مصر أولاً
حمادة فراعنة
اذا كان الرئيس اللبناني ميشال عون يتطلع نحو “ مبادرة انقاذ عربية تقوم على 1- استراتيجية محاربة الأرهاب . 2- ايجاد الحلول السياسية للأزمات المدمرة التي تجتاح العالم العربي “ وأن “ الآمال كبيرة معقودة على الدور المصري، للقيام بهذه المهمة “ وطلبها علناً من الرئيس السيسي خلال مؤتمرهما الصحفي المشترك يوم الاثنين 13/2/2017، فلماذا يستغرب وزير الخارجية سامح شكري الطلب نفسه من قبل الصحفيين الأردنيين الذين التقاهم في ضيافة السفير عادل طارق .
لا أحد يملك الاجابة بديلاً عما يمكن أن تقوله القيادة المصرية بهذا الشأن، مثلما لا يستطيع أحد أن يٌعلم القيادة المصرية أولويات مصالحها الوطنية حتى ولو كان من الأشقاء الذين يقرون بدورها الذي صنعته هي لنفسها، ولم يتكرم أحد عليها به، فهو تراث من الفعل والتضحيات ومن صمود في وجه مؤتمرات تعرضت لها، واستنزافات أنهكت اقتصادها وأفقرت شعبها .
الرئيس السيسي، كما نراقب يضع الأولويات الوطنية، في طليعة اهتماماته على ما عداها من اهتمامات دون أن يلغ اهتماماته الأخرى أو يشطبها، حيث لا يستطيع وضع اهتماماته القومية في محاولة معالجة الأوضاع المدمرة الخربة في العالم العربي، وبلاده ترزح تحت وطأة الحاجة والمديونية والعجز في الموازنة، وشعبه يعاني البطالة والفقر وتدني الخدمات .
لقد قادت مصر عبد الناصر حركة التحرر العربية ضد الاستعمار والصهيونية، وقاد السادات مشروع انهاء الحرب وتطبيع العلاقات مع المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي، وكلاهما لم يحقق النتيجة المطلوبة في صعود مصر كي تأخذ مكانتها المستقرة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً كما تستحق مثل البلدان المتقدمة، وذلك يعود لعجز قادتها عن الأهتمام بالأولويات الوطنية التي تهم الشعب المصري، صحيح أن الشعب المصري تعنيه حرية فلسطين واستعادة شعبها لحقوقه، وتعنيه حالة الاستقرار والأمن والطمأنينة لدى البلدان العربية، ولكن ذلك لن يوفر الأرضية لانهاء مشاكلها والتخلص من تخلفها، وما يصنعه الشعب المصري لنفسه هو عبر المدماك الأول، والخيار الصائب، والطريق الوحيد، الذي يقدم لمصر وشعبها التقدم الاقتصادي والاجتماعي المطلوبين، وهو الذي يمنحها القدرة على التقدم السياسي في مساعدة الشعوب العربية كي تتخلص من ثالوثها المدمر : 1- عدم القدرة على استكمال خطوات الاستقلال السياسي والاقتصادي. 2- عدم توافر العدالة الاجتماعية. 3 - غياب الديمقراطية وعدم الاحتكام الى صناديق الاقتراع. هذه العوامل هي التي فجرت ثورة الربيع العربي التي استفاد منها ووظفها لصالحه أحزاب التيار الاسلامي الأكثر تطرفاً والأكثر دكتاتورية، والأكثر تخلفاً من النظام العربي نفسه الذي يتحمل مسؤولية الفشل والتراجع والانحسار الذي نعانيه كشعوب عربية .
بدلاً من التوجه لملامة مصر على غياب الأولويات لديها في الاهتمام بمعالجة القضايا القومية، فلنتجه نحو العنوان الصحيح والحقيقي الذي يتحمل مسؤولية هذا الخراب ؟ فمن الذي دعم تنظيمات التيار الاسلامي في أفغانستان ووظف الدين لمصلحة الولايات المتحدة لمحاربة الشيوعية والاشتراكية والاتحاد السوفيتي ؟ ومن الذي مول دمار العراق واحتلاله واسقاط نظامه ؟ ومن الذي مول الثورة الجهادية التي دمرت سوريا وازالتها كدولة عربية كانت تملك الفرصة للوقوف على رجليها ؟ وبحجة من وماذا ؟ غياب التعددية والديمقراطية وصناديق الاقتراع في سوريا وليبيا والعراق وكأن التعددية والديمقراطية والاحتكام الى صناديق الاقتراع هو الذي يحكم أثرياء العرب وممولي الأرهاب الكاذب باسم الاسلام من طرفهم .
مصر لديها أولويات يقف على رأسها التصدي للارهاب الذي يقتل أبناءها ويدمر مؤسساتها وان لم ينجح كما فعل في الصومال وليبيا وسوريا والعراق واليمن ؟ كما أن لديها الأولوية الأمنية الثانية وهي معالجة مشكلة الاخوان المسلمين، التنظيم الأقوى العابر للحدود، والقادر بشكل أو بآخر على تحريك الشارع والاعلام ضد خيارات نظام السيسي، ومصر فوق هذا وذاك تواجه أزمة اقتصادية خانقة لها الأولوية على ما عداها وهذا ما جعل وزير خارجية مصر كما وصفه أحد الصحفيين الأردنيين على أنه تحدث لهم كخبير اقتصادي أو وزير للاقتصاد وليس وزيراً للخارجية .
وفي هذا المجال يكون الوزير محرجاً أن يتحدث للصحفيين قبل أن يتم اللقاء المتدرج مع وزير الخارجية، ورئيس الوزراء، ورأس الدولة جلالة الملك، ولكنه من باب الضيافة والانحياز لعمله ومهنيته اختار سفيره أن يتم اللقاء، لغياب الوقت الملائم المتوافر بعد لقاءات سامح شكري الثلاثة .
الصحفيون لهم وجاهة البحث عن المعلومة، مثلما لدى الوزير وجاهة حجبها اذا تعارضت مع مهمته قبل أن ينفذها، وفي كل الأحوال، لا شك أن الصحفيين الأردنيين يملكون الانحياز لمصر وهم مثل الرئيس اللبناني يتمنون ويتلهفون لدور مصري يرفع من قيمة العرب ودورهم، ولكن ذلك لن يتم قبل أن يتم احترام العرب لأنفسهم حتى ينالوا احترام الآخرين لهم .
لقد حدد جورج بوش الابن رئيس أقوى وأغنى دولة في العالم، برنامجه أن أمريكا أولاً، والذي ألغاه غزوة أسامة بن لادن في عمليات سبتمبر 2001، الذي دفعه لغزو أفغانستان والعراق وغيرهما، وها هو دونالد ترامب يُعلن أن أميركا أولاً، وسياسته تجاه الآخرين تنبع من خدمة المصالح الأميركية، فكيف لا تكون مصر صاحبة قرار وشعار مصر أولاً طالما نحن الأردنيين نتباهى برفع شعار “ الأردن أولاً “ فشعارات الوحدة العربية جابت الوبال على أصحابها، وهذا لا يعني أنها خاطئة أو مضللة ولكن الوحدة العربية تحتاج لمداميك ومداميكها على المستوى الوطني تحقيق ثلاثة أهداف هي : 1- استكمال خطوات الاستقلال السياسي والاقتصادي، 2- تحقيق العدالة الاجتماعية، 3- اختيار الديمقراطية طريقاً لتداول السلطة وتوسيع قاعدة الشراكة فيها، من دون ذلك لكل بلد عربي ولكل شعب عربي، لن يكون لخطوات التضامن القومي أثر ينقل حالة الانحطاط والانقسام والدمار الى وضع العرب على طريق التقدم والعدالة والديمقراطية أسوة بكل الشعوب المتحضرة .
[email protected]
مصر أولاً بقلم:حمادة فراعنة
تاريخ النشر : 2017-02-18
