي ‏تدير العلاقات الدولية، فلا يوجد صديق دائم ولا عدو دائم كما عبر ونستون نشرشل في القرن ‏الماضي، وابرز دليل على ذلك هو تفريط الولايات المتحدة بعلاقاتها مع دول الخليج العربي ‏وتركيا لصالح إيران نفسها، ثم انقلاب الرئيس الامريكي الجديد على النظام الإيراني، فقد أختار ‏طاقم رئاسي معادي للنظام الإيراني، واعتبر الإتفاق النووي أسوأ إتفاق قامت بها إدارة الرئيس ‏السابق أوباما، بمعنى أيام السعد الإيراني قد ولت، وهذا ما عبر عنه (مايكل فلين) مستشار الأمن ‏القومي للبيت الأبيض" كان المجتمع الدولي متسامحا جدا مع سلوك إيران السيء، وقد ولت أيام ‏غض الطرف عن أعمال إيران العدائية تجاه الولايات المتحدة والمجتمع الدولي". كما وصف ‏‏(جيمس ماتيس) وزير الدفاع الأمريكي في 5/2/2017 إيران بأنها" أكبر دولة راعية للإرهاب ‏في العالم، وسط تصاعد التوتر بين البلدين‎.‎‏ وجاءت تعليقات ماتيس بعد يوم واحد من فرض ‏الولايات المتحدة عقوبات على إيران بسبب تجربتها صاروخا باليستيا". ‏
علاوة على ذلك فرضت الإدارة الأمريكية الجديدة‎ ‎أول عقوبة على إيران شملت (13) شخصا و ‏‏(12) شركة في كل من الإمارات العربية المتحدة، ولبنان، والصين، على أساس ان لها علاقة‎ ‎بتزويد إيران بالتكنولوجيا المستخدمة في صناعة الصواريخ الباليستية. كانت العقوبة بمثابة رد ‏مناسب على تجربة إطلاق إيران صاروخ باليستي، وكردة فعل مقابل تلك العقوبات الأمريكية ‏الجديدة أعلنت إيران في 4/2/2017 عن إجراء تدريبات عسكرية جديدة تتضمنها اختبار أنظمة ‏رادار‎ ‎وصواريخ في تحدِ للعقوبات الأمريكية التي فرضتها إدارة الرئيس دونالد. خلال فترة ‏قصيرة تدرأت ايران على تجربة أخرى فُسرت كإستفزاز لإدارة ترمب أو لمعرفة قوة رد فعله ‏انجاهها، فقد قامت بتجربة صاروخية ثانية، من جهتها اعتبرت‎ ‎إدارة ترمب اختبار إيران ‏الصاروخي انتهاكاً للقرار الدولي المرقم (2231) الذي‎ ‎طالب إيران بعدم القيام بأي نشاط له ‏علاقة بالصواريخ البالستية القادرة على‎ ‎حمل رؤوس نووية، وكتب دونالد ترمب تغريدة تحذيرية ‏على تويتر" أن إيران تلعب بالنار، والإيرانيين لا يقدّرون كم كان أوباما طيبًا معهم، أما أنا فلست ‏مثله".‏
ويبدو أن غطرسة إدارة الرئيس الإيراني لا تقل قوة عن غطرسة إدارة الرئيس ترمب، فقد أطلق ‏الرئيس الإيراني تصريحا إستفزازيا لم يحدد الجهة المقصودة، لكنها ليست طلسما غير قابل للحل، ‏لذا جاء رد الرئيس ترمب سريعا في 10/2/2017 مخاطبا روحاني" عليك الحذر!" ويبدو ان ‏النظام الإيراني أدرك بأنه يلعب بالنار، سيما ان الحليف الروسي لايؤتمن جانبه كما توضح في ‏موقفه تجاه ايران وحزب الله في سوريا. سيما بعد أن عبر وزير الخارجية الإيراني (محمد جواد ‏ظريف) عن قلقه من الإدارة الامريكية الجديدة خلال حديث خاص مع جريدة (إطلاعات) الإيرانية ‏بأن" الرئيس الأمريكي يعتبر الإتفاق النووي أسوأ اتفاق مع إيران، لأن الأمريكان اعتادوا على أن ‏يأخذوا أقصى ما يمكن أخذه من الآخرين". ‏
علاوة على ما يدور في أروقة المخابرات الأمريكية والتي عبرت عنها صحيفة (واشنطن بوست) ‏بشأن تصنيف الحرس الثوري الإيراني كتنظيم إرهابي، وقد رفض ( شون سبايسر) المتحدث باسم ‏البيت الأبيض التعليق على هذا الموضوع. وذكر مراقبون بـأن مثل هذا القرار سيكون فريدا من ‏نوعه في الولايات المتحدة حيث تُصنف مؤسسة حكومية على قائمة الإرهاب الدولي، وأن ذلك في ‏حال حدوثه سيعزز موقف المتشددين مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، خلال الانتخابات ‏الرئاسية المقبلة في البلاد.‏
لا يوجد شك بأن وجود الميليشيات المسلحة في المنطقة يعتبر واحد من أبرز أوجه الإرهاب، وان ‏معظم الميليشيات ترتبط بالنظام الإيراني من ناحية الدعم والتدريب والتمويل والتسليح والتجهيز، ‏وهي تخدم أجندة السيطرة والتوسع والإستيطان الإيراني في المنطقة، فالحوثيون في اليمن، وحزب ‏الله في لبنان والشبيحة والميليشيات الشيعية العراقية والباكستانية والأفغانية في سوريا علاوة على ‏وجود حوالي (100) ميليشيا مسلحة خارج القوات المسلحة العراقية بإعتراف رئيس الوزراء ‏العراقي (حيدر العبادي) علاوة على أكثر من (60) ميليشيا حكومية منضوية تحت ما يسمى ‏بالحشد الشعبي في العراق ترتبط إرتباطا مباشرا بالجنرال الإيراني سليماني بإعتراف قادتها، كل ‏هذا يعني إنه على مستوى المنطقة تعتبر إيران فعلا الراعية الأولى للإرهاب المحلي، ولكن على ‏المستوى العالمي وبالرجوع الى التركة الأمريكية الثقيلة في العراق وإفغانستان وسوريا وتأريخ ‏الولايات المتحدة في المنطقة سنجد أن الولايات المتحدة هي الراعية الأولى للإرهاب الدولي.‏
الأمر الذي يثير الغرابة ان هناك تخادم امريكي ايراني محير في المنطقة على الرغم من الضجيج ‏الإعلامي للطرفين، فالنظام الإيراني الذي يعتبر الولايات المتحدة الأمريكية (الشيطان الأكبر)، ‏والولايات المتحدة التي تعتبر النظام الإيراني (محور الشر) كلاهما يتعاونان علنا في العراق! ‏فالولايات المتحدة الأمريكية توفر الغطاء الجوي للميليشيات المرتبطة بالنظام الإيراني في ‏المعارك الدائرة في العراق، ولولا هذا الغطاء الجوي لما تمكنت القوات العراقية والحشد الشعبي ‏من تحرير قرية واحدة بإعتراف سياسيين عراقيين. وهذا التخادم بين الأخوة الإعداء يفند كل ‏الإدعاءات التي يصرح بها زعماء هذه الميليشيات الشيعية ضد الولايات المتحدة بالتناغم مع ‏تصريحات الولي الفقيه في إيران ضد الشيطان الأكبر، وآخرها تصريحات زعيم ميليشيا (أبو ‏الفضل العباس) إحدى تشكيلات الحشد الشعبي، فقد هدد زعيمها (أوس الخفاجي) في ‏‏10/2/2017 بضرب البارجات الحربية الأمريكية في البحر الأحمر، في الوقت الذي تؤمن ‏الولايات المتحدة لجماعته الغطاء الجوي في الحرب على داعش! ولا يخفى على مطلع بأن ‏الولايات المتحدة الامريكية تدعم الميليشيات الحكومية وسبق أن أشادت بدورها في الحرب على ‏داعش مع ان هذه الميليشيات مصنفة بالإرهاب وفقا للتعريف الامريكي من جهة، وميثاق الأمم ‏المتحدة من جهة أخرى. ولا نفهم لماذا يهدد الخفاجي البارجات الامريكية في البحر الأحمر مع ان ‏القواعد الامريكية في العراق بالقرب من مقراته!‏
فقد اكدت منظمة العفو الدولية في تقرير بعنوان (العراق: غض الطرف عن تسليح ميليشيات‎ ‎الحشد الشعبي) نشر في 5/1/2017 بـأنه " منذ حزيران 2014 أعدمت ميليشيات الحشد الشعبي ‏خارج نطاق القضاء٬ أو‎ ‎قتلت على نحو غير مشروع٬ وعذبت واختطفت آلاف الرجال والصبيان،‎ ‎وان بعض هؤلاء تم اقتيادهم من بيوتهم أو أماكن عملهم٬ أو من مخيمات‎ ‎النازحين داخليا٬ أو لدى ‏مرورهم بحواجز التفتيش٬ أو من أماكن عامة أخرى وان‎ ‎الآلاف منهم لا يزالون في عداد ‏المفقودين٬ رغم مرور أسابيع وأشهر وسنوات‎ ‎على اختطافهم". وهنا نقف مشدوهين أمام الدعم ‏الأمريكي للميليشيات العراقية التابعة لإيران، سيما بعد أن صرح العميد ناصر شعباني قائد الفيلق ‏الرابع في‎ ‎منطقة كرمانشاه غربي ايران ومستشار قاسم سليماني في 20/11/2016 أن " اقرار ‏قانون الحشد الشعبي سيمهد الى‎ ‎جعل العراق ضمن الامبراطورية الايرانية القوة العظمى بوجه ‏الولايات‎ ‎المتحدة"!‏
والأمر الآخر الذي يثير الحيرة هو تصنيف الولايات المتحدة لحزب (بي كي كي) التركي كتنظيم ‏إرهابي، من المعروف أن الحكومة الإيرانية والنظام الحاكم في العراق يتعاونان مع هذا التنظيم ‏الإرهابي وفقا للرؤية الامريكية والذي يحتل خطا بطول 100كم يمتد من سنجار الى جبل قنديل ‏منذ عام 2015، وتوفر القوات الأمريكية الغطاء الجوي للتنظيم الإرهابي بحجة محاربة داعش. ‏وقد إعترف نائب رئيس الجمهورية (أسامة النجيفي) في 15/2/2017 بأن الحكومة العراقية" ‏قطعت رواتب حزب العمال التركي بعد الإتفاق الذي أبرمته مع تركيا مؤخرا". في الوقت الذي ‏كانت فيه حكومة العبادي تنكر هذا التعاون والدعم المادي لحزب (بي كي كي). ويبدو على أقل ‏تقدير أن تنظيم الدولة الإسلامية قد جمع ووحد جميع الخصوم والمتصارعين في جبهة واحدة، لذا ‏تاه تعريف الإرهاب في مسالك الأساليب المتناقضة لمحاربته، وصار من الصعب تفهم كيف ‏يُحارب الإرهاب بالإرهاب! ولماذا يدفع المسلمون فاتورته وبقية الدول الفوائد فقط؟ ومن يقف ‏وراء هذا الإقتتال الإسلامي ـ الإسلامي؟ وكيف سُمح لتنظيم الدولة بالتحول من برعم الى شجرة ‏شاهقة في ظل الحرب ضده منذ أحداث سبتمبر، ولماذا لم يجهض خلال تبرعمه؟ كيف نتفهم ان ‏من يحارب الإرهاب هو نفسه متهم بالإرهاب. أسئلة كثيرة لا أجوبه لها، وتداخلات لا يمكن فك ‏رباطها، ربما الأجيال القادمة ستعرفها بعد (25) عاما أو أكثر عندما تسمح الدوائر الأمريكية ‏بالكشف عنها، هذا إذا سمحت فعلا!‏
لكن الحقيقة المؤكدة هي (أن كانت الولايات المتحدة مصنع الأنظمة الفاشلة، فأن النظام الإيراني ‏مصنع الميليشيات الإرهابية التي تدعم تلك الأنظمة الفاشلة).‏
لأن الحديث في هذا الموضوع متعدد الجوانب، ومتشعب الأطراف، لذا سنحاول التركيز على ‏الموقفين الأمريكي والإيراني من الإرهاب، وسنقصر الحديث على موقفهما من تنظيمي القاعدة ‏وخلفه تنظيم الدولة الإسلامية، وهل فعلا إن إيران هي الدولة الأولى في العالم الراعية للإرهاب؟ ‏وسيكون المبحث على شكل حلقات، نبدأها بتعريف الإرهاب ونختمها بالمواقف المتناقضة لتنظيم ‏الدولة تجاه دول المنطقة عموما وإيران بشكل خاص.‏