نزيف التواصل الفكري الحاد
الاتصال الفكري هو لغة عميقة تقوم على تحليل الشخصية واستخراج دفائنها وربطها ظاهريا بالممارسة والسلوك المادي لصاحبها ، لذلك تعتمد قوة الاتصال الفكري على مقدار الثروة الفكرية الباطنية للشخص ومقدار ما يخزنه العقل الباطني من مفردات وسلوك خلال مرحلة حياته السابقه
ويعد الاتصال الفكري الوسيلة الفاعلة التي تعكس الوعي الثقافي للمجتمع عن طريق قياس اهم معطيات الاتصال الفكري وتحليل اهم مخرجاتها والتي تتقاطع بضرورة الحال مع تكرار الافكار والممارسات في المجتمع ، لذلك يشكل المجتمع والبيئة المصدر الخصب لهذا الاتصال وهو ما يدفع به ايجابا او سلبا حسب الاتجاه الثقافي الذي يسود .
ولعل مخرجات الاتصال الفكري الراهن تشير وبدون جدال الى هبوط حاد بمستوى الوعي الثقافي الى درجة يستوي القول معها بوجود نزيف حاد بمستوى الثقافة التي تنتشر في مجتمعنا ، ومما لا جدال فيه ان هذا التدني اثر سلبا في مستوى الحياة الاجتماعية والترابط بمختلف مراحله ، سواء على مستوى الاسرة او مستوى العائلة او المجتمع .
ولا غرابة فيما نجد من تراجع في القيم والمبادئ والاخلاق لدى الكثير مردة الاساسي الاتصال الفكري ، فتشكل فكرة التأثر والتقليد الاطار الاكبر والمحرك الكامن وراء الممارسات السلبية التي انتشرت مؤخرا في المجتمع ، في ظل غيار مرجعيات رقابية اسرية ومجتمعية تحد منها او تحاربها ، وبطبيعة الحال يمثل الجيل القادم الانعكاس الحقيقي لمستوى هذا الاتصال خصوصا في ظل القفزة الكبيرة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي التي اضفت الوعاء الذي تصب فيه كل تلك الأفكار دون حتى فرز او دراسه ، وكأن مواقع التواصل الاجتماعي اضحت اشبه بسلة .... التي يلقى فيها جميع ما يخرج من الافكار بانتظار الاستحسان او الاعجاب ، ولعل الكارثه اصبحت بان يقاس عدد الاعجابات للدلالة على قوة الافكار وعمقها وتفرد صاحبها .
ان الاتصال الفكري يمثل المؤشر الدال على مستوى الوعي الثقافي في المجتمع وهو ما يعكس الواجهة الحضارية للدولة والمجتمع ، وهو امر لا يتوفر والمجتمع الحالي نتيجة تشتت الافكار وانصرافها الى سفاسف الامور التي لا غرض لها ولا نتيجة سوا استنزاف المتلقين واشعارهم بمدى الانحطاط الاخلاقي والثقافي لأصاحبها .
ان تراجع القراءة بمختلف مستوياتها يشكل كذلك عاملا مساندا للتحول السلبي في حياة المجتمع ،فقلما نجدها تمارس خارج الاطار التعليمي لأغراض ثقافية بحته ،بل على العكس من ذلك تجد من المتزمتين حول الكتابات الثقافية يهاجم من يدعو لها ويحث عليها ليظهر نفسه الحارس الوفي على مصالح الناس وانتمائاتهم ليزيد من ليونة الطين ويزيد من الغوص في مستنقع الوحل والرمال
ومما شك فيه ان تلك الممارسات السلبية التي تنقض على المجتمع لم تأت من وحي الفراغ ، بل على العكس من ذلك كان للتواصل الفكري الأثر الكبير في زرع بذرتها وتنميتها عن طريق نقلها للغير كلما امكن ذلك ، دون ان نجد من يقف في طريقها ويعترضها ، ولعل ما شهده المجتمع الفلسطيني في الآونه الآخيرة من قتل وسرقه وتجريح وتمادي وتعدي لهي خير دليل على ما يثبت صحة ذلك .
ولما كانت الثقافة الفكرية هي منبع التفكير للذات وهي دائمة بديمومة البقاء نجد ضرورتها تنصرف الى كافة مراحل العمر ،فهي لا تقتصر على سن معين ،فهي لا تتقيد بزمان او مكان ولا تقف عند شخص بصرف النظر عن انتمائة وجنسه وجنسيته ، لذلك يعتمد بناء الثقافه على مستوى الوعي الإدراكي المبني على أسس مجتمعية صحيه تتشارك في مجموعها مع مؤسسات المجتمع وزواياه المختلفه سواء الأسرة او المدرسة او الجامعه او حتى قنوات التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي .
ولعل من مدلولات هشاشة الثقافه والتواصل الفكري في وقتنا الراهن سوء اختيار المثل الأعلى للأشخاص وما تعكسه الأفكار والتصرفات التي يحملها على ثقافة الكثيرين ،فأصبح تقليد الفنانين والممثلين أسمى غايات الكثير ناسيا او متجاهلا نوع الثقافة التي ينتمي اليها ذاك الشخص ليمزج ما بين ثقافة لا تتماشى ومجتمعنا وثقافة أصيلة أصلية ،ولا نقصد هنا بتلك التي تتعرض للايجابيات بل على النقيض من ذلك تلك التي تهبط بالمستوى الثقافي دون الحد المطلوب .
ومما لا يمكن إنكاره تأثر شريحة كبيرة من المجتمع بأنماط هابطة من البرامج الاذاعية والموديلات الساذجه سواء تلك المرئية او المسموعه والتي تخاطب الجيل الصاعد منذ طفولته لتضرب بذلك بذرة الثقافة الأصليه لدية .ولا يمكن بمكان وفي هذا الإطار ان نستعرض امثلة على الهبوط الحاد في الاتصال الفكري نظرا لكثرتها وحيث أنها لا تخفى على أحد ،مع التسليم المطلق بأن قسم كبير ممن يمارسون هذه الأفعال لن يقتنع بأنه يمارس أفعالا تعد هبوطا ثقافيا .
ومع هذا وفي المحصلة النهائية لهذا الموضوع يبقى هدف حماية التواصل الفكري والثقافه هو الأسمى بين اهداف المجتمع فلا يمكن أن نتحدث عن مجتمع قوي ومتماسك في ظل هشاشة تواصلة الفكري وانعدام ثقافته الصحيحه وفي ظل نهش الثقافات الغربية السلبيه منها وفي ظل الجهل الثقافي المطبق الذي يحتكم اليه المعظم ان لم يكن الأغلب في ممارساته وحياته اليومية .
نزيف التواصل الفكري بقلم: د. فادي علاونة
تاريخ النشر : 2017-02-20