دولة سيناء!بقلم:صلاح حميدة
تاريخ النشر : 2017-02-16
دولة سيناء!بقلم:صلاح حميدة


دولة سيناء!

صلاح حميدة

عرض الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر _قبل عقود_ على الفلسطينيين في قطاع غزة إقامة دولة فلسطينية تشمل القطاع وشبه جزيرة سيناء، رفض الفلسطينيون العرض في حينه وكان في طليعتهم الشيوعيون والإخوان المسلمون؛ وبرز من إخوان القطاع في ذلك الوقت الشيخ أحمد ياسين ومجموعة من القيادات المؤسسة لحركة المقاومة الإسلامية فيما بعد.

تمت إثارة موضوع دولة سيناء بكثافة في الإعلام الرسمي وشبه الرسمي المصري خلال رئاسة الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، و اتهم الرجل بأنه يريد التفريط بسيناء لصالح الفلسطينيين، ولكن الواقع أثبت أن الرجل كان بريئا من محاولة إحياء عرض جمال عبدالناصر.

بعد الانقلاب الذي جرى في مصر قام الانقلابيين بعمليات تهجير وتدمير واسعة جدا على الحدود المصرية - الفلسطينية بحجة تدمير الأنفاق ومكافحة عمليات التسلل والتهريب، أرسل اتساع رقعة الهدم والتهجير رسائل واضحة بأن هذه الجريمة الكبيرة تتجاوز الأهداف المعلنة وأن لها أهدافا أخرى أكبر بكثير.

ذكرت بعض وسائل الإعلام قبل فترة _على استحياء_ أن السيسي عرض على الرئيس الفلسطيني إقامة دولة فلسطينية في سيناء، وأن الرئيس الفلسطيني رفض العرض، ولم يجد الخبر تفاعلات كالتي كانت تتناول الرئيس المختطف مرسي!

شكل تنازل نظام السيسي عن جزيرتي تيران وصنافر المصريتين ثاني خطوة عملية في اتجاه تأسيس دولة سيناء، فإقامة دولة تتحكم بالملاحة البحرية الإسرائيلية غير مقبول إسرائيليا ولا دوليا ولا من الدول الداعمة لهذا المشروع، ولذلك كانت تخريجة التنازل عن الجزر للمملكة العربية السعودية لفك العقدة وللخروج من الحرج، فقد تساءل الكثيرون وقتها عن سبب تنازل نظام السيسي عن الجزيرتين للسعودية، ولكن إعادة إحياء مشروع دولة سيناء حمل الإجابات الواضحة على تلك التساؤلات.

لم يكن الحصار الشرس والتعامل مع قطاع غزة باستعلاء وتعمد إذلال والتنكيل والإفقار لأهله منعزلا عن هذا المشروع، وكان لزاما أن يتم تحضير الغزيين نفسيا لتقبل أي فكرة تخرجهم من هذا الواقع البائس واليائس، وهذا يفسر مسارعة الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية إلى وضع الجمهور الغزاوي أمام حالة مستمرة من المعاناة والاستهداف والتنكيل، وقد كان كاتب هذه السطور قد لفت النظر إلى هذا الموضوع خلال ندوة حضرها قادة سياسيون وصحافيون وكتاب بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014م، وقال وقتها؛ إن هذا هو وقت الانفتاح على القطاع ووقت المصالحة والشراكة السياسية، وحذر من أن الاستمرار في نفس السياسة تجاه القطاع وتجاه المقاومة الفلسطينية ربما يخلق رأيا عاما في القطاع _يتجاوز المنظومة الفصائلية_ ويدفع باتجاه خيارات إنفصالية أو تقبل هذه الخيارات إن عرضت عليه بهدف الخلاص من الحصار والمعاناة.

في هذا الإطار تمت قراءة الانفتاح الرسمي المصري المجزوء على القطاع، ففي الوقت الذي لا يمكن فيه رفض أي تسهيلات تعطى للغزيين ليعيشوا كبقية البشر، إلا أنه من الواضح أن تلك الإجراءات تأتي ضمن سياسة العصا والجزرة لترويضهم للقبول بالمشاريع التصفوية التي تطبخ منذ سنوات، وكان واضحا أن تلك السياسة تأتي في إطار إعادة تعريف العلاقة بين القطاع وبين مصر الرسمية ، وأن من ظنوا أنها تأتي ضمن صحوة ضمير أو في سياق المصالح الاقتصادية لم يكن رأيهم إلا تسطيحا أو عدم إدراك للدور الوظيفي الذي يقوم به الانقلابيون في مصر لخدمة الأجندة الأمريكية _ الإسرائيلية. 

إن إعادة طرح الموضوع الآن بهذه القوة بعد فوز ترمب بالرئاسة في أمريكا نابع من حماسة إسرائيلية للاستثمار بفوزه وبوجود رئيس مصري على استعداد لتنفيذ هذه الأجندة، وهذا يفسر ردة الفعل الدولية والإسرائيلية المحبطة والمستفزة من فوز قيادي من جيل التأسيس على رأس الهرم السياسي للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ففي الوقت الذي ظنوا فيه أن الظروف قد انضجت الفلسطينيين في القطاع لتصفية القضية الفلسطينية أظهرت الانتخابات أرقاما جديدة وصعبة في معادلة الفعل السياسي الفلسطيني.

الأخطر هو ما يجري الآن في الضفة الغربية، فهناك عمل حثيث على بناء المستوطنات، وتهويد القدس، ومصادرة الأراضي، واقتلاع الأشجار، وإعادة إحياء دور ما كان يعرف بالإدارة المدنية، وإعادة تأهيل وإنتاج ما كان يعرف بروابط القرى؛ حيث أصبح بعضهم لا يتوانى عن المشاركة العلنية في مؤتمرات وفي أعياد المستوطنين!

تشخيص الحالة المأساوية لا يكفي، ولكن المطلوب نضوج سياسي ولا بد من خطوات لإنقاذ السفينة التي تغرق، وهذا يتطلب مبادرة من الرئيس الفلسطيني لكونه أب كل الفلسطينيين، مبادرة باتجاه القطاع وتجاه المقاومة الفلسطينية .. مبادرة تجسد مصالحة حقيقية وشراكة لا تقصي ولا تنفي أحدا...مصالحة تطمئن الجميع وترسخ القناعة لديهم بأنهم شركاء في القرار وفي المصير، ومطلوب من المقاومة الفلسطينية ان تتفاعل بإيجابية مع اي مبادرة بهذا الصدد، فأهم خطوة لمواجهة هذه المشاريع التصفوية هي تمتين الصف الداخلي وتقويته والبعد عن المناورات، فعندما تكون قويا من الداخل ستستطيع مواجهة أي استهداف خارجي بسهولة وستستطيع إسقاط كل المشاريع التصفوية بضربة واحدة، وعكس ذلك ستنحدر القضية إلى المجهول ويصبح الشعب نهبا لأصحاب الأجندات التصفوية، وستصبح الحالة الرسمية والفصائلية بلا أي تأثير شعبي أمام انتهازية أصحاب تلك المشاريع وأمام أدواتهم.