("إسحاق حسان" سلاماً علي روحك البريئة)
مازالت الحادثة المأساوية التي تعرض لها الشاب الفلسطيني المعاق عقلياً إسحاق حسان عالقة في ذهني، فرغم من مرور ما يقرب من عام ونصف علي الحادثة التي وقعت في آواخر كانون الأول/ ديسمبر 2015م علي الحدود المصرية البحرية مع قطاع غزة، إلا أن لم تستطع آفة النسيان من مساعدتي علي التداوي من فجعة هذه الحادثة، ويدورشريط أحداثها في ذهني بصفة دورية، وتطاردني تسلسلها، بدايةً من عبور هذا الشاب المعدم أمتار قليلة من الحدود المصرية الفلسطينية البحرية وهو مجرد تماماً من ملابسه، والإشارات الواضحة من جانب حرس الحدود الفلسطيني إلي جانب حرس الحدود المصري بأن هذا الشاب "مختل عقلياً"، ونهايةً بتغليب الأوامر العسكرية علي الضمير الإنساني وإطلاق النيران علي هذا الشاب، كما تطاردني أيضاً براءة هذا الشاب، الذي قرر أن يعبر الحدود المصرية الفلسطينية بمفرده لأستكمال برنامجه العلاجي في القاهرة، بعدما صكت أبواب معبر رفح في وجهه، وأحالت السياسات الرديئة بينه وبين أستكمال علاجه في مصر.
للأسف قسوة وفظاظة هذه الحادثة لا تقتصر فقط علي إنتهاك الضمير الإنساني وذلك لأنها تعكس أيضاً السياسات الرديئة للحكومات المصرية المتواترة في التعامل مع القضية الفلسطينية، وتبرز التناقضات الواضحة ما بين الخطابات الدبلوماسية التي تؤجج المشاعرالوطنية وتحيي القضية القومية العربية وتشير إلي الدعم المطلق للقضية الفلسطينية، وبين الواقع الحضيضي، وهو محاولات السلطة تشييد المزيد من الجدران العازلة بيننا وبين أشقائنا في فلسطين الحبيبة، سواء أكانت هذه الجدران العازلة مادية أو نفسية، كما تجلي أيضاً عنفوان الآلة الإعلامية المصرية في التعتيم علي القضية الفلسطينية، ومحاولتها خلق حواجز سيكولوجية بين أبناء الشعب الفلسطيني وأبناء الشعب المصري.
كما تعكس أيضاً إزدواجية المعايير للحكومات المصرية في التعامل مع روح الإنسان الشرقي مقارنة بالإنسان الغربي، وتتبلورهذه الإزدواجية لدي الحكومات المصرية في عدم الأعتذار للشعب الفلسطيني ومساءلة المتسبب في إطلاق النيران بدم بارد علي الشاب الفلسطيني إسحاق حسان، مقايضةً بما تعرض له الرقيب سليمان خاطر بعد حادث مشابه علي أراضي جنوب سيناء في 5تشرين الأول/أكتوبر1985م، من محاكمة عسكرية والحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة ثم عثر عليه منتحراً في ظروف غامضة، بعدما أطلق النيران علي مجموعة من الصهاينة تسللوا إلي الأراضي المصرية بدون ترخيص سابق، بالرغم من عدم وجود تكافؤ بين الحادثتين، لأن الشاب الفلسطيني كان مختل عقلياً، أما مجموعة الصهاينة الذين تسللوا الحدود كانوا مكتملين الإدراك، إلا أن هذا مثال بسيط علي إزدواجية المعايير المستشرية في سياسات الحكومات المصرية المتواترة.
علي حذو هذه القضية، ها هو الحال بين الدول العربية اليوم، سياسات رديئة، وفرقة لعينة، وضغائن متبادلة، وتوطيد العلاقات مع الغرب علي حساب العلاقات الودية مع بعضنا البعض، استقي كلماتي البسيطة من الواقع الردئ الذي نحيا فيه، وأتساءل ماهي مغبة الفرقة العربية؟ وإلي متي نكون علي رأس قائمة دول العالم الثالث؟ ولماذا أصفق الحكام العرب علي تشتتنا نحن الأمة العربية؟ أسئلة كثيرة تدور في عقولنا ونبحث لها عن إجابات منطقية، غير الإيجابات التي تصدر لنا من قِبل الحكومات التسلطية، سلاماً علي أرواح الأبرياء من إخواننا في الإنسانية.
"إسحاق حسان" سلاماً علي روحك البريئة بقلم:محمد عيسى
تاريخ النشر : 2017-02-18
