كفى لشق شوارع المزايدات
تميم منصور
قبل أن ينهي رئيس القائمة المشتركة النائب أيمن عودة عرض فكرته بإقامة جبهة مشتركة ، مكونة من أطر وشخصيات وطنية عربية ، منها سياسية وأخرى شعبية ، بالاشتراك مع قوى يسارية يهودية ، من حركة ميرتس ومن خارجها ، بهدف التصدي والوقوف في وجه سياسة اليمين الفاشي التي تتسع دوائرها كل سوم ، بقيادة رئيس الحكومة نتنياهو الذي يرى بالمواطنين العرب عدوه الأول ، مدعوماً من كافة الأحزاب اليمينية .
قبل أن تنضح جوانب الفكرة ، تم سحب سكاكين المغرضين من داخل القائمة المشتركة وخارجها ، فجأة تذكر بعض أعضاء في التجمع الذين وصلوا " ترمب " على ظهر القائمة المشتركة الى الكنيست ، ومعهم أعضاء من الحركة الإسلامية أن حركة " ميرتس " هي حركة صهيونية ، وبدأوا يلوحون بأعلام العروبة من جديد ومعها الفلسطينية ، كما أخذوا يتباكون على الاجماع القومي وما الى ذلك من مخزون الشعارات المعهودة والمعروفة .
لقد رفعوا هذه الشعارات على رؤوس سكاكينهم التي شهروها لسلخ جلد القائمة المشتركة ، خاصة بعد أن وجدوا بعض المغرضين الحاقدين على القائمة المذكورة، يجترون كلماتهم ، ان الفكرة التي طرحها ايمن عودة بالعمل المشترك مع قوى يسارية يهودية ، أدت الى المزيد من التقارب في وجهات النظر بين بعض قادة الحركة الإسلامية المعروفين بتشنجهم وبين بعض أعضاء التجمع ، لانهم وجدوا في فكرة رئيس القائمة المشتركة قاسماً مشتركاً آخر يجمعهم ، إضافة الى القاسم المشترك الذي جمعهم منذ خمس سنوات ، وهو مناصبة العداء لمحور المقاومة ، والمشاركة في المؤامرة على دولة الممانعة سوريا .
كلنا نعرف علاقة حركة ميرتس بالحركة الصهيونية ، وكل الذين يدعمون فكرة رئيس القائمة المشتركة يعرفون ما هي الحركة الصهيونية ، ودورها السياسي والإعلامي والعسكري في نكبة شعبنا ، وهذه الحقيقة يعرفها رئيس القائمة المشتركة أيمن عودة ، لكن قصده ونواياه كانت ولا تزال معروفة ، وقد تحدث عن هذا التعاون بحذر شديد ، لكنه لم يكفر عندما قال : بأننا بحاجة الى رص الصفوف ، بالاشتراك مع القوى اليسارية اليهودية لمواجهة أخطار حكومة اليمين التي تزيد من تضييق الخناق حول أعناق المواطنين العرب في الداخل الفلسطيني ، وفي المناطق المحتلة .
ما هي الأضرار في حالة توفر مثل هذا التضامن في التصدي لسياسة التمييز القومي ، وهدم البيوت داخل المدن والقرى العربية ، ومصادرة الأراضي ، ووضع حد لاستمرار محاولات اصدار القوانين العنصرية ، ووقف الاستيطان .
ان مردود هذا الكفاح والنضال المشترك ، يصب في مصلحة المواطنين العرب ، ويثبت وجودهم وتمسكهم في تراب وطنهم ، أكثر مما يخدم مصالح القوى اليسارية ، الصهيونية منها ، وغير الصهيونية .
فالقوانين العنصرية الجديدة ، منها قانون الآذان ، الى سياسة هدم البيوت وقانون إبعاد أعضاء الكنيست ، إضافة الى قوانين مصادرة الأراضي والشح في الميزانيات وغيرها ، جميعها تسقط في خانة المواطنين العرب ، ولا تصيب اليسار اليهودي الا في حالات استثنائية ، فدعم أعضاء اليسار اليهودي لحقوق المواطنين العرب ومعارضتهم لهدم البيوت ومصادرة الأراضي وغيرها تنبع من دوافع أيديولوجية ليس إلا .
ان أي صوت يهودي يرفض هذه الممارسات العنصرية ، أو رفع أي يد ضدها من قبل أي عنصر من داخل اليسار ، جميعها تخدم المواطنين العرب ، في نفس الوقت فهي لا توقف مدهم وانتماءهم الوطني القومي ولا يمكن اعتبارها تدخلاً في حياتهم السياسية ، ولا تشكل أي نوع من الخطر على أحزابهم القائمة ، خاصة القائمة المشتركة ، التي يجب ان تحافظ على وجودها واستمرارها في نفس الوقت يجب التصدي للمزايدين عليها ، ويجب استنكار جميع حالات الطيش السياسي الذي يمارسه بعض أعضاء هذه القائمة دون حذر أو تفكير .
في رأيي أن التعاون مع اليسار بكل مسمياته ، لا يقلل من وزننا ورصيدنا الوطني ، ولا يغّير انتمائنا الفلسطيني ، العكس هو الصحيح ، فإن إقامة اطار متماسك من كافة القوى المعارضة لسياسة الابرتهايد الإسرائيلية سوف يعري سياسة هذه الحكومة أكثر ، وسوف يشجع من مواقف هذا اليسار ويزيد من ثقته بنفسه ، وفي نفس الوقت سوف يزيد من التفاهمات حول نقاط الخلاف التي لا زالت قائمة ، مثل مسألة عودة اللاجئين ، ، ومسألة توحيد القدس وغيرها ، كلنا نذكر فريق كرة السلة الأمريكي الذي زار فيتنام خلال العدوان الأمريكي على الشعب الفيتنامي ، كيف استطاع هذا الفريق تعبيد طريق التواصل بين الشعب الفيتنامي والمواطن في الولايات المتحدة ، وكانت نتيجة هذا التقارب انتهاء الحرب وانتصار الشعب الفيتنامي ، ولا ننسى وقوف الفنانين والمطربين والرياضين اليساريين الأمريكان أيضاً ساعد في الخروج من المستنقع الفيتنامي .
كل من يعرف البعد الحقيقي لفكرة رئيس القائمة المشتركة ايمن عودة يدرك بأنه لم يتحدث عن تحالف استراتيجي بين أعضاء القائمة المشتركة وبين أعضاء حركة ميرتس ، لأن هذا مستحيل ، لم يتحدث عن تحالف أو وحدة حزبية ، إنما الموضوع يدور حول وضع برنامج عمل مشترك للعمل النضالي المشترك ، في الشارع وفي المواقع التي تحدث فيها مواجهات مع أجهزة القمع الإسرائيلية .
نقول لكل الذين لوحوا بسكاكينهم ، واعتبروا هذا الطرح خطاً أحمر قبل مناقشته ، ان بعض قادتهم قد تعاونوا وصادقوا قيادات صهيونية مثل شمعون بيرس الغني عن التعريف ، والمسؤول عن مذبحة قانا الأولى ومذبحة قانا الثانية ، والذي قاد غالبية حروب إسرائيل العدوانية .
والداعم الأول للاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة . أما المستهترين بهذه الفكرة من أعضاء التجمع ، فإننا نذكرهم بالعرس الذي قاده عزمي بشارة ، عندما قرر ترشيح نفسه ليس لإقامة اطار نضالي مشترك مع اليسار اليهودي ، بل رشح نفسه لتولي رئاسة حكومة إسرائيل بمجملها .
بهذا تجاوز كل الخطوط الحمراء بالتعاون مع الصهيونية ، وبعد ان لمع نجمه في وسائل الاعلام ، عقد صفقة مع مرشح حزب العمل في حينه ايهود براك لدعمه ، ولا أحد يعرف حتى الآن ما هو ثمن تراجع عزمي بشارة عن الترشح لرئاسة الحكومة والثمن الذي دفعه ايهود براك له .
في السياسة هناك طرق التفافية وشوارع تٌشق وتعبد باللقاءات العلنية و السرية ، وبالنسبة لقضايانا ومشاكلنا الملحة ، الهامة ، لسنا بحاجة في هذا الوقت لشق شوارع مزايدات ، لأن شراسة اليمين وأنياب نهشه لن ولم تترك لنا الخيارات .
كفى لشق شوارع المزايدات بقلم تميم منصور
تاريخ النشر : 2017-02-17