عنصريّة عربيّة – عربيّة وأكاذيب رسميّة عن الأخوّة والمصير المشترك بقلم:د. كاظم ناصر
تاريخ النشر : 2017-02-16
عنصريّة عربيّة – عربيّة وأكاذيب رسميّة عن الأخوّة والمصير المشترك بقلم:د. كاظم ناصر


مظلومة وحائرة شعوبنا العربية ! كانت شعبا واحدا بآمالها وآلامها قبل أن حوّلها حكّامها إلى شعوب تعيش في دويلات ضعيفة عاجزة عن حماية نفسها ، وفاشلة في إدارة شؤونها ، وظالمة ومضطهدة لشعوبها ، وطاردة للعقل وجاذبة للجهل ، ومجدّدة في قوانينها واجراءاتها .. العنصريّة .. المفرّقة بين أبناء الشعب الواحد ، والمثيرة للبغضاء والأحقاد بين أهل نفس البيت والدين والوطن !

لقد أحاط حكّامنا شعوبهم بأسوار من الجهل والفقر والعنصريّة ، وحرموهم من أبسط حقوقهم ، وبدّدوا ثرواتهم ، ومزّقوا نسيجهم الأجتماعي المتشابه ، وحاولوا قتل إحساسهم الجمعي الوحدوي بسنّ قوانين تفريقيّة هدفها حماية الحاكم وخداع المحكوم وتضليله . المواطن العربي أصيل في وفائه لوطنه وأهله ، ويعرف جيّدا أن بثّ العنصريّة والكراهية بين مكوّناته مقصود ودخيل عليه وعلى ثقافته وأخلاقه ، لكنه الآن مغلول اليدين ، ومسلوب الحرية ، ومصادر الإرادة ، وعاجز عن مقاومة هذا العبث المفروض عليه .

قبل ستّين سنة ، كنا نحلم ونأمل أن نكون أمّة عربيّة واحدة . كان جمال عبد الناصر رحمه الله يمثّل أملنا في وحدة كنّا نؤمن بحتميّة تحقيقها ، وكانت إذاعة صوت العرب تثيرعواطفنا العروبيّة القوميّة الوحدويّة ، وقضيّة فلسطين قضيّة الأمّة ، وحدودنا مفتوحة لكل عربي ، ونحلم ونفرح ونحزن معا . كل هذا أضاعه حكّامنا من أجل كرسي الحكم ... ومشيخة القبيلة ... ، وأوصلونا إلى هذا الوضع المأساوي .

دولنا العربية ... جميعها وخاصة النفطية منها ... عنصريّة بامتياز . كل دولة تشجّع التفرقة بين مواطنيها ، ومنقسمة جهويّا وقبليّا ، وكل قبيلة تدّعي بأنها أفضل وأعلى منزلة من القبائل الأخرى ، والمواطن الذي لا ينتمي إلى قبيلة لا قيمة له ، وحتى لا يحق له أن يتزوج من فتاة قبلية في دول معيّنة لأنه يعتبر دونيّ المستوى ، والعربي ممنوع من دخول أي دولة خليجيّة للعمل ، أو حتي للزيارة إلا بعد حصوله على تأشيرة دخول ومعاناة قد تستمر أسابيعا أو شهورا للحصول عليها .

في دول الخليج لا يسمح للعربي بالعمل إلا بكفيل يتحكّم به ويستعبده ، ورواتب المواطنين فيها على الأقل ضعف رواتب المتعاقدين . أنا أعرف أنه حتى رواتب أساتذة الجامعات والمدارس والأطباء والمهندسين الشهرية لا تساوي نصف مرتبات زملائهم من المواطنين العاملين معهم في نفس المهنة . في معظم الجامعات الخليجيّة ، لا يحق لأستاذ الجامعة المتعاقد شغل مراكز إدارية كرئاسة القسم الذي يعمل فيه أو عمادة الكليّة ، ولا يحق له المشاركة في المؤتمرات العلميّة التي تعقد في الخارج ، وفوق هذا كله فإن جواز سفره يبقى محجوزا في قسم الجوازات في الجامعة للتحكم به وبحركته ، ولا يسمح لأولاده وبناته مواصلة تعليمهم في جامعات البلد التي يعمل فيها .

الموظّفون العرب مهما كانت مراكزهم ومستويات تعليمهم ، ومهما طالت خدمتهم للقطاع الخاص أو العام لا تقاعد لهم ، ولا ضمان إجتماعي ، ولا يسمح لأولادهم بالدخول في المدارس والجامعات الحكومية المجانية ، ويحرمون من العلاج المجاني ويدفعون ثمن علاجهم هم وأسرهم . في دولة خليجية المواطنون يعالجون في المستشفيات في الصباح والمتعاقدون في المساء ، وهناك طريقتين لصرف الأدوية : مجانية للمواطنين ، ومدفوعة الثمن للعرب أو .. الأجانب .. كما يسموّنهم .

هذه الدول تزيد رسوم الدخول ، والخروج ، والإقامة ، والزيارة ، والعمرة ، والحج على العرب والمسلمين الفقراء وتعفي مواطنيها منها . المتعاقد العربي لا يصبح مواطنا فيها أبدا ، ولا يسمح له بالإقامة الدائمة مهما طالت المدة التي يقضيها في خدمة الدولة . أولاد ه الذين يولدون فيها لا يمنحون الجنسيّة ، وليست لهم أي حقوق ، ولا يحصلون على أي إمتيازات بعكس ما تفعله دول العالم . حتى في حوادث السيارات والمحاكم الحق غالبا ما يكون على المتعاقد ، وفي بعض الدول لا يحق للمتعاقد الحصول على إجازة قيادة سيارة إلا بشروط تختلف تماما عن الشروط التي يخضع لها المواطن .

في دول خليجيّة معيّنة تمارس بعض وسائل الإٌعلام المقروءة والمسموعة والمشاهدة الإنتقادات الغير منصفة ، وأحيانا الشتائم والإتّهامات الكاذبة بأسلوب بذيء ضدّ عرب بنوا تلك البلدان التي تشتمهم ، وعلّموا أبناءها ، وعالجوا شعوبها ، وخطّطوا شوارعها ، وأداروا شركاتها ، ودرّبوا جيوشها ، وحتى كانوا سفراءها ودوبلوماسييها في دول العالم لفترة طويلة بعد استقلالها .

إنّنا نملأ الدنيا صراخا عن الأخوّة العربيّة ونحن أول من يكفر بها ، وندعوا إلى التعاون ونضع العقبات التي تبقيه شعارات كاذبة ، ونتكلم عن مصير مشترك لا نؤمن به ، ونكذب عن وطن واحد أقمنا فيه لكل قبيلة دولة نقول عنها مستقلّة .

أما دينيا فإن مشايخنا فصّلوا منه أثوابا برّاقة لتجميل صور حكّامنا الطغاة ، والدفاع عنهم في كل مناسبة ، والدعاء لهم بطول العمر والتوفيق في ... قهرنا ... من أقدس أماكننا ومنابر مساجدنا . إنهم جاهزون دوما لإصدار أي فتوى مخالفة لشرع الله يريدها سلطانهم لدعم حكمه والبطش بنا وخداعنا . انهم يهاجمون ويقصون ويكفّرون من لا يتّفق معهم في تزويرهم للحقائق ويعارض إستبداد " ولي أمرهم " ، ويسخّرون ديننا في إثارة النعرات الدينية والطائفية ، وتبرير .. وأسلمة .. الحروب الظالمة الدائرة في أوطاننا .

حكّامنا مجرمون بحق شعوبهم ، ورجال ديننا ، ومفكّرونا من كتبة السلطان يفلسفون الظلم والتفرقة والعنصريّة ، ويدعمون القبليّة والاقليميّة والطائفيّة ، وشعوبنا ضائعة . التفرقة العنصرية سيدة الموقف في أوطاننا ونمارسها على نطاق واسع ، ونتّهم دول العالم بأنها عنصريّة ضدّنا ظلما وبهتانا ... نحن عنصريون ضد بعضنا بعضا ، وضد العالم ، ولا يحق لنا أن ننتقد غيرنا ... ونتهمه بعنصريّة نحن أساتذة في فلسفتها وتطبيقها !