تداعيات الآغا طوروس في طارسستان(...)بقلم:آصف قزموز
تاريخ النشر : 2017-02-16
تداعيات الآغا طوروس في طارسستان(...)بقلم:آصف قزموز


تداعيات الآغا طوروس بطاريسِسْتانْ(...)
بقلم:آصف قزموز
على سطح كوكبنا المتجدد الجديدْ، الذي بات يُبديء النظم ويُعيدْ، بكل ما بغى أو يزيدْ، ويُبدِلُ الأشياءَ والناس فالاًّ الحديد بالحديدْ، والقديم بالجديدْ، والهِمَم والأمم بالتفريز والتجليدْ، فلا التاريخ يرحم سادةً ولا عبيدْ، ولا العقل والعِلم يشفعان إذا تسيَّدَكَ جاهلٌ مُستولَدٌ أو مُدَّعٍ رِعديدْ.
ففي ماضٍ تولى بآتي الزمانْ، ومدينةٍ تدعى طاريسِسْتانْ( وفي رواية أخرى طعريصِسْتان)، زعموا أن نجاراً يدعى طوروس آغا، تقدم به العمر وطول البقاء في الخدمة، لدى صاحب شركة لصناعة البيوت الخشبية ، فقرر أن يطلب وبإلحاح انهاء خدماته وإحالته على التقاعد كي يستريح من عناء العمل، ويستمتع بما تبقى له من العمر مع أسرته.( طبعاً سلامة تسلمكو، الزلمة مْهَرْهِرْ لا ظايل عندوا صحة يستمتع فيها لأنوا في خريف عُمرُو، ولا أسرة يقضي معها أيام جميلة لأنوا لاولاد كلهم اتجوزوا عقبال اولادكوا وحبايبكوا وِالْحُرْمِه اتيسّرت من زمان واعطتكو عُمُرها، ومثل العادة يا سعادِة، الفُقَرا والمخلصين القابضين على سارية مكارم الأخلاق والسنن الحميدة المتفانيين بعملهُم، دائماً ما بيتذكرو أنفسهم وحقوقهم المكفولة بما في ذلك حق بَدَنهم عليهم، إلاَّ عند نهاياتهم وبعد فوات الأوان، يعني " بعد ما يكون طَقَعها أبو لِحصينيات وْعَشَّرَت"، وعلشان هيك يا سادة يا كرام، إذا بِتلاحظوا، كثيراً ما نقوم بِتَكريم أبطالنا ورموزنا ومبدعينا بعد موتهم، مع أنو من حقهم علينا أن يتذوقوا طعم هذا التكريم في حياتهم، وخلاف ذلك ينقلب التكريم الى تغريم وظلمٌ من جانب المُكَرِّم على المُكَرَّمْ وحقٌ موروث ٌتَحَرَّمْ!!).
على فكرة طوروس، اسم بطل إحدى قصص الكاتب الأرمني المبدع" هاكوب بارونيان". وجبال طوروس في تركيا، هي الوطن الأم لشجر الأرز الآخذ بالاندثار، وهي تتعرض للقطع العشوائي بسبب جشع الناس تحت عباءة سياسات التطوير والتمدن،كحقوقنا تماماً، ناهيك أنها منبع نهر الفرات العابر لسوريا والعراق وغيرها عبور الإرهاب المنظم في شريعة الغابْ.
على كل حال ما علينا، فصاحب العمل مثلما هي عادة أصحاب العمل في بلادنا ولا الحالتين سَوَا وعقبال الضمان الاجتماعي عندنا، اللي جاري العمل عليهْ،إسْمَ الله حُولُه وْحَواليْهْ، حاول أن يثني النجار عن طلبه، ولكن عبثاً برغم استعداده أن يزيد له الأجر مضاعفاً، (طبعاً مش كرم أخلاق وصحوة ضمير لا سَمَحَ الله، بقدر ما هي حرص على عدم نقصان أوفقدان نسبة الأرباح التي كان يقتطعها من تعبِ وعرقِ وجِلدِ طوروس المسلوخ دبغاً بالملح تحت لهيب الشمس المُحْرِقَة)، الحمدالله محسوبْكم نَفَد بْجِلْدُه وإن كان مدبوغ وْمًهْرِ.
عندها قال للنجار:
أما وقد عزمت وقررت الرحيل عن الشركة يا سيد طوروس، فإنني سأوافق على طلبك بالتقاعد، ولكن شريطة أن تنجز لي آخر مهمة سأكلفك بها قبل رحيلك، وبمجرد إنهائها إنت وشطارتك تستطيع الرحيل، وهي أن تبني لي منزلًا يليق بي، وعلى ذوقك مهما كلف من وقتٍ أوثمن، بِدي اياه يكون تُحفِه ومفخرة لي ولك ولكل أهالي طعريسِسْتان (بَلَا قافِهْ)، وستكون هذه آخر مهمة عمل لك في الشركة.
قبل النجار المتعجل الشرط على مضض .وبدأ العمل بأقصى سرعة، لعلمه أن هذا البيت سيكون الأخير في عمله الوظيفي ويرتاح، ولم يعد معنياً بالشركة وما فيها، وكل ما يهمه الآن، الخلاص من الشركة كيفما اتفق، والخلود الى الراحة بأسرع ما يكون.
فلم يُحسن الصُّنع ولم يَفِ البيت حقه، واستخدم مواداً رديئة وأي كلام يا عبد السلام، وأسرع في الإنجاز شلفقة ومن قفا إيدو، يعني هات إيْدَك وِلْحَقْني، زي خلان عيني في الكثير من مؤسساتنا ريتهُم غايرين ويِقصُف اعمارهم انشا الله، الذين استعبدتهم الذات حد الفجور، فجعلوا من الوطن والقضية مرآةِ الأحوالْ وماسيج عَ موبايْلْ، لا يرون فيها سوى أنفسهم وذاتهم المتوحشةِ الجَشِعَة.
المهم، لم يعمل طوروس بالمواصفات اللازمة والجودة المطلوبة، يعني شُغُلْ بَزِّق وْلَزِّقْ، وانتهى من انجاز المهمة في زمن قياسي وأقل الكُلَفْ.
وفي يوم التسليم، بينما كان النجار يسلم مفاتيح المنزل الذي أنجزه لصاحب الشركة، ويَهُم بالرحيل مودعاً، فجأةً يستوقفه صاحب العمل قائلاً:
اسمع أيها الرجل، لقد قضيت سنين عمرك في خدمة الشركة بتفانٍ وإخلاص، وأنت تستحق مني كل تقدير وتكريم فوق كامل حقوقك وأتعابك، لذا كلفتك ببناء هذا المنزل ليكون هديتي المتواضعة لك لقاء إخلاصك وأمانتك، وقد قلت لك أنه لي حتى لا أحرجك وأضمن أن تنجزه في أحسن تقويم يليق بي كصاحب عمل ليكون لك كعامل، فأنت الوحيد الذي تستحقه بجدارة ولن يكون إلاَّ لك ولا أحدٌ سواك سبحان الله شو نيتك طيبة وألله أعطاك على قد نيتك، لذا أرجو أن تقبله مني، وسلَّمه المفتاح.
طبعاً ما تِتخيلوا حجم الصاعقة والمطرقة الكبيرة التي هوَت على رأس النجار كالمَهَدِّة، لأنه بالتأكيد لو عرف أنه كان يفصل منزلاً لنفسه لوضع فيه أفضل ما عنده وجل وقته وإخلاصه، وكل إبداعاته وجهده وإتقانه، وأفضل المواد ومستلزمات البناء، ولما فقد وأفسد احترامه وسمعته التي بناها بتعبه طوال سنين عمله، في آخر إنجازٍ له في الشركة على هذا النحو المؤسف الذي تجَرَّعَهُ. يعني بتقدروا تقولوا أكل كُم طويل قد الآخْرِهْ وخازوق مْبَشَّم شُغُل إيدوا ألله يْزيدوا، عقبال كل اللي زَيُّو.
لكنه هذا جزاء الأناني الذي يفصل لنفسه ما لايفصله للناس، ومن يؤثر نفسه على الآخرين دون وجه حق ويستبد بحقوقهم، على طريقة اللي بيدو المغرفة ما بيجوعْ، مع أنه سرعان ما يسقط على أول كوعْ، في أول مواجهة مع الحق والحقيقة، وعندها أقل ما سيقوله الناس فيه:" إلى حيثُ ألقَت رَحْلَها أُمُّ قَشعَمْ". وان مات" الله يِجْحَمو ولا يِرْحَمو، وْيِحْرِق الجَنْبِ الِّلي انْجَعَى عَلِيهْ".
ليس مهماً أن تبدأ حياتك وطنياً وشريفاً، إنما الأهم أيضاً هو أن تنهي حياتك وطنياً شريفاً. فَحِبّ لنفسك ما تحبه للناس، واكْرَه للناس ما تكرهه لنفسك. عندها تكون مواطناً صالحاً ومؤمناً أميناً.
طيب، هذا ما جرى مع طوروس في طاريسِسْتان. لكن في بلادنا وعالمنا المعاصر، فحدث ولا حَرَج، والله في ناس طوروس بيطلع معاهم نَبِي، خصوصاً عندما نُعطى النفوذ لجاهلٍ أو غَبِي، أوسافِلٍ مُنتَسِبِ.
فما أكثر الذين فصلوا لأنفسهم نفوذاً وهالاتٍ وصلاحياتْ، ودارت الدوائر على رؤوسهم صُرَماً وجِزَماً قديمة وقالاتْ، وما أكثر الكوادر الذين يستأثرون بالثقة الوظيفية، فيحاولون من خلالها تفصيل وتجيير الأمور لذاتهم بذاتهم الحالية والمتوقعة على مقاساتهمْ. حقاً إنهم الجَهَلَة والضيقون الذين لا يتعظون من غيرهمْ، فأصابهم العمى وضاقوا لأصغر من خُرم إبرة بآفاق عقولهمْ. فما هكذا تورد الإبلُ ولا هكذا يُقاد القطيع إن كان الناس قطيعاً. فكيف لا ونحن نشهد ما نشهده اليوم في مصر وسوريا وفلسطين، حيث الإخوان وحماسهم جسّدوا حالة طوروس في طاريسستان بكل المعاني والصيغ والدلالات.
لقد آن الأوان لنا أن نعيد تجليس الهرم ليكون متوازناً على قاعدته العريضة وليس على رأسه المُدَبَّبْ، لأن الهرم له قاعدة ورأس ولا يجوز شَغْل أحدهما لمكان الآخر، تماماً كالبشر، سواء تعلق الأمر بالأفراد أو الجماعات.
علشان هيك تئن بعض مجتمعاتنا اليوم تحت وطأة بعض الممارسات العابثة واللامسؤولة، التي تصب شئنا أم أبينا في خانة التدمير المنهجي المتعمد لبنانا وحقوقنا ومؤسساتنا. فقد تجد البعض لا مانع لديه من تدمير البلاد والعباد لأسباب ومصالح شخصية جداً، وعلشان ما فيش حَدَا يْرُدُّو بروح عابط الشارع والقانون بإيدو أو على قَفا إيدو وكأن الناس مُلك أبوه، فتتعطل لغة الكلام بغياب الضرب على مثل هذه الأيدي العابثة اللامسؤولة. فتتوقف العملية التعليمية أحياناً في فلسطين ليصبح أولادنا في الشوارع، وتغلق المرافق الصحية كذلك إضافة للحواجز والمستوطناتْ، ليموت مرضانا على الطرقات. وهذه أسوأ من الزنا بالذاتْ، وأشبَهُ بالزِّنا بدماء الشهداءِ وكل من ضحى وماتْ.
والله العظيم إني مع التطوير ومع التغيير ومع الترشيد ومع التحديث في كل شيء، لكني أصاب بالدهشة والإحباط حين أرى أن الفردية والفئوية على نحوٍ موسع تطغيان وتتحكمان بالمشهد النازف من دم الناس وقوتهم وتعبهم وحقوقهم. وذلك حين ترى البعض منا يريد التغيير والتفصيل لنفسه ولمن حولَه وحسب، وْلَعِنْ أبو كل الناس من بعدهم، ناسين أو متناسين أن من يزرع السوء والإفساد في البناء المؤسسي والمسيرات الوطنية لحسابات فردية، ربما يلقاه غداً وسَيَضرَس به أبناءه وأحفاده من بعده وستلعنه الأجيال القادمهْ، والصاحياتِ من الأُمَمِ والنائِمَهْ. فتباً وسُحقاً لهؤلاء السَّفَلَة أينما وُجِدوا وفي كل الحقولْ، وعلى جميع خطوط العرض والطولْ ، وساءَوا جميعاً مُستَقراَّ ومصيرا، وجعل الله لهم جهنم حصيرا.
[email protected]